أتعاب (قصة مترجمة)

أتعاب (قصة مترجمة)
        

          - لم تكن عذراء يا دكتور... (1)

          - من الممكن يا سيدتي, أنا لا أشك - بالطبع - فيما تؤكدين, لكن التقرير الطبي...

          - أي تقرير يا دكتور! لن يستطيع أحد إقناعي قط بأن الحلاق سوبيانتا, الأبكم المتغابي!, أو الجزار مارتينيث بوسعهما القيام بهذا الفحص, أتراهما درسا علم التشريح..? أتراهما..?

          - لك ما تشائين يا سيدتي, بيد أن مأمور القسم, من خلال ممارسة مهام عمله الشاق ومن منصبه النبيل, استند إلى أسباب صحيحة بتعيينه مجربين لسرعة فحص المغتصبة, وقانون العقوبات في باب الجنايات, المادة 72 منه - إن لم تخني الذاكرة - يخول في بعض الحالات كالتي نحن بصددها, أنه في حال عدم وجود متخصصين على مسافة خمسة كيلومترات, والحقيقة أنه كان ينبغي أن ينص على تعيين نساء, لكن ما يحدث هو أن الأشخاص الذين هم من جنسك يا سيدتي, ومعذرة في التعبير, لا يرغبن العمل في...

          - نعم, نعم يا دكتور. أنا أتفهم ذلك, ربما كنا أكثر نبلا...آه معذرة!

          - هل تعتقدين أنه إن لم تكن إهانتك قد مستني كما فعلت الآن مهما كانت حالتك النفسية, إنني كنت لأعتقد أنك تحاولين إهانتي مع سبق الإصرار والترصد?!

          - لقد اعتذرت لك, أعود وأكرر اعتذاري - نهاية الأمر يا دكتور, أنا لا أفهم شيئًا البتة, ومع ذلك فأنا أعتقد أنه كان يجب على مأمور القسم البحث عن أشخاص آخرين أكثر تأهيلاً, وأكثر خبرة, لا أن...

          - لقد فاض بي الكيل يا سيدتي بما توعزين به, لذلك فأنا أحذرك (أنت وأفراد أسرتك) من تجاوز حدود اللياقة والأدب في حق السيدين اللذين يعملان تحت التجربة واللذين فحصا الفتاة القاصر التي اغتصبها ابنك. ومع الأسف, فقد أعلن أخوك منذ أيام على الملأ في كانتين سيفيريانو أكو ستا أنه لا يجد تفسيرًا لكيفية فهم الجزار مارتينيث للبكارة, وهو الذي لم يعرف سوى بكارة الأبقار, وكيف يفهم الحلاق سوبيانتا ذلك وهو الذي لم يرَ حتى بكارة زوجته, لأنها لم تكن كما كان ينبغي أن تكون عندما تزوجها, أنا لا أفعل سوى تكرار كلماته, وأخشى يا سيدتي أن يقوم هذان السيدان الغاضبان برفع دعوى جنائية ثأرا للكرامة والشرف, وربما يُزج بأخيك وبك شخصيا في قضية.

          - آه, يا للهول!

          - ومن المحتمل جدًا, حسب معلوماتي, أن يكونا قد أقاما الدعوى, وأظن أن زميل دراستي الموهوب الدكتور مارتيو يقوم الآن بمساع لدى عمدة الدائرة لكي....

          انخرطت المرأة في بكاء وصراخ, يحاول المحامي الآن تهدئتها.

          - ثم طريق للنجاة يا سيدتي.

          - أي طريق?

          - أن يتزوج ابنك بمن فُضت بكارتها.

          - أنت تعلم يا دكتور أن ذلك ليس ممكنًا, فهو متزوج.

          - وهذا يزيد من خطورة الموقف أمام القانون يا سيدتي, القانون يا سيدتي.

          - وحتى لو لم يكن متزوجًا, كيف يمكن لابني دييجو أن يتزوج من فتاة بها ما تشاء من الميزات, بما فيها الجمال! لكنها مرت بكل رجال القرية!

          - سيدتي...

          - نعم يا دكتور, يجب أن أوضح الآن الحقيقة, وليكن ما يكون, فحتى أنت ضاجعتها يا دكتور, وهذا أمر لا يخفى على أحد, ويتحدث عنه كل أهل القرية.

          - سيدتي! ليكن في علمك أنه في مقدوري...

          - أي شيء في مقدورك يا دكتور!

          - إطلاق سراح ابنك.

          - كيف?

          - آه!

          - المسائل القانونية شيء معقد يا سيدتي كمعادلات الإغريقي ديوفانتو الشهيرة: إن أحكامها لا حصر لها, وأحيانا, أحيانا يمكن العثور على حكم سهل جدًا....

          - أرجو أن توضح ما تقول.

          - الأمر شديد البساطة. بوسعي أن أطلب من موكلي, والد الفتاة المغتصبة, أن يتنازل عن القضية, وبوسعي أن أطلب من السيد المأمور, الذي تم تعيينه في منصبه بتزكية مني (ولا أقول ذلك فخرًا) بوسعي أن أطلب منه تمزيق ملف القضية أو إسقاطه, هه? أي شيء من هذا القبيل! كل شيء له حل, وهكذا يمكن إطلاق سراح ابنك غدا, بعد غد, أو حتى اليوم! لم لا?

          - افعل هذا يا دكتور! أرجوك! حياتي, كل حياتي...

          - لكن هذا له ثمن بطبيعة الحال يا سيدتي. أتعابي....

          - أتعابك يا دكتور? ومن أين لي بها? أنت تعرف جيدا حياتنا البائسة وتعلم علم اليقين أننا نعيش من عمل ابني دييجو: أنا وابنتي اميريتا وزوجته وأولاده السبعة, من أين ندفع لك يا دكتور?

          فحقل الكاكاو الصغير - 1600 متر مربع, وهو الوحيد - أفسدته مكنسة الساحرة, قضت عليه أمراض الكاكاو, لا نجني منه شيئا, وفوق ذلك فهو مرهون.

          أتى المحامي بإيماءة شاردة وبطيئة....لا, ليس هو الرجل الذي يهمه المال, المال? ياه! ليذهب المال إلى محبيه, إلى الذين يعبدون ذلك الإله الجديد مولوخ, إله الذهب!

          ألمح إليها ذلك بمهارة.

          حدست المرآة ما يريد. ثم أدركت ما يريد تمامًا.

          - آه, تريد الفتاة, تريد أميريتا, أخت المغتصب, لابد أن تغتصب, أليس كذلك? نوع من قانون العين بالعين والسن بالسن...

          أوضح لها المحامي المسألة. لا, لم تكن هذه طريقته لتقاضي أجره, كل ما هناك أنه اغتنم الفرصة ليعالج موضوعًا كان يريد حسمه مع العائلة منذ فترة بعيدة, فلم يكن سعيدًا في حياته الزوجية, آه, لا! على النقيض, كان تعيسًا جدًا, لم تكن زوجته على وفاق معه, وكان مشروع الطلاق ناضجًا, ولو كان غير متزوج, لكان قد تزوج أميريتا, فهي فتاة جديرة بالاحترام! فتاة أهل لأن يتزوجها ملك, لا أن يتزوجها هو, فهو لا يزيد عن كونه محاميًا مسكينًا متواضعًا, يهيم على وجهه في شوارع تلك القرية القليلة الموحشة, المظلمة, المجهولة! لو كان يستطيع لتزوجها, طبعا لتزوجها! لكن كان لابد من استباق الأحداث, ومن التأكد, فالنساء ربما يقعن في حب....و....

          بكت العجوز, ولم تفعل شيئا آخر غير البكاء, كانت أمًا مسنة تعيسة لا تعرف إلا البكاء.

          نهض الدكتور ليودعها وقد أصابه الضجر, فالسيدة سوف ترد على أسئلته ويتحدثان ويتواصل الحديث.

          جففت العجوز دموعها وانصرفت.

          عقد بالبيت اجتماع سري بين النساء الثلاث: الأم واميريتا وخوانا زوجة السجين, أحاط بهن الأطفال السبعة جاهلين ما يحدث, ولكنهم كانوا آذانا صاغية.

          أووه, كان أمرًا مستحيلاً! كيف حدث هذا يا إلهي!

          كانت وجهة النظر واحدة.

          كانت ثم حيرة في صمت خوانا المتأمل, ربما كان حلاً للمشكلة في مهدها, أو استرضاء القربان في عيني أميريتا السوداوين اللامعتين.

          مرت الأيام. خيم على البيت جو كئيب وثقيل. وبدأ الطعام يتناقص.

          لم يكن لديهن من المال ما يمكنهن من استدعاء طبيب الدجل ليعالج طفلا سقط مريضا: كن يداوينه بشراب أعشاب لا نفع فيها, يجمعنها في منتصف الليل.. كان الطفل نصف ميت, يموت متقلبا في فراشه.

          جعلت خوانا تنظر إلى أميريتا بغيرة خفية, أخذت تقارن قوامها النحيل, الذي قوضه حمل وولادة الأطفال السبعة والإجهاضات الأربعة, بقوام الفتاة الممشوق, وتشعر بأنها تموت, بأنها أسوأ حالاً من الطفل.

          حدست أميريتا الحقد الذي تكنه لها زوجة أخيها, أدركت أنه حقد عظيم, كما لو كانت هي - لا ثمن حرية زوجها وحسب - بل وسبب حبسه, بل وأيضا سبب مرض الصبي.

          أخذت تتعقبها.. تتجسسها.

          ذات مساء, وفيما كانت أميريتا تستحم, فتحت خوانا باب الحمام بشكل فظ.

          توقفت عند عتبة الباب تتأمل العارية التي قامت بمحاولات يائسة لستر جسدها بيديها من نظراتها.

          - كم أنت أنثى رائعة يا أميريتا! يجب أن نلتمس العذر للدكتور سيركادو..!

          أخذت الأيام تمر ثقيلة.

          كان المأمور قد أعلن أن التحقيقات باتت على وشك الانتهاء, وأن ملف القضية سيرسل في غضون أيام قليلة إلى جواياكي, إلى قاضي التحقيقات.

          قررت أميريتا أخيرًا الاستسلام للأمر.

          توجهت مساء يوم إلى منزل الدكتور سيركادو دون أن تخبر أحدا.

          أحسن المحامي استقبالها, وضرب لها موعدا في مكتبه بعد نصف ساعة.

          قال لزوجته وهو يهم بالانصراف إلى اللقاء:

          - أخيرا ستدلي أخت دييجو بينتو بأقوالها, أتتذكرين? الوغد الذي اغتصب ابنة صديقي خيسوس فلوريس, لم تكن الكلبة تريد الإدلاء بأقوالها, وكان لا بد أن تتكلم: قامت بدور القوادة لأخيها.

          قررت الاعتراف الآن خوفا من تهديدات مأمور القسم. لا بد أن أكون هناك فورا. لن أعود الآن. ليكن الأطفال نصب عينيك!

          قبل زوجته. قبل الأطفال. داعب الكلب وانصرف.

          عندما وصل إلى مكتبه, تقاضى أتعاب مهنته كما ينبغي: شيئا من الألم, وشيئا من المتعة, ورذاذا من دم.

          عندما عادت أميريتا إلى البيت, اقتربت من زوجة أخيها وأسرت في أذنها:

          - كل شيء على ما يرام!

          لا شيء أكثر من ذلك. لكن خوانا فهمت وابتسمت شاكرة. وعندما تمكنت من الانفراد بها والحديث معها, عرضت عليها خدماتها كامرأة ذات خبرة في مسائل ما بعد ذلك.

          - يجب وقف النزيف في المقام الأول.

          ***

          كان الدكتور سيركادو رجلاً يفي بما يقول: أطلق سراح دييجو بينتو نهائيا في اليوم التالي, وفُقد ملف القضية إلى الأبد. لكنه كان لا بد من تسوية الشكاوى التي قدمها الجزار مارتينيث والحلاق سوبيانتا, الرجلان اللذان يعملان تحت التجربة.. هذان الرجلان.

          معادلات ديوفانتو مرة أخرى.

          تم إنفاق بعض المصروفات.

          حقل الكاكاو الصغير الذي أفسدته مكنسة الساحرة وأمراض الكاكاو - الذي تبلغ مساحته 1600 متر مربع الوحيد - انتقلت حيازته إلى الدكتور سيركادو الذي قام بدفع المصاريف.

          كان لا بد من توجيه الشكر له أبدا - فلن توفيه العجوز حقه من الشكر والدعاء ما بقي لها من أيام! - لأنه تعهد بدفع أقساط رهن العقار بسخاء كلما واتته الفرصة.

---------------------------------------------------
(1) يطلق على المحامي لقب دكتور.
------------------------------------
* قاص وروائي إكوادوري.
** كاتب ومترجم من مصر.

 

خوسيه دي لاكوارا *