مساحة ود إقبال بركة

مَا أجمَل الصّداقة!

تنهدت، وأنا أعيد السماعة إلى مكانها.. كم كان الأمر شاقاً، في البداية على الأقل، لحظة أن اندفعت إلى الهاتف وأدرت القرص طالبة صديقتي. خيل اليّ أني انتظرت، دهراً. وأوشكت أن أعيد السماعة إلى مكانها. وإحساس غامر باليأس يتسرب إلى قلبي وعواطفي.

إن القدر لا يريد لهذه المكالمة أن تتم. وقبل أن أقرر التوقف عن المحاولة، سمعت صوت صديقتي تهتف:

- آلو...

بسرعة وقبل أن ألغي الفكرة كلها سمعتني أرد:

- كيف حالك..

- أهلا..

أجابتني بلهجة مرحة دافئة عاتبة. شحنة هائلة من الود انتقلت عبر السماعة إلى يدي، ومنها إلى قلبي مباشرة وهي تضيف بلهفة:

- أين أنت؟

كأنها لا تعرف! لحظة غضب عاصف قررت بعدها أن أقاطعها. كان ذلك منذ عدة شهور. بدأ الأمر بسيطا، عتابا من ناحيتها على خطأ مني، وعدم اعتراف من ناحيتي بأن تصرفي كان خطأ.

مرت أسابيع ثم التقينا، وكنت قد نسيت ما حدث. لكني وجدتها- على غير العادة- فاترة متحفظة. مرة أخرى تظاهرت بأن شيئا لم يحدث وطلبتها، لكننا لم نفتح الموضوع ولم نتعاتب.. وكانت مهذبة أكثر من اللازم.. ولم ترد المكالمة.

انتظرت طويلاً، ولم أستطع التغلب على إحساسي بالحزن الذي بدأ يشتد ويعمق وتساؤل يؤرقني: هل من أجل خطأ بسيط كهذا تنتهي علاقة صداقة دامت لأكثر من عشر سنوات. ألا تعني الصداقة أن يصدق كل طرف فيها الطرف الآخر؟! وهب أنني أخطأت. لكنه لم يكن خطأ مقصودًا؟ فلماذا لا تغفر صديقتي وتمرر المسألة..

وأخيراً.. ما الحدود الفاصلة بين الحرية الشخصية والالتزام تجاه الآخرين؟

أسئلة عديدة طاردتني طويلاً.. لكنها تبخرت جميعاً. كأنها لم تحلق فوق رأسي كطيور زنانة على مدى أسابيع. تبخرت جميعا وتحولت إلى عصافير تغرد في القلب، ونحن، صديقتي وأنا، نضحك ونتحدث ونعود لسالف عهدنا.. كأن شيئا لم يحدث على الإطلاق.

وآه.. ما أجمل الصداقة..

وآه.. ما أعظم الأصدقاء..