الفن الإيراني والبحث عن الفردوس المفقود

 الفن الإيراني والبحث عن الفردوس المفقود
        

الفن الإسلامي في إيران ينطلق من محاكاة الطبيعة بواقعية كخطوة انتقال إلى الطبيعة الإنسانية الأكثر تعقيدًا, برؤية فانتازية تقف على حدود السوريالية, من خلال قوة الفطرة والاستقراء الديني والتأمل الروحاني.

          الأسئلة المطروحة في الفن الإيراني تختلف عن سوريالية الغرب المادية النابعة من الأحلام واللاوعي والباطن/ والميتافيزيق أو الماورائيات.

          كما يلقي الفن الإيراني الضوء على سلوكين في التعبير الفنّي الذي يتفاوت من حيث التوجه والأسلوب بين القديم المتخفي والمعاصر المتطلع نحو التجديد, حيث يقوم باقتحام جميع موضوعات الحياة, ويعالج مشكلات الإنسان المختلفة, فهو لا يهرب, ولا يتوارى ولا يتقوقع في دائرة ضيقة من الأفكار, وإنّها لأمانة كبرى في عنق الفنان المسلم, أن يجرّد قلمه وريشته لكشف الحجب عن الأفكار السليمة والمبادئ الخيرة, وأن يعري الأفكار المنحرفة والقيم الهجينة الشاذّة, وأن يضع بين يدي إنسان هذا العصر الممزّق الذي أضلته التصوّرات السقيمة التي تغذيه بها الآداب الجاهلية, ما يضيء له الطريق ويهديه إلى سواء السبيل.

          وتجسد العلاقات المضيئة التي تظهر كنور على جبين الخاشعين الذين يدركون الخلفيات وكوامن الأسرار بعينين لهما الأسرار نفسها التي لعيني النسر حين ينظر من الأفق الأعلى. كأنها تبحث عن أسرار الإبداع والتلوين من خلال مبدأ التكامل والوحدة.

          وتصطبغ الثقافة الإيرانية في أغلب عصورها بمدخل فلسفي إيجابي, سعى دومًا إلى تكريس مفاهيم الخير والعدالة والمحبة. إلا أن تعاطفها الأكبر في هذا الاتجاه حصل مع دخول الإسلام الذي دعم تلك الاتجاهات البنّاءة والإنسانية في مجال الثقافة عمومًا, ورفدها بروح جديدة مستمدة من روح العقيدة التي تتمثل أهم خصائصها بالتوحيد. وترتبط فلسفة التصوير في الإسلام بين العالم المادي والعالم الروحي, ارتباطًا محكمًا ينزع إلى الكمال, ويجعل من أعمال الفن نمطًا فريدًا في مزاياه, تقرّبه من أن يكون نوعًا من ممارسة طقس ديني.

مفاهيم إنسانية

          ولم يكن الفن الإسلامي الإيراني جافّا أو خاويًا أبدًا, بل إنه أوجد في داخله مفاهيم ومعاني إنسانية أصيلة متفاعلة في المجتمع, والإسلام جاء ليركز هذه الروح الأصيلة, ويضفي عليها روحًا إيمانية مقدّسة مما جعل هذه الإبداعات أكثر نورًا وإشراقًا. فالأعمال الفنية تثبت أن التاريخ الفني العالمي يشهد, بكل فخر واعتزاز, على مآثر الفنانين الإيرانيين ودورهم في خدمة الإنسانية على هذا الطريق, وكذلك دورهم البارز في الحركة التجديدية للفن عمومًا, والفن الإسلامي بشكل خاص, لأن الفن الإسلامي لن تتحقق له الرحابة إلا إذا استطاع داعيته المسلم أن يمتلك مجموعة من الأساليب التي يتم بها تمييز الفنون بعضها عن بعض, وما يحمله الفن الإسلامي من مفاهيم سليمة نحو بناء الإنسان خلقيًا وعمليًا فيكون نبراسًا يضيء معالم الطريق المستقيم لكل الأجيال القادمة.

          وقد أسهم الفنان المسلم, في إطار فهمه الصحيح لعقيدته وشريعته الخالدة, في ترقية الفن العالمي, حيث جاء الفن الإسلامي مسايرًا للقيم النبيلة, وأصبح رافدًا مهمّا من روافد الثقافة الفنية والأدبية ووسيلة مهمّة للتفاهم بين الشعوب المختلفة, لأن الفن لغة عالمية استثمره الفنان المسلم في التعامل الراقي مع الأمم.

          والواقع أن عبارة منمنمة تتصف بسعة دلالتها, فهي إنتاج فني صغير الأبعاد يتميز بدقة في الرسم والتلوين, وهو اسم يطلق عادة على الأعمال الملونة/بالقواش والأكواريل/وغيرها من الوثائق الكتابية المزينة بالصور أو الخط والهوامش المزخرفة, وقد حقق فن المنمنمات المرتبط بالمخطوطات كمالاً رفيعًا خلال القرون الوسطى في الشرقين الأوسط والأدنى.

          كما تعد المنمنمات الإيرانية حالة نفسية عرفانية في النفس الإنسانية, تجعل من يمارسها ويعايشها يرتفع ويحلّق في عالم تسمو وتتوق إليه النفس البشرية.

عشق المنمنمات

          من هنا لا نعجب حين نرى أن معارض المنمنمات الإيرانية تجد إقبالاً كبيراً في أوربا وأمريكا لأنها تعبر عن شوق الإنسانية إلى السمو والارتفاع, ولئن حرمت الحضارة المادية الإنسان الأوربي من السمو الرّوحي, فإن هذا السمو يبقى مطمحًا إنسانيًا, إنه يرتبط بفطرة الإنسان, وكل فن يرتبط بهذه الفطرة سيبقى خالدًا. والفنون تحيا بحياة الشعوب, والفنون الإسلامية قدّر لها أن تنتعش وتزدهر وتبلغ ذروتها حين بلغت الحياة في الأمّة قمة مجدها في القرنين الرابع والخامس الهجريين.

          كما تميز التراث الإسلامي بأنه تراث حضاري ثري تفهمه شعوب العالم كله, لما يحتويه من زخارف ونقوش جمالية تعكس رؤية الفنان المسلم وتدبره في الكون, فجاءت إبداعات المسلمين معبّرة عن روح الدقة والجمال المستمدة من تعاليم الإسلام الذي رسم للإنسانية كلها منهاج حياة دقيقة متكاملة من الإتقان في العمل, لذا كان الفن الإسلامي ولايزال جسرًا خالدًا لمخاطبة الرأي العام العالمي.

          فالفن الإسلامي منظومة إلهية تؤمّن للإنسان متطلباته الروحية وتضمن له سعادته ورقيّه, وعلى هذا الأساس تسير تلك الفنون باتجاه بناء حدث حضاري متكامل الأبعاد والأهداف, والإنسان الذي تحمّل الأمانة التي استثقلتها الأرض والجبال, سيجد المشاق العظيمة حتى يعود إلى أصله, وحركة الروح إلى أصلها هي من آثار العشق. والعشق ميل القلب نحو الجميل, والله جميل يحب الجمال, وطيب لا يقبل إلا طيبًا.

          وإن تكامل الزخرفة بمجموعها يشكل ظاهرة بارزة في الفن الإسلامي ملأت أرجاء العالم الإسلامي, وهذه الزخرفة ترسّخت في فنه التصويري النباتي والهندسي بإضافة عنصر الخط العربي الجميل الذي يحمل الكثير من الأصالة والإبداع والابتكار. كما انعكست الزخرفة الإسلامية في واقعيتها في حس عقلاني إلى حب للواقع واحترام للنظام الكوني, وإيمان بالله الواحد الأحد.

يا ظبيةً لطفتْ منّي منازِلُها, فالقَلبُ مِنهُنّ, وَالأحداقُ والكَبِدُ
حبّي لكِ, الناسُ طرّاً يشهدون به; وأنتِ شاهدة ٌ إنْ يثنِهِمْ حسدُ
لَمْ يَعْزُبِ الوَصْلُ فِيما بَينَنا أبَداً, لَوْ كِنتِ وَاجِدَةً مِثْلَ الذي أجِد


(ابن زيدون)

 

 

معصوم محمد خلف   

 
  




سيد مرتضى نجومي





إسرافيل شيرجي





تفكّر العالم - محمود فرشجيان





عبدالصمد صمدي ونصرة الله يوسفي





فريدة فاضلي - العهد الأزلي





جليل رسولي





الغزالة - محمود فرشجيان





إسرافيل شيرجي