خلية واحدة تكشف عن المجرم

خلية واحدة تكشف عن المجرم

إقتحمت أجهزة الكمبيوتر مجال اكتشاف الجريمة لمعرفة متى وفي أي مناطق تحدث معظم الجرائم؟ ومن أين يأتي المجرمون؟ وفي أي مناطق ينبغي أن يوجد رجال الشرطة؟ وبفضل ما يسمى بـ "جغرافيا الجريمة" هبطت الجريمة في المانيا مثلا بمقدار 7.5% في حين أنها كانت قبل ذلك تزيد سنويا بمعدل 11%.

البصمة الوراثية

بالإضافة إلى المعلومات التي يمكن جمعها عن المشبوهين، استخدمت أجهزة الكمبيوتر لجمع المعلومات عن الأشياء المفقودة، مثل السيارات المسروقة والأسلحة وبطاقات تحقيق الشخصية وتراخيص القيادة.

ومع زيادة استخدام التكنولوجيا تحول "المكتب الاتحادي للجريمة" بمدينة فيزبادن بألمانيا الاتحادية إلى معمل للأبحاث، يستخدم فيه علماء الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا أجهزة الكمبيوتر والميكروسكوبات الإلكترونية والروبوت "الإنسان الآلي" وأشعة الليزر وأجهزة التحاليل العالية الحساسية، وأصبح "مفتش الكمبيوتر" يستخدم في العمليات الدقيقة.

ونذكر على سبيل المثال أن الجزيئات في نقطة واحدة من الدم يمكن أن تتحول إلى جزيئات مشعة ثم تتعرض بعد ذلك إلى تحليل الـ DNA بواسطة الكمبيوتر، وذلك للحصول على "بصمة وراثية" في شكل صورة مطبوعة، مما لا يدع للمجرم أي فرصة للإفلات. وقد أصبح من الممكن الآن الحصول على بصمة وراثية من شعرة واحدة فقط. وباستخدام أقراص خاصة مبرمجة يستطيع الكمبيوتر أن يحلل ورقة مكتوبة ويحدد بمنتهى السرعة خصائص الكتابة بخط اليد لأي إنسان، وبذلك يمكن تحديد الشخص الذي كتب خطاب تهديد أو ابتزاز.

وتتوالى الاكتشافات المذهلة باستخدام الميكروسكوب الإلكتروني، فقد استطاع هذا الجهاز أن يحل لغز مقتل فتاة في السابعة عشرة من عمرها كانت تستقل إحدى السيارات في النرويج، بفضل وجود بعض ذرات من دهان السيارة على حذاء الفتاة. وبتكبير هذه الذرات بواسطة الميكروسكوب الإلكتروني استطاع الباحثون تحديد نوع السيارة ولونها والسنة التي صنعت فيها، وبذلك تم العثور على السيارة واعتقال سائقها.

لقد أصبح في الإمكان أيضا الاستدلال على مرتكب الجريمة بتحليل ألياف المنسوجات التي يمكن العثور عليها في كل مكان، ولو لم تكن واضحة للعين المجردة. فعندما يعانق شخص شخصا آخر تعلق بثياب الشخص الأول حوالي 140 شعرة من الألياف التي يمكن رؤيتها بوضوح بواسطة النظارة المكبرة الإلكترونية.

وتستطيع التكنولوجيا الحديثة أن تجيب عن الأسئلة الخاصة بالوضع الذي كان عليه السلاح عندما أطلق منه الرصاص ونوع هذا السلاح ونوع الذخيرة التي استخدمت!

إن تجارب اطلاق الرصاص في كتل من الراتينج الصناعي أو الجيلاتين يمكن أن تعطي معلومات عن مسار القذيفة، وهذه الطريقة يمكن الاعتماد عليها أكثر من تخمينات المخبر السري. وفي الوقت الحاضر يعلم أي سارق مبتدئ أنه لا ينبغي أن يترك بصمات أصابعه في مكان الجريمة، ومع ذلك فإن مسح هذه البصمات لم يعد كافيا الآن لإزالتها، فإن أشعة الليزر يمكنها ان تكشف البصمات الممسوحة على الأكواب والأوراق أو صناديق الذخيرة.

ومنذ وقت طويل لم تتوقف مكافحة "المكتب الاتحادي للجريمة" عند حدود ألمانيا، فقد أصبح لهذا المكتب اتصالات بمائة وسبع واربعين دولة من خلال المؤسسة الدولية للشرطة الجنائية "الانتروبول"، وبذلك أمكن مواجهة الجريمة بكل أنواعها، مثل تجارة المخدرات المتعددة الجنسيات، والجريمة المنظمة الدولية التي تواجه مكافحتها صعوبة متزايدة. ففي الوقت الحالي لا يمكن إغفال الاحتمال بأن الجريمة تستفيد من الشركات التي نشتري كلنا منتجاتها. إن الحدود بين التجارة والجريمة وبين التجاري والإجرامي لم تعد فاصلة بل أصبحت متشعبة جدا، فقد اختلطت الأوراق ولم تعد هناك أرضية محددة لكل من التجارة والجريمة، وازداد نشاط الجريمة المنظمة لدرجة أن الإخصائيين بالمكتب الاتحادي للجريمة يقولون: "نحن نعرف ما هي الجريمة المنظمة ولكننا لا نستطيع أن نفسرها".

إن الجريمة المنظمة تمثل الآن 20% من أنواع الجرائم كلها، ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في السنوات العشر القادمة. ان الارهاب أصبح الآن يهدد العالم كله، وبالإضافة إلى ذلك فإن حضارتنا أصبحت مهددة ايضا بتجارة المخدرات. ففي عام 1971 استطاع رجال الشرطة في ألمانيا الاتحادية ان يصادروا أقل من رطلين من الكوكايين. أما في التسعينيات فقد ارتفع الرقم إلى 2400 كيلوجرام، وفي عام 1996 توفي أكثر من 2000 شخص في ألمانيا وحدها بسبب إدمان المخدرات، مما دعا الباحثين إلى استخدام المخبرين السريين بالإضافة إلى الإنسان الآلي لاختبار نقاوة المخدرات التي أصبحت تضاف إليها الآن مواد أخرى رخيصة بقصد زيادة الربح.

استخدام الذكاء الاصطناعي

في طفرة كبيرة لمكافحة الجريمة طور الباحثون البريطانيون نظاما جديدا للمراقبة التليفزيونية عن طريق الكمبيوتر، يستطيع الكشف عن أي مجرم مطلوب للعدالة أو طفل مفقود في الزحام.

ويعتمد النظام الجديد على الذكاء الاصطناعي، حيث يظل الكمبيوتر يراقب صور الكاميرات التليفزيونية المعلقة بالميادين العامة ويتعرف بسرعة فائقة على وجه أي شخص مطلوب العثور عليه عن طريق المعلومات التي تمت تغذيته بها، وذلك بالتركيز على أجزاء الوجه فقط من أعلى الحاجبين حتى الذقن. وأضاف الباحثون أن الكمبيوتر يدرك الأبعاد المختلفة للوجه ويحدد الشخص من خلالها.

وقد جربت هذه الطريقة في ملعب لكرة القدم لمراقبة وتحديد مثـيري الشغب خلال المباراة.

شخصية في خلية

أعلن أحد العلماء البريطانيين عن تطوير أسلوب جديد يمكن عن طريقه تحديد شخصية المجرم من خلال خلية واحدة يتركها في مكان الجريمة.

وقد كان المحققون يجهدون أنفسهم في البحث عن أدلة مادية مثل بصمات الأصابع أو متعلقات شخصية للجاني لإثبات ارتكابه للجريمة، وقد لا يجدونها في كثير من الجرائم. ولكن الآن أصبح يكفيهم خلية واحدة يرفعها الأطباء الشرعيون من فوق عقب سيجارة أو بصمة أصبع مطموسة، أو من اللعاب أو قشرة شعرة واحدة. وفي حالات الاغتصاب مثلا يكفي حيوان منوي واحد لحصر الاتهام في شخص بعينه.

ويقول العلماء إنه عن طريق هذه الخلية يمكن رسم صورة لجينات المتهم لا يمكن أن تتكرر إلا بنسبة 1: 100 مليون، مما يجعل احتمال تشابه الصورة الجينية في حكم المستحيل. ويقول العالم البريطاني الذي توصل إلى هذا الأسلوب إنه يتوقع أن يستخدم رجال الشرطة أسلوبه خلال عامين بعد تطويره والوصول به إلى أقصى حدود الثقة. وحينذاك سيكون من الصعب للغاية أن يفلت المجرم بفعلته إذ يكفي لإثبات الجرم ضده أن يضغط جرس الباب أو يصافح المجني عليه.

 

أنيس فهمي