عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

مراجعة

عزيزي القارئ..

إنه مايو، شهر اكتمال الربيع وابتداء الصيف. وبلغة أخرى هو شهر مغادرة القديم والارتحال مع الجديد، شهر يدير ظهره تماما لنتاجات خريف مضى وشتاء تبعه، وينطلق مع براعم الربيع التي اكتمل رسوخها وتهيأت لتورق، وتزهر، وتثمر. وهو بهذا المعنى شهر مفصل، يتحرك بالمراجعة بين ما استقر عليه قرار المغادرة، وما استتبت عليه نية الإقلاع.

وكما هو الشهر، يجيء عدد هذا الشهر، مهموما بقضايا المراجعة ومشغولا بها، بشكل ما من أشكال ترتيب الوعي، وترتيب العقل الباطن لهذه المطبوعة، فكما الإنسان الفرد، يجيء عمل البشر المجموع، نوعا من الاتفاق الطوعي بين الشعور واللاشعور. ونأمل أن يكون هذا الاتفاق صائبا في غايته.. غاية المراجعة، وهي مهمة صعبة صعوبة كل حنين يكتنف المغادرات والارتحالات. فلا شك أن ترك المألوف شاق، والخوض في غير المألوف شاق أيضا. لكن بين هذه المشقة وتلك، ضرورة يحتمها ما اكتشفته البشرية من مثالب المألوف، ويوجبها استشراف آفاق جديدة.

في إطار ضرورة المراجعة تلك، تنطلق مواد هذا العدد، فافتتاحية رئيس التحرير تبتدئ بموضوع الإمبريالية التي "تطرح نفسها للنقاش" من جديد بسؤال مثير البناء: "هل استفادت الدول الاستعمارية من الاستعمار؟" ومن الطبيعي أن نترك الإجابة للافتتاحية نفسها. ومن بعد الافتتاحية تجيء المراجعات تترى: فيتوقف منح الصلح بين المألوف واللامألوف في مسار الحرب والسلام بيننا وبين إسرائيل "العرب والسلم"، وتكتب سلمى الحفار الكزبري عن "عالمنا وتحديات القرن الواحد والعشرين"، ويثير الدكتور هشام أبوعودة قضية "اختيار جنس المولود" ويتوقف بلند الحيدري أمام مقولة: "الإسلام وتحريم التصوير".

وحتى لا نثقل عليك - عزيزي القارئ - ونثقل على أنفسنا بإقحام مواد الفهرس في هذه الإشارة العجلى، نكتفي بأن ننقل إليك شعور هذا العدد، الذي نظن أنه مفعم بضمير المراجعة المحمودة، أو هكذا نأمل.

تبقى كلمة - عزيزي القارئ - وهي عن مشقة مغادرة المألوف إلى اللامألوف، أو الابتعاد عن الأمان المريح إلى رؤية الخطر الماثل، وهذه الكلمة تخص مقالة "البقر تجن والبشر يعانون" التي نعترف لكاتبها بأنه عالجها قبل انفجار الأزمة بأكثر من عام، وأدرجت في مواد العدد قبل ضجيج الأزمة بشهرين كاملين. فهي وإن كانت تصل إليك متأخرة قليلا، إلا أنها تظل قادرة على إثارة الأسئلة. والأسئلة هي ضمير كل مراجعة.

وإلى لقاء جديد

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات