شيء من الماضي أمينة شفيق

شيء من الماضي

أمسكت ابنتي بيدي وهي تشدني إلى داخل المتجر الكبير. كنا قد أمضينا اليوم كله نبحث معًا عن طرحة زفاف تتناسب مع موديل فستانها. بعد المرور على عدة متاجر والبحث والتفضيل بين عشرات الطرح، استقر رأيها على تلك التي في هذا المتجر. فوردها الصناعي الأبيض تشبه إلى حد ما تلك الرسومات التي يتشكل منها نسيج فستانها الأبيض الذي سترتديه في ليلة عمرها، وعمري أنا كذلك. ولم يكن أمامنا إلا نصف ساعة على موعد الإغلاق. لذلك أخذت بيدي وهي تهرول، وأنا وراءها متعبة مجهدة وفاقدة لتوازني العام.

لمحته. أو بتعبير أدق، لمحت شيئًا منه. لم يكن هو بالتحديد، ذلك الإنسان الذي عرفته منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا. وإنما لمحت شيئًا مما كان عليه منذ تلك السنوات القليلة أو الكثيرة. لم أكد ألمحه، حتى أدرت وجهي عنه. ثم عدت دون وعي مني أنظر إليه مرة ثانية. وجدته ينظر إلى ثم يدير وجهه عني لينظر إلى امرأة تسير بجانبه. بالقطع إنها زوجته. ألقيت نظرةً سريعةً عليها، فوجدتها تحمل وجهًا لطيفًا، ولكن قامةً قصيرةً إذا ما قورنت بقامته الطويلة. سمعت صوت ابنتي تناديني، أمي، أمي أسرعي لا تزال أمامنا زيارة إلى الحائكة فهرولت مسرعة وراءها.

اتجهنا معًا إلى قسم طرح الزفاف. حددنا طلبنا ثم استدرنا لندفع الثمن ونتسلم الطرحة. في استدارتي، وجدته أمامي وهو يستمع إليها تقول له، هذه هي الطرحة التي اختارتها هناء. فهمت إنه يشتري طرحة زفاف ابنته الكبرى. فقد قيل لي منذ فترة طويلة إنه تزوج وأنجب ثلاث بنات.

كنا زميلين في الجامعة. التحقنا بالسنة الأولى معًا. صعدنا السنوات الجامعية واحدة بعد الأخرى، معًا. ومنذ السنة الأولى ونحن على اتفاق. وكلما مرت بنا السنوات الجامعية زاد تقاربنا. كان ذلك بعلم غالبية الزملاء الجامعيين، أو زملاء الدفعة كما كنا نسمي بعضنا بعضًا. تعامل معنا الجميع على أساس أننا على اتفاق. حتى أساتذتنا الجامعيين، فقد كانوا يباركون هذه العلاقة الواضحة الصريحة العلنية.إذا رأى أستاذ أحدنا بمفرده، سأل عن الآخر بلا "لف أو دوران ". وهكذا انتظر الجميع لحظة التخرج ثم العمل لكي تتوج هذه العلاقة بالرفاء والبنين. المشكلة التي لم أكن أتوقعها، أن تشكل تلك السنة التي تزيد من سني على سنه، العقبة في هذا الزواج، كنت أكبر منه بعام واحد.

رفضت أسرتي فكرة زواجي من رجل أكبره بعام. كما قبلت أسرته الفكرة على مضض وبلا ترحاب، إنما باستسلام غير مشجع، وكانت صدمةٌ لكلينا. حاولنا إقناع الأسرتين، لكن بلا جدوى وبلا نتيجة. المشكلة أني كنت الابنة الوحيدة لوالدي. اضطررنا للتباعد. في البداية كنت أتابع أخباره بكل عواطفي. مع الوقت تباعدت عني أخباره كنت أتذكره من حين إلى آخر خاصة إذا التقيت بزملاء الجامعة، أو إذا وجدت نفسي في مكان جمعني به.

كانت المفاجأة أن ألتقيه به في هذه الظروف. أرافق ابنتي وترافقه زوجته. ماذا لو كنا بمفردينا، هل كنا سنتحادث، وما نوع اللقاء وما موضوع الحديث؟ أفكار سريعة شغلت فكري في لحظات. أفقت منها لحظة أن أمسكت ابنتي بيدي لتشدني إلى خارج المتجر: "أمي، ماذا بك، أسرعي فالحائكة في انتظارنا ".

ارتدت ابنتي ثوبها الأبيض. وضعت الطرحة بوردها على رأسها. وقفت أمامي تستعرض النتيجة، ما أجملها من عروس!

نسيت ما حدث من ساعات، فرحت بكل ما أنا فيه، زوجة وأم وحماه.

في المساء، اقترب مني زوجي وسألني، "ماذا فعلتما اليوم؟" كان كل شيء رائعًا يا "أبوأجمل عروس في العالم"" غازلني، "البنت لأمها" غازلته، "لا، لأبيها".

 

أمينة شفيق

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات