كأن يدي تلامس كهرباء الغيب محمد علي شمس الدين

كأن يدي تلامس كهرباء الغيب

(1)
جاءوا مع الفجر العميق إلى الجبال فأشعلوا
دمهم على أحطاب موقدهم وقاموا
وجدوا منازلهم تسافر في قطار الموت
والأرض الصغيرة دونهم تطوى
كما يطوى الغمام
دارت عليهم دورة الأفلاك
والشمس التي انقسمت إلى قسمين:
تثبتهم وتنفيهم
كأن وجوههم في الظل آنية
وهجرتهم زحام
سبعون عامًا: كهفهم دمهم
وحارسهم من الموتى ضرام
وأنا الذي ناديتهم فتراجع المزلاج
قلت : أمر نحو ديارهم
وأقول إن فتحوا: صباح الخير..
أوقد نارهم
وأصب زيتًا في القناديل التي ظمئت
وأطفأها الظلام
ودخلت..
كان الباب جفنًا مغمضًا كالسر
( لم يفتح )..
ولكني دخلت:
صرير هذا الباب يرعبني
فأوشك أن أعود
ويستبد بي السقام
ويدي تلامس كهرباء الغيب:
هل شبح هناك تصيبني عيناه
أم يثب الصدى كالهر نحو خطاي
أم أني رحلت وهم أقاموا؟
ونظرت:
ها إني أرى شجرًا تجمع في ثقوب الباب يدعوني
وأسمع نقطةً للماء تنقر سطحهم
وأرى خطاهم في ا لحديقة مثل طير آمن تتفقد الأعشاب
لكن الحديقة مثل مائدة تجمع حولها الأحياء والموتى
وخمرتهم كلام
وسمعت رنة صوتهم في الريح
لكن المدى قفر
وطائرهم يدق على النوافذ:
بعضه صوت
وأكثره حمام
وورودهم أعلى من الجدران
لكن القبور خفيضة
والماء يجري في جداولهم فتزدحم الزهور على الضفاف:
أجنة حمراء تفترش الحديقة
والعظام هي العظام.

(2)
رحلوا فمن ذا يقرع الأبواب؟
هل يدهم تمر على السحاب؟
أم أن عاصفة الجبال تدق صدري كالذئاب؟
كنا يتامى خائفين
وبيتنا وكر الغراب
واللوز أخضر
والسماء تصيب عابرها بسهم العندليب
كنا كما رسم الزمان على الصليب
متعانقين وجرحنا أحد
وزهرتنا دماء..
نقر على جسدي؟
سأفتح قبل أن تتوغل الظلماء فينا
ولو أنها عادت لتسأل عن أماكنها الأخيرة
سأقول : سيدتي، دم الياقوت أظلم في الظهيرة
وأمد كفي نحو خصلتها الجميلة في المغيب
وأضمها:
"يا خصلة الذهب الأخيرة لا تشيبي".

 

محمد علي شمس الدين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات