روبنز ولوحته.. ديبورا كيب وأولادها

روبنز ولوحته.. ديبورا كيب وأولادها

تشكِّل هذه اللوحة حالة فريدة من نوعها بين الصور الشخصيّة أو العائلية في تاريخ الفن عموماً، وضمن أعمال الرسام الفلامنكي بيتر بول روبنز بشكل خاص.

فالسيدة الظاهرة في هذه اللوحة تبدو متراجعة إلى الخلف، منطوية على نفسها أكثر مما هو مفترض في من يجلس أمام فنان ليرسمه، وتتطلع بذهن شارد إلى ما هو أبعد من أولادها الذين يحيطون بها. الفتى الأكبر وحده يتطلع إلى أمه وكأنه يريد أن يشاركها همّها. أما الفتاتان فتتطلعان إلى الرسّام، والطفل في حضن أمه لا يبالي لا بأمه ولا بالرسّام.

رسم روبنز هذه اللوحة في عام 1629م، أي عندما كان في ذروة نضجه وعطائه الفنّي. ومن السهل جدا على هذه اللوحة أن تخطف أنفاس المشاهد فوراً بجمال تركيبها العام ومزاجها اللوني، وصولاً إلى أدق تفاصيلها، وليس أقلها الساتان الأخضر المطرّز في ثوب المرأة.

إننا هنا أمام عمل لأستاذ الأساتذة، في ذروة اكتمال مذهب الباروك في فن الرسم. إذ باستثناء العمود الرخامي إلى أقصى اليسار وظهر المقعد، لا نجد خطاً مستقيماً واحداً في هذه اللوحة، فمن قماش الستائر إلى شعر الفتاتين، تبدو كل عناصر هذه اللوحة وكأنها أمواج من الألوان تتداخل وتذوب بعضها في بعض ضمن ألف حركة لولبيّة..

ونعود إلى فرادة هذه اللوحة المتمثِّلة في مزاج السيدة وفي وضعيّتها. والدخول إلى هذا الجانب يتم عبر لوحة أخرى لروبنز نفسه، عرفنا من خلالها حقيقة هذه العائلة.

يحتفظ قصر وندسور في بريطانيا اليوم بلوحة رسمها روبنز وخط عليها اسم من تمثِّل: السيد بلثازار جيربيه وعائلته. وفي منتصف لوحة قصر وندسور نرى هذه السيدة وأولادها الأربعة أنفسهم وقد أضيف من حولهم خمسة أولاد آخرين والسيد جيربيه نفسه.

ومن خلال نبش تاريخ هذه العائلة، تمكن النقاد من تفسير المزاج الكئيب الذي يطغى على صورة عائلية كهذه يفترض فيها أن تكون واجهة تقدِّم من خلالها العائلة نفسها إلى المجتمع، بدليل أن مقاساتها الكبيرة (165 × 177 سم) توحي بأنها كانت معدّة لتعلّق على جدار قصرٍ ما. فقد تبيّن أن هذه السيدة كانت زوجة رجل سيئ، سمّم حياتها بالمآسي التي سبّبها وبالديون وبعمليّات النصب والاحتيال وصولاً إلى القتل.

في اللوحة المحفوظة في قصر وندسور، يبدو منتصفها وكأنه نسخة فقيرة من هذه اللوحة المحفوظة في متحف الناشيونال غاليري في واشنطن. الأمر الذي يمكن أن يوصلنا إلى الاعتقاد أن روبنز رسم هذه اللوحة لنفسه وليس للزبون. ولكن المقتني الأول لهذه اللوحة كانت عائلة جيربيه نفسها.. مع أو من دون اعتراض على هذا الإفصاح العلني عن كآبة العائلة.. لا نعرف.

 

 

عبود عطية 




بيتر بول روبنز: «ديبورا كيب وأولادها» (165.8 × 177.8 سم)، 1629م.