رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر.. د. عبد الوهاب المسيري

رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر.. د. عبد الوهاب المسيري

بعد صراع طويل مع مرض السرطان توفي المفكر المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري - يرحمه الله - فجر الثالث من يوليو عام 2008 بمستشفى فلسطين بالقاهرة إثر أزمة قلبية، عن عمر يناهز السبعين عاما، وشيعت جنازته من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة.

لمن لم يقرأ أعمال الكاتب المصري البارز عبد الوهاب المسيري وهي متنوعة وغزيرة وأشهرها موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية) يمكنه أن يجد في سيرته الذاتية الفكرية تلخيصا لرؤيته للعالم، إضافة إلى ما يعتبره نقاده تحولات من الماركسية إلى الإسلام.

كما أن الدكتور عمرو شريف الطبيب والجراح المصري أصدر كتابًا بعنوان «رحلة عبد الوهاب المسيري الفكرية.. قراءة في فكره وسيرته» تناول كتاب المسيري رحلتي الفكرية - في البذور والجذور والثمر بالشرح والتحليل.

كان المسيري قبل اتجاهه إلى دراسة ما يطلق عليه الظاهرة الصهيونية أستاذًا للأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس المصرية منذ حصوله على الدكتوراه من جامعة رتجرز الأمريكية عام 1969 عن دراسة مقارنة بين الشاعرين البريطاني وليام ووردزورث (1770 ـ 1850) والأمريكي والت ويتمان (1819 ـ 1892).

ومنذ أكثر من ثلاثين عامًا وهو محسوب على اليسار، ولكن البعض رأى في تحليل أعماله الأخيرة توجهًا يحسب لمصلحة التيار الإسلامي. والمسيري لا ينكر ذلك استنادًا إلى أن الإنسان ظاهرة مركبة متعددة العناصر والأبعاد كما يلح على هذا الأمر في كتابه «رحلتي الفكرية.. في البذور والجذور والثمر».

ويقع الكتاب الذي أصدرت دار الشروق بالقاهرة طبعته الثانية في 760 صفحة كبيرة القطع. أما العنوان الفرعي لغلاف طبعته الأولى التي صدرت عام 2001 وكانت أقل حجمًا فهو (سيرة غير ذاتية غير موضوعية) لكن المسيري حذفه في الطبعة الجديدة، وإن ترك هذه الجملة في المقدمة. ويبدو أن هذه الجملة حررت المؤلف من الالتزام بكتابة صارمة يتتبع فيها تصاعد الأحداث الشخصية، وتراكم التجارب الخاصة من الطفولة إلى الشباب إلى سن الحكمة ليصبح الكتاب تقطيرًا لخبرات مفكر ينظر من خلاله إلى حياته وإنجازاته بكثير من الرضا وإن لم يصرح بذلك.

يقول المسيري في مقدمته: «الصفحات التالية هي قصة حياتي، أو رحلتي الفكرية كمثقف عربي مصري، ترصد تحولاتي الفردية في الفكر والمنهج، ولكنها تؤرخ في الوقت نفسه لجيلي أو لقطاع منه، كما أن الجزء الثاني هو محاولة لعرض بعض أفكاري الأساسية، كما تتمثل في معظم أعمالي».

من دمنهور للمظاهرات

ويمر المؤلف سريعًا على مشاركته، وهو تلميذ صغير في المظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي، ثم انضمامه لحزب «مصر الفتاة» الذي كان يقوده الزعيم أحمد حسين في أوائل الخمسينيات.

ثم انتقل المؤلف إلى جماعة الإخوان المسلمين لمدة عامين، لكنه أيضا تركها مع بداية ثورة يوليو 1952 وانضم للحرس الوطني وهيئة التحرير، وفي العام 1955 انضم للحزب الشيوعي المصري، حتى تركه كذلك عام 1959، وهو العام الذي تخرج فيه، حاملا درجة الليسانس في كلية الآداب جامعة الإسكندرية قسم اللغة الإنجليزية، وتم تعيينه معيدًا بها.

ويستفيض المؤلف في وصف بلدته دمنهور، وهدوئها والدفء العائلي بين أسرها، والقيم والمبادئ التي تحكم حركتها الاجتماعية والإنسانية، ومدى أهمية التراث الثقافي والاجتماعي في تلبية احتياجات الحياة فيها، بل وتمازج الأفراد والعائلات على اختلاف وضعها الاجتماعي أو الديني أو الثقافي، مما تفتقده الحياة الحديثة الآن بدرجة كبيرة.

لكن المسيري ظل على مسافة ذهنية تسمح له بالنظر إلى الأمور بكثير من التجريد، إذ يقول: وضعت جهازي العصبي داخل ثلاجة مدة ربع قرن. كنت أتباهى في أثنائها بأنني أنظر إلى وقائع الحاضر نظرة مؤرخ وأنني يمكنني أن أراقب العمال يغيرون رخام منزلي وأكتب في الوقت ذاته عن الفيلسوف الالماني أمانويل كانت.

وأضاف: إن الإيمان داخلي لم يولد إلا من خلال رحلة عقلية طويلة، ولذا فإيماني إيمان تأملي عقلي لم تدخل عليه عناصر روحية، فهو إيمان يستند إلى إحساس بعجز المقولات المادية عن تفسير ظاهرة الإنسان وإلى ضرورة اللجوء إلى مقولات فلسفية أكثر تركيبية. ويوضح أنه اكتشف الدين كمقولة تحليلية وليس مجرد جزء غير حقيقي من بناء فوقي ليس له أهمية في حد ذاته.. المكون الديني ليس مجرد قشرة، وإنما هو جزء من الكيان والهوية.

هذا التأمل جعله يؤمن مثلا بأن المقولات الأيديولوجية ربما تكون قناعًا يختفي وراءه الإنسان بحيث يتحول إلى عقل محض وقد يختفي الإنسان تمامًا إلى درجة أن يموت قلبًا لا قالبًا. ولذا تجدني لا أومن بالزيجات الايديولوجية.. لأنها تتحول بعد فترة إلى ما يشبه اللجنة المنعقدة بشكل دائم.

ثم يتحدث الدكتور المسيري عن بداية انفصاله الفكري عن حياة أسرته التي امتهنت التجارة، وعاشت حياة مادية ميسورة، ويلقي الضوء على تجربته المادية والماركسية، التي بدأت مع دراسته للفلسفة في المرحلة الثانوية.

والسؤال الذي حار في إجابته عن أصل الشر في العالم، والحكمة من وجوده، حتى قرر ألا يصلي أو يصوم حتى يجد إجابة تريحه عن هذه الأسئلة التي باتت تشغله.

ثم بدأ يقرأ عن الماركسية والمادية، حتى انضم للحزب الشيوعي، لكنه لم يصل، كما يقول، إلى الإلحاد، وعندما انخرط في صفوف الحزب سرعان ما اكتشف أن السلوك الشخصي للرفاق كان متناقضًا مع أي نوع من أنواع المثاليات الدينية أو الإنسانية، وأن كمية النرجسية عند بعضهم كانت ضخمة للغاية، وأن ماركسية بعضهم كانت تنبع من حقد طبقي أعمى، لا من إيمان بضرورة إقامة العدل في الأرض، لهذا قدم استقالته، وطلق ماركسيته طلاقًا بائنًا.

وينتقل المؤلف بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عندما ذهب إليها لدراسة الماجستير والدكتوراه في الأدب الإنجليزي، في جامعة كولومبيا بولاية نيويورك عام 1963، وكيف أنه فشل فشلاً ذريعًا في امتحان قياس المهارة الثقافية واللغوية على النمط الأمريكي (صح وخطأ)، لكنه حصل على أعلى درجة عندما تجاوب مع هذا النظام الذي يصفه بالسذاجة والأحادية والخيلاء.

ويتناول المؤلف الكثير من المواقف بين دراسته وعلاقته بالمجتمع الأمريكي الذي تجسدت فيه الحضارة المادية بكل معانيها، الأمر الذي هز فيه الكثير من القناعات حول المنهج المادي والمقولات الفكرية الحداثية، حتى حصل على درجة الدكتوراه في العام 1969.

وعندما قرر العودة إلى مصر كان يحمل معه ثقته الكبيرة بقدرته على التغيير وإقامة العدل في الأرض، وقرر أن يصبح ناقدًا أدبيًا، يربط الأدب بتاريخ الفكر.

وعندما حاول التأقلم والتكيف مع المجتمع المصري، تعرض لهجوم «ذئاب ثلاثة» هي:

الأول: ذئب الثروة، أي الرغبة العارمة في أن يكون ثريًا، ووجد من السهل أن يتغلب على هذا الذئب، مستعيضًا عن الثروة بالحكمة، وأن العلاقات الإنسانية الدافئة أفضل من التراكم الرأسمالي.

المال حرية

وهو يرى أن المال يشكل عبئًا على البعض، يفنون حياتهم في جمعه، وبالنسبة له المال حرية، وقد نجح إلى حد كبير في أن يوظف المال بدلا من أن يوظفه المال، وساعده على ذلك أن زوجته الدكتورة هدى حجازي التي يعتز بها كثيرا في مذكراته لم تراودها أحلام الثروة ولم تعان من أي نزعات استهلاكية!

«الذئب» الثاني كان ذئب الشهرة، أي الرغبة العارمة في أن يصبح من المشاهير، وعندما عاد من أمريكا عام 1969 كان يكتب في صحيفة الأهرام ويتحدث في الإذاعة والتلفزيون، كما كان مسئولا عن وحدة الفكر الصهيوني في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، فلم يكن بحاجة إلى الإحساس برغبة أكثر من ذلك في الشهرة.

لكن في العام 1979 زمن «التطبيع» هاجمه الذئب مرة أخرى، بعد أن فقد مكانه في مركز الأهرام وبالطبع في الإذاعة والتلفزيون والصحافة لكنه استطاع ترويضه.

أما الذئب الثالث فكان ذئب المعلومات، وهو ذئب خاص جدا، يعبر عن نفسه في الرغبة العارمة في أن يكتب كتابًا نظريًا، إطاره النظري واسع وشامل للغاية، ولكنه في الوقت نفسه يتكامل مع أكبر قدر ممكن من المعلومات والتفاصيل. وقد استمر هذا الذئب المعلوماتي في مهاجمة المؤلف حتى هدأ قليلا أثناء وجوده في الولايات المتحدة، لكنه استمر يطارده طيلة حياته.

ثم يتحدث بعد ذلك عن تآكل النموذج المادي في رؤيته الحضارية، وبدلا من فكرة الإنسان الطبيعي، أي المادي، بدأ يطرح فكرة الإنسان الإنسان أو الإنسان الرباني، وأن وجود الله سبحانه وتعالى هو الضمان الوحيد لوجود الإنسان، وبغياب الله يتحول العالم إلى مادة طبيعية صماء، خاضعة لقوانين الحركة والضرورة التي يمكن حصرها ودراستها والتحكم فيها. وساعده على تبني هذه الرؤية ولادة أول مولود له، ابنته نور وما رأى فيها من تعارض مع القوانين المادية الصارمة، ثم أيضًا مع ولادة ابنه ياسر واختلاف الطفلين في الاحتياجات والاهتمامات.

كل ذلك زاد من رؤيته للإنسان المعجزة الذي يجاوز كل الحتميات الطبيعية، كما أدرك أهمية الأسرة في عملية التنشئة، وأصبح الدين في تصوره جزءًا من الكيان الإنساني التاريخي، ليس منفصلاً عنه، وبدأ يتعرف على التجربة الدينية الإسلامية ليفهم منطقها الداخلي.

كما كان لمقابلته للزعيم الأمريكي المسلم مالكوم إكس أو (الحاج مالك شباز) أعمق الأثر في نفسه، حين أدرك مدى عمق أثر الإسلام فيه، كمثالية مجاوزة لعالم المادة.

وتحت عنوان «الإمبريالية والعنصرية» يقول عبد الوهاب المسيري: «ببساطة شديدة أدركت أن التقدم الغربي هو ثمرة نهب العالم الثالث، وأن الحداثة الغربية لا يمكن فصلها عن عملية النهب هذه، وأن نهضة الغرب تمت على حساب العالم بأسره، لكل هذا لم أعد أتحدث عن التراكم الرأسمالي، وإنما عن التراكم الإمبريالي، وأنادي دائمًا بأن محاولة تفسير معظم الظواهر الغربية دون استرجاع الإمبريالية كمقولة تحليلية، ستكون محاولة ناقصة إلى حد كبير».

في الجزء الثاني يتحدث المؤلف عن عملية انتقاله من المادية إلى الإنسانية مؤكدا أنها لم تكن سهلة، ويستعرض الكثير والكثير من المواقف الفكرية، التي مر بها أثناء تدريسه في كلية البنات بجامعة عين شمس.

ثم يتحدث عن علاقته بعالم السياسة منذ بدأ معرفيًا فلسفيًا، ثم تعيينه مستشارًا للأستاذ محمد حسنين هيكل عندما اختير لفترة قصيرة وزيرًا للإرشاد القومي، وصولاً إلى المرحلة الأخيرة، وإسهامه في تأسيس حزب الوسط الذي انشق عن الإخوان المسلمين، بل واختياره بعد ذلك منسقا عامًا لحركة كفاية التي تعارض نظام الحكم. ويوجز المؤلف رؤيته في هذه النقطة في أن «المثقف الذي لا يترجم فكره إلى فعل لا يستحق لقب مثقف».

ويستعرض المسيري علاقته باليهود واليهودية والصهيونية، وصولا إلى كتابة موسوعته الشهيرة التي صدرت عام 1999، ويبدأ من ذكرياته عن «مولد أبو حصيرة» الذي يحتفي به اليهود قريبا من مدينة دمنهور في مولد يقام كل عام، ثم ينتقل إلى أمريكا.

وأثناء تعرفه على إحدى زميلاته في الدراسة يسألها عن جنسيتها فتقول إنها يهودية، وعندما أكد لها أنه يسأل عن جنسيتها لا عن دينها، كررت الإجابة نفسها، فبدأ يبحث عن تفسير لإجابتها، وبدأ يقرأ بشراهة عن الصهيونية واليهودية واليهود والإسرائيليين، كان ذلك في العام 1963.

الصهيونية... الوثنية الجديدة

ثم غادر أمريكا في العام 1969 إلى مصر، وهو يحمل في عقله «إدراك وثنية الصهيونية وبدائيتها وواحديتها الهستيرية وانتمائها إلى التقاليد الحضارية الغربية»، وعرف أن «وحشًا» صهيونيًا معرفيًا بداخله، وأسهمت عناصر كثيرة في أن يقرر التخصص في دراسة الصهيونية، إلى أن صدرت موسوعته الشهيرة.

ويذكر المؤلف أحد المواقف العصيبة في حياة الموسوعة، وهو أن كل مراجعه وأوراقه ونسخة الموسوعة الوحيدة كانت في الكويت أثناء اجتياح العراق لها عام 1990، بينما كان هو في القاهرة.

فقرر السفر للكويت أثناء الاجتياح وظل بها لمدة ثلاثة أسابيع، حتى اتفق مع مجموعة من أصدقائه على استئجار شاحنة «تريللا»، حملت أوراق وأصول الموسوعة في «حوإلى 30 صندوقا»، وذهبت بها إلى بغداد ثم إلى عمان بالأردن ثم إلى القاهرة، لتصدر بعد نحو ثماني سنوات في ثمانية مجلدات ضخمة، ولتصبح أكبر عمل علمي موسوعي عربي، يقوم به فرد في السنوات الأخيرة.

ومنذ بداية الكتاب والمسيري يتحفظ لدرجة الرفض على فكرة أن يتلصص أحد على حياته الخاصة، مشددًا على أن الكتاب هو رحلتي الفكرية كمثقف عربي مصري وليست قصة حياتي الخاصة زوجًا وأبًا وابًنا وصديقًا وعدوًا.. أحداث حياتي لا أهمية لها في حد ذاتها، وإنما تكمن أهميتها في مدى ما تلقيه من ضوء على تطوري الفكري.

يحكي المسيري أنه حين كان منتميًا لفترة قصيرة من صباه إلى الإخوان المسلمين، اكتشف أن كثيرًا من الشيوعيين في مدينة دمنهور، التي نشأ فيها كانوا أعضاء في حركة الإخوان قبل دخولهم الحزب الشيوعي والعكس بالعكس. وحينما كان في دمنهور عام 1965 في أثناء العدوان الثلاثي (البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي)، سمع إمام أحد مساجد دمنهور ينشد قصيدة لعبد الوهاب البياتي ثم اكتشف أن هذا الإمام كان ملحدًا.

ومن ثمار مرحلة التكوين، يرى المسيري في ثمرته الأولى أنك إنسان بإنسانيتك لا بماديتك ويظل يقطف الثمار حتى يصل إلى الثمرة الخمس بعد المئة وهي هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

وفي رأي المسيري أن أكبر الكوارث التي حدثت للمجتمع المصري في السنوات الأخيرة هي نتيجة تآكل الطبقة المتوسطة وما أدى إليه ذلك من إحلال رابطة التعاقد محل قيمة مثل التراحم والتسامح، قال إنها كانت موجودة في فترات سابقة حتى أن الفرد يتعلم منها أهمية الإنسان ككائن حر نبيل وأهمية العواطف وأهمية الإفصاح عنها. ولعل هذا يفسر حبي لأفلام المخرج الياباني أكيرا كوروساوا، فهي عامرة بشخصيات ملحمية لا تتردد في التعبير عن مشاعرها وتعيش حياتها على مستوى يليق بأبطال الملاحم.

من زاوية النظر هذه يري المسيري الأفراد والمجتمعات وفقًا لقاعدة أو ثنائية التراحمية والتعاقدية. ويشير على سبيل المثال إلى أن المجتمع الأمريكي توجد فيه جيوب تراحمية كثيرة. بل تتزايد أحيانًا هذه الجيوب كرد فعل للتعاقدية.. أما المجتمع الإسرائيلي فهو ليس مجتمعًا عنصريًا وحسب، ولكن قوانينه أيضًا عنصرية.

ولا يستند المسيري في حكمه هذا إلى معيار إسلامي، إذ يقول إنه عرف الصهيونية لا من منظور عربي ولا من منظور توراتي يهودي، وإنما من منظور عالمي كجزء من التشكيل الحضاري الغربي وتاريخ الأفكار في الغرب. الإشكاليات الفلسفية التي أثارتها الصهيونية بالنسبة لي كانت مثارة في حياتي قبل الاشتباك مع اليهود واليهودية والصهيونية.

وفي رأيه أن المحارق النازية (الهولوكوست) التي تعرض لها غجر ويهود والذين رأي النازي أنهم لا يفيدون مشروعه العنصري جزء من التاريخ الأوربي، أي أنها ليست تجربة يهودية عامة، وإنما تجربة أوربية خاصة.

ويتفق المسيري مع قرار أصدرته هيئة الأمم المتحدة في السبعينيات يعد الصهيونية حركة عنصرية وشكلاً من أشكال التمييز العنصري.

وبصورة أكثر إيجازًا يقول عدائي للصهيونية ينبع من عدائي لكل أيديولوجيات العنف والعنصرية مثل النازية.. ولو اختفت إسرائيل من على وجه الأرض أو تصالح معها كل العرب لظل عدائي للصهيونية كما هو.

تكريمات متعددة

والمسيري من الكتاب المصريين القلائل الذين حظوا بالتكريم في حياتهم، ففي عام 2000 نظمت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة مؤتمرًا موسعًا ناقش فيه مفكرون وباحثون من تيارات سياسية وأيديولوجية مختلفة موسوعته / اليهود واليهودية والصهيونية.. نموذج تفسيري جديد التي صدرت عام 1999 في ثمانية مجلدات.

كما نظمت كلية الآداب بجامعة القاهرة العام الماضي مؤتمرًا عن مجمل أعماله في أدب الطفل والنقد الأدبي والدراسات اليهودية بمناسبة صدور كتاب (في عالم عبد الوهاب المسيري.. حوار نقدي حضاري) ويقع في 1130 صفحة كبيرة القطع ضمن مجلدين يضمان دراسات كتبها أكثر من 80 مؤرخًا ومفكرًا عربيًا وأجنبيًا من ماركسيين وإسلاميين وليبراليين، منهم محمد حسنين هيكل والمؤرخ الأمريكي كافين رايلي رئيس جمعية دراسات تاريخ العالم بالولايات المتحدة مؤلف كتاب (الغرب والعالم) الذي صدر في مجلدين عام 1985، وشارك المسيري في ترجمته وصدر في سلسلة عالم المعرفة الكويتية الشهيرة.

وكان المسيري من مؤسسي حركة كفاية المعارضة، وعمل منسقًا لها في العام الماضي بعد جورج إسحق.

 

 

عرض: محمد سيد بركة