مهرجان الكويت المسرحي العاشر.. اختبار لمستقبل المسرح الكويتي

مهرجان الكويت المسرحي العاشر.. اختبار لمستقبل المسرح الكويتي

كيف يمكن تقييم واقع المسرح الكويتي الراهن؟ وما هي امتدادات هذا المسرح لدى الأجيال المسرحية الشابة بوصفه مسرحا رائدا للمسرح الخليجي، عبر مسيرة بدأت مع مطلع ستينيات القرن الماضي كتابة وإخراجا وتمثيلا؟

كان انعقاد الدورة العاشرة لمهرجان المسرح الكويتي في الفترة من 8 إلى 19 أبريل 2008 بمنزلة فرصة نموذجية للبحث عن إجابات عن الأسئلة عبر الإنتاج المسرحي الكويتي الراهن وخاصة لدى جيل الشباب الآن وهنا.

لن نتوقف طويلا أمام الفعاليات والتكريمات على اعتبار تعرضها للتغطية الخبرية المفصلة في حينه، بينما سنهتم بإلقاء الضوء على العروض المشاركة التي أعقبت افتتاح المهرجان على يد وزير الإعلام الشيخ صباح الخالد الصباح، والأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي، وفي حضور حشد كبير من المسرحيين والفنانين العرب والكويتيين.

شاركت في المسابقة الرسمية للمهرجان ثمانية عروض، بالإضافة إلى عرض الافتتاح «الملك لير»، والعرض الزائر الذي حصد تقديرا واستحسانا نقديا وجماهيريا وهو عرض مسرحية «البقشة» لفرقة المسرح الحديث بالشارقة من دولة الإمارات.

عرض الافتتاح الذي اتخذ لمسة من المسرح العالمي لتقديمه نص شكسبير العلامة «الملك لير» اتسم بكونه عرضا حركيا سيمفونيا برؤية بصرية وموسيقية راقصة وشارك في الأداء المميز كل من الفنانين:أحلام حسن، سليمان المرزوق، يوسف البغلي، عبدالله بهمن، أمل عصام، ياسر الملا، هيا عبدالسلام، عيسى ذياب، نورا القريني بالإضافة إلى عدد من الممثلين الشباب، وأخرج العرض الدكتور يحيى عبدالتواب بتحركات متوافقة وجميلة ومدروسة حققت التواصل الصامت في الكثير من مشاهد العرض بحوار الإيماء والحركة الإيقاعية.

أما العرض الزائر فتمثل في مسرحية «البقشة» لفرقة المسرح الحديث بالشارقة من دولة الإمارات، وهو عرض متميز، متماسك على مستوى النص والأداء، والإخراج، مزج باقتدار بين الواقع والكوميديا، ونجح في تقديم إسقاطات سياسية واجتماعية بالغة الذكاء، بلا افتعال، بأداء جماعي اتسم بالإتقان، واستطاع أن يعبر عن العديد من القضايا والهموم المشتركة في الواقع الخليجي بمزيج من اللهجة المحلية الإماراتية والعربية الفصحى ما عكس أزمات إنسانية وطبقية مختلفة المستويات مستخدما رمزا من الرموز المحلية ذات الدلالات الطبقية وهي «البشوت».

والجدير بالذكر أن «البقشة» حصلت على الجائزة الكبرى وجائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان أيام الشارقة المسرحية عام 2007.

عروض المسابقة الرسمية

بدأت عروض المسابقة مع فعاليات اليوم الثالث بمسرحية «بلا ملامح» لفرقة مسرح الشباب، من تأليف: عبدالأمير شمخي وإخراج عبدالعزيز صفر وتمثيل حنان مهدي، فاطمة الصفي، عبير يحيى. وتدور أحداثها حول معاناة ثلاث نساء حوامل تجسد كل منهن نموذجا مختلفا فإحداهن تجسد الفتاة الريفية والثانية فتاة ليل والفتاة الصغرى سوف نتبين لاحقا أنها شقيقة السجان.

تسعى النماذج الثلاثة، عبر أداء انفعالي، موتر، ومقصود إلى أن تحافظ كل منهن على الجنين الذي ينمو في احشائها، للمحافظة عليه باعتباره الأمل الوحيد الباقي لهن في ظلام السجن.

تميز الأداء الثلاثي بتكوينات جسدية قدمت برشاقة وحركة متوازنة، كما تميز العرض أيضا بتميز عناصره السينوجرافية، ممثلا في الديكور المرن الذي اتخذ تكوينا حجريا كجدار للسجن، لكنه قابل للتحرك بمرونة لتغيير الإيقاع والمشهد، وتأكيد الإحساس الخانق للسجن.

قدمت فرقة مسرح الخليج العربي العرض الثاني في المهرجان ممثلا في مسرحية «سفر العميان» التي أثارت جدلا وملاحظات عديدة حولها وهي من تأليف ناجي الحاي وإخراج نجف جمال وتمثيل هيفاء عادل، ناصر كرماني، نصار النصار، نواف القريشي منال الجارالله، محمد الشطي، أما الفرقة الموسيقية «الجوقة» فتكونت من بدر سالمين، خالد البلوشي، فهد البحري، أحمد الدوسري. تدور المسرحية حول خمسة مكفوفين خرجوا جميعا في رحلة ترفيهية برية يقودهم شخص مبصر ومن خلال منولوجات كل منهم نتعرف على شخصية المبصر، كما نفهم عدم معرفتهم لأسباب اختفائه مع أمتعتهم وتركهم يواجهون المجهول وحدهم. وبالرغم من الموقف الدرامي، فقد تم التعامل معه بشكل بدا أميل للاستلهام من المسرح التجاري، إذ امتلأ العرض بحوارات خفيفة وجلسات طربية وأفيهات جعلت الشخصيات سطحية بأداء غير مقنع ، مما استدعى مجموعة من التساؤلات عن تراجع أو توقف مسيرة مسرح الخليج التي كانت قد توجت في الدورة السابقة بجائزة أفضل عرض مسرحي عن «غسيل ممنوع النشر».

الأزمة بين الواقع والفن

العرض الثالث «بوخريطة» اتسم بأنه أول عرض تقدمه فرقة خاصة هي «الجيل الواعي» وقدم قضية تجسد هما عربيا مشتركا عن الواقع العربي المأزوم . بدأ العرض بمونولج لحامد بوخريطة «الفنان عبدالله التركماني» مع عروسه (جسدت الدور الفنانة أحلام حسن) خلال اللحظات الأولى لبدء حياتهما المشتركة كزوجين، مشيرا إلى حكاية أسرته في رسم الخريطة وتعلقه الشديد وحفاظه على خريطة الوطن العربي رغم الثقب الموجود فيها. ثم نفاجأ بدخول مجموعة من العسكر لا هوية لهم، يحتلون المنزل ويعتقلون صاحبه، ثم تتطور الأحداث في تجريد بوخريطة من ملابسه لتغيير هويته وتعذيبه في إطار كوميدي ساخر، على يد طبيب «علي كاكولي» ومساعده «عبدالمحسن العمر» وتختفي زوجته بحيلة درامية ولكن من دون مبرر لاختفائها طوال هذه الأحداث لنصل إلى النهاية بالمشهد الثالث بتحوله إلى شخص آخر تماما، بعد أن تعرض لغسيل عقل، وجسد دور الشخص المتحول الفنان يوسف البغلي، الذي قدم أداء مميزا جسد فيه هذا التحول الجذري له جسديا ونفسيا وفكريا. وبالرغم من انتفاء عمق التناول فإن العرض يحسب له حركة مجاميع العسكر وتوظيفها بشكل متناغم الإيقاع، وهي زاوية من عدة زوايا أكدت الجهد الإخراجي من د. حسين المسلم.

العرض الرابع «المستأجر الجديد» استلهم نصا من مسرح العبث للكاتب يوجين يونسكو، وتجلت سمات المسرح العبثي في قلة الشخصيات التي أظهرت لنا مفارقة العزلة وعدم القدرة على التواصل مع الآخر وحالة من القلق والاغتراب التي أدارها المخرج الشاب عمار السليمان لدى المستأجر «أوس الشطي» والمرأة أو الخادمة الثرثارة التي نتعرف من خلالها على الساكنين القدامى. ودخل عنصر حركي كان له دور في كسر حالة الرتابة التي انتابت العرض، هي عملية تغيير ونقل الأثاث من مكان لآخر والدخول والخروج للعاملين المتناقضين في الشكل والتكوين، وبالرغم من جودة النص وخصوصيته، وانحيازه الكامل للقيم المسرحية الرفيعة، فإن السؤال يظل مطروحا عن جدوى العرض إذا لم يتم موازاته بمفردات من البيئة، أو من الواقع المعاصر، وطرح أسئلة خاصة من خلال استلهامه.

مفارقات مسرحية

«حفلة عشاء» هو العرض الذي شهد توترا في قاعة العرض، ومشكلات خاصة بالصوت أربكت الجمهور في القاعة، وأدت إلى سوء فهم من بطل العمل ومخرجه، هددت بعدم استكمال العرض، ومع كل ذلك الصخب، فاجأ المخرج الجمهور بعرض يستعير من الدراما التليفزيونية الكثير بدلا من عناصر المسرح، حتى على مستوى الأداء، والديكور، في مناقشته لقضية الخيانة الزوجية، ومفهوم الرجولة في المجتمع العربي الذكوري، والبحث عن قيم الحب الضائعة في متاهة مادية العصر الحديث. قام بتأليف العرض وإخراجه مساعد الزامل من فرقة المعهد العالي للفنون المسرحية، ولعب بطولته أيضا بالاشتراك مع الفنانة باسمة حمادة، بينما قام بدور الزوج المخدوع الفنان محمد الرشيد،الذي اتسم أداؤه بنوع من التوتر الذي لم يكن مناسبا في غير موضع مما أدى إلى اعتقاد الجمهور بأنه يؤدي موقفا كوميديا، بينما كان يؤدي موقفا دراميا بامتياز! وهذا الموقف بإمكانه ان يختزل إشكاليات هذا العرض بشكل عام.

مسرحية «الشاعر والعجوز» لفرقة مسرح الحداد التي شاركت بنص جديد باتجاه مختلف نحو مسرح «النو» الياباني بنص للكاتب الياباني «سوتوبا كوماشي» وإخراج الفنان عبدالعزيز الحداد. تدور أحداث المسرحية بين شاعر شاب (أدى دوره عبدالعزيز الحداد)، والعجوز (أدت دورها الفنانة إيمان) التي يصل عمرها إلى تسعة وتسعين عاما. ويطرح العرض أفكارا فلسفية عميقة عن القبح وجمال النفس ورجاحة العقل ومنطق العلم والخلق، عبر شخصية العجوز التي تخفي بشعرها جمال ملامحها على يقين بأن جمالها مكنون بداخلها ومحذرة الشاعر الشاب بألا يحاول أن يرى جمالها لأنه قتل كل من رآه.

تميزت الشخصية بمرونة الأداء بروح مرحة ونجحت في نقل انفعالاتها من خلال الصوت والحوار. ويحسب للعرض الأداء الأوبرالي الجميل والمباشر في أغاني المسرحية من الفنانتين راوية وإيمان، كما أن العزف الحي على خشبة المسرح أضفى على العرض جوا خاصا، إلا أن بعض عناصر الديكور لم تتماش مع طبيعة المكان مثل الأريكة المنجدة والمصباح الكبير الذي حجب الرؤية، أما الأزياء فبالرغم من أنها كانت منتمية لجو النص الياباني وعبرت عنه فإنها افتقدت الرمز.

أيهما أحق بالسلطة الرجل أم المرأة؟ هذا هو الطرح الرئيسي الذي قدمته مسرحية «إني أرى ماتراه» من تأليف: شاكر معتوق وإخراج: إبراهيم بوطيبان. بنيت الأحداث حول من يستحق كرسي الحكم الأخ أم الأخت؟ بينما يحيط بهما فريقان من المؤيدين والمعارضين، لكنها بدت فكرة استفزازية أكثر منها فكرة منطقية، واتسمت الشخصيات بالنمطية حيث تكررت في نماذج مكررة بلا أي عمق. إلا أن رؤية المخرج البصرية والإخراجية هي التي قدمت عددا من الحلول الفنية للنص وتجاوزت بعض الثغرات باستخدام عنصرالأزياء وبأداء الرقصات والتعبير الحركي الذي أنقذ العرض من الفتور بحضور موسيقي متناغم مع الحركات التكتلية للمجاميع أعطت صورة جميلة للسيرك حتى نهاية العرض. اما عرض الختام فتمثل في مسرحية «العثرة»، الذي لاقى استحسانا وقبولا من الجمهور . العرض من تأليف محمد الفرج وإخراج وليد سراب وتمثيل محمد المنيع وطيف وأريج العطار. رسمت لنا السينوجرافيا شجرة السدرة والدرج المؤدي إلى الغرفة العلوية والأرجوحة، باطار تراثي جميل وعمق مسرحي وتدرج متناسق، وطغى على البيت الكويتي القديم اللون الأسود، كما حملت دلالات متعددة بمؤثرات موسيقية وصوتية أشعلت وجدان المشاهد ممزوجة بين الأداء الغنائي الحي محمد الفرج والتسجيل في أحيان أخرى بانفعالات وإيماءات تمثيلية مميزة أثمرت لنا فنانة واعدة هي«أريج العطار».

طموحات المسرح الكويتي

من خلال رؤيتنا للعروض، والجوائز يبدو واضحا أن أغلب العروض افتقرت لتكامل العناصر المسرحية، بالرغم من الجهود الشبابية التي لها كل التحية.

اتسمت أغلب العروض بعدد من السلبيات: منها ضعف النصوص وسطحية الطرح وعدم توافر الاتقان في بعض المشاهد، مشكلات في التقنيات الصوتية، ضعف الأداء التمثيلي، وضعف صوت الممثل في بعض العروض، الذي يعتبر من أهم أدوات التمثيل المسرحي، لذلك فإننا نتصور أن اللجنة قد اتسمت بالموضوعية، وهو ما يدعونا للثناء على قراراتها الحاسمة.

ورغم أن هناك كثيرا من الجهود المبذولة وكثيرا من الإخلاص أيضا، لكن تلك الجهود بدت في حاجة إلى درجة أكبر من التضافر والتكامل . هذه النتائج أيضا يجب أن تقودنا إلى طرح قضية مهمة تتمثل في احتياجنا لوقفة متأنية تتعلق بحاضر ومستقبل المسرح الكويتي خاصة أنه تحول، في الفترة الأخيرة، إلى مجرد مسرح مهرجانات في غيبة المواسم المسرحية الكاملة للفرق القائمة التي انحصر نشاطها في مجرد الوجود في هذا المهرجان أو ذاك.

لكننا في الوقت نفسه لا بد ان نقدم الشكر على الجهود المبذولة من إدارة المهرجان في الإعداد والتحضير وتشييد المسارح، وكذلك لكل الفنانين من الضيوف والأكاديميين وكل المتابعين من الإعلاميين والأكاديميين المسرحيين لهذه الفعالية لمهرجان الكويت المسرحي العاشر الذي نتمنى أن تكون فعالياته بمنزلة ناقوس الخطر الذي يمكن أن يساهم في تحذير العاملين في الحقل المسرحي إلى مكامن الخلل، والبحث عن صيغ أكثر طموحا، واكتمالا، وتضافرًا للجهود في الدورات المقبلة.

جوائز المهرجان

  • - جائزة أفضل عرض مسرحي متكامل (حجبت).
  • - جائزة أفضل ممثلة دور أول
    الفنانة أحلام حسن ( بوخريطة - فرقة الجيل الواعي).
  • - جائزة أفضل ممثل دور أول
    الفنان عبدالله التركماني ( بوخريطة).
  • - جائزة أفضل ممثلة دور ثان
    الفنانة فاطمة الصفي (بلا ملامح - فرقة مسرح الشباب).
  • - جائزة أفضل ممثل دور ثان
    الفنان نصار النصار ( سفر العميان - فرقة الخليج العربي).
  • - جائزة أفضل مخرج
    الفنان حسين المسلم (بوخريطة).
  • - جائزة أفضل ديكور
    الفنان حسين بهبهاني (بلا ملامح - فرقة مسرح الشباب).
  • - جائزة أفضل إضاءة
    الفنان أيمن عبد السلام (العثرة - فرقة المسرح الكويتي).
  • - جائزة أفضل مؤثرات صوتية
    الفنان وليد سراب (العثرة ).
  • - جائزة أفضل تأليف
    للمؤلف محمد الفرج ( العثرة ).
  • - جائزة أفضل أزياء
    المصممة غزلان عبدالعزيز (الشاعروالعجوز - فرقة مسرح الحداد).
  • - جائزة «الأنباء» لأفضل ممثل واعد
    الفنان يوسف البغلي ( بوخريطة ).
  • - جائزة «الأنباء» لأفضل ممثلة واعدة
    الفنانة أريج العطار ( العثرة ).
  • - جائزة المرحوم الفنان «كنعان حمد»
    الفنان عبدالله التركماني (بوخريطة ).

 

 

إعداد: منيرة سالمين 





مسرحية الشاعر والعجوز





 





الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون في ندوة تطبيقية





مشهد من مسرحية «البقشة» من دولة الإمارات





المخرج عبد العزيز صفر مع بطلات عرض «بلا ملامح»