ملف العدد.. مسلمو آسيا في رمضان

ملف العدد.. مسلمو آسيا في رمضان

في رحاب شهر رمضان المبارك تطوف «العربي» ببلدان قارة آسيا لتتعرف على عادات المسلمين خلال أيام ذلك الشهر الفضيل، بين أجواء ماليزيا الرمضانية، واحتفالات الهند السنوية ومواسم الكوريين المسلمين، وعادات مسلمي الصين.

ماليزيا والأجواء الرمضانية

تمثل ماليزيا بحق القارة الآسيوية العملاقة نظرًا لما تتمتع به من تنوع في الطبيعة والمناخ والديانات والأعراق. وهي دولة ذات نظام ملكي دستوري ديمقراطي ويرأس حكومتها رئيس الوزراء، وبها ثلاث عشرة ولاية، تقدر مساحتها الكلية بـ350 ألف كيلو متر مربع. وحسب آخر إحصاء سكاني أُجرى في البلاد في نوفمبر عام 2004م، فإن القطر الماليزي يسكنه نحو ستة وعشرين مليون نسمة، منهم حوالي مليون ونصف المليون من غير الماليزيين. إذن، فالمواطنون الماليزيون عددهم نحو خمسة وعشرين مليوناً، منهم حوالي 56 في المائة من المسلمين والبقية من المسيحيين والبوذيين والهندوسيين وغيرهم.

وبما أن جل المسلمين من الملايويين سكان البلاد الأصليين فقد نص الدستور الماليزي صراحة على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي مع الاحترام الكامل للأديان والمعتقدات الأخرى. إذن، فإن الإسلام يتمتع بمكانة سامية مرموقة في البلاد. على أن لشهر رمضان المبارك وضعًا خاصًا عند المسلمين الماليزيين، وكيف لا وهو شهر الصيام والقيام وتكفير الآثام وبلوغ المرام.

ومظاهر استقبال شهر رمضان أو الأجواء الرمضانية في ماليزيا، تشبه مثيلاتها في سائر الدول الإسلامية الأخرى. فمن مسلمي ماليزيا من يقضي رمضان في الصلاة والقيام وقراءة القرآن والإكثار من الدعاء، ومنهم من يقضيه في السهر والسمر أمام التلفاز أو في النوادي والمقاهي، ومنهم من يهتم بما لذ وطاب من الأطعمة بحجة حرمانه من الطعام طيلة النهار، ومنهم من ينتهز هذه الفرصة ويتخذ برنامجاً للحمية ونظامًا متوازيًا للتغذية. ويظهر، جليًا، اهتمام الماليزيين بهذا الشهر الفضيل في أواخر شهر شعبان الكريم، حيث تنظم سلسلة من المواعظ الدينية، تحث وتذكر بشهر الصيام وفضائله، وتحفز المسلمين على ابتغاء مرضاة الله، ونيل أعلى الدرجات، وبلوغ أسمى المقامات في الدنيا والآخرة. وكذلك، تهيئ المساجد صغيرها وكبيرها في المدن والقرى في هيئة بهية تهتم بالنظافة والزينة، وتحسن اختيار أفضل الأئمة والقراء لأداء الصلوات المفروضة الخمسة وصلاة القيام. وعلى صعيد آخر، تقوم الحكومة، من جهتها، بتزيين الطرقات والشوارع الرئيسية بالأنوار والأضواء المتلألئة، وبإعداد أماكن خاصة للبسط الرمضانية أي الأسواق الشعبية الرمضانية التي تسمى بـ«بازار رمضان»، وهي التي تُباع فيها أطيب المأكولات والحلويات. ومن مظاهر اهتمام الماليزيين المسلمين بهذا الشهر الكريم حرصهم على تحري هلال رمضان، وما إن يتحروه حتى تقوم وزارة الشئون الدينية بالإعلان عن الشهر الفضيل في الوسائل الإعلامية مع الوعظ بالمثابرة والمجاهدة والتقوى والخشوع والتراحم. وعندها يتبادل المسلمون التهاني والتبريكات فيما بينهم متمنين لبعضهم البعض حصول البركة والمن والسلوى، وبالإضافة إلى ذلك تعلق لافتات التهنئة بحلول شهر رمضان المبارك في الأحياء والمنتزهات وأمام المحلات التجارية.

السوق الشعبي الرمضاني (بازار رمضان)

يعد هذا السوق الشعبي من الأسواق التقليدية الراسخة في الثقافة الماليزية سواءً في شهر رمضان أو في غيره من الشهور. وشعبية هذا السوق ترجع إلى ارتباط الشعب بظروف العمل، فالفرد يلجأ إلى تلك الأسواق لشراء المأكولات لضيق الوقت في النفخ والطبخ، وخاصة أن ساعات الدوام خلال رمضان تنتهي في الساعة الخامسة تمامًا كما هو الحال في الأيام العادية. وبهذا يوفر الشعب وقتًا ونقدًا في الإنفاق لمستلزمات الطبخ، وبالتالي أصبح شراء الأطعمة في الأسواق الشعبية من العادات اللازمة عند الماليزيين.

ولا تكاد، تخلو شوارع قرية أو مدينة من هذه البسط الشعبية، فهي ممتدة بمحاذاتها تيسيرًا لموظفي القطاع الخاص والعام مزاولة شرائهم للأطعمة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه البسط يتوافر فيها ما يخطر على البال من المأكولات والمشروبات والحلويات. فمن أشهر المأكولات التي تعد في رمضان : «ناسيئ أيم» (الأرز بالدجاج المشوي)، «سآتي» (عيدان اللحم أو الدجاج المشوي)، «برياني» على الطريقة الهندية، ومطبق باللحم والدجاج. وأما المشروبات التي تتوافر في هذا البازار فهي جوز الهند، وقصب السكر، وفول الصويا، على الحلوى بأنواعها المختلفة منها: أقار أقار، سبوسة أي (سبوسك)، تابيَّ، بليتا وغيرها.

الإفطار الرمضاني وموائده

كما أشرنا سابقًا أن معظم أفراد الشعب يبتاعون طعامهم من الأسواق الشعبية الرمضانية لسهولة الحصول على الأطعمة المشهية. والبعض يفضلون الانضمام إلى إخوانهم في المساجد، إذ تتوافر فيها موائد الإفطار الجماعي المجاني التي يمولها المحسنون وأهل الخير إضافة إلى الحكومة الماليزية . هذا وإن ظاهرة الإفطار الجماعي في المساجد منتشرة بشدة في مختلف الولايات الماليزية، قراها ومدنها. غير أن الأهالي من بعض المساجد القروية يحضرون الأطعمة المطبوخة في منازلهم إلى المساجد مشاركة منهم لإخوانهم هناك، وإحياءً لتقليد الإفطار الجماعي. على أن ميسوري الحال، يتسابقون على موائد الإفطار في الفنادق والمقاهي والمطاعم الفخمة التي تقدم أشهى المأكولات في جو عائلي وروحي يقضي فيه هؤلاء الصائمون أطيب وأسعد الأوقات. وتقدم دعوات متعددة للإفطار الجماعي في دواوين كبار شخصيات الدولة، بمن فيهم رئيس الوزراء إحياءً لسنة التكافل والتآلف والتراحم مع مواطنيهم. وهناك أيضًا، موائد الإفطار الجماعي للأيتام والعجزة وكبار السن، وذلك لإدخال السرور والبهجة في نفوسهم وإحساسهم بأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع.

المساجد وصلاة التراويح (القيام)

تحظى المساجد في ماليزيا بمنزلة رفيعة لدى الشعب الماليزي المسلم، فهي بيوت الله التي شرفها ويسعى العباد للتقرب إليه من خلالها، ولذا يعتني بها اعتناءً فائقًا يشمل مظهرها الخارجي ومبانيها الداخلية مع الحرص الشديد على النظافة والزينة حتى تبرز في أجلَّ صورها بما يليق بمكانتها. وأبواب المساجد مفتوحة في شهر رمضان على مدار أربع وعشرين ساعة، باستثناء بعض المساجد الصغيرة.

ومن الأنشطة التي تقام في المساجد، عقد سلسلة من المواعظ الدينية والمحاضرات العامة في الفقه وأحكام الصيام والحديث والتفسير والعقائد وغيرها، إضافة إلى حلقات تدارس وحفظ القرآن الكريم. ومن الأنشطة المهمة التي يعد لها بحرص وإتقان مسابقة القرآن الكريم لكبار السن وصغارهم، حفظاً وتلاوةً، بإدارة نخبة من القرَّاء المحكمين. وبجانب تلك الأنشطة، تُعد طيلة الشهر كله موائد الإفطار لرواد المساجد، معتبرينهم ضيوفاً للرحمن. والوجبة الرئيسية التي تقدمها المساجد هي ما يسمى باللغة المحلية «بوبور لامبوق» شوربة الأرز ومشروب «سيراب» مع فاكهة الموز أو البرتقال، إضافة إلى قائمة أخرى من الأطعمة تقدم في بعض الأحيان من أهل الإحسان والخير.

ومن أهم الأنشطة التي تقام في المساجد صلاة القيام والاعتكاف. فصلاة القيام تقتصر عدد ركعاتها على ثماني ركعات في معظم المساجد، إلاَّ أن القليل منها، مثل مسجد «السلطان أحمد شاه» بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا ومسجد «كمبونق بارو» بكوالالمبور وغيرها، يتبعون طريقة الحرمين الشريفين (الحرم المكي والحرم المدني) فيما يتعلق بعدد الركعات والوتر والدعاء. ويتولى الإمامة في بعض المساجد أئمة من العرب الوافدين ممن درسوا في البلاد العربية. وأما ظاهرة الاعتكاف، فتبدأ مع أول ليالي شهر رمضان، ويزداد عدد المعتكفين تدريجيًا إلى نهاية الشهر. وينتهز البعض فرصة اعتكافهم في المساجد لختم القرآن والتعبد بتلاوته.

البرامج التلفزيونية في رمضان

تتشرف الوسائل الإعلامية المختلفة بالاهتمام بشهر رمضان المبارك، مشاركة منها للمسلمين في سعادتهم بحلول هذا الضيف الجليل. فأول اهتمامها، هو بإعلان رؤية الهلال الرمضاني، وإبلاغ المسلمين ببداية شهر الصيام في اليوم التالي، بالإضافة إلى بث محاضرات ومواعظ دينية ومسابقات تحفيظ القرآن وتلاوته، وموائد الإفطار الرمضاني التي يحضرها العلماء الأجلاء وكبار الشخصيات كجلالة الملك أو رئيس الوزراء. وبجانب ذلك يبث التلفاز الماليزي على الهواء شعائر صلاتي العشاء والقيام من المسجد الحرام بمكة المكرمة، تلك السُنّة التي يعتبرها الشعب الماليزي (المسلم) أغلى هدية تقدمها له القناة الماليزية الأولى.

السحور الرمضاني

من الأمور المتميزة التي تحسب لمصلحة الشعب الماليزي الذي عُرف بالكفاح والمثابرة، أن ساعات الدوام في شهر رمضان تبقى كما هي دون تغير تماماً كباقي الشهور الأخرى. وعليه فإن جل الصائمين يتناولون وجبة سحورهم مبكراً، أي قبل الثانية عشرة، وذلك للاستيقاظ مبكراً مراعاة لساعات العمل في الغد.

 

 

حسن أحمد إبراهيم 





ديوان القصر الملكي يستضيف جلالة الملك ودولة الرئيس وبعضًا من وزرائه في مائدة الإفطار الرمضاني





كبار ضيوف القصر الملكي في مائدة الإفطار الجماعي





عقائل كبار الشخصيات في مائدة الإفطار الجماعي بالقصر الملكي





الإفطار الجماعي بالحرم الجامعي في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا (قسم النساء)