شاعر الخليج (خالد الفرج)

شاعر الخليج (خالد الفرج)

كان الشعر في الكويت قبل صقر الشبيب (1896 - 1963)، وخالد الفرج (1898 - 1954)، وفهد العسكر (1917 - 1951)، نظمًا لا روح فيه، ففتح هؤلاء الثلاثة المجددون، أبواب الشعر الرصين لمن جاء بعدهم من الشعراء. أما الذي أطلق على الشاعر هذا اللقب الفخري فهو محمد علي الطاهر، صاحب مجلة الشورى التي كانت تصدر في القاهرة في الثلاثينيات من القرن الماضي.

أيقظْ فتى الأشعار من رَقْدَتِهْ
طالَ بنا الشّوق إلى رِقَّتِهْ
ورِقَّةُ الشِّعرِ دليلٌ على
براعةِ الشاعر في نَغمَتِهْ
وشِعرهُ الثّجّاجُ في أوجِهِ
مُزدهرُ اللَّحنِ.. وفي ذِرْوَتِهْ
يُرسِلُهُ عذبًا فيَهْفو لَهُ
قَلْبُ المُحِبِّ الصَّبِ في خَفْقَتِهْ
يا خالدَ الأشعارِ قُم لحظَةً
وانظر جمالَ الحيِّ في أيكَتِهْ
أعلامهُ في الأفقِ خَفّاقةٌ
تحدِّثُ العالَمَ عن نهضَتِهْ
تدفَّقَ الينبوعُ في عُمقِهِ
فأورقَ الزَّهرُ على قِمَّتِهْ
وصارتِ الأرجاءُ معطارةً
تُسبِّحُ اللّه على قُدرتِهْ
وَمِشعلُ الفِكرِ يُضيءُ الدُّجى
بنورِهِ اللّماحِ في وَقْدتِهْ
ومَوكبُ الإصلاحِ نورٌ على
نورٍ وكلُّ الخيرِ في قبضَتِهْ
يا مُبدِعَ الشِّعْرِ بلغتَ الذي
سَعيتَ طولَ العُمرِ في يقظَتِهْ
وَغُصتَ في شِريانه سابحًا
تبحثُ في الأعماقِ عن رِفْعَتِهْ
وكنتَ كالبلِ في شَدوِهِ
وكالهزار الطَّلقِ في غُربتِهْ
تشدو الأغاريدَ برحب القُرى
فيرقصُ الفَنُّ على صَدْحَتِهْ
وتملأُ الآفاقَ من فيضِهِ
حُبًّا صحا القلبُ على صَبْوتِهْ
والروحُ نَشْوَى وحديثُ الهوى
يغازلُ السُّمارَ في نَشوتِهْ
فالرَّوضُ.. روضُ الشِّعرِ لَمْ يزدهِرْ
إلاّ بعطرِ الحُبِّ.. في هَمْسَتِهْ
وَموجَةُ الإفصاحِ تبدو على
جوانبِ الأفقِ.. وفي صَفحَتِهْ
وهكذا الشاعرُ مثل الشّذا
يُعطِّر الأرجاءَ من نَفحتِهْ
والشِّعرُ والعطرُ بأفقِ العُلى
كلاهُما يرفلُ في حلَّتِهْ
فتسبحُ الأرواح مسحورَةً
في بحرِها.. في مُلْتَقى زُرقَتِهْ
يا خالدَ التجديدِ هل أبصرَتْ
عيناكَ سحر الشِّعرِ في وَمضَتِهْ؟!
قد كانَ يحبو في بداياتِهِ
فصارَ مثلَ النورِ في طَلعتِهْ
طَلعتهُ صارتْ حديثَ الوَرى
حديثَ من يَهفو إلى دُرَّتِهْ
وصارَ مُخضرًّا بأوراقِهِ
مثلَ اخضرارِ الغُصنِ في سِدْرَتِهْ*
وصرتَ في مُروجِهِ باحثًا
عن وَرْد أيارَ.. وفي دَوحتِهْ
لم تستكنْ لراحةٍ أو وَنى
في صولَةِ اللّيلِ وفي جَولتِهْ
تعانقُ الفَجرَ لنَيلِ المُنى
في وَحْيه الفَذّ.. وفي رَوْعتِهْ
وهكذا الشّاعر في بحْثه
عن مصدرِ الإلهام في عُزلتِهْ
يا خالدَ الذّكرْ.. سلامٌ على
شعرِكَ... وَهْوَ اليومَ في عِزَّتهِ
فَنَمْ قريرَ العيْنِ.. بعدَ الضَّنى
في رَحْمةِ اللّه.. وفي جَنَّتِه

----------------------------
* السدرة: شجرة دائمة الاخضرار صيفًا وشتاءً، لأن جذورها ضاربة عميقا في الأرض.

 


فاضل خلف