محنة الشعر أحمد محمد آل خليفة

    محنة الشعر

شعر

أذلك راع يقتفيه قتامٌ؟

يسير وحيدًا والرياح جهام

أراع بلا حنان لقد حرت بأمره

كطيف تراءى والعيون نيام

بلى إنه شخص رمته فدافد

وأضناه في المسرى طوى وأوام

تدثر بالصحراء حتى ثيابه

تدلى عليها عرفج وتمام

وفي زنده رحل وفي كفه عصا

وفي الوجه من حر الهجير لثام

فقلت أيا هذا أراك بقفرة

تهيم وأشباح الظلام زحام

فهل أنت في هذى المفاوز تائه

ومن تاه من ذا الدهر ليس يلام

أم أنك لغزٌ لم تحل رموزه

وسر من الأسرار ليس يرام؟

فقال أنا ياصاحبي كنت شاعراً

له في مجرات النجوم مقام!

فلما رأيت الشعر قد هان قدره

وصار ببخس في الكساد !

نحرت على قبر امرئ القيس ناقتي

وقلت لها إن المسير حرام !

نحرتك من بعد القريض لأنه

يعاديه من هم في الأنام...

لقد أنكروا إعجازه وبيانه

وأغراهم الغث الحديث فهاموا

ومن ينكر الشمس المنيرة في الضحى؟

ويعشى عن الأقمار وهي تمام ؟!

وللشعر في الماضي جلال لأنه

له في قلوب العارفين ضرام

اذا ما تأتى للقبيلة شاعر

رأيت احتفالًا للنبوغ يقام!

وتعتز من أشعاره فكأنه

بكف الكماة الدارعين حسام

فكم ذلَّ قوم من هجاءات شاعر

وكم منه قوم بالمديح تساموا

أرى ( المتنبي ) ساخطًا في ضريحه

وقد رجفت من جانبيه عظامٌ!

وصار ( أبو تمام ) يهرق حبره

ويبكي على الأقلام وهي حطام !

فكم صدرت في كل يوم وليلة

دواوين شعر مالهن ختام

تضيق بك الأنفاس إما قرأتها

ويعروك منها وحشة وسقام

متى (بحتريا) ثانيًا نحتفي به

يجيء لتصحو من رؤاه نيام

ويبعث فينا بالرياح صواعقا

ليهطل من بعد الرعود غمام!

وينبت عشبًا في القرائح أخضرا

وينجاب من حر الهجير قتام

وفي الشعر روح العاشقين تحسها

اذا ما طفا وجد وهاج هيامٌ!

فما زالت الدنيا تضيء بنوره

وإلا فلا هز القلوب غرام!!

إذا خلت الدنيا من الشعر والهوى

على الأرض والفن الجميل سلام!!