على خطى الديناصورات.. التنوع الحيوي قضية تنمية اقتصادية

على خطى الديناصورات.. التنوع الحيوي قضية تنمية اقتصادية

أخيرا أدرك العالم خطورة قضية فقدان الأنواع والتنوع الحيوي واعتبرها قضية أساسية من قضايا التنمية.

جاء هذا الإقرار في تقرير اقتصادي دولي شديد الأهمية نشر على هامش الاجتماع السنوي لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع الحيوي الذي عقد أخيرًا في بون بألمانيا. وصدر هذا التقرير، الذي أعد بناء على تكليف مباشر من الحكومة الألمانية ووزراء البيئة في مجموعة الدول الثماني الكبرى وبدعم من المفوضية الأوربية، تحت عنوان «اقتصادات الأنطمة الإيكولوجية والتنوع الحيوي The Economics of Ecosystems and Biodiversity».

واعتبر علماء البيئة أن هذا التقرير ينطوي بالنسبة لقضية التنوع الحيوي على الأهمية نفسها التي انطوى عليها تقرير ستيرن Stern report بالنسبة لتغير المناخ، الذي كان بمنزلة نقطة تحول في الحوار حول المناخ من خلال إبراز عواقبه السلبية على الاقتصاد العالمي.

والحقيقة أن التنوع الحيوي ليس مجرد قضية تعني فقط المدافعين عن البيئة - بل هو ببساطة نظام دعم الحياة على كوكبنا حيث يوفر الغذاء، والوقود، والألياف، والأدوية فضلا عن خدمات مثل تلقيح النباتات، وخصوبة الأراضي والمياه النظيفة.

وقد اعترف تقرير «اقتصادات الأنطمة الإيكولوجية والتنوع الحيوي» بالقيمة الاقتصادية للتنوع الحيوي، على اقتصادنا الكوني وبالنسبة لملايين الناس الذين يعتمدون مباشرة على الموارد الطبيعية في عيشهم.

ورسالة التقرير واضحة: علينا أن ندرج قضية التنوع الحيوي ضمن سياساتنا على المستويين الوطني والدولي. ففقدان التنوع الحيوي يؤثر الآن في اقتصادات بلداننا من خلال سلسلة من الممارسات، بداية استنزاف المخزونات السمكية في محيطاتنا من خلال الصيد المفرط والصيد غير القانوني وحتى الأنشطة الزراعية الملوثة لوديان الأنهار واجتثاث الغابات من أجل توفير الغذاء والمأوى والوقود لسكان كوكبنا الذين تتزايد أعدادهم كل يوم.

وكانت آخر «قائمة حمراء» صدرت في أواخر العام الماضي عن الاتحاد العالمي لصون الطبيعة World Conservation Union (IUCN)، وهي القائمة الأكثر دقة ومصداقية للأنواع المهددة على كوكبنا، قد كشفت أن الحياة على كوكبنا آخذة في الاختفاء بإيقاع متسارع وستستمر هكذا ما لم نلجأ إلى حلول سريعة ومبتكرة.

وتضم القائمة الحمراء الآن 415ر41 نوعا، من بينها 306ر16 أنواع مهددة بالانقراض، مقارنة بـ118ر16 نوعا كانت مهددة بالانقراض قبلها بعام واحد. وسجلت القائمة الحمراء انقراض 785 نوعا، بينما هناك 65 نوعا اختفت تماما من موائلها الطبيعية ولم تعد موجودة إلا في الأسر أو الاستزراع.

وتضم الأنواع المهددة بالانقراض في القائمة الحمراء الأخيرة ربع الثدييات، وثمن الطيور، وثلث البرمائيات، و70 في المائة من النباتات التي جرى تقييمها.

وتقول جوليا مارتون لوفيفر، المدير العام للاتحاد الدولي لصون الطبيعة: «تظهر القائمة الحمراء الجديدة أن الإجراءات الثمينة التي بذلت حتى الآن لحماية الأنواع لم تكن كافية. فمعدلات فقدان الأنواع تتزايد وعلينا التحرك فورا لنخفض بدرجة كبيرة من هذه المعدلات وندرأ أزمة الانقراض الكونية هذه».

وتعتبر «القائمة الحمراء للأنواع المهددة» على نطاق واسع بمنزلة التقييم الأكثر دقة للأنواع حول العالم. وهو يقسم الأنواع وفقا لخطر انقراضها ويسلط الضوء على التراجع الجاري في التنوع الحيوي على مستوى العالم وتأثير ذلك في الإنسان وفي الحياة على كوكب الأرض.

وتقول جين سمارت، رئيس برنامج الأنواع في الاتحاد الدولي لصون الطبيعة: «إننا نحتاج إلى معرفة الوضع الدقيق للأنواع من أجل أن نحدد التحرك المناسب. وهو ما تفعله القائمة الحمراء من خلال قياس الوضع الشامل للتنوع الحيوي، ومعدل فقدانه وأسباب تراجعه».

وتضيف: «حياتنا مرتبطة ارتباطا لا تنفصم عراه بالتنوع الحيوي وحمايته في نهاية المطاف أمر جوهري بالنسبة لوجودنا ذاته. ومع الاستجابة التي بدأ العالم يبديها إزاء أزمة فقدان التنوع الحيوي الراهنة، فإننا نحتاج بشدة إلى المعلومات التي تقدمها القائمة الحمراء لكي نصوغ ونطبق استراتيجيات الحماية الفعالة - لمصلحة الناس والطبيعة».

القردة العليا

كشف التقييم الجديد لأقرب أنواع المملكة الحيوانية للإنسان، أي القردة العليا، عن صورة قاتمة. فقد انتقلت الغوريلا الغربية Western Gorilla) Gorilla gorilla) من قائمة «الأنواع المعرضة للخطر Endangered» إلى قائمة «الأنواع المعرضة لخطر داهم Critically Endangered»، بعد اكتشاف أن نويعها subspecies الرئيسي، وهو غوريلا الأراضي الغربية الواطئةWestern Lowland Gorilla (Gorilla gorilla gorilla)، قد بات على وشك الانقراض بسبب الاتجار في لحوم الأدعال وفيروس إيبولا. وقد انخفض عددها بأكثر من 60 في المائة خلال العشرين سنة الأخيرة، بينما قتل فيروس الإيبولا ثلث عددها الإجمالي الموجود في المحميات الطبيعية خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة.

وبقى أورانج أنوتان سومطرة Sumatran Orangutan) Pongo abelii) ضمن قائمة «الأنواع المعرضة لخطر داهم» وأورانج أوتان بورينيو Bornean Orangutan) Pongo pygmaeus) في «قائمة الأنواع المعرضة للانقراض». ويتهدد النوعين فقدان الموائل الطبيعية بسبب الاجتثاث القانوني وغير القانوني لزراعة نخيل الزيت. وفي بورينيو، اتسعت المساحة المزروعة بنخيل الزيت من ألفي كيلومتر مربع في العام 1984 إلى 27 ألف كيلومتر مربع في العام 2003، وهو ما ترك مساحة قدرها 86 ألف كيلومتر مربع من الموائل الطبيعية التي تعيش فيها هذه الكائنات.

المرجان في القائمة

أدرج المرجان لأول مرة في القائمة الحمراء الجديدة. حيث دخلت أنواع تعيش في منطقة جزر جالاباجوسGal?pagos إلى القائمة، ووضع نوعان منه في قائمة الأنواع المعرضة لخطر داهم ونوع في قائمة الأنواع المعرضة للانقراض. كما وضع مرجان ولنجتون المتنسك Rhizopsammia wellingtoni في قائمة الأنواع المعرضة لخطر داهم (محتمل انقراضه فعلا). والخطر الرئيسي الذي يهدد هذه الأنواع هو تأثير ظاهرة النينو وتغير المناخ.

وبالإضافة إلى ذلك، دخلت إلى القائمة الحمراء 74 نوعا من أعشاب البحر التي تعيش في منطقة جزر جالاباجوس، عشرة منها ضمن قائمة الأنواع المعرضة لخطر داهم، بينها ستة أنواع ربما انقرضت بالفعل.

هل انقرض دولفين يانجتسي؟

بعد عمليات بحث مكثفة وواسعة عن دولفين نهر يانجتسي، المعروف باسم بايجي Baiji (Lipotes vexillifer)، في نوفمبر وديسمبر 2006، أدرج ضمن الأنواع المعرضة لخطر داهم (ربما انقرض). وفي الوقت الذي يعتقد فيه كثير من العلماء أنه انقرض بالفعل، فإن بلاغا من أحد الصيادين في أغسطس 2007 عن مشاهدته واحدا منها، أعاد الأمل للعلماء الصينيين في أنه لم ينقرض، ويقومون الآن بعمليات بحث جديدة عنه. ويرجع هؤلاء انقراضه المحتمل إلى الصيد، والنقل النهري، والتلوث وتراجع موائله الطبيعية.

ويواجه التمساح الهندي والنيبالي، المعرف باسم غاريال Gharial) Gavialis gangeticus)، أيضا أخطارا محدقة بسبب تراجع الموائل الطبيعية، وخرج من قائمة الأنواع المعرضة للخطر ليدخل قائمة الأنواع المعرضة لخطر داهم. وتراجعت أعداده من 436 في 1997 إلى 182 في 2006.

أدرج العلماء 956ر9 نوعا من الطيور في القائمة الحمراء الجديدة، 217ر1 منها سجلت كأنواع مهددة. وقد تراجعت أعداد النسور بشدة في إفريقيا وآسيا، ودخلت خمسة أنواع منها إلى القائمة الحمراء كأنواع مهددة بالانقراض. ففي آسيا، انتقل وضع النسر الأحمر الرأس Red-headed Vulture) Sarcogyps calvus) من «على وشك التعرض للخطر» إلى «معرض لخطر داهم»، ووضع النسر المصري Egyptian Vulture) Neophron percnopterus) من «يدعو للقلق» إلى «معرض للخطر». وفي إفريقيا، أعادت القائمة تصنيف ثلاثة أنواع من النسور، حيث انتقل وضع النسر الأبيض الرأس من «يدعو للقلق» إلى «معرض للخطر»، بينما انتقل وضع النسر الأبيض الظهر وغريف رابل إلى «على وشك الانقراض». وتعاني النسور تهديدات عدة، من بينها تراجع مصادر الغذاء مع تراجع أعداد الثدييات التي ترعى في البرية، وتراجع الموائل الطبيعية والاصطدام بأسلاك الضغط العالي.

زواحف أمريكا الشمالية

بعد عملية إعادة تقييم واسعة لزواحف المكسيك وأمريكا الشمالية، أدرج 723 نوعا منها هذا العام في القائمة الحمراء، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 738، من بينها 90 نوعا معرضة للانقراض. وتضم الأنواع المهددة سلحفتين مكسيكيتين تعيشان في المياه العذبة، والحية المكسيكية ذات الجرس المعرضة لخطر داهم نتيجة لملاحقتها من جانب الصيادين للاتجار غير القانوني فيها.

النباتات في خطر

تضم القائمة الحمراء الآن 043ر12 نوعا من النباتات، من بينها 447ر8 نوعا مهددة بالانقراض. وكان نبات البغونية الصوفية الساق Woolly-stalked Begonia (Begonia eiromischa)، الذي كان منتشرا في إحدى الجزر الماليزية، هو النوع الوحيد الذي أعلنته القائمة الحمراء الجديدة نوعا منقرضا.

وأدرج المشمش البري Wild Apricot (Armeniaca vulgaris)، الذي كان منتشرا في وسط آسيا، لأول مرة ضمن القائمة الحمراء وصنف «معرضا للانقراض». وهذا النوع هو السلف المباشر لكل أنواع المشمش التي زرعت على نطاق واسع في دول كثيرة، وهو آخذ في الانقراض تحت ضغط تراجع الموائل الطبيعية بسبب التوسع السياحي والعمراني.

محنة ديك البحر

استمر الصيد المفرط في الضغط على العديد من أنواع الأسماك، إلى جانب الضغط القادم من تجارة أسماك الزينة. وقد أدرج سمك ديك البحر Banggai Cardinalfish (Pterapogon kauderni) لأول مرة ضمن الأنواع المهددة بالانقراض في القائمة الحمراء بسبب استنزافه نتيجة لسعره العالي في سوق أسماك الزينة. ويصدر من هذا النوع، الذي لا يعيش إلا في منطقة أرخبيل بنجاي في إندونيسيا، نحو 900 ألف سمكة سنويا. ودعا الاتحاد العالمي لصون الطبيعة إلى تفريخ هذا النوع من الأسماك في الأسر، حتى تعود أعداده في الطبيعة إلى سابق عهدها.

الإنسان هو الخاسر

تلك كانت بعض أمثلة على فقدان التنوع الحيوي حول العالم. ويخلف اختفاء الأنواع تأثيرا مباشرا في حياة البشر. فتراجع مخزون أسماك المياه العذبة يحرم العديد من المجتمعات الريفية الفقيرة ليس فقط من مورد غذائها الرئيسي بل أيضا من مصدر رزقها. واليوم يطارد العلماء حيوانات الغوريلا في أدغال إفريقيا، لا لقتلها ولكن لإنقاذها لأنهم واثقون من أن أي علاج محتمل لفيروس الإيبولا يبقى سرا في أجسادها.

 


أحمد الشربيني 




تجارة أسماك الزينة تهدد وجود سمك ديك البحر.. دولفين نهر يانجتسي، البايجي، ربما يكون قد انقرض بالفعل





الغوريلا في أجسادها يكمن علاج فيروس الإيبولا





الغاريال، تمساح الهند ونيبال، يواجه أخطارا محدقة بسبب تراجع موائله الطبيعية





النسر الأحمر الرأس «معرض لخطر داهم»





النسر المصري، انتقل وضعه من «يدعو للقلق» إلى «معرض للخطر»





أورانج أنوتان سومطرة دخل ضمن قائمة «الأنواع المعرضة لخطر داهم»





المشمش البري، سلف كل أنواع المشمش الحالية، مهدد أيضا بالانقراض