عبقرية العقاد

عبقرية العقاد

لقد عودتنا «العربي» أن تدهشنا بالجديد وذلك بما تمتلكه من فريق من كبار الكتّاب العرب، ولقد نجح الشاعر الصديق فاروق شوشة فيما كتبه في العدد (593) في اختيار أبيات من قصائد العقاد لا ننكر أن شاعريته ساعدته في محاولة انتزاع إقرار بتوقيع العقاد ذاته!

ولدى عتاب يجب أن أسجله وهو أن الشاعر الصديق فاروق شوشة تأخر كثيرًا جدا في الحديث عن جمال العربية لدى العقاد، وهناك جماليات كثيرة في شعر العقاد - غير ما ذكر - جديرة بأن تستوقفه، نتمنى أن يفسح لها جهده ووقته. ولا يمكن أن تكتمل رؤية موضوعية للعقاد من خلال التلذذ بأبيات من قصائده، فلا بد من استلهام كل مواقفه بصورة بانورامية موضوعية، لعلنا نحيط بأبعاد شخصيته العظيمة التي لن تتكرر، لتتكرم «العربي» لتفسح صفحاتها بسخاء وأنا أحاول أن أختصر بقدر المستطاع.

لقد كان العقاد شخصية عظيمة عميقة الأغوار، ليس من السهل استنباطها لكل ناظر،

ولا يتأتى تفسيرها لكل مفسر إلا إذا سلمت النفوس من سوء النية والهوى. لقد اتهم الكاتب العقاد العظيم بالضعف الإنساني وكرره في مقاله ولا أدري هل كرره تلذذًا أم تشككًا؟!

ولا يمكن أن يكون الحكم منصفًا موضوعيًا دون ذكر وجهات النظر الأخرى ثم الموازنة وترجيح الحجج، أليس كذلك؟

هناك رأي آخر في علاقة العقاد بالمرأة وكما حاول الكاتب أن ينتزع الاعتراف بتوقيع العقاد، حاولت الأستاذة جاذبية صدقي في حديث سجلته مع العقاد العظيم انتزاع اعتراف منه بأنه «كان يستخدم مع مي - إذا تشاجرا - طريقة واحدة لا يغيرها حتى تجيء إليه مي هارعة ترتمي عند ركبتيه، تقبل يده ضارعة، ينشر مقالاً ملتهبًا يهاجم فيه الحكومة في اندفاع حتى تخشى عليه مي من الاعتقال، فتهرع إليه متضرعة تستحلفه أن يكف عن إيذاء نفسه، حينئذ فقط، ومي - على عظيم مكانتها - في موقف الضعف والذل يكف عن مهاجمة الحكومة، كم مرة ظلمت الوزارة لا لشيء إلا لكي تجيء مي هارعة ضارعة»!

يعترف رجاء النقاش بعد معاركه الضارية مع العقاد بأنه لم يكن في فكرة من أفكاره مأجورًا، وإن من السخف أن يقال إن العقاد العظيم غيّر رأيه ببعض أبيات من قصائده. والحق أن كلا التفسيرين فيه بعض المبالغة غير المقبولة، حيث إن موقف العقاد من المرأة عامة لم ينعكس بعد قصة عاطفية مع سارة أو غير سارة، بل صدر عن رؤية ثابتة مستقرة وإن اشتركت في صنعها تجارب حياته واطلاعاته وشخصيته.

ففي دراسة لي تبين أن هذه الأبيات المحدودة لم تلغ رأي العقاد، وإن دلت على شيء فإنها تدل على شاعرية العقاد التي نجحت في الكشف عن أنه يميل إلى المرأة من دون إفراط أو تفريط. لقد نجحت هذه الأبيات في إظهاره بأنه مفرط الجنسية oversexed في الوقت الذي يدل إصراره على عدم الزواج بأنه غير قاصر الجنسية undersexed. ويزيد هذه الشهادة عظمًا أن العقاد الذي تجنب الزواج في ضرورة رجل شجاع غير هياب النساء، وهنا تكمن عظمة العقاد وسحر شخصيته،لقد كان بين ذلك قوامًا!!

لا أنكر أن العقاد عرف الكثير من النساء من كن يترددن ومن لا يترددن عليه.

لا ننكر أن العقاد أحب مي زيادة، وأحب إليس داغر «سارة» وحمل سامح كريم سارة المسئولية عن كل ما جاء على لسان العقاد من معاني الخيانة للمرأة، لكن العقاد قرر أن يقف بكرامته فوق قلبه وظل مرفوع الكرامة. وفي الخمسين أحب ممثلة شابة سمراء كانت تأتيه بعطرها الرخيص الذي يسبقها إلى أنفه وهناك ست رسائل في بيت العقاد بخطها وصور لها مهداة في عبارات نارية، اسمح لي أن أختصر جزئية من رسالة تحكي فيها كيف تعذبت وكيف دقت أبواب بيته وكيف تمزقت أمام أعين المارة حتى اضطرت أن تذهب من الباب الخلفي ولكن العقاد رفض معتصمًا بعقله متحصنًا بكرامته.

وحتى في الستين عرف العقاد عددًا من النساء؛ قاصتين وشاعرتين وكاتبتين، واحدة تصر بأنها باحثة والأخرى تصر بأنها كاتبة إسلامية!

وغيرهن كثيرات ممن لا يزلن أحياء يذكرن العقاد العظيم كأب وكصديق وكإنسان، يشهدن بأنه لم يضعف ولم ينكسر ولم ينسحق، يحرص بعضهن أن يأتين لزيارة مقبرته في الشتاء - يؤكدن - ليس للاستمتاع بشتاء أسوان المنعش ولكن للاستئناس بالعقاد المدهش!.

عبدالرحمن أبو المجد
مترجم ومحرر، مصر