المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

الكويت

معرض مشترك لسعود الفرج وعلي جاسم في بوشهري

شارك الفنانان التشكيليان سعود الفرج وعلي حسين جاسم في معرض تشكيلي افتتحه الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين في قاعة بوشهري للفنون, وعلى الرغم من اختلاف التكنيك والصياغة إلا أن الفرج وجاسم اتفقا في مضامين فنية واحدة, لعل من أبرزها الاحتفاء بالتراث في إشراقته الواضحة, وبالتالي الولوج في مناطق فنيّة تهتم في المقام الأول بالإنسان بكل ما يحمله من تطلعات ورؤى.

وجاء هذا المعرض المشترك على سبيل الالتقاء في رؤى موحدة قوامها الإحساس المرهف بعبق التاريخ الكويتي, وبالتالي استشراف رؤى أخرى معاصرة, تبدو فيها الحياة في حيوية متجددة, وتوهج أخاذ, وعلى ما يبدو أن الفنانين قد نجحا في هذا السياق, وذلك بفضل ما قدماه من لوحات تشكيلية عبرت بشكل واضح وصريح عن معالجات لونية لمدلولات حسيّة متحركة, والإتيان بمفردات يدخل في نسيجها الواقع والخيال معًا, وهي معالجات اشترك الفنانان - الفرج وجاسم - في إبراز جوانبها, وتأكيد توهجها على أسطح لوحات المعرض.

وفيما يخص الأعمال التشكيلية التي قدمها الفنان سعود الفرج في المعرض, فإن صياغتها الفنية تناولت جوانب إنسانية متنوعة, وذلك بفضل ما أقدم عليه من استخدام ألوان متوهجة, ومن ثم تحمل مضامين تحول سكون الصورة التشكيلية إلى حركة, وذلك من خلال ربط الواقعي مع الرمزي واستخلاص مفردات إيقاعية وبصرية واضحة, وبالتالي توظيف عناصر مواضيعه في أشكال توحي بالتنوع الدلالي.

وحينما نشاهد الواقعية في لوحات الفرج, فإن ثمة رؤى يجب التأكيد عليها والتي تتمثل في قدرة الفنان على تجديد أفكاره التشكيلية. وذلك من خلال تكوينات لونية, تدفع الأبصار إلى مغامرة حسية ثرية بالمعاني والخيالات.

وكانت الألوان هي العنصر الأكثر إشراقًا في لوحات الفرج, والتي تميّزت بالسيولة والتداخل, ومن ثم التدرج, مما أوجد نوعًا من الاكتمال النسبي في معظم الأعمال,وهو اكتمال يمكن ملاحظته من خلال ما تتوهج به أيقونة كل عمل على حدة, فالفرج استطاع رسم التراث, والحياة, ورؤاه حول الإنسان من منظوره الخاص, بمعنى أنه يرسم ولا ينقل نقلاً مباشرًا مما أظهر لوحاته في أشكال ذات تراكيب فنية متوهجة بالحيوية, والتطلع إلى آفاق تشكيلية خاصة.

واستخدم الفرج لغة تشكيلية, يمكن النظر إليها من خلال تفاعلها مع الصور الفنية, التي تزدحم بالتراكيب العقلية. وتكشف عن تقنيات جديدة, تعمق الصلة بين الألوان, وعناصر الأعمال, مما أدى إلى ربط مجموعة من المفاهيم بعضها بعضا في تدرج فني أخاذ يتبدى فيه الإحساس الصادق بالتراث, والبيئة الكويتية, ومن ثم تتضح من خلاله كشوفات تتماثل فيها الرؤى, وتصعد في أكثر من اتجاه.

إن الفرج يرتكز - في لوحاته - على الموروث المحلي إلى جانب استخلاص ملامح تجربته من مؤثرات اجتماعية, تجنح - في معظم الأحيان - إلى ترجمة الواقع إلى صور تشكيلية تستدعي الذاكرة بأكبر قدر من الإيحاء, مما أسهم في إثراء الأداء التشكيلي, وتواصله الدائم مع القديم والجديد معًا, وبالتالي توليد مفردات متوهجة ومتناغمة مع ما يطمح الفنان إلى الوصول إليه من أفكار يدخل في نسيجها الاحتفاء بالواقع, بأكبر قدر من المعاني.

كما بدت علاقة الفرج بلوحاته علاقة حميمية, وذلك بفضل اعتماده على ضربات فرشاة خفيفة في بعض الأحيان, وعميقة في أحايين أخرى, وهي طريقة تحتم علينا التأكيد على التناسق اللوني والفكري في هذه اللوحات, وتفاعلها مع مراحل كشفية متنوعة. وعبرت الأعمال التشكيلية للفنان علي حسين جاسم عن فيض حسي استخلصه الفنان من الألوان المائية التي يتقن استخدامها, وبالتالي ظهرت الأفكار في منولوج داخلي يمكن قراءة معانيه من خلال مخزون فني طرحه جاسم في أشكال فنية تشي بدلالات بعيدة الأغوار.

واعتمد جاسم في طرحه لأفكاره التشكيلية على منح اللون علاقات جديدة, وتوليد شحنات من الأحاسيس في نسيج كل لوحة على حدة, وبالتالي فإن حدة الألوان وتنوع دلالاتها أسهما في إيجاد ضوء متحرك يناوش الأسطح الخارجية للأعمال ويمنحها إيقاعات تشكيلية مرنة ومتدرجة.

وجاسم الذي يرسم البورتريهات بطريقة متقنة, ولديه ميل متجدد في استخدام الألوان المائية, استطاع في هذا المعرض المشترك, التركيز على مدلولات تراثية, تبدو فيها المفردات المحلية متوهجة بالحيوية, ومتناسقة مع قدرته على تحويل مفرداته التشكيلية من مجال الرؤية المباشرة, إلى مجال أكثر اتساعًا وحركة. لنجد أنه قد نحا بلوحاته إلى مجالات فنية موائمة لتطلعاته في استقصاء أبعاد جديدة في تعامله مع الألوان المائية.

وأظهرت لوحات جاسم جدلية التأثر والتأثير بفضل طرحه لتراكيب لونية قادرة على إيجاد إيقاعات تبعث الدهشة. بعدد من المفارقات, وبالتالي توظيف الصورة التشكيلية بأكبر قدر من التكثيف والإيحاءات, وهي قدرة حرص الفنان على أن يُضمّنها بالعديد من الأفكار المستوحاة - في الأساس - من توهج الألوان المائية وتدرجاتها على أسطح اللوحات.

وكانت الرؤية البصرية في لوحات جاسم متفاعلة مع نسق تشكيلي تتضح حدته كلما اقتربنا أكثر من هذه اللوحات, وهو نسق أظهر خصوصية الفنان, ومجالاته الفنية التي يتحرك فيها, ومن ثم إبراز مشاهد تشكيلية عميقة الأثر على ذائقة المتلقي, وذات إطارات إنسانية جذابة, مما يعكس (فرجة) تشكيلية, يمتزج في نسيجها الواقع مع الخيال, في تكنيك لوني واضح.

وما يمكن تأكيده أن جاسم استطاع - من خلال أداء فني سريع - الوصول إلى رؤى متنوعة في دلالاتها وأشكالها, ومتناغمة مع ما يود طرحه من أسئلة ومواضيع تشكيلية متباينة في معالمها.

مدحت علام

القاهرة

محمد علي بعد 200 سنة
هل تتكرر تجربة التحديث?

كثيرًا ما يتردد فى الأدبيات التاريخية وصف (محمد علي) بالحاكم الاستبدادى, الذى مارس تحَكمه فى كل شيء, واستغل المقدرات البشرية والمادية للمجتمع المصرى, وللبلاد التى حكمها, فى سبيل تحقيق (مشروع شخصى), من خلال تطبيقه لنظام حكم قائم على المركزية, ويستند إلى سلطة رجل واحد, تساعده طبقة (بيروقراطية) تدين له بالولاء والطاعة الشخصية, وترجع إليه فى كل شيء, وتنفذ كل أوامره وتوجهاته فحسب. وأنه لم يكن لأحد أن يعارضه, أو يراجعه فى أى أمر من الأمور أو القرارات التى كان يصدرها, وبالقدر نفسه لم يكن لأحد أن يتصرف بنفسه أو يأخذ المبادرة دون موافقته..

لكن هذه الأحكام وسواها لابد أن تجد من يراجعها بعد مائتي سنة من تولي محمد علي حكم مصر, ولذا كانت القاهرة والإسكندرية على موعد مع مؤتمرين كبيرين ناقشا سيرة عصر التحديث وفي بعضها رأينا عيون الرضى تتمنى عودة ذلك العصر, فيما لم يرحم البعض الآخر سلبيات تلك الحقبة. ففي حين تناول ناصر إبراهيم آلية صناعة القرار عند محمد علي, كتب مُهند مبيضين عن المؤرخين الشوام والحكم المصرى بين رؤاهم له وتقويمهم إياه, وبحث محمد رفعت الإمام دور النخبة الأرمنية فى تجربة محمد علي, وغير بعيد عن ذلك التماس سبر محمد حافظ دياب عصر محمد علي في علاقته بالجماعة السان سيمونيه, ومفاهيم وفرضيات هذه الجماعة, كما قدمها رائدها المفكر الفرنسى سان سيمون (1760-1825), أما علاقة محمد علي بالأراخنة القبط فانبرى لها مجدي جرجس, وعادت لتجربة محمد علي فى الشام (1831-1841) لطيفة سالم, وحول التغيرات الاجتماعية ـ الاقتصادية فى عصر محمد علي استفاض فتحى محمد إبراهيم الذي درس كيف حاول محمد علي أن يحل مشكلة التراكم الذى يحتاج إليه للتحديث من خلال تنظيمات أساسية مختلفة, وعلى هذا نصب نفسه المسئول الوحيد لملكية الأرض, وأقام صناعات جديدة مملوكة للدولة على أسس احتكارية وكذلك احتكار الدولة للتجارة فى معظم الحاصلات الزراعية وكذلك معظم التجارة الخارجية للبلد والكثير من التجارة الداخلية. وهو الأمر الذي استكمل تقيييمه عبد الوهاب بكر في بحثه عن حكومة محمد علي والخبرات السابقة التى استعان بها محمد علي لتنظيم إدارته, وشكل الجهاز الإدارى فى عصره قبل سنة 1837, فاستعرض إنشاء الدواوين والأقلام التى كان ينشئها محمد علي ثم يلغيها أو يغير مسماها أو اختصاصاتها كل حين, ما يبين أن الرجل مع هذا كان يستخدم أسلوب (التجربة والخطأ) فى إدارته الحكومية.

ولم يفت الباحثين دراسة علاقة مصر بالخليج فى عهد محمد علي واستعرضها عبد الواحد النبوي حيث كان اتصال مصر بالخليج خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر نتاجًا مباشرًا للوجود المصرى فى الجزيرة العربية إبان تلبية محمد علي لدعوة السلطان العثمانى لاستعادة نفوذه فى أرض الحرمين الشريفين, فعندما استطاع محمد علي الاستيلاء على مكة والمدينة التقى به سلطان بن صقر شيخ القواسم وكان آل سعود قد عُزل عن رأس الخيمة, وأرسله محمد علي كسفير إلى السيد سعيد بن سلطان حاكم مسقط, وقد طلب منه محمد علي تأجير عشرين سفينة لنقل المؤن والذخائر من مصر وكتب سعيد بن سلطان إلى طوسون بن محمد علي يعد بتقديم العون. وكان من نتائج دخول القوات المصرية الدرعية بقيادة إبراهيم باشا فى 1818 أن أصبحت الإحساء تحت سيطرته, كذلك القطيف على ساحل الخليج وترك فيها إبراهيم باشا حامية تحت إمرة خليل أغا, وأصبحت موانئ إمارات الساحل العمانى تحت رحمة القوات المصرية. والشأن الخارجي أيضا قرأناه في ورقة صبري العدل عن سياسة محمد علي تجاه القدس منذ أن احتلها فى عام 1831م وحتى خروج قواته من الشام. أما الشئون الداخلية بتوتراتها فقد تعرض لها أكثر من باحث, فعن الأقباط فى عصر محمد علي كانت ورقة شيرين صادق, وعرفنا كيف كانت للأقباط - ولا سيما الطبقة الوسطى منهم - على مر العصور وفى عصر محمد علي بصفة خاصة مهارة فائقة وشهرة بلغت الآفاق فى أشغال الصاغة والنجارة وتربية النحل, بالإضافة إلى قيامهم بالوظائف الحكومية الإشرافية فى مجال الصناعات المحلية والوظائف الإدارية والكتابية فى الدواوين. وبعد أن قام محمد علي بفتح السودان, تقلد الأقباط الوظائف الصغرى فى مديرياته. فيما تساءل خالد فهمي عن كون محمد علي مؤسسا لمصر الحديثة أم مؤسس حكم وراثى? وفي رؤية مبتكرة عن محمد على ومشروعه قدم خالد عبد المحسن بدر رؤية نفسية اجتماعية لا تبحث عن رسم صورة وردية (للحاكم بأمره), وهى صيغة تاريخية جديرة بتأملنا العميق بكل ما تنطوى عليه من (بانوراما استبدادية) لا نجد لنا مفرا من تبريرها تارة باسم تحقيق العدالة, وتارة باسم أن ذلك أفضل من الفوضى, وتارة باسم (القائد الملهم) وتارة فى ضوء أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان, وتارة باسم أن الدنيا كانت خواء وأنه مضطر إلى ذلك لأنه يبدأ من الصفر. لقد كان التوجّه الإصلاحى لمحمد علي بكل ما ينطوى عليه من ترسّم لملامح مستقبل أفضل يمتزج بمكيافيلية ذات مذاق خاص وتسلطية لا يمكن التهوين من شأنها تدعم الأنا التى ترى مشروعها ذاتيا بقدر ما هو ذو نفع عام, ويرتكز نجاح هذا المشروع على التوازن بين الإصلاح كغاية فى حد ذاته والإصلاح كقناع مكيافيللى شديد الذكاء لتحقيق حلم شخصى.

وكان من المثير إعادة اكتشاف عصر محمد علي فى الوثائق الايطالية حيث قدم جيوزيبى كونتو دراسة تحليلية لبعض الوثائق الإيطالية الموجودة فى أرشيف وزارة الخارجية الإيطالية, ضمن عدد كبير من الأبحاث غير العربية. أما عن حضور محمد علي خارج مصر والمشرق العربي فقد تركز في أكثر من ورقة, منها محمد علي وقضية الجزائر وقدمها أبو القاسم سعد الله, ومدرسة مصرية فى باريس خلال عصر محمد علي لعبد المنعم إبراهيم الجميعى, وصورة الآخر الروسي فى الكتابات التاريخية المصرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر لمحمد صبري الدالي فضلا عن رؤية لمحمد علي بين الواقع والخيال من خلال قراءة فى رواية نيفين يسرى (قسمة) القدر العجيب لمحمد علي باشا الكبير قدمها محمد بغدادي, كما تناولت مها جاد الحق صورة محمد علي عند المستشرقين وفى الكتب المدرسية والمتاحف المصرية. وإذا شئنا الدقة فإن هذه الأوراق قد طرحت ـ معًا ـ من الأسئلة أكثر مما قدمت من إجابات, وهذا يشير إلى ثراء الموضوع الذي تخطى تأثيره مصر المحروسة إلى أكثر من بلد وقارة حولها.

مصطفى عبد الله

الدار البيضاء

وداعًا جون فاولز

(اكتب إذا أردت لأنك تحب أن تكتب وليس لأنه يجب عليك أن تكتب). جون فاولز

ودعت المغرب جون فاولز الروائي الإنجليزي المتميز عن عمر يناهز 79 عاما بعد معاناة طويلة مع مرض القلب. كان رجلا منعزلا عن الأضواء يرفض مخالطة حلقة النخبة المثقفة اللندنية. ما كان يهمه أكثر في كتاباته التعبير عن صراع الإنسان لنيل حريته الوجودية وما يبذله لأجلها من طاقة مقاومة قد تهدر لكنها تجعله يحتك بأسرار وتعقيدات الحياة. لا يقدم فاولز أجوبة مقنعة لكنه يولّد الأسئلة أحيانا تبدو متاهية بينما هي في جوهرها ليست سوى تعقيدات الحياة نفسها.

لم تكن كتابة فاولز الروائية جافة بل هي اشتغال ذهني وهوس بتركيبات سردية وسفريات متخيلة في أعماق الانسان المتواري خلف ستارة التاريخ, أو الانسان الحاضر المترامي في دوامة محيطه الاستهلاكي والعدمي.

يقول فاولز عن روايته الشهيرة ( عشيقة الضابط الفرنسي): (بدأت حكاية هذه الرواية منذ عدة شهور كصورة بصرية. امرأة تقف على حافة رصيف مهجور تنظر إلى البحر, ذلك كل شيء. وذات صباح انبثقت صورة هذه المرأة في ذهني وأنا مازلت في السرير نصف نائم, وهي صورة لا تتواصل مع أية حادثة فعلية في حياتي (أو في الفن) يمكن أن أذكرها, مع أني لسنوات عديدة اعتدت أن أجمع كتبا غامضة ومطبوعات منسية, كل أنواع الكتابات المهملة في القرنين أو ثلاثة القرون الماضية, رفات حيوات سابقة, وافترضت أن هذا يجعلني دائما في نوع من الاحتشاد الكثيف, يمكن من خلاله أن تنفذ صورة كهذه إلى شاطئ الوعي, وما أن نبتت البذرة, فإن على العقل والمعرفة والثقافة أن تبدأ في رعايتها لتنمو, فأنت لا تستطيع أن تخلق عالما بالفطرة الحامية ولكن بالتجربة الباردة).

يكتب فاولز كما لو أنه يرعى أشجارا أو زهورا بحب وصبر وسكينة. ينتقل من مشروع إلى آخر دون أن يتمم أحدها مانحا نفسه حرية صناعة حدائق متعددة وغابات مدغلة. لا يحب ازعاجات الحياة اليومية التي قد توقفه عن الكتابة لعدة أسابيع. وما أن ينتهي من رواية ويبعث بها إلى الناشر حتى يحس بالتعاسة لأن جميع الشخصيات بالنسبة له قد ماتت: (أكره اليوم الذي أرسل فيه المخطوطة إلى الناشر, لأن الناس الذين أحبهم قد ماتوا في ذلك اليوم. أصبحوا ما هم عليه, متحجرين, حفريات لأجسام على الآخرين دراستها, ويسألونني ماذا أعني بهذا أو ذاك ? ولكن ما كتبته هو ما عنيته, وإذا لم يكن واضحا في الكتاب فلن يتضح بعد ذلك).

ولد جون فاولز في 31 مارس 1926 بمدينة إسكس جنوب شرق انجلترا. كان والده تاجرا للسيكار وعمه جامعا للفراشات وبعض أقاربه مزارعين في كينيا. كان والده مهووسا بالطبيعة ربما لهذا السبب كان فاولز عاشقا متعصبا للطبيعة ومدافعا شرسا عنها. درس في أكسفورد الفرنسية والألمانية وكان للغة الفرنسية وكتابها الوجوديين (سارتر وكامو) كبير الأثر في خلفيته الفلسفية في كتاباته. انضم إلى البحرية الملكية البريطانية لمدة سنتين لكن دون ممارسة. ثم انتقل إلى التدريس فتنقل بين إنجلترا وفرنسا واليونان مدرسًا للغة الإنجليزية تارة واللغة الفرنسية تارة أخرى.

يعتبر (جامع الفراشات) 1963 أول مخطوطة لكتاب حقيقي يبعث به إلى ناشر. القصة تحكي عن شخص مضطرب الشخصية حزين ومنعزل يلتهمه عشق امرأة لا يستطيع مواجهتها بحبه فيضطر لاختطافها مودعا إياها في سرداب مجهول في محاولة منه للتقرب منها ونيل حبها.

تجسد الرواية المواضيع الأثيرة لدى فاولز أهمها مقاومة الفرد لنيل حريته الجسدية أو النفسية أو الفنية لتحقيق جزء من رغباته لكنه يفشل غالبا في ذلك. كما وظف أيضا وببراعة الازدواجية الوجودية بين الأنا والآخر, والنحن والهؤلاء. ولعل المدينة المتصارعة دينيا وسياسيا التي ترعرع فيها كانت الهشيم الذي بقي يزود الكاتب بموضوعات الصراع الوجودي ضد مقولبات الحياة الاجتماعية التي تفرض فرضا ثم تتحول إلى مذاهب تسفك من أجلها الدماء.

جعلت هذه الرواية فاولز في مصاف الروائيين المرموقين, فقد ضمن بإيراداتها المباشرة وغير المباشرة (الرواية حولت إلى السينما) أن يبتعد عن مهنة التدريس ليتفرغ للكتابة.

في سنة 1969 أبدع روايته (عشيقة الضابط الفرنسي) التي نقلت بدورها إلى فيلم سينمائي ناجح وقد نالت عدة جوائز أدبية. بعدها تتابعت كتاباته : البرج العاجي 1974- دانييل مارتن 1977- مانتيس 1982.وقد ختمها بمذكراته سنة 2003.

لم تترجم حسب علمي المتواضع إلى العربية غير روايتين لجون فاولز هما: جامع الفراشات سنة 1963 والساحر سنة 1974 وكم نتمنى لو أن دار الهلال تعيد طباعتهما ليتمكن القارئ العربي المعاصر من قراءتهما.

سعيد بوكرامي

الجزائر

أسئلة الهويّة في الخطاب السردي

كثيراً ما يشكو الناس في الجزائر من الإمحال الثقافيّ الذي يضرب المجتمع الجزائريّ فلا ترى النّاس يُعْنَوْن بالثقافة إلاّ بالمقدار الذي لا يُثلج صدراً, ولا يَسُرّ نفساً; وخصوصاً إذا انصرف الوهم إلى الثقافة المكتوبة الثقيلة; فإنّ النّاس يعزِفون عنها إلى الثقافة الخفيفة السطحيّة التي تُمْتعهم وتدخل السرور على أنفسهم دون أن يُعْنِتوا أنفسَهم في المتابعة والمثاقفة والمعاناة كالاستماع إلى المحاضرات, وكالمشاركة في شهود النّدوات والإسهام فيها بالتعقيب والمساءلة والإضافة. هذا أمر. وأمّا الأمر الآخر الذي قد يكون أسوأ من الأوّل فإنّ الْمُشْرفين على الثقافة في كثير من مستويات المسئوليّة عنها, لا يكادون يُعيرون العناية اللاّئقة للفعاليات الثقافية لترقية أذواق النّاس وتهذيبها, وتطوير المعرفة الرفيعة في عقولهم ابتغاءَ تنويرِها; ذلك بأنّهم إن نظّموا فعالية ثقافيّةً مالوا إلى الموضوعات السطحيّة الهزيلة, فيخرج النّاس من شهود تلك الفعالية خاوِيِي الوِفاض, فارغِي الجراب; فيكون قيامُ تلك الفعالية مثلَ عدَمِها, حذوَ النعلِ بالنعل.

وفي هذا الفراغ الثقافيّ الموحش الذي يوجد لدينا دأبت جامعة بشّار الفتيّة على تنظيم ندوة دوليّة كلّ سنتين عن موضوع السرديّات, وعن الكتابة الفنيّة بوجه عامّ; فكان موضوع هذه الندوة في الطبعة الفارطة هو (سؤال الكتابة), في حين جاء موضوع النّدوة العربيّة لهذه السنة التي انعقدت بجامعة بشار في الأيام الأخيرة تحت عنوان: (أسئلة الهويّة في الخطاب السرديّ).

ولقد أسهم في فعاليات ندوة السرديّات لهذا العام عددٌ جَمّ من الباحثين من مختلف الجامعات العربيّة والجزائريّة معاً, وممن شارك فيها -مع حفظ الألقاب - كمال الرياحي من تونس, ومحمد عبيد اللّه من الأردن, وكلٌّ من مصلح عبد الفتاح النجار, وشهلا العجيلي من سورية, ونعمت خالد من فلسطين... بالإضافة إلى عدد من الجامعيين الجزائريين المتخصصين في النقد الروائي مثل محمد بشير بويجرة, وأحمد يوسف, وعبد القادر شرشار, ووَدْناني بوداود, والحسن كرّومي... مع مجموعة من الكتّاب الرّوائيّين أمثال السائح الحبيب وكاتب هذه السطور...

والحقّ أنّ الموضوع الذي عُولج بإلقاء المحاضرات المتبوعة بالمناقشات الرصينة هو من الأهمية بمكان كبير; فالكتابة الروائيّة العربيّة لم تزل تعالج هذه الإشكاليّة, وخصوصاً مسألة الآخر واصطراعه مع الأنا, أو مع نحن على الأصح. فالهوية العربيّة الإسلاميّة, أو الهوية الوطنيّة, واصطراع نحن مع الآخر, ومحاولة إثبات الذات في هذه الجدليّة, وخصوصاً في هذا العصر الذي تهجم فيه العولمة على كلّ القيم الوطنيّة المحلّيّة التي لا تتماسك الهوية إلاّ بها, وفيها, ومن خلالها...

وعلى أننا لا نريد أن نتحدّث, في هذه الكلمة, عن مفهوم الهويّة في حدّ ذاته الذي هو في أصله مفهوم فلسفيّ متداوَل في نظريّة المعرفة منذ العهود الأولى لتاريخ الفلسفة, وقد انزلق أخيراً إلى المفاهيم النقديّة الجديدة فأصبح جزءاً من مصطلحاتها... لا نريد أن نخوض في أصل هذا المفهوم وتطوّره, لأننا لو جئنا ذلك لاستحالت هذه الكلمة إلى مقالة طويلة, بل ربما إلى كتاب...

لكننا نريد فقط أن نعرض بالإشارة الخاطفة لموضوع هذه الندوة وهو سؤال الهوية في الكتابات السردية العربية... ولعلّ ذلك أن يكون بإثارة مساءلات عنها, أكثر من تقديم جَوابَات لها, إذْ: هل ينصرف الشأن إلى سؤال الهويّة للذّات في نفسها? أو هو سؤال عن منهجيّة تُفضي إجراءاتُها إلى إثبات هذه الذات في الكتابة السرديّة? أو هو سؤال ينصرف طوراً إلى هذه, وطوراً إلى تلك? بل قل: هل هو سؤال عن مضمون الرواية العربيّة برمّتها فنطمح إلى التميّز فتكونَ متفرّدة في نفسها, معالِجَة لقضايا الأمّة, ومركّزة, خصوصاً, على ما يوحّدها ولا يفرّق بينها, وعلى ما يُسْنِد ظهرها الْواهِنَ, وعلى ما يُثْبتُ أصالتها من بين الأمم الأخرى فلا تذوب فيها, بل تتفرّد عنها لكي تُبدع ثقافة كبيرة تُسهم في الرصيد الثقافيّ الإنسانيّ الشامل?...

إنّه لَيُفترَض أن ينصرف مفهوم الهويّة إلى شيء مساوٍ لجوهر نفسِها; وما تكون طبيعتُه كذلك, إن سلّمنا به, فقد لا يفتقر إلى مُساءلات تثارُ من حوله...

غير أنّ الظروف التاريخيّة التي تعرّضت لها الأمّة العربيّة في القرون الأخيرة أفضتْ إلى نسيان بعض الشعوب العربيّة لهويتها فأصبحت إما جاهلةً لها فهي تبحث عن هوية, أو هويات, أخرى تُقيم بها شخصيّتها على العهد الراهن; وإمّا عارفة بها, ولكنّها استُلِبتْ منها فهي تحاول استرجاعَها والدفاعَ عنها, ولو على هون ما...

ولعل الكتابة السردية خيرُ ما يتناول هذا الضرْب من السؤال عن جوهر الذات, والأرومة, والقيم الوطنيّة, والمصير...

وإذن, فليس هناك جنسٌ أدبيّ أقدرَ على التعبير عن الهويّة وبلورتها والدفاع عنها, أو البحث عنها لاسترجاعها بعد استلاب, أو بَلورتها وتَنْضِيرها بعد رُنُوقٍ وشحوب, كجنس الرواية.

وقد تكون الرواية العربية بعامة, والرواية الجزائرية بخاصة, أكثر الكتابات إيلاعاً بمعالجة هذه الهويّة والتركيز عليها. ذلك بأنّ الشخصيّة الوطنيّة في الجزائر تعرّضت للمسخ والاستلاب, كما هو معروف, على عهد الاستعمار الفرنسي بشكل شنيع. ولذلك كان ردّ الفعل لدى الروائيين الجزائريّين قويّاً في كتاباتهم التي عالجوا فيها جملة من الثوابت الوطنيّة مثل السيادة المستلَبة, والنضال من أجل استرجاعها, بالإضافة إلى الدفاع عما استُلب من مكوّنات الهويّة الوطنيّة أصلاً, فكانت أوّلَ أمرها, وخصوصاً الرواية الجزائريّة ذات اللسان الفرنسيّ, التي اضطلعت بدور جيّد أثناء الثورة الجزائريّة لِلَفْت الأنظار إلى نضال الشعب الجزائريّ من أجل حريته السياسيّة... فلما جاء عهد الاستقلال اضطلعت الرواية الجزائريّة ذات اللسان العربيّ, وهي الأغلب في الكتابات الروائيّة الجزائريّة المعاصرة, بدور الدفاع عن قيمٍ وثوابتَ لم تعد صنوتها المكتوبة بالفرنسيّة قادرةً على الدّفاع عنها, ومنها: عروبةُ الجزائر وإسلامُها وأمازيغيَتها, وهي المكوّنات الثلاثة للهويّة الوطنيّة...

يبقى أن نذكر أخيراً أنّ ندوة أسئلة الهوية في الخطاب السرديّ العربيّ تُوِّجت بتوصيات تدرُجُ في السّعي إلى ترقية موضوعات هذه الندوة وتوسعة المشاركة فيها لكبار النقاد العرب والأجانب المتخصصين في النقد الروائيّ...

عبدالملك مرتاض

القدس

أسطوانة غنائية فلسطينية
لأشعار بيرم التونسي

على الرغم من تأثره بمدرسة الفنان الخالد سيد درويش في الغناء واللحن, وعلى الرغم من كونه امتداداً فنياً لمدرسة (صابرين) في الموسيقى والغناء, إلا أن السامع للألبوم الغنائي والموسيقي الأول للفنان وسام مراد يجد فيه صوتاً جديداً في الفن الغنائي داخل فرقة (صابرين) التي ينتمي إليها وفيها تربى.

في ألبومه الأول يجد السامع انه أمام فنان غنائي وملحن محترف يشق طريقه بقوة في عالم الفن, حيث اكتسبت أغنياته وموسيقاه عمقاً خصوصاً في طريقة الغناء وتقنية اللحن من حيث العزف والتوزيع. وقد جاء العمق الفني انعكاساً لإيمانه بأهمية الكلمة والجملة اللحنية والآلة الموسيقية, فكل شيء يجب أن يكون له معنى, ولإيمانه من جهة أخرى بأهمية الإحساس العاطفي بالكلمات واللحن.

جمع الفنان المقدسي الشاب في ألبومه بين أربع أغنيات, وأربع مقطوعات موسيقية على غير عادة الفنانين الذين اعتدنا أن نرى لهم إما ألبوماً غنائياً أو موسيقى فقط, وربما يعود ذلك إلى شخصية الفنان كملحن ومؤلف موسيقي, كون الفنين الغنائي والموسيقي فنين تعبيريين عن حالات إنسانية داخلية.

إنها بداية موفقة في (من بعد) للفنان الشاب وسام مراد (30 عاماً) شقيق الفنان والموسيقي المشهور سعيد مراد أحد المجددين القلائل في الموسيقى الفلسطينية المعاصرة, وهي بداية طيبة بدلالة اختيار الفنان وسام مراد, أشعار بيرم التونسي الذي لحن له الكثير من الملحنين خصوصاً سيد درويش, والتي جاءت موضوعاتها إنسانية تجمع ما بين الحب والعاطفة, والوفاء للفن الأصيل والدعوة الإنسانية والغزل الذي يجمع في ثناياه الحس الصوفي والوجودي والرمزي.

لقد عمد مراد إلى قصائد غنائية باللهجة المصرية لم تغن من قبل, وجد فيها نفسه من باب قربها منه كفنان متأثر بفن سيد درويش وكشاب عاطفي للجمال والعاطفة مكان لديه.

في أغنيات وسام جمال الصوت ورشاقة اللحن والإحساس بالطرب المتصل بالإحساس الإنساني وعمق الخيال.

تصرف الفنان وسام مراد في الغناء تنغيماً للحروف ومدها, فكانت مجالاً لإبراز جمالية صوته وقدرته على الغناء, وعلى إبراز إحساسه بالكلمات واللحن.

لروح الشيخ سيد درويش

من بعد موته بعام
طلعت لنا أقوام
حطوا عليه مكدام
وقالوا فنه قديم
قديم وسوقه بار
وشغل طبلة وطار
وشبعانين ادوار
وشبعانين تقسيم
هو القديم يا قوم
يقدم في ليلة ويوم
هو بصل ام ثوم
ولا بلح ابريم
ده فنه لو ينذاع
وف تسجيلات يتباع
لتصبحوا صياع
ما تكسبوش مليم
أنا عشقت بكام?
ونا هويت يا سلام
ومنيتي دي غرام
أروح معاها غريم
هو العظيم يا ناس
في أرضكم ينداس
والتافه الهلاس
نشبعه تكريم?

يسخر بيرم التونسي من الذين روجوا أن فن سيد درويش أصبح قديماً بعد رحيله بعام, ويصف رأيهم فيه, في حين يرد عليهم بقسوة ذاكرا انه لو هناك بث لأغانيه لما وجدوا سوقاً لأغانيهم. وقد لحن وسام مراد معظم القصيدة تاركاً الأبيات الأربعة الأخيرة, وقد كان حقه أن يكملها كلها. وبالطبع تكشف الأغنية من منظور الفنان المقدسي التي لحنها عام 2005 بعد عقود من رحيل سيد درويش تعلق الأخير بالمؤسس, عرفاناً له ووفاءً للفن الأصيل من خلاله في ظل فوضى الغناء العربي التي تميز عصرنا الآن.

وفي اغنية اخرى عتاب من بيرم التونسي لسكان الأرض في زمانه, حيث العلاقات الدولية المضطربة والحروب والاستعمار, أخذ شكلاً رمزياً من خلال عقد مشابهة بين الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والأعاصير وما يحدث في عالم الإنسان من حروب ونزاعات, مذكرا ببهائها وحنانها, وأنها, أي الأرض, صاحبة عطاء وجمال وثمر.

تحسين يقين

أصفهان

مشاركة مع مدينة حلب
أصفهان عاصمة ثقافية للعالم الإسلامي

بدأت أصفهان الاحتفال بانتخابها كعاصمة ثقافية للعالم الإسلامي لعام 2006 برفع أعلام كل الدول الإسلامية السبع والخمسين في أكبر ميادينها التاريخية تزامنًا مع عيد الأضحى المجيد.

وجاء منح هذا الوسام على صدر أصفهان (مشاركة مع مدينة حلب) بعد مكة المكرمة من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي نظرًا لدوها البارز في صياغة وإحياء الفكر الإسلامي المبني على الوسطية والتسامح والاعتدال وطوال عمرها الذي تجاوز السبعين قرنًا.

ولم يأت هذا التكريم لأصفهان بسبب دورها الحضاري العريق فحسب بل لأنها أنجبت واحتضنت كوكبة من المفكرين والأدباء الذين لم يدخروا وسعًا في بناء صرح الحضارة الإسلامية ولكونها تمتلك مقومات المدنية والازدهار فحيثما تمشي في أزقة أصفهان تقرأ على جدرانها صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي سطرها كبار العلماء في مختلف الفروع الدينية والأدبية والفلكية والصيدلانية وغيرها, وهي لا تباهي بماضيها التليد بل تملك أدوات التطور التي تجعلها تحتفظ بهذه المكانة لقرون مقبلة كنجمة وضاءة في سماء الفكر الإنساني والإسلامي.

سفراء الدول الإسلامية في إيران شاركوا في انطلاق الاحتفالات التي بدأت في ساحة (نقش جهان) وسط اصفهان برفع أعلام هذه الدول لتبقى ترفرف على مدار السنة كرمز لمشاركة أبناء الأمة الإسلامية في صناعة تاريخ ومجد هذه المدينة التليد.

من وقائع الاحتفال بالعاصمة الثقافية الإسلامية ما تشهده أصفهان خلال شهر مايو حيث يقام المهرجان الدولي لدراسة حضارة المدينة وتراثها الإنساني برعاية أكمل الدين أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وبحضور نخبة من مفكري ومؤرخي العالم الإسلامي ليسلطوا الأضواء على هذه العاصمة العريقة ويشرحوا مكانتها في خضم التاريخ الإسلامي.

وتكفلت جامعة أصفهان بدورها بإقامة العديد من الندوات الأكاديمية والعلمية لدراسة أبعاد هذه المدينة من ناحية نسيجها المعماري وأوابدها التاريخية والدور الذي لعبته كمركز لتعايش الأديان السماوية واحترام المعتقدات الإلهية حيث المساجد تحتضن الكنائس.

كما ستقام ندوة حول الوزير الشاعر الصاحب بن عبّاد تشهدها جامعة أصفهان لتكريم هذا الأديب العبقري الذي عاصر المتنبي وكان من أكبرشعراء القرن الرابع الهجري حيث له العديد من الرسائل في نقد قصائد المتنبي ويقال إنه اضطر إلى الهجرة إلى البصرة فحملت كتبه أربعمائة ناقة, من المؤمل أن يعاد طبع ديوانه بحلة قشيبة تزامنًا مع هذا الحدث.

تقع مدينة أصفهان في قلب إيران, وعلى بعد 414 كم جنوب طهران العاصمة, وتتميز أصفهان بمناخها المعتدل وفصولها الأربعة المنتظمة, وتنفتح في الجزء الشمالي على مناطق فسيحة مما أفسح المجال لهبوب الرياح الباردة نحو المدينة, وأما الناحيتان الجنوبية والغربية, فتحيط بهما المناطق الجبلية, وتتصل الناحيتان الشمالية والشرقية بالسهول, وعليه فإن أصفهان تشهد اختلافًا في درجات الحرارة في الفصول المختلفة, ويعد نهر (زاينده رود) أهم نهر يجري وسط إيران ليغطي منطقة واسعة في محافظة أصفهان طولها 360كم, فيروي الأراضي الواقعة فيها. تعتبر مدينة أصفهان منطقة جبلية نسبيًا, ويبلغ ارتفاعها حوالي 1500 متر فوق مستوى البحر, وتمتد فيها الجبال من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي, ومن جملتها جبل (صفه) المطل على المدينة وتغطيه الثلوج في معظم الأحيان.

إن خلفية أصفهان التاريخية وعراقتها توازي قدم إيران, وينسب بناؤها إلى (طهمورث) ثالث الملوك البيشداديين وكانت نقطة التقاء الطرق الرئيسية للمواصلات, واتخذها الملوك الأخمينيون مقرًا لإقامتهم, وقد عدها (استرابون) الجغرافي اليوناني قبل ألفي سنة مركزًا لبلاد إيران. إن دخول الإسلام وانتشاره في أصفهان وتأثير الثقافة الإسلامية وكذلك وجود الفنانين الإيرانيين دفع إلى تكوين إحدى أجمل المدن الدينية في العالم والتي ضمت مظاهر ثقافية كالمساجد والمآذن والمدارس.

وتحولت أصفهان في العهد البويهي (القرن الرابع الهجري) إلى عاصمة مهمة للعلوم والثقافة والفنون وذلك بفضل العالم الأديب الصاحب بن عباد, فتوجه إليها العلماء والفنانون من شتى أنحاء المعمورة, وفي ذلك الوقت تم إنشاء سور حول المدينة بلغ طوله 21 ألف قدم. وواصلت أصفهان مسيرة التقدم والازدهار حتى أصبحت ذات حضارة مجيدة ومعمورة في عهد الملوك السلاجقة غير أنه لحقت بها خسائر فادحة إثر حملة المغول مما قلل من شأنها وأهميتها. ويمكننا اعتبار أصفهان مركز الفنون اليدوية والتراثية الإيرانية دون أي مبالغة, حيث قدمت الأيدي المبدعة لأهلها آثارًا فنية منقطعة النظير طوال القرون المختلفة نتيجة ذوقهم الرفيع وإحساسهم المرهف, أما الفنون التقليدية والصناعات اليدوية الأصفهانية المعاصرة, فهي امتداد للفنون السائدة في العصر الصفوي ويبدعها الأساتذة البارعون, فتحظى بإعجاب هواة الفن وعشّاقه من داخل إيران وخارجها.

سمير أرشدي





من أعمال الفنان سعود الفرج





لوحة للفنان علي جاسم





من إصدارات المجلس الأعلى للثقافة تزامنا مع احتفاليته بمحمد علي





غلاف ألبوم (من بعد)





أصفهان: محاريب وابواب ومقرنصات من الفن الخالص