هو .... هي

لا أريد الفراق

أكاد أجن.
لم تتوقف المناقشات طوال الشهر الماضي. في البداية بدأت بين زوجي وبيني، ثم شارك فيها أبناؤنا. بعد ذلك تدخلت أسرتانا، أسرتي وأسرته لم نصل إلى حل يرضي الجميع لأن كلا منا يصر على موقفه. منذ شهر، جاء زوجي مهللاً.

مبروك.. أخيراً، حصلت على عقد عمل في الخارج. سوف نحل كل مشاكلنا.

فرحت، وبدأت أسأل عن التفاصيل.

علمت أنه حصل على عقد سخي، يتوافق مع خبرته القانونية ومع كفاءاته العلمية التي يعترف بها الجميع. كما علمت أن الجهة التي سيعمل بها ستوفر له مسكناً به تليفون ويضم كل الاحتياجات وكذلك سيارة لاستخداماته اليومية إلى العمل ومنه. بالإضافة إلى تذكرة طائرة سنوية. ذهابا وإيابا- لإجازاته في الصيف.

سألته: تذكرة واحدة؟ ونحن.. من سيتحمل تكلفة تذاكر سفرنا في الإجازة السنوية.

أجاب: لم أتفق معهم على أي شيء بخصوصكم، لأني سأسافر بمفردي، ستبقون أنتم هنا.

اعترضت. طلبت منه إلغاء الفكرة من أساسها.

قلت: "لا أريد المال لأني لا أريد بعدك عنا".

تتحدد وجهة نظري في التالي: لابد للأسرة أن تستمر تعيش مجتمعة على الحلو والمر. لا أرى أي معنى لسفر الزوج لمدة طويلة تاركا وراءه الزوجة والأبناء. خاصة إذا كانت الأسرة كأسرتي، أسرة مكونة من زوج وزوجة وأربعة أبناء. يمر أحمد ومحمود في الجامعة. وهدى وإيهاب في المرحلة الثانوية. يمرون بهذه السنوات التي يحتاجون فيها إلى قدرات الأب وصداقته وقربه منهم ثم إلى رأيه في مراحل التحول المهمة. كما يحتاجون إلى الأم في العطاء اليومي والإحساس المتدفق بمشاكلهم الدراسية والعاطفية.

هذه وجهة نظري، شرحتها له.. ولكنه لم يقبلها. قال " أنت إنسانة قوية تستطيعين القيام بالدورين معا.. دور الأب ودور الأم".

عرضت عليه أن أحصل على إجازة من عملي. وهو ما أعده تضحية كبيرة مني. ربما أستطيع الحصول على فرصة عمل معه في أي مدرسة.وبذلك نكون قد حققنا هدفين معا. هدف الحصول على فرصتين للعمل وهدف البقاء مجتمعين كأسرة.

بحكم طبعي مع صديقاتي اللائي مررن بالتجارب ذاتها أجد نفسي رافضة لفكرة أن يتباعد الوالد ويعيش الأبناء محرومين منه ولا يلتقون به إلا من خلال تلك الرسائل المطولة أو تلك المكالمات التليفونية التي لا تضم ولا تعبر عن كل المشاكل أو الأحاسيس.

أريده معنا وأريد أن تكون معه.. لا أريد المال إذا جاء على حساب فرقتنا.

..هى

لابد من التضحية

لا أفهم معنى لمناقشات زوجتي.

بعد أن كبرالأبناء وأصبحوا في مراحل دراسية متقدمة لم يعد يكفينا دخلنا.. أضع مرتبها على مرتبي ثم نستمر نشعر أنهما لا يكفيان.

منذ شهر حصلت على فرصة للعمل كمستشار قانوني في إحدى الشركات بأحد الأقطار العربية. وجدت العقد سخيا.. يقدم لي مرتبا جيداً ثم منزلاً صغيراً به كل الاحتياجات، ثم سيارة لانتقالاتي اليومية إلى العمل ومنه. بالإضافة إلى تذكرة طائرة سنوية - ذهابا وإيابا لقضاء الإجازة الصيفية مع أسرتي.

الشركة تمتلك فروعا كثيرة في عدة أقطار مما سيجبرني على الانتقال من موضع إلى آخر بشكل مستمر ومكوكي. يعني ذلك أنني لن أستقر طويلاً في بيتي حيث مركز الشركة.

عندما أخبرت زوجتي بالعرض المقدم لي، فرحت. ثم بدأت تسأل عن التفاصيل. بدأت تتردد عندما علمت أني أنوي السفر بمفردي تاركا إياها مع أولادنا الأربعة في بيتي في وطني. شرحت لها كل الظروف لكنها تمادت في ترددها إلى أن طلبت مني الاعتذار عن العمل وتجاهل هذه الفرصة المتاحة والتي ستساعدنا على حل الكثير من مشاكلنا المالية بالإضافة إلى أنها ستوفر لنا فرصة تحقيق بعض المدخرات لأولادنا.

تتحدد وجهة نظري في التالي: تعمل زوجتي في وزارة التربية والتعليم. فهي مدرسة نشطة ومحبوبة من رؤسائها وزملائها وتلاميذها. بجانب ذلك استقر أبناؤنا في كلياتهم وفي مدارسهم. أرى أنه من الصعب علي أن آخذهم معي. سوف يؤدي ذلك إلى أنها ستحصل على إجازة من عملها وإلى أن ينتقل الأبناء الأربعة إلى مدارس وجامعات جديدة. قد يحتاجون فيها إلى فترة زمنية حتى يتلاءموا مع مناخها الدراسي ومع زملاء جدد لهم وأساتذة لم يتعودوا عليهم. بالإضافة إلى أن طبيعة عملي ستجبرني على التنقل مما يسستدعي بقاءهم بمفردهم في مسكن الشركة لفترات قد تطول.

إذا سافروا معي فسنحتاج إلى مسكن، أكبر من ذلك الذي تقدمه الشركة مما يعنى توجيه إنفاق جديد للسكن.

تقول زوجتي إن الأبناء يحتاجون أباهم في هذه المرحلة السنية الحرجة وإن علاقاتهم به لابد أن تتجاوز هذه الخطابات التي يتبادلونها وتلك المكالمات التليفونية التي قد يتلقونها من حين إلى أخر. وهي في هذا الشأن محقة، إلا أنني أرى أن أولادنا تجاوزوا تلك المرحلة الحرجة جدا، فهم يستطيعون فهم الأمور على حقيقتها، كما أنهم يستطيعون تحمل المسئولية في أثناء غيابي.

يبدو أن زوجتي تخاف مواجهة الأسرة والحياة بمفردها .. لا تزال خائفة من تلك المواجهة. أشجعها وأبث بها روح المواجهة. قلت لها إنها تستطيع أن تكون أما وأبا في آن واحد. لابد أن نضحي من أجل أولادنا.