جسر إلى الحياة: عضلات الكتف تنقذ القلوب المريضة أكمل عبدالحكيم

جسر إلى الحياة: عضلات الكتف تنقذ القلوب المريضة

تشكل عمليات زراعة القلب البديل الوحيد للكثير من المرضى، الذين وهنت قلوبهم بحيث لم تعد تستطيع حملهم خلال رحلة الحياة. ولكن نتيجة النقص الحاد في القلوب المتبرع بها، كثيرًا ما يلقى المرضى حتفهم قبل أن يتاح لهم قلب جديد. ولذا فكر الأطباء منذ سنوات في سبل تمكن القلب المريض من الاستمرار حتى يتوافر بديل له.

أخيرًا تمكن مجموعة من الجراحين بجامعة ماكجيل بمونتريال من استخدام عضلات من الكتف لمساعدة القلوب المريضة على الاستمرار لفترة أطول. وكانت العقود الماضية قد شهدت ثورةً كاملة ونجاحًا منقطع النظير في مجال زراعة الأعضاء البشرية، مثل زراعة القرنية والكلى والقلب، وأخيرًا زراعة الكبد ونخاع العظام والبنكرياس.

وحتى الآن - وفي خلال العشر سنوات الأخيرة بالذات. تمت زراعة أكثر من 100 ألف عضو بشري في جميع أنحاء العالم. وتمثل النجاح المذهل لهذا المجال الطبي الحديث العهد في أن 80% من المرضى الذين تمت لهم عمليات الزراعة حتى الآن يتمتعون بصحة جيدة بعد عام كامل من الزراعة، في الوقت الذي تبقى غالبيتهم على قيد الحياة لمدة أكثر من خمسة أعوام.

تطور زراعة الأعضاء

أول نجاحات زراعات الأعضاء تمثلت في عمليات ترقيع القرنية والتي بدأت في أوائل القرن الحالي. ويرجع السبب إلى بدء زراعات الأعضاء بالقرنية إلى أن القرنية لا تصلها كريات الدم البيضاء بسبب عدم وجود تغذية دموية مباشرة لها، وبالتالي لا يوجد احتمال رفضها من قبل الجسم. وعملية الرفض هذه كانت ولا تزال تشكل أكبر العوائق أمام الأحلام المعلقة على زراعات الأعضاء في إنقاذ حياة الكثير من المرضى. لكي يرفض الجسم أي عضو غريب لا بد أن تتعرف عليه كريات الدم البيضاء، وتحدد أنه لا ينتمي لأنسجة الجسم المعروفة لديها. يبدأ بعدها جهاز المناعة في توجيه مضادات حيوية نحو العضو الغريب تعمل على قتل خلاياه وتدميره تمامًا.

ولذا برغم أن عمليات زراعة الكلي ثبت إمكان إجرائها منذ الخمسينيات، فلم تطرح كبديل عملي لمرض الفشل الكلوي المزمن بسبب رفض الجسم للكلية المنقولة.

وفي الستينيات تم اكتشاف أن عقار الكورتيزون والأدوية القاتلة للخلايا السرطانية لهما خاصية تثبيط جهاز المناعة والحد من رفض الجسم للأعضاء الغريبة، وهو الاكتشاف الذي يعتبر أهم نقطة تحول في تاريخ عمليات زراعة الأعضاء. وشهدت السبعينيات خطوة مهمة أخرى على نفس الطريق مع اكتشاف عقار السيكلوسبورين، الذي يعمل أيضًا وبكفاءة أكبر على خفض رد فعل الجسم ضد الأعضاء المزروعة.

وترافق اكتشاف تلك العقاقير مع تطوير وتحديث اختبارات درجة توافق الأنسجة بين المتبرع والمتلقي، والضروري لنجاح الزراعة وخفض الاعتماد على الأدوية المثبطة لجهاز المناعة. وأحسن مثال على أهمية هذا التوافق هو إمكان نقل الأعضاء بين التوائم المتشابهة ودون الحاجة لأي تثبيط لجهاز المناعة، نتيجة التوافق التام والكامل بين الأنسجة في هؤلاء التوائم.

ثم أعقب كل تلك التطورات تقدم طرق حفظ الأعضاء البشرية حتى وقت عملية الزراعة، والتي تعتبر من المجالات التي تطورت إلى مرحلة متقدمة في السنوات الأخيرة، وساعدت على زيادة معدلات نجاح عمليات زراعة الأعضاء. والأسلوب المتبع حاليا أن يتم غسل العضو أولًا بالأكسجين السائل ثم تبريده لدرجات حرارة منخفضة جدا، بهدف تقليل احتياج الخلايا للأكسجين أثناء عملية النقل.

وبسبب كل تلك العوامل أصبحت زراعات الأعضاء تشكل بديلًا عمليا جدا لعلاج الأمراض التي تنتج عن الفشل المزمن لعضو ما في الجسم، وهي الحقيقة التي استفاد منها كل من مرضى هبوط القلب الحاد والمزمن نتيجة التضخم المرضي لعضلة القلب، ومرضى تلف أو موت جزء كبير من عضلة القلب نتيجة أمراض الشرايين التاجية. وهما الحالتان المرضيتان اللتان تشكل زراعة قلب بديل فيهما الأمل الوحيد في البقاء على الحياة.

التضخم المرضي لعضلة القلب

يحدث التضخم المرضي لعضلة القلب نتيجة تعرض العضلة القلبية لبعض العوامل الضارة، مما يؤدي في النهاية إلى انخفاض قدرة القلب على الانقباض ودفع الدم إلى كل من الرئتين وبقية أجزاء الجسم المختلفة. وتتنوع تلك العوامل ما بين عوامل ميكروبية وغذائية وسمية وأيضية ومناعية وغيرها الكثير، بالإضافة إلى أن في الكثير من الأحيان تتضخم وتمرض العضلة القلبية دون أي سبب واضح. ولا توجد حتى الآن أية أرقام دقيقة عن مدى انتشار ضعف عضلة القلب التضخمي، نتيجة أن الكثير من الحالات لا تظهر عليها أية أعراض، بينما في بعض الحالات يتم التشخيص مصادفةً أثناء تشريح الجثة، بعد وفاة المريض بسبب لا علاقة له بمرض العضلة القلبية.

وتظهر أعراض تضخم عضلة القلب المرضي في الغالب على شكل إرهاق وألم في الصدر، مع إحساس بضربات القلب نتيجة عدم انتظام تلك الضربات، وإذا ما تسبب تضخم العضلة القلبية في حدوث هبوط بالقلب نتج عنه فقدان في كفاءة القلب على ضخ الدم، يصاب المريض بصعوبة في التنفس مع تورم بالساقين واليدين.

ويتم تشخيص تضخم العضلة القلبية عن طريق أشعة صدرية تظهر زيادةٌ واضحةٌ في حجم القلب، بالإضافة إلى رسم القلب الكهربائي، وفحص عينة من النسيج العضلي تحت الميكروسكوب.

ويواجه الأطباء مشكلةً كبيرةً عند علاج تضخم عضلة القلب، نتيجة أن السبب في معظم الأحيان يكون غير واضح، ولذا يعتمد العلاج على علاج الأعراض فقط. مثل استخدام مدرات البول لعلاج هبوط القلب وتورم الجسم، واستخدام بعض العقاقير لتنظيم إيقاع ضربات القلب، بينما في المرضى الذين يكون السبب خلف إصابة العضلة القلبية لديهم هو الإفراط في تناول الكحوليات، فيمنعون تمامًا عن تناول المزيد من الكحوليات وفي بعض الحالات القليلة يستفيد المرضى من الأدوية المثبطة لجهاز المناعة.

أما في أغلب الحالات فيظل الوضع يتدهور بشكل مستمر، بحيث لا يبقى أمام هؤلاء المرضى أي بديل غير عمليات زراعة القلب.

الشرايين التاجية والذبحة الصدرية

بالنسبة لضيق أو انسداد الشرايين التاجية فإنه يتسبب في حدوث تلف وموت عضلة القلب نتيجة نقص التغذية الدموية التي تحمل عبر تلك الشرايين. وفي العصر الحديث أصبحت أمراض الشرايين التاجية أحد أكثر أسباب الوفاة شيوعًا، حيث مازالت تتسبب في ثلث الوفيات ما بين سني 45- 65.

وفي خلال العشرين سنة الماضية وخصوصًا منذ بدء الثمانينيات شهدت الوفيات من أمراض الشرايين التاجية انخفاضًا ملحوظًا. ويعزى هذا الانخفاض إلى العديد من العوامل، مثل تطور العلاج الدوائي لمرض ارتفاع ضغط الدم، أحد أهم أسباب حدوث أمراض الشرايين التاجية. وأيضًا تطور العلاج الجراحي للشرايين الضيقة أو المنسدة، مع تحسن إجراءات الطوارئ للأشخاص المصابين بذبحة صدرية، مما خفض نسبة الوفيات بينهم بشكل واضح. وفي نفس الوقت بدأ الكثيرون من الناس في اتخاذ أسلوب حياة صحي، مثل ممارسة الرياضة والامتناع عن التدخين ومراعاة قواعد التغذية السليمة. وتظهر أعراض أمراض الشرايين التاجية نتيجة نقص تدفق الدم إلى عضلة القلب، وينتج هذا الضيق من تجمع لطع من مادة الكوليسترول على جدار الشريان الداخلي، ويطلق على تلك اللطع الكوليسترولية لفظ الأثيروما. وتتسبب تلك الأثيروما في تصلب جدار الشريان مبدئيا ثم ضيقه وانسداده في مرحلة لاحقة. ويحدث الانسداد بسبب الأثيروما بشكل مباشر، أو بسبب في زيادة خشونة الجدار مما يؤدي إلى تكون جلطاتٌ دمويةٌ على المناطق الخشنة تسد مجرى الدم، وينتج تجمع لطع الكوليسترول على الجدار نتيجة العديد من العوامل، مثل التدخين وعدم ممارسة نشاط بدني كاف وزيادة الوزن، مع ارتفاع نسبة الكوليسترول بالدم من جراء تناول غذاء غني بمنتجات الألبان والدهون الحيوانية. وبالإضافة إلى ذلك توجد بعض العوامل المساعدة على الإصابة بأمراض الشرايين التاجية، مثل القابلية الوراثية وبعض الأمراض كالبول السكري وارتفاع ضغط الدم.

وهناك بعض العوامل الأخرى التي لا تزال محل خلاف بين الأطباء حول تسببها في أمراض الشرايين التاجية، وهي تشمل الصفات الشخصية والسلوك اليومي والتوتر النفسي المستمر. فبعض الأطباء يعتقدون أن الأشخاص المتمتعين بنوعية معينة من الشخصية يطلق عليها اختصارًا (أ)، لديهم قابلية أكثر من غيرهم للإصابة. وهذه الشخصية (أ) يتميز أفرادها بالاستعجال الدائم، ويتابعون الوقت في ساعاتهم باستمرار، وفي الغالب يكونون من الناجحين في أعمالهم بسبب طموحهم الشديد ونشاطهم المستمر.

وأخيرًا أظهرت الدراسات الطبية أن الذبحات الصدرية تحدث بمعدلات أكبر نتيجةً نوبات الاكتئاب الشديدة، التي تعقب وفاة عزيز أو فقدان الوظيفة أو غيرهما من مصائب الحياة العديدة. ورغم الاختلاف على أهمية تلك العوامل في الإصابة بالأمراض القلبية، فالأكيد أنها بوجه عام أقل أهمية من العوامل الجسمانية كالتدخين وزيادة الوزن وارتفاع ضغط الدم.

زراعة القلب

ويعتبر كل من التضخم المرضي لعضلة القلب وأمراض الشرايين أكثر الأسباب وراء عمليات زراعة القلب، والتي تعتبر جوهرة التاج في مجال زراعة الأعضاء بوجه عام.

وكانت زراعات القلب قد بدأت تجربتها أولًا على الحيوانات، حيث نجحت أول زراعة قلب لحيوان عام 1959. وتمت أول زراعة قلب لإنسان على يد البروفيسور كريستيان برنادرد في جنوب إفريقيا عام 1967، ولم تكن النتائج الأولية مشجعة، لدرجة أن معظم المرضى لم يبقوا على قيد الحياة أكثر من شهر أو اثنين.

نجاحات وعوائق

وفي عام 1969 بدأ فريقٌ بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا بقيادة البروفيسور نورمان شمواي برنامجًا لزراعات القلب، ومع حلول عام 1984كان هذا الفريق قد نجح في الإبقاء على حياة 85% من المرضى لمدة خمس سنوات على الأقل بعد عملية الزراعة.

وبرغم هذا النجاح المذهل ظلت هناك عوائق تحيط بعمليات زراعة القلب، مقارنة بعمليات أخرى كزراعة الكلية مثلًا. وأحد العوائق لعمليات زراعة القلب هو أنه كي يكتب لها النجاح، يجب أن ينزع قلب المتبرع بعد وفاته وهو لا يزال ينبض، وهو هدفٌ غالبًا ما يصعب تحقيقه. وكان أحد أسباب نجاح برنامج الزراعة في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، أن ولاية كاليفورنيا كانت أول مكان في العالم يسمح للأطباء بإعلان وفاة المريض في الوقت الذي لا يزال فيه قلبه ينبض، بشرط أن يكون قد تسبب حادث أو مرض في حدوث تلف شديد بالمخ غير قابل للإصلاح. وأخيرًا تم التغلب على هذا العائق بالسماح بإعلان الوفاة مخيا للمرضى الموجودين على قيد الحياة باستخدام أجهزة دعم الحياة الصناعية، وهو ما مكن الأطباء من الحصول على قلوب للزراعة في ظروف مثالية. من العوائق الأخرى لزراعة القلب أنه لا يوجد لها خط رجعة، أي أنه إذا فشلت العملية نتيجة رفض الجسم للقلب الجديد، فلا يوجد حل آخر إلا زراعة قلب مرة أخرى. ويضاف إلى مشكلة التوقيت، ففي حالة مرضى الفشل الكلوي يمكن الإبقاء على حياة المريض باستخدام أجهزة الغسيل الكلوي، أما في حالات مرضى القلب فغالبًا ما يلقى المريض حتفه قبل العثور على قلب مناسب للزراعة وذلك لعدم وجود سبل أخرى للإبقاء على حياته.

ونظريا يمكن للقلب الصناعي أن يحل مشكلتي العثور على قلب مناسب في الوقت المناسب ودون أن يرفضه الجسم، ولكن التجربة العملية أثبتت قصور القلب الصناعي عن تحقيق كل تلك الآمال. والقلب الصناعي هو عبارة عن جهاز ميكانيكي يحل محل القلب الطبيعي في عملية ضخ وتوزيع الدم على أعضاء الجسم المختلفة. وكان القلب الصناعي قد بدأ استخدامه في البشر عام 1985، بعد سنوات طويلة من التجارب والأبحاث على الحيوانات. وأكثر موديلات القلب الصناعي انتشارًا هو الموديل الذي يطلق عليه (جارفك 7).ويتركب هذا الموديل من أجزاء معدنية وأخرى بلاستيكية، ويتم وضعه في داخل صدر المريض بدلًا من القلب الطبيعي، حيث يتم توصيله إلى الأذينين الأيمن والأيسر للقلب الطبيعي وإلى الشريان الأورطي والشريان الرئوي، وهما الشريانان المسئولان عن نقل الدم من القلب إلى الرئتين وبقية أنحاء الجسم.

ويتم تشغيل القلب الصناعي بوساطة جهاز خارجي عن طريق أنابيب هوائية تمر عبر صدر المريض. ويتم نقل الضغطات والانقباضات من الجهاز الخارجي إلى القلب الصناعي داخل الصدر عبر تلك الأنابيب، حيث يقوم ساعتها القلب الصناعي بضخ وضغط الدم إلى جميع أنحاء الجسم. لكن وجود مثل هذا الجهاز الخارجي الذي يجب أن يظل متصلًا بالقلب الصناعي يعني أن المريض لا بد أن يظل ثابتًا في مكانه خلال الأربع والعشرين ساعةً. ولذا يستخدم القلب الصناعي كحل مؤقت للمرضى ذوي الحالات الشديدة، حتى يتم العثور على قلب لزراعته لهم. ونتيجة المضاعفات الخطيرة الناتجة عن استعمال هذا القلب الصناعي لفترات طويلة، فإن المتخصصين يعارضون بشدة محاولات استخدامه كحل دائم. وتشمل تلك المضاعفات الفشل الكلوي والنزيف الداخلي والعدوى الميكروبية والارتباك الذهني والجلطة المخية.

وفي عام 1985وبعد وفاة جميع المرضى الذين تمت لهم زراعة قلب صناعي كحل دائم، قرر الباحثون التركيز على استخدام القلب الصناعي كجهاز مساعد فقط، يدعم وظائف القلب المريض بدلًا من أن يحل محله تمامًا.

وبالإضافة إلى القلب الصناعي فكر الأطباء في بدائل أخرى تعين القلب المريض حتى يتوافر قلب ملائم للزراعة، وكان أحد تلك البدائل هو ما يعرف بالمضخة البالونية. وتزرع تلك المضخة داخل الشريان الأورطي بحيث تنتفخ مع كل انقباضة قلبية، كي تساعد القلب على دفع الدم في الشرايين وبالتالي تخفف الحمل عليه. وبالإضافة إلى ذلك تعمل تلك المضخة البالونية بسبب وجودها عند فتحات الشرايين التاجية على زيادة تدفق الدم المغذي لعضلة القلب المنهكة.

ولكن كانت كل تلك الطرق تستخدم أجزاءٌ صناعية وميكانيكيةٌ، مما جعلها بديلًا غير مثالي لمرضى لا يفصل بينهم وبين الموت سوى شعرة دقيقة.

ولذا فكر أطباء جامعة ماكجيل بمدينة مونتريال الكندية في استخدام أنسجة من جسم المريض نفسه، كي تعين قلبه على الاستمرار إلى أن يتاح قلب ملائم للزراعة.

واعتمد الجراحون الكنديون على حقيقة أن عمليات زراعة الأنسجة مستخدمة منذ وقت ليس بالقصير، إما لاستبدال نسيج تالف بآخر أو كبديل عملي عن زراعة عضو كامل. فعلى سبيل المثال استخدام رقع من الأوردة لتجاوز منطقة شريانية مسدودة بجلطة دموية، أو استخدام قطع من الأمعاء والمعدة لاستكمال المريء بعد استئصال جزء منه مصاب بورم سرطاني.

جسر إلى الحياة

ومع تلك النجاحات التي حققتها زراعة الأنسجة، فكر جراحون القلب في استخدام الأنسجة العضلية لترقيع أو استبدال الأجزاء التالفة من عضلة القلب. وكانت أولى المحاولات لاستخدام الأنسجة العضلية في إصلاح تلف في البطين الأيمن لمريض قد تمت على يد جراح من بورتوريكو عام1931وتلت تلك المحاولة محاولات أخرى من قبل جراحين أمريكيين لنقل أنسجة عضلية إلى قلب مريض مصاب بنقص التغذية الدموية لعضلات القلب، على أمل أن تحمل الأنسجة معها شرايين وأوردة تعوض النقص في التغذية الدموية.

وفي عام1966 نجح الجراح الروسي الشهير بتروفسكي في علاج استرقاق عضلات البطين باستخدام جزء من عضلات الحجاب الحاجز. ولكن كل تلك المحاولات كان يعيبها استخدامها الأنسجة العضلية كرقعة فقط، أي دون أن يكون لتلك الأنسجة تغذية عصبية تستحثها على الانقباض والحركة. ومع نهاية الخمسينيات قام جراح نيوزيلندي باستخدام أنسجة عضلية متصلة بتغذية عصبية ودموية في تغليف القلب حيث ساعد انقباض العضلات المتزامن مع انقباضات القلب في دفع الدم إلى أنحاء الجسم المختلفة ولكن فشلت تلك المحاولة لاحقًا بسبب أن عضلة القلب تنقبض باستمرار ودون أن يصيبها الإرهاق على عكس باقي عضلات الجسم.

وأخيرًا نجح جراحو القلب بجامعة مونتريال الكندية برئاسة البروفيسرراي تشو في تخطي تلك المشكلة باستخدام العضلة الممتدة من أسفل الكتف حتى الجانب الخارجي للظهر. وتعتمد تلك الطريقة على قطع العضلة المذكورة من أحد جوانبها، ويوصل إليها جهاز كهربائي يقوم عند تشغيله باستثارة العضلة ودفعها للانقباض. يفتح بعدها القفص الصدري من الخلف عن طريق قص أحد الضلوع، وتدلك العضلة من الخلف حتى تصل إلى مقدمة الصدر. يقلب بعضها المريض على ظهره حيث يشق القفص الصدري من الأمام ويكشف القلب. ثم يوصل إلى القلب جهاز استشعار كهربائي، يمكنه الإحساس بالنبضة العصبية التي تؤدي بالقلب إلى الانقباض قبل وصولها إليه. ثم تسحب عضلة الكتف إلى الأمام وتلف حول القلب، بحيث تغلفه تمامًا بعد خياطتها في جدرانه. وعند بداية النبضة العصبية وقبل وصولها إلى عضلة القلب يشعر بها جهاز الاستشعار فيرسل إشارةً كهربائيةً إلى جهاز الاستثارة، الذي يقوم بدوره بإنتاج تيار كهربائي يؤدي بالعضلة الملفوفة حول القلب إلى الانقباض في نفس وقت انقباض عضلة القلب. ويؤدي هذا الانقباض المتزامن إلى تخفيف الحمل الأصلي على عضلة القلب، ويؤدي أيضًا إلى زيادة كفاءة ضخ الدم إلى بقية أنحاء الجسد.

شروط لأسلوب جديد

وبدأت المرحلة الأولى من تجربة الأسلوب الجراحي الجديد ما بين عامي1985-1991 في العديد من دول العالم، وخصوصًا في جامعة كابنتير بباريس وجامعة لافال بالولايات المتحدة. وكان الغرض من هذه الدراسة تحقيق أهداف معينة، هي تحديد شروط اختيار الحالات التي ستجرى لها الجراحة والاطمئنان إلى سلامة وأمان جهازي الاستثارة والاستشعار الكهربائيين ومتابعة نتائج المرضى بعد الجراحة، بغرض الوصول إلى مدى فعالية الأسلوب الجديد عمليا في تخفيف معاناة أولئك المرضى. ولكن نتيجة الاختلافات الواضحة بين مراكز الجراحة على مستوى العالم وبين الشروط والأساليب التي اتبعها كل منها، جاءت النتائج الأولية شديدة الاختلاف بين كل مريض وآخر. ثم بدأت المرحلة الثانية من الدراسة الأكلينيكية في مايو من عام 1991، باشتراك خمسة مراكز أبحاث أمريكية واثنين كنديين وواحد برازيلي. وفي نهاية عام1993 كانت مراكز الأبحاث تلك قد أجرت تلك العملية على 57 مريضًا، كان 65% منهم يعانون من تضخم مرضي بالقلب و35% يعانون من نقص التغذية الدموية لعضلة القلب. وبعد من 6 - 12 شهرًا أظهر المرضى تحسنًا هائلًا في حالاتهم الصحية، وخصوصًا في نوعية الحياة التي أصبحوا يعيشونها، من حيث النشاطات اليومية التي أصبحوا قادرين على ممارستها دون أن تشكل خطرًا على حياتهم. وإذا ما ثبتت تلك النتائج في المستقبل فستصبح تلك العملية كجسر ينقل هؤلاء المرضى بعيدًا عن الموت وقريبًا من الحياة. وبوجه عام يتمتع هذا الأسلوب الجراحي الجديد بالمزايا والعيوب الخاصة به مقارنة بعمليات زراعة القلب. وأولى مزايا هذا الأسلوب إنه لا يحتاج إلى عضو متبرع به، حيث إن المساعدة تأتي من جسم المريض نفسه، وهو ما يعني أيضًا أن هؤلاء المرضى لن يضطروا لتعاطي العقاقير المثبطة لجهاز المناعة بالمرة، وهي العقاقير التي تجعل من مناعة الجسم مقاربةٌ لمناعة أجسام مرضى الإيدز، فيصبحون عرضة للموت عند إصابتهم بعدوى ميكروبية. ولكن هذا الأسلوب الجراحي الجديد يصبح بلا فعالية في الحالات المتأخرة التي يكون القلب فيها قد وصل إلى مرحلة شديدة من المرض.

وهو ما يجعل من عمليات الزراعة البديل الوحيد لهؤلاء المرضى، وهو بديلٌ غالبًا ما ينتج عنه تحسن هائل في حالاتهم وبشكل سريع. للتغلب على هذا العائق يطمح الأطباء في أن يصبح الأسلوب الجراحي الجديد متوافرًا للمرضى مبكرًا، وقبل أن تتدهور حالاتهم بشدة بحيث لا يبقى إلا اختيار زراعة قلب جديد.

 

أكمل عبدالحكيم

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




مقطع عرضي بالقلب يظهر تضخم العضلة القلبية





يوصل بالعضلة جهاز استثارة كهربائي يؤدي تشغيله لانقباض العضلة بقوة





تعمل فتحة في الصدر ثم تدخل العضلة وجهاز الاستثارة





يشق صدر المريض لكشف القلب ثم يوصل إليه جهاز استشعار كهربائي





تسحب العضلة وجهاز الاستثارة من الخلف الى الإمام





تلف العضلة بحيث تغلف من جميع الجهات





يقوم جهاز الاستشعار بتحديد بداية انقباض القلب ثم يرسل اشارة لجهاز الاستثارة كي تنقبض العضلة في نفس الوقت





يستخدم رسم القلب الكهربائي تحت المجهود لتحديد قدرة القلب على الاستجابة للإجهاد





تكشف ثم تقطع إحدى العضلات خلف الكتف