مع الذكرى الخامسة للتحرير.. الكويت تستعيد وجهها السياحي حميد العنزي تصوير: طالب الحسيني

مع الذكرى الخامسة للتحرير.. الكويت تستعيد وجهها السياحي

شعب الكويت عاشق للسفر.. في تاريخه القديم كان يركب البحار الصعبة بحثًا عن الرزق هروبًا من شظف العيش على اليابسة. وهو الآن يرحل من أجل الترويح عن النفس والبحث عن المعرفة. خاصة في شهور الصيف القائظة. من هنا جاءت فكرة السفر داخل الكويت. في محاولة لاستغلال الإمكانات الطبيعية التي يتيحها عناق مياه الخليج الدافئة بالرمل الأصفر الناعم. ومن هنا أيضًا بدأت رحلة المشروعات السياحية الطويلة، من أجل أن ترفع من القيمة الجمالية للمكان، وتجعل منه متنفسًا للإنسان. وإذا كانت هناك قاعدةٌ تقول: إن في أعماق كل مشكلة فرصة متاحة، فإننا نستطيع القول إن جو الكويت الحار صيفًا والدافئ شتاء قد أتاح الفرصة لبناء سلسلة من المشاريع السياحية التي تستفيد من تلك الأجواء الجافة لخلق أماكن مفتوحة يتفاعل فيها الإنسان مع الطبيعة.

بدأت فكرة الترويج السياحي على يد المرحوم صالح شهاب وكيل وزارة الإعلام المساعد لشئون السياحة السابق، فقد عني بشئون السياحة وأعطاها جل اهتمامه وكان يقف إلى جانبه مجموعة من المتطوعين الذين آمنوا بنفس الفكرة منهم إبراهيم البغلي وحمد محمد العتيقي ومحمد ناصر السنعوسي وآخرون. بدأت فكرة خلق أماكن للترويح السياحي في الكويت على مرحلتين، الأولى تطوعية يرعاها الديوان الأميري عندما شكل اللجنة العليا للترويج السياحي وشاركت سفارات الدول العربية والأجنبية الموجودة في الكويت في هذه الاحتفالات والمهرجانات بفنونها المختلفة، وكانت وزارة التربية تشارك بلوحات استعراضية وموسيقية يقدمها تلاميذ المدارس وكذلك إدارة الإطفاء والدفاع المدني وخفر السواحل، ولم تتخل حتى الشركات والمؤسسات الخاصة عن المساهمة في هذه المناسبات خاصة الأعياد الرسمية وأهمها بطبيعة الحال العيد الوطني للاستقلال. أما المرحلة الثانية فقد جاءت بمبادرة في السبعينيات من ولي العهد آنذاك سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح حفظه الله وكانت الفكرة في ذلك الوقت إنشاء شركة تساهم فيها الدولة مع الأفراد والمؤسسات تسمى بـ "شركة المشروعات السياحية" ولاقت هذه الخطوة الحضارية الجديدة استجابة وقبولًا لدى الفعاليات الاقتصادية أو القطاع الخاص، وكانت البداية هي تأسيس الأندية البرية، ولكن التجربة لم تمض كما قدر لها. فقد تغلب الحس التجاري على هذه المشروعات مما هدد الهدف الرئيسي من وراء إنشائها وقررت الحكومة التدخل فأعادت للقطاع الخاص حصصه زائد الأرباح بعد أن وجدت أن عددًا كبيرًا من المواطنين قد حرموا من الخدمات التي تقدمها هذه الأندية.

وقد تكفلت الدولة بإدارة الشركة ووضعت رسومًا رمزية ميسرة للجميع حتى نمت بالفعل العلاقة بين المشاريع الترويحية والرواد.

وكانت الأندية البحرية إيذانًا بتطوير الواجهة البحرية وأضيف إلى ذلك صالة التزلج ومنتزه الخيران والنافورة الموسيقية، وباقي مرافق المشروعات السياحية. ولم تتوقف عملية التطوير في شركة المشروعات السياحية بل إن كل من تولاها أضاف إليها لمسة من إبداعه الشخصي. ومن هؤلاء الذين أداروا هذه الشركة بذلك الأسلوب الخلاق يبرز اسم محمد السنعوسي، فقد جمع في خبرته مزيجًا من الحس الإعلامي والإنجاز السياحي ومن خلال هذه الخبرة استطاع أن يقفز إلى مرحلة جديدة من التطور، فعندما تولى رئاسة مجلس الإدارة عام 1986م بدأ في خلق إطار جديد وفلسفة مختلفة، فقد أدخل إلى الأنشطة الترويحية عنصر الإبداع من العناصر الطبيعية الموجودة التي كان يظن سابقًا أنها تمثل عائقًا، فقد كون مفرداته السياحية من الرمال والحرارة القاسية والليل وحتى من الرياح، وقد كانت وجهة نظره المنطقية، في ذلك أن هذه كلها عناصر تنفرد بها الكويت وعليه أن يحسن استخدامها، وأن هذه الأمور يمكن أن تمثل نوعًا من الجذب للأجانب بشكل عام والأوربيين بشكل خاص ليتمتعوا بهذه الأجواء فترة من الزمن، ومن الأفكار الإبداعية التي تميز بها السنعوسي دراسة أجراها بعد تحرير الكويت مباشرة من الغزو العراقي الآثم وهي جلب سائحين من شتى بقاع العالم وإيواؤهم في خيام وتوفير سيارات كبيرة لنقلهم لرؤية الآبار النفطية وهي تحترق والأجواء المعتمة شديدة الظلمة في منتصف النهار جراء سحب الدخان النفطي ووضع شعار"اختر لغمك بنفسك" لكثرة الألغام المنتشرة ولتذكيرهم بالموقف الدرامي العنيف الذي تعرضت له الكويت نتيجة الغزو العراقي، لقد كان كل واحد من هؤلاء الزائرين يتمنى أن يأخذ صورةً أو يشتري رمادًا نفطيا محروقًا بدولار.

وبعيدًا عن هذه الخلفيات التاريخية فقد تراكمت المشروعات السياحية حتى أصبحت تمثل واحاتٌ متنوعةٌ يمتزج فيها الجمال بالترفيه، وتقدم الخدمات إلى الكبار والصغار على السواء. ولا نستطيع في هذه الصفحات أن نغطي كل تلك الأنشطة ولكننا نقف في محطات متعددة تكشف لنا عن طبيعة الجهود وراء صناعة الترفيه في الكويت.

الفكرة الرئيسية في إنشاء المدن الترفيهية كما عبر عنها والت ديزني تتلخص في "إننا لا نقدم حاضرًا، لأن الناس تعيش الحاضر وتذكره، ولكننا نقدم الماضي لنزكي الحنين إليه في نفوس من عاشوه، ونثير استغراب من لم يعايشوه، ونقدم مستقبلًا كي يشتعل خيال الناس وتمتلئ نفوسهم بالأمل". إنها الفلسفة التي قامت على أساسها مدينة "والت ديزني" الشهيرة في فلوريدا وكاليفورنيا وفي نفس هذا الإطار جاءت مدينة الكويت الترفيهية، فقد وضع أول تخطيط لمشروع هذه المدينة عام 1972 م من قبل شركة المشروعات السياحية، واستغرقت فترة التخطيط خمس سنوات، ومن ثم البدء في تنفيذ المشروع وافتتاحه في 12 مارس 1984م بكلفة بلغت 100 مليون دولار أمريكي وبالتحديد 34 مليون دينار كويتي وعلى مساحة مليون متر مربع في منطقة الدوحة المحاذية للبحر في شمال شرق الكويت.

تستقبلك المدينة الترفيهية ببوابة غير في تصميمها، فهي شديدة الفخامة، وطرازها معماري خرافي يوحي لك بأنك تستعد لدخول إحدى مدن ألف ليلة وليلة وأن شهريار سيلاقيك بعد حين وأن عليك أن تحذر من مسرور السياف.

ومن المخطط الموجود يتضح لنا أن المدينة الترفيهية تنقسم إلى ثلاثة عوالم مختلفةٌ، كان العالم العربي هو أولها الذي خطت أقدامنا إليه، ومن الطبيعي أن يكون تصميمه وفق الطراز العربي في العمارة وأحيط كذلك ببوابات تشبه بوابات أسوار الكويت القديمة، ويستقبلك بائعو العرقسوس عند لعبة السندباد البحري التي يتطلع الراكب بها إلى رحلة مشابهة لرحلة السندباد كما وصفها في كتابه الذي ألفه عن رحلته، والقطار الكبير الذي تم إعادة تشغيله أخيرًا بعد سرقة القطار القديم وتدمير سكته الحديدية من قبل جنود الاحتلال العراقي، كما أن محطة هذا القطار بنيت على طريقة القباب وزينت بالنقوش العربية مما زاد من روعتها الجمالية. ويطوف القطار بمعالم المدينة على خط دائري، إلا أن هناك ألعابًا اختفت من المدينة بعد إعادة إعمارها مثل لعبة الجمال العربية والحنطور وغيرهما.

بعدها دخلنا في عالم ثان وهو عالم المستقبل الذي يحوي كل ما في العصر من تقدم وتكنولوجيا ليصورها في ألعاب مسلية ومفيدة تروح عن زائريها وتأخذهم إلى عصر متقدم وحياة أخرى، فالألعاب سواء كانت السيارات الفضائية التي تسير على قضيب أو السيارات التي تسير بالطاقة الكهربائية أو رحلة الصاروخ وحدها كفيلة بأن تحلق بمرتاديها في فضاء الخيال العلمي والإثارة والانبهار، إضافة إلى لعبة تصوير الأطفال بأشكال ورسوم لشخصيات من عوالم أخرى من الفضاء الخارجي.

استخدم في تصميم الألعاب كل ما في التقدم العلمي من عجائب، سواء في التصميم أو التقنية أو المؤثرات الصوتية. كما أن لعبة سلة الفضاء ترتفع إلى السماء بمسافة 200 متر مما يتيح للزائر أن يرى بانوراما كاملةً للمدينة الترفيهية وللجزء الشمالي من الكويت، وحتى المطعم لم يخل تصميمه من ذلك الطابع المستقبلي، ويرتدي العمال فيه أزياء خيالية ويقومون بتقديم الوجبات السريعة مع حركات بهلوانية لبعث روح الفرح والسعادة في نفوس الأطفال. أما عن القسم الأخير وهو الخاص بالعالم الدولي ففيه تتجمع الأنماط والمعالم من كل حدب وصوب لتكون ألعابًا مختلفةً تشترك في إحياء روح السعادة في نفوس الكبار والصغار، وتعد ألعابه أكثر الألعاب إثارةً، من لعبة الجندول الأسترالي المكون من جذع شجرة مجوف من الداخل يتسع لأربعة أشخاص يتحرك بهم في جداول مياه صناعية تدور بطريقة السلم الكهربائي إلى شارع الغرب الأمريكي الذي صمم على نمط أفلام الغرب الأمريكية. البيوت الخشبية ومحلات بيع الأسلحة ومنزل الشريف وساحة الرماية، صورة كاملة للغرب القديم المتوحش كما صورته أفلام السينما الأمريكية. ثم عالم السيارات الأوربية التي تتكون من مجموعات من السيارات الصغيرة والقديمة في الطراز تطوف بك إحداها في رحلة تستعرض فيها أهم معالم أوربا من برج إيفل إلى الطاحونة الهولندية إلى ساعة البيج بن فمسجد السلطان أحمد بتركيا، ولعبة القوارب الإفريقية المصنوعة من القش داخل القارة السوداء حيث الأكواخ والطبيعة ونماذج لحيوانات القارة الإفريقية بالأحجام الطبيعية مصنعة من الفيبرجلاس وتصدر أصواتًا لدى مرورك بها. بالإضافة إلى هذه الأقسام أو العوالم الثلاثة فإن المدينة الترفيهية تحتوي على مسجد كبير للمصلين وأسواق مختلفة ومطاعم متنوعة لخدمة الزوار ومركز شرطة وإسعاف بالإضافة إلى حدائق إقليمية للراحة والاسترخاء.

وعن مستقبل التطور فيها وكيفية تخطي مرحلة الدمار الذي حل بالمدينة جراء الغزو العراقي قال أنور الرفاعي مدير العلاقات العامة في المدينة الترفيهية : إن المدينة الترفيهية تعرضت لما تعرضت له الدولة بأكملها، للدمار، ووصل الدمار إلى 80% من نسبة ما هو موجود نتيجة حفر الأرض لبناء خنادق وسرقة كاملة للألعاب التي استطاعوا نقلها وتدمير الباقي منها، فقد تسلمنا المدينة عقب التحرير مدينة هيكلية مرعبة، وتمت إعادة إعمارها عن طريق إحدى الشركات المتخصصة وأضيفت ألعاب جديدة، وفي 24 فبراير 1994 م أعيد افتتاحها من جديد، وكان التشغيل جزئيا، حيث تم تشغيل ما يقارب من 80 إلى 85% مما تحتويه المدينة حتى وصل التشغيل في المدينة عام 1995م إلى نسبة 100%، وقد ازداد الإقبال على زيارة المدينة الترفيهية بشكل ملحوظ حتى أن هناك زوارًا يأتون من دول الخليج العربي المجاورة خصيصًا للاستمتاع بمرافق وأجواء المدينة الترفيهية لأنها تعتبر أكبر مدينةً في الشرق الأوسط وأكثرها ألعابًا وأجودها خدمات.

منتزه الخيران

صناعة السياحة فكر وفن وهي ليست مقصورةٌ على الدول المتقدمة ومناطقها الباردة نسبيا، فنحن نستطيع تسخير مناخنا الصحراوي لنخلق منه مناخًا سياحيا يتمناه الجميع... بالإبداع.

كان إنشاء هذا المنتزه نوعًا من التحدي، تحد للشمس التي تلهب سياط الجميع، وللرطوبة الخانقة. لذلك كان الافتتاح في فبراير 1987م إيذانًا بخروج اسم الخيران من مفهوم القرية الصغيرة التي لا يرتادها سوى بعض الصيادين إلى مفهوم القرية السياحية العصرية التي يصل طابور الحجز للاستمتاع بمرافقها إلى عدة أشهر مقدمًا. يقع المنتزه على مسافة 97 كيلو مترًا من وسط المدينة أي أنه لا يبعد عن الحدود السعودية إلا حوالي عشرين كيلو مترًا فقط ويمتد على الشريط الساحلي، وقد جاء في "الموسوعة الكويتية المختصرة" لحمد السعيدان التعريف الآتي للخيران : "إنها قريةٌ كويتيةٌ تتكون من خورين هما خور الأعمى وخور المفتح".

نحن الآن في منتزه الخيران وفي منتصف النهار وهذا هو صوت القطار الجوال الذي يدور حول المنتزه حاملًا ركابه الصغار وخلفه بعض الشبان يتبعونه بسياراتهم أو الدراجة التي استأجروها والتي توفرها إدارة المنتزه وفي منتصف الساحة الكبيرة توجد خيمةٌ كبيرةٌ تتسع لـ 900 شخص تستخدم في الحفلات والمناسبات الاجتماعية والترويحية، وهناك ساحاتٌ خضراء متسعةٌ تضم ملاعب لممارسة الرياضة والجري ولعب الكرة. وقد وفرت لنا إدارة المتنزه سيارةً صغيرةً مكشوفةً تسير بالطاقة الكهربائية تجولنا بواستطها بين المنتزه المختلفة حيث كنا نشاهد البعض يمارس رياضة المشي في الهواء الطلق أو يمارسون لعب كرة المضرب (التنس الأرضي) أو السباحة في المغاطس الخاصة، كما شاهدنا بعض الأسر تجلس على الشاطئ تراقب استعراضات القوارب الصغيرة والجت سكي. أوقفنا سيارتنا الصغيرة على المرسى لنركب البوم "سفينة كويتية خشبية تستخدم في الأسفار قديمًا" ونكمل الجولة حول الخورين الأعمى والمفتح في نصف ساعة نتذكر خلالها رحلة الآباء والأجداد في رحلاتهم سعيًا لكسب الرزق والإبحار والتجارة على سفن كهذه تفتقر إلى أبسط شروط الأمان أو الراحة.

وفي مقابلة لنا مع محمد العوضي مدير المنتزه بالإنابة والرئة المتنفسة للمنتزه ذكر أن مرافق المنتزه تحوي مجموعة شاليهات يبلغ عددها 196 وجميعها مؤثثة أثاثًا فاخرًا ومكيفة ولكل منها غرفة معيشة وشرفة مطلة على مناظر البحر والحدائق الخضراء، ومواقف سيارات مغطاة ومطعم مجهز بكامل التجهيزات ومركز يحتوي على صالة ألعاب وشرفات على البحر، وهناك حمامان للسباحة كل منهما له كافتيريا تقدم الوجبات الخفيفة ويوجد أربعة ملاعب مضاءة للتنس وملعب لكرة القدم وآخر لكرة الطائرة وأخيرًا كرة السلة وملاعب ترفيهية للأطفال كما ذكر أن لديهم قاعات داخلية لحفلات الزفاف والمناسبات السعيدة وعروض الأزياء والمعارض والندوات بالإضافة إلى سوق مركزي به ما يحتاج إليه الرواد من مستلزمات، والشركة في طور بناء مركز للعلاج الطبيعي. في موسم الربيع توفر الإدارة خيامًا تنصب في الساحات داخل المنتزه بأسعار زهيدة تصلها الكهرباء والخدمات لمن يرغب في التغيير، ويضيف السيد العوضي أن الزوار ومرتادي المنتزه يستفيدون من خدمات نادي اليخوت طيلة فترة وجودهم، والمرسى مجهز بأفضل التجهيزات ويستوعب 224 قاربًا ويختًا صغيرًا ومتوسط الحجم وستة يخوت كبيرة الحجم كما توجد له صيانةٌ دورية وخدمةٌ على مدار الساعة ويحتوي المنتزه أيضًا على مركز للخدمات الطبية ومركز لخدمة رجال الأعمال وصناديق أمانات وخدمات أخرى.

الواجهة البحرية

جلسة على شاطئ الخليج والموج يتكسر تحت الضوء وكوب شراب من العصير البارد، بينما تتهادى إلينا أصوات الغناء. إنها واحدة من الجلسات التي يحفل بها شارع الخليج أو ذلك المشروع الطموح الذي أطلق عليه الواجهة البحرية. إن هذا المشروع يخاطب شيئًا دفينًا في نفس الشعب الكويتي هو عشقهم للبحر ورغبتهم الدائمة في الوجود بجانبه. لذلك كان مشروع الواجهة هو أشبه بتحقيق هذا الحلم. فعلى طول الكورنيش تناثرت المقاهي الشعبية والمساحات الخضراء وأماكن لعب الأطفال والأندية البحرية وحمامات السباحة. هذا المشروع الطموح الذي قسم على خمس مراحل لم ينفذ منه حتى الآن سوى المرحلتين الأولى والثانية، والمستقبل يحمل المزيد من التطوير.

تبدأ حكاية مشروع الواجهة البحرية منذ عام 1975م حين وضعت بلدية الكويت المخطط الهيكلي للبلاد نصب عينيها في محاولة جادة لتجميل شواطئ الكويت على مسافة تمتد 21 كيلو مترًا تبدأ من منطقة الشويخ غربًا وتنتهي برأس الأرض شرقًا حيث كانت الشواطئ على امتداد هذه المسافة مجرد أكوام من الأتربة والصخور المختلطة بماء الشاطئ المكدر، فلم يكن من السهل إنشاءٌ مشروعٌ ضخمٌ كالواجهة البحرية على شاطئ البحر برماله وصخوره دون تجهيز يستلزم قدرات كبيرة تحول ركامات الصخور والرمال إلى متنفس سياحي بهذا الحجم، كانت ضخامة العمل تمثل تحديًا رئيسيا لأصحاب الفكرة، فقد كان هناك ما يقارب 800 فني يعملون في وقت واحد بالمشروع بجانب معداتهم الضخمة وجهازهم الإشرافي الكبير. وقد أحضرت كميات كبيرة من الرمال والصخور من إمارة الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة خاصة أن تلك الصخور تتميز بالصفة البازلتية المقاومة للأمواج والتآكل، كما تم حفرٌ نحو 600 ألف متر مكعب في البر والبحر وشملت عمليات الردم مليونين و350 ألف متر مكعب، وتم ردم ما يتراوح بين10 و35 مترًا في المناطق الممتدة على طول الشاطئ، أما الجزيرة الخضراء التي تتربع وسط هذه الواجهة. فقد كان واضحًا أنها حظيت بأكبر عملية ردم، فهي تبعد عن اليابسة بمسافة 350 مترًا وتم ربطها بالشاطئ عن طريق ممر بري ردم بكامله إلى جانب 500 متر أخرى هي قطر الجزيرة. وقد وصلت تكاليف المشروع إلى 51 مليون دينار كويتي اقتضاها التصميم والتنفيذ والإشراف. يوجد في الجزيرة الخضراء مسرحٌ مكشوفٌ تقام عليه العروض المسرحية والاستعراضات كما أنه يستغل في تقديم المحاضرات والندوات، ويتسع المسرح لسبعمائة شخص وقد شعرنا بمدى المتعة التي يحس بها الزائرون مثلنا ونحن نجلس على هذا المسرح وتمتد أمامنا البحيرة الصناعية المتصلة بشريان دقيق بالخليج الواسع حتى تتجدد مياهها باستمرار. وعلى سطحها تتناثر قوارب التجديف الملونة تتصاعد منها ضحكات الأطفال مع آبائهم. إنها متعة خالصة تتيحها الأماكن التي تحتويها تلك الجزيرة من مطاعم وأندية للفيديو، وصالات للعب، كل هذا في امتزاج مع الطبيعة المفتوحة ومياه الخليج الساكنة.

كما يقع مجمع أحواض السباحة ضمن الواجهة البحرية وهو عبارة عن مبنى مساحته 9472م2، ويضم حمامين للسباحة أحدهما للرجال والآخر للعائلات والأطفال وبعض المرافق للخدمات واستراحة وصالات ألعاب ومطعمًا. ومن مرافق الواجهة البحرية أيضًا مرسى اليخوت الذي يتسع لـ 265 قاربًا بطول 30 مترًا، وضعت حوله صخور وقطع خرسانية ذات مواصفات خاصة من حيث الوزن والكثافة لإبقاء المرسى ومياهه هادئة كاسرة للأمواج، وبجانب المرسى يوجد ناد لليخوت خصص لأصحاب القوارب يضم مطعمًا ومركزًا للتزود بالوقود للقوارب، ومواقف خاصة للسيارات، وهذا ليس كل شيء فيما يتعلق بالتسهيلات والخدمات المتوافرة للزوار فهناك أيضًا مراكز خدمة ممتدة على طول الشاطئ تقدم المرطبات والوجبات السريعة إلى جانب غرف تبديل الملابس ولكن ينقصها مراكز الإسعاف أو المنقذين، كما نراهم منتشرين على طول الشواطئ في أغلب دول العالم لمنع الضرر قبل وقوعه من حالات غرق أو حوادث كاصطدام قوارب أو ما شابه. ويقول عبدالوهاب البناي مدير الواجهة البحرية : إن أمامنا الكثير لاستثمار هذه المساحة الواسعة التي تطل على الخليج. وسوف نقوم بالمشاريع الكبيرة القادمة بالاتفاق مع العديد من الشركات المستثمرة. ولعل افتتاح مدينة الألعاب المائية التي أقيمت بجوار أبراج الكويت هو أكبر دليل على ذلك. إننا نولي اهتمامًا دائمًا للشركات المحلية ونعطيها الفرصة للاستثمار شريطة الالتزام بالهدف الأساسي وهو الترويح عن المواطنين وليس استنزافهم بأسعار فوق طاقتهم. لقد افتتح مشروع مدينة الألعاب المائية وهناك مشروعٌ لإقامة تلفريك يربط رأس الأرض بمنطقة الأبراج وكذلك مشاريع للخدمات تتمثل في افتتاح 40 محلا لكل أنواع الخدمات وسوف تترك للمستثمرين، وهناك العديد من المشاريع مازالت قيد التنفيذ.

وعن القطاع الخاص والخصخصة ودورها في تنشيط عملية الترويح السياحي قال شاكر العثمان مدير عام شركة المشروعات السياحية: إننا شركة إدارة والهدف من إنشائها هو إدارة المرافق السياحية والترفيهية المملوكة للدولة، ولذلك فإننا نسعى لتحقيق التوازن بين تقديم الخدمات الترويحية والترفيهية للمواطنين والمقيمين وبنفس الوقت تغطية المصاريف الناتجة عن تقديم تلك الخدمات مع أن بعضها لا عائد ماديا له كمشروع الواجهة البحرية، فهو مشروعٌ مفتوحٌ ينتفع منه الجميع دون أن يدفعوا أي رسوم. وعن الدعم الذي تقدمه الحكومة ذكر السيد العثمان أنه في عام 1978م قرر مجلس الوزراء دعم الشركة عن طريق تغطية العجز في الميزانية، وفي سنة 1988م حققت الشركة أرباحًا وبدا أنها قد أخذت تسير نحو الطريق الصحيح في تغطية مصروفاتها من إيراداتها الخاصة ولكن كارثة الغزو العراقي البغيض أعادت الشركة مرة أخرى إلى دائرة الخسارة نتيجة النهب والتخريب لممتلكاتها، وهنا كان لا بد من إعادة دعم وزارة المالية من جديد لإعادة الإعمار بعد التحرير وتشغيل مرافق شركة المشروعات السياحية على مراحل بنفس الطاقات التي كانت عليها بالسابق بل ومحاولة تطويرها أيضًا. وأضاف العثمان: إن شركة المشروعات السياحية دائمًا تشجع القطاع الخاص من شركات ومؤسسات على استثمار أموالها في السياحة، وهي كذلك تقدم تسهيلات في كل مرافق الشركة من الأكشاك المنتشرة على شريط الواجهة البحرية إلى محلات المدينة الترفيهية والمطاعم والأسواق في منتزه الخيران والحدائق والنوادي البحرية وغيرها، ومن الجدير بالذكر أن تجربتي (شوبيز) مركز الألعاب و(إكوابارك) مدينة الألعاب المائية لكونهما مشروعين استثماريين بنسبة 100% فإنهما يستحقان الإشارة لهما للنجاح المنقطع النظير الذي حققته أنشطتهما في عملية الترويح. وتقوم إدارة الشركة بدور الإشراف والمراقبة الأمنية والفنية وضبط العملية الحسابية، هذه المرافق الخاصة أو المستغلة من قبل شركات خاصة ويأتي على اهتماماتها خدمة رواد الشركة وراحتهم وتوفير الأجواء المناسبة لهم وتذليل جميع العقبات التي تواجههم، كما أن حدود طموحاتنا لا تقف عند السياحة الداخلية بل إنها تتعدى ذلك إلى السياحة الخارجية بالتنسيق مع مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية وشعارنا دائمًا هو "ابتسم أنت في المش روعات السياحية". ثم كان حوارنا مع السيدة نبيلة العنجري مديرة العلاقات العامة حول الأندية البحرية والخطط المستقبلية التي تنوي الشركة الحكومية الإقدام عليها، وذكرت السيدة العنجري أن هناك مشاريع كثيرة قيد الدراسة وبعضها بالفعل في طور الإنشاء، منها على سبيل المثال مشروع الدولفين فهو أو (كلب البحر) وهذا المشروع يتم بالاتفاق مع القطاع الخاص على مساحة 400 متر طولي في البحر ويحتوي على مسرح بحري وحوض لإطعام الدولفين مشروع ترفيهي، كما ستكون هناك أحواض لأسماك القرش ومشروع تطوير شاطئ المنقف ومشروع التلفريك الممتد من نادي رأس الأرض حتى الأبراج على مسافة طولها من 8 إلى 10 كيلومترات، وتطوير الواجهة البحرية بحيث تضاف إليها مساحات خضراء وأكشاك صغيرة تستغل للخدمات، وستظهر برامج مفاجئة في القريب العاجل، أما عن الأفكار والطموحات لتوفير الراحة للرواد فتضيف السيدة العنجري أن لدينا أفكارًا كثيرةً لجميع الفئات، فهناك أفكارٌ للكبار كما للأطفال وأيضًا للنساء، فقد خصصنا شاطئ المسيلة لمدة ثلاثة شهور للنساء فقط وذلك لأن طبيعة مجتمعنا الإسلامي المحافظ وعاداتنا وتقاليدنا الموروثة تمنع اختلاط المرأة بالرجال أثناء السباحة وارتياد البحر، وتم تخصيص هذا الشاطئ بحيث يمكن لكل سيدة وفتاة أخذ قسطٌ كبيرٌ من الراحة. وفي المدينة الترفيهية أيضًا خصص يوم الإثنين للنساء فقط وكذلك الأبراج خصصت لهن ثلاثة أيام خلال الفترة الصباحية وهي أيام السبت والثلاثاء والخميس، إلى جانب أننا نقدم خدمات إنسانية وترويحيةً للجمعيات الأهلية وجمعيات النفع العام والفئات الخاصة من معوقين وأبناء دور الرعاية وأبناء ذوي الشهداء والأسرى بتنظيم حفلات ومسابقات وتكريم المتميزين منهم في دراساتهم كما نقدم لهم خدمات متميزة، وذلك لمكانة الشهداء والأسرى في قلوبنا كإدارة، وقلوب جميع الكويتيين كشعب.

وعن الجانب الإعلامي تقول السيدة العنجري إن للشركة نشره تسويقية نصف شهرية توزع مجانًا للجمهور تبين الأنشطة والفعاليات والبرامج لتكون دليلًا يستفيد منه الجميع، كما أننا نقدم برنامجًا تلفزيونيا أسبوعيا على قناة الكويت الأولى والقناة الفضائية نحن أصدقاؤك أيضًا نقدم فيه البرامج والأنشطة التي قمنا بها في مرافق المشروعات السياحية وبرامج الأسبوع التالي وتواريخها لنحيط الجمهور بما نقدمه لهم دائمًا.

ومنذ افتتاح صالة التزلج على الجليد في عام 1980 م وهي لا تزال تستقطب العدد الأكبر من الزوار. وقد بنيت هذه الصالة على مساحة إجمالية تقدر بـ 8398 مترًا مربعًا منها 7200 متر مربع مساحة المباني، 2600 م2 مساحة الجليد، ويتكون المبنى من صالتين هما الصالة الأوليمبية وتتسع لـ 1600 مقعد متفرج وشرفة لكبار الزوار والضيوف وصالة تبديل الأحذية ومحل لبيع لوازم التزلج وغرفة للإسعافات إلى جانب كافتريا كبيرة، أما الصالة الصغيرة فتضم مقاعد تتسع لستمائة متفرج وبها أيضًا محل لبيع لوازم التزلج وغرفة تبديل الأحذية وغرفة للإسعافات وكافتريا صغيرة، وتستخدم الصالة الصغيرة للتدريب على التزلج على الجليد وتدريب الأطفال والسيدات وفرق العروض وحفلات أعياد الميلاد كما أنها تؤجر للمؤسسات والشركات الأهلية لإقامة الحفلات الخاصة والحفلات الفنية. ومن نشاطات صالة التزلج دعوة الفرق الأجنبية لتقديم عروض التزلج الفنية.

كما أن الصالة تتبنى فريق هوكي الجليد منذ عام1981م وأطلقت عليه اسم صقور الكويت ويتم الإشراف على الفريق من قبل مدرب عالمي، حيث تقام المسابقات ويشارك بها فرق الجاليات الأجنبية الموجودة بالكويت، كما أن الفريق يشارك في بطولات عالمية ويحرز مكاسب ويفوز بمراكز متقدمة إلا أن هذا التبني الذي تقوم به صالة التزلج لفريق الهوكي هو إشراف متواضع لا يتعدى غرفة تبديل ملابس وتوفير ساعات للتدريب، وهذا نظير قيامهم بأعمال النظام والمراقبة في أوقات التشغيل.

أما عن النافورة الموسيقية فقد تم اختيار موقعها وسط حدائق سور الكويت لتكون قريبة من قلب العاصمة، وتمثل النافورة الموسيقية مستوًى عاليًا في فنون الإضاءة بألوانها الزاهية المتعددة التي تنعكس على مياهها وعلى نغمات موسيقية كويتية مجسدة بذلك لوحات لونية راقية، ويبلغ عدد النوافير الفرعية بها 220 نافورة تتوزع جميعها داخل أحواض النوافير الثلاث، وقد صممت النافورة بحيث تنسجم مع مختلف أجزائها من خلال ثلاثة أحواض متدرجة على مستويات مختلفة ويبلغ حجم الماء فيها حوالي 4000 متر مكعب. وتعمل النافورة بواسطة 22 دائرة منظمة تتحكم بدفع المياه إلى ارتفاعات متدرجة بإتقان، وتصل أعلى درجة رفع للمياه إلى 35 مترًا، وهذا التنظيم يعمل بواسطة سبع مضخات مجموع تصريفها 8000 متر مكعب من المياه في الساعة. وللاحتياط فقد صمم تشغيل النافورة بحيث يتم أتوماتيكيا ويدويا، وهناك مساحاتٌ خضراء تنتشر بين هذه النوافير تتوسطها مقاعد في أركان بعضها مظلم ومنها ما هو مسلطٌ عليه إضاءة خافتة، ومع نفحات الهواء الباردة ورذاذ الماء الخفيف بين تارة وأخرى تجتمع قطرات رشيقة منه لترتطم بوجوه الجالسين لتضيف جوا من البهجة، ولتجديد الحيوية لمن فقدها مع أنغام الموسيقى في جو رومانسي حالمٌ يجتمع فيه بعض الحالمين والشعراء ممن لهم اهتمامات فنية لها حساسية شديدة للاستمتاع بقضاء ساعات بين فواصل الزمن لا تحسب ولا يعد لها بل تأتي هكذا

وحول عملية التطوير في المساحات الخضراء التي تعتبر رئة متنفسة للكويت يحدثنا عادل الخرافي مدير إدارة الحدائق الأربع تغلق أبوابها لزيادة كثافة المساحات الخضراء بها وإدخال ألعاب جديدة وإعادة تشكيل البرامج والأنشطة لمواكبة التطور التقني والمعلوماتي الهائل في العالم كما أن هناك مشروعات طموحًا

ونأتي أخيرًا إلى معلم الكويت الرئيسي.. فلا أحد قد زار البلاد أو رآها من الجو إلا ويتذكر مشهد الأبراج الثلاثة الشامخة التي تطل على الخليج. إنها علامةٌ مميزةٌ على الكويت وهي تقدم للزائر بانوراما واسعة يستطيع من خلالها أن يرى الامتداد المعماري والتطور الحضاري. وقد افتتحت الأبراج في عام 1979م ويضم البرج الرئيسي منها جزءًا متحركًا يدور بانتظام ليكشف عن معالم المدينة. ومطعمًا فاخرًا يمكنك أن تتناول فيه الوجبات الرئيسية، وأنت تنعم برؤية الخليج ومياهه المتألقة. إنها تجربة سياحية رائدة بالنسبة لبقية دول الخليج، وإذا أخذنا تجربة الكويت السياحية مقارنة بدول الشرق الأوسط فإن التجربة الكويتية تنال صفة الفريدة إذا أخذنا بالاعتبار الظروف المناخية والاجتماعية بها، وكذلك إذا تم قياسها من ناحية الكم والكيف إلى حجم دولة الكويت وعدد سكانها، فبالفعل هي تعتبر تجربة ممتازة إذا استطاعت اكتساح الصعاب، تخطي الظروف والتغلب عليها للخروج إلى مصاف الدول السياحية.

 

حميد العنزي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات