الحاسوب والخصوصي... هل يحفظ الكمبيوتر السر؟ عادل ريان

الحاسوب والخصوصي... هل يحفظ الكمبيوتر السر؟

قديمًا قالوا إذا أردت أن تفشي سرا فبح به لامرأة، والآن يقولون إذا أردت أن تفشي سرا فأودعه حاسوبًا! فهل يفشي الحاسوب الأسرار؟ وكيف يحدث ذلك؟ وهل سيتحول الحاسوب كأعظم اختراع عرفته البشرية إلى نمام كبير؟!

في أبريل 1987نشرت مجلة "تايم" الأمريكية مقالًا حول موضوع التقنية وإفشاء الأسرار واستعرض كاتب المقال فيليب إيلمر قضية العقيد أوليفر نورث التي شغلت الرأي العام الأمريكي طوال عام 1987- كمثال على عدم حفظ الحاسوب للأسرار - فقد واجهت لجنة التحقيق العقيد نورث بالملفات والرسائل الإلكترونية التي تثبت تورطه فيما عرف في ذلك الوقت بفضيحة إيران - كونترا فقد غاب عن نورث أن هناك نسخًا احتياطية backup من هذه الملفات والرسائل يقوم الحاسوب بتخزينها ويظل محتفظًا بها حتى مع تدمير الملفات والوثائق الأصلية، وحتى في حالة عدم وجود مثل هذه الملفات الاحتياطية فإن الملف الذي تتم إزالته يمكن استرجاعه بشكل أو بآخر ما لم تتم كتابة ملف آخر في المكان المخصص له على وسيط التخزين. وانتهى كاتب المقال إلى أن خصوصية مستخدمي الحاسوب ما زالت تحتاج إلى قدر أكبر من الحماية.

ولا شك أن الحاسوب قد ساعد في حل كثير من المشاكل التي تواجه المجتمعات البشرية وإنجاز العديد من المهام التي لم تكن لتنجز لولا وجوده واستخدامه، ولا شك أن بنوك المعلومات والحواسب الآلية تمثل جزءًا ضروريا في حياة الأفراد في معظم المجتمعات لما لها من قدرات فائقة في إعداد وتشغيل البيانات والمعلومات، ولولا هذه الآلة لما استطعنا أن نقوم بالحجز على شركات الطيران في سهولة ويسر، ولما تمكنا من استخدام بطاقات الائتمان المصرفية، والحاسوب أيضًا هو الذي مكن الشرطة الأمريكية من معرفة وتحديد الجاني في حادث أو كلاهما الذي وقع قبل عدة شهور حيث تمت تغذيته بأقوال الشهود وبياناتهم عن الجاني فقام برسم صورة له تشبه إلى حد كبير صورته الحقيقية، الأمر الذي أدى إلى ضبطه بعد ساعتين تقريبًا من وقوع الحادث.

إن هذه المزايا وغيرها يقابلها جانب آخر في استخدام الحاسوب يطلق عليه البعض الجانب المظلم للحاسوب، هذا الجانب يتعلق بالمشاكل الناجمة عن استخدامه ومنها اقتحامه للخصوصية.

ومن يتتبع نشأة الحاسوب واقتحامه لحياتنا اليومية يلاحظ أن إحساس المجتمعات الحديثة بتهديد الحاسوب لخصوصيات الأفراد قد بدأ منذ منتصف الستينيات وهذا أمر طبيعي لأن التقدم التقني، خاصة في مجالات الاتصالات والحاسوب يتم النظر إليه دائمًا -برغم فوائده- في علاقته وتأثيره على خصوصيات الأفراد. وبالرغم من أن تأثير التقدم التقني على خصوصيات البشر قد بدأ قبل ظهور الحاسوب فإن المزايا المرتبطة باستخدام الحاسوب قد أبرزت أثره على خصوصيات الأفراد.

يختلف مفهوم الخصوصية والمجالات التي تشملها من مجتمع لآخر، فما يعتبر عامًا في مجتمع ما قد يعد شديد الخصوصية في مجتمع آخر، وهكذا الحال بالنسبة للأفراد، حيث تختلف نظرتهم للخصوصية باختلاف نشأتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومستوى تعليمهم وغيرها من الخصائص.

وبشكل عام يمكن القول إن خصوصيات الأفراد ينظر إليها على أنها الحق في أن تدع الفرد وشأنه وألا تتدخل في حياته الخاصة وألا تستخدم بياناته الشخصية وأسراره استخدامًا غير قانوني، كما تشمل أيضًا تحكم الفرد وقدرته على رقابة المعلومات والبيانات التي تخصه. وما دمنا نتحدث عن اقتحام الحاسوب للخصوصية فإن الجزء المتعلق بالبيانات الشخصية يعد غايةً في الأهمية لأن كشف بيانات الأفراد واستخدامها ضد هؤلاء الأفراد استخدامًا خاطئًا يعد اقتحامًا لخصوصياتهم.

وتظهر مشكلة الاقتحام هذه من أن بنوك المعلومات يتم ربطها عبر الشبكات المحلية للبيانات أو الشبكات الخارجية التي تغطي مساحاتٌ جغرافيةٌ كبيرة (عدة مدن داخل القطر الواحد أو بين عدة دول) والتي يطلق عليها، Wide Area Networks وذلك للحصول على المعلومات والبيانات بشكل أسرع لاستخدامها في أغراض متعددة. وعند القيام بعملية الربط هذه تعتبر المعلومات الموجودة في مكان ما متاحة للاستخدام بواسطة الآخرين في أماكن أخرى الأمر الذي يخشى معه إساءة استخدام هذه المعلومات من قبل الأفراد الذين يستخدمون الحواسب الآلية المرتبطة بهذه الشبكات، كما أن مجرد الاطلاع على بيانات الآخرين يعد في حد ذاته اقتحامًا لخصوصياتهم، وبالإضافة إلى ذلك فإن معرفة البيانات المرتبطة بالحالة المالية أو الصحية للفرد يعد اقتحامًا لخصوصياته.

ومن الأمثلة على اقتحام الخصوصية من خلال بنوك المعلومات ما قام به بعض المراهقين في إحدى المدن الأمريكية من اقتحام 60 بنكًا من بنوك المعلومات خلال الشهور الثمانية الأولى من عام 1983، وكان ضمن ما اقتحموه قاعدة البيانات الخاصة بأحد مراكز معالجة السرطان والتي تحتوي بيانات المرضى المعالجين بهذا المركز، وبالرغم من أن هؤلاء الفتية لم يحدثوا أي تدمير لتلك البيانات إلا أنهم ولا شك قد اطلعوا على بيانات المرضى والتقارير المرتبطة بحالاتهم الصحية، ناهيك عن إمكان تسريب هذه البيانات في المستقبل.

وما يحدث للبيانات الصحية قد يحدث أيضًا بالنسبة للبيانات المالية للأفراد حيث يمكن من خلال الحاسوب اقتحام هذه البيانات ممثلة في معرفة أرقام الحسابات بالبنوك وأرصدة هذه الحسابات، بل ويصل الأمر إلى حد ارتكاب جرائم سرقة الأموال من هذه الحسابات فيما تحدثنا عنه من قبل ضمن جرائم الحاسوب.

ويحذر البعض من أن ربط شبكات المعلومات قد يترتب عليه بعض الأضرار نتيجة الأخطاء التي قد تحدث عند استخدام الحاسوب، ومن أمثلة ذلك ما حدث في ولاية ماسيتشوتس الأمريكية عندما قامت الولاية بمقابلة أسماء الأفراد الذين يتمتعون ببرامج الضمان الاجتماعي بالأسماء المدرجة في حسابات البنوك الأمر الذي ترتب عليه شطب بعض أسماء هؤلاء الأفراد المستحقين لهذه المعونة، وبعد مدة ثبت أن هناك خطأً في البيانات، وأن هناك غشا قد حدث لكن لم يتم اكتشافه إلا بعد أن حرم هؤلاء الأفراد من مزايا البرنامج الذي تقدمه الولاية لمن تقل دخولهم عن حد معين.

وتزداد خطورة اقتحام الحاسوب للخصوصية إذا علمنا أنك تستطيع تكوين صورةٌ كاملةٌ عن أي شخص إذا ما استطعت تتبع بياناته من مصادر ثلاثة على شبكات الحاسوب، الأول : هو البيانات المتعلقة باستخدام بطاقات الائتمان البنكية والتي تصدر في نشرات من آن لآخر وتستخدمها المحلات التجارية عند البيع للعملاء بنظام البطاقات، ومن هذه البيانات تعرف ماذا يشتري من أدوات وملابس وماذا يأكل وفي أي الفنادق ينزل. والثاني : هو بيانات المكالمات المسجلة على الحاسوب حيث يمكن معرفة مع من يتحدث وفي أي مكان. أما الثالث : فهو البيانات المتعلقة بتأجير السيارات والحجز في شركات الطيران والمسجلة على الحاسوب أيضًا، ومنها تعرف أين يسافر. ويمكنك جمع هذه البيانات كلها من خلال شبكات الحاسوب المتصلة ببعضها البعض، وتستطيع أن تبحث عن هذه البيانات تحت اسم العميل أو الشخص الذي ترغب في أن تجمع البيانات عنه، أو تحت رقم بطاقته الائتمانية. أليس في هذا اقتحام شديد لخصوصيات الأفراد ؟!

وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة لشبكات الحاسوب فإن الحواسب الشخصية غير المتصلة بتلك الشبكات يتم اقتحامها أيضًا ومعرفة ما بها من بيانات شخصية، بدافع الفضول والعبث أحيانًا وأحيانًا أخرى بشكل متعمد، ويحدث ذلك خلال استعمال عدة أشخاص في مكان واحد لنفس الجهاز، إلا أن اقتحام الخصوصية يعد أكثر انتشارًا في شبكات الحاسوب عنه في حالة الحواسب الشخصية.

هل يمكن حماية خصوصيات الأفراد؟

إذا كان استخدام شبكات الحاسوب يترتب عليه ما ذكرناه من تأثير على خصوصيات الأفراد وأسرارهم، فهل يمكن حماية هذه البيانات والمحافظة على تلك الخصوصية ؟

في الواقع أن الدول المتقدمة التي قطعت شوطًا كبيرًا في استخدام الحواسب الآلية وبنوك المعلومات قد فطنت إلى الأمر وسنت التشريعات المختلفة للمحافظة على هذه الخصوصية، فقد صدر في الولايات المتحدة عام1974 قانون حماية الخصوصية المعروف باسم Privacy Act والذي قامت بإعداده لجنةً متخصصةً وحددت فيه عدة مبادئ لحماية الخصوصية منها:

أنه لا يجوز القيام بإعداد شبكات سرية للمعلومات تحتوي على بيانات الأفراد.

وأن من حق الفرد أن يعلم ويرى محتويات أي سجل يحتوي بياناته الشخصية وأين وكيف يستخدم.

كما أن من حقه أن يمنع استخدام بياناته الشخصية في غير الأغراض التي جمعت من أجلها.

وأن من حقه أن يصحح البيانات أو يعدلها في حالة وقوع خطأ من قبل الآخرين عند تسجيلها أو إعدادها.

وأخيرًا فإن من يستخدم البيانات الشخصية يكون مسئولًا عن تصحيحها وأن يعمل على منع استخدامها استخدامًا غير صحيح.

وصدر أيضًا قانون آخر عن خصوصية الاتصالات الإلكترونية عام 1986 والمعروف باسم Electronic Communications Privacy Act، وذلك لحماية البيانات المتداولة عبر شبكات الحاسوب، وحدد القانون المذكور عقوبة من ينتهك أمن هذه البيانات بعقوبة تصل إلى 10 سنوات سجنًا وغرامةً تصل إلى مائة ألف دولار ويسري ذلك على الأفراد والمؤسسات أيضًا.

ولا تعتبر القوانين كافية بحد ذاتها لحماية الخصوصية فعلى سبيل المثال يلاحظ في الولايات المتحدة أنه يمكن استخدام الملفات والبيانات المخزنة على الحاسوب ضد الموظف (مستخدم الحاسوب وغيره) في قاعة المحكمة، لأنه ببساطة لا يملك هذا الحاسوب!

ومن ثم فإن الأمر يتطلب توافر الوازع الديني والأخلاقي والوعي الكافي لدى الأفراد في هذا الخصوص، كما أن هناك دورًا مهما للمنظمات الطوعية والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان في هذا الصدد، فمع انتشار استخدام الحاسوب سوف تزداد حالات اقتحام الخصوصية الأمر الذي يتطلب تحديد بعض الأمور مثل مفهوم وحدود الخصوصية وما يعد عامًا وما يعد خاصا وكيفية حماية. والدفاع عن. خصوصية الأفراد. وسيختلف هذا بالطبع من مجتمع لآخر تبعًا لاختلاف ظروف كل مجتمع، إلا أن هذا الأمر يبدو ملحا خاصة في الدول النامية التي تعتبر حالات اقتحام الخصوصية في البعض منها أمرًا عاديا.

 

عادل ريان

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات