أولمبياد بكين عش الطائر ولهب التنين!

أولمبياد بكين عش الطائر ولهب التنين!

قبل أيام من انطلاقة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في بكين، كان شعارها مطبوعًا في كل مكان: على صدور القمصان وفوق هامات القبعات، مثلما ظهر بأشكال ألعاب ومأكولات وتذكارات. الشعارُ معلق بواجهات المباني ومطبوعٌ بجنبات الناقلات. يتحرك مثل الماء والهواء من قلب بكين إلى سور الصين. ومن مبنى اللجنة الأولمبية، إلى المطاعم الشعبية والميادين الرسمية. أما التمائم الصديقة، أو التعاويذ، فتمسحُ بضحكاتها البريئة الدموعَ من العيون التي بكت ضحايا زلزال سيشوان. وتحيي من القلب جمهورًا رياضيا وفد ليرى قدرات عالية للمتسابقين من أبطال العالم، الذين جعلوا الرياضة جسرهم للفرح، يعوضون بتفوقهم فيها إخفاقات الحياة.

ازدادت تعقيدات تأشيرة الدخول إلى الصين في موسم الأولمبياد. كان ذلك قبل السفر. أما وقد هبطت إلى مطار عاصمة أكبر بلاد العالم، فإن التعقيدات الحقيقية تظهرُ لك نفسها، عند كل باب. لحظة الوصول اتجهت أنظارنا عند بوابة الجمارك إلى رجل ضئيل الحجم، وقد أحاطت به الشرطة الصينية، لإعادة التفتيش. لم يكن يحمل من المتاع الكثير، فليست هناك سوى حقيبتين، رأى الجميع كل محتويات الأولى أثناء الفحص البطيء الذي يلي التفتيش الإلكتروني، أما الحقيبة الثانية، الأصغر، فلم يكن فيها سوى بعض الأوراق، وعدد من الألواح المعدنية التي يكاد يزيد مساحة الواحد منه على حجم الكفين! أخذها كبير المفتشين، ونقلها إلى زاوية من المكان، وأخذ يقيسُ فيها، أمام ذهول المسافر وحسرته التي تشي بالمأزق الذي يعانيه.

لم ندر ما سر هذه الألواح الخمسة التي حملها المسافر، القادم كما علمنا لاحقا من مطار هو شي منه في فيتنام، إلا في اليوم التالي، وقد تصدرت صورته وصورة الألواح الخمسة الصحف الصينية. بحثت عن جريدة باللغة الإنجليزية تفسِّر ما جرى، فإذا عُرف السبب، بطل لدينا كل عجب.

بكين ترحب بكم!

كانت الألواح الخمسة المصنوعة من المعدن قوالب لصنع التمائم الخمسة التي صممها الفنان الصيني الشهير هان ميالين. هذه التمائم جالبات الحظ كما يسمونها والتي أعلنت على الملأ من قبل «الجمعية الوطنية لدراسات الأدب الصيني الكلاسيكي» في 11 نوفمبر 2005، قبل ألف يوم من انطلاقة ألعاب بكين 2008، لتكون رسميا تمائم الألعاب الأولمبية. إنها مجموعة «الفوا» الصديقة!

قال المسافر (المضبوط) إن هذه الألواح تعود لشركة يعمل بها في فيتنام، وإنه يحملها لفرع تلك الشركة في الصين، لكنه عجز عن أن يقدم دليلا على ذلك، وما أدراك بحاجته إلى دليل في الصين. لكننا سنتركه لمصيره، لأحدثكم عن الجذور الثقافية لمجموعة «الفوا». بي بي، جنج جنج، هوان هوان، ينج ينج، وني ني. وكما تدركون من إيقاعها الصوتي فهي تمثل أسماء التدليل لأطفال صينيين، ولكن إذا وضعتها معًا، لكان منطوقها: بيجينج هوانينج ني، ومعناها بكين ترحب بكم. وهي عبارة لم تشفع لحامل الألواح المعدنية غير المشروعة!

ستجد هذه الدمى الخمس في كل مكان، الفتاة بي بي، التي توازي الحلقة الزرقاء من دوائر الأولمبياد، وترمز للماء، وتصميمها مشابه لسمكة الحفش الضخمة، وتجسد الطموح والبراءة والرقة، وهي بالطبع ترمز للألعاب المائية، وإيحاؤها الصيني أنها تكوِّنُ مع زهرة اللوتس العام الجديد، وهي سمكة تنتشر في مياه أنهار اليانجستي، وقيانتانج، ومينجيانج، واللؤلؤ. وفضلا عن كونها سمكة لها قيمة عالية، إلا أنها معرضة للخطر.

أما الصبي جنج جنج، فيوازي الحلقة السوداء من دوائر الأولمبياد، ويرمز للخشب، وتصميمه مشابه لدب الباندا الضخم، ويجسد السعادة، ولقوته نجده يأتي مع رياضتي رفع الأثقال، والجودو وغيرهما من الرياضات القوية. والباندا المعرض لخطر الانقراض رمز قومي للصين، وللعالم المحافظ على البيئة، مثلما يعبر عن التجانس في التعايش بين الإنسان والحيوان.

ثالث مجموعة «الفوا» الصبي هوان هوان، ويوازي الحلقة الحمراء من دوائر الأولمبياد، ويرمز للنار، ومصمم على شكل الشعلة الأولمبية، وشخصيته تتسم بالتعاطف وعدم الأنانية، ولذلك يأتي مع الألعاب الجماعية مثل ألعاب الكرة. وهو يعبر عن قيم الأولمبياد الرياضية: أعلى، أقوى، وأسرع.

من «الفوا» أيضا الصبي ينج ينج، ويوازي الحلقة الصفراء من دوائر الأولمبياد، ويرمز للأرض، ومصمم على شكل حيوان الظبي الرشيق الذي يعيش في التبت، ويمثل الصحة، ولذلك يتوافق مع ألعاب الميدان.

آخر مجموعة «الفوا» الصديقة الصبية ني ني، وتوازي الحلقة الخضراء من دوائر الأولمبياد، وترمز للسماء، ويأتي تصميمها على شكل البجعة، وترمز للبهجة والطهارة، وتمثل الحظ الطيب، وتتوافق مع ألعاب الجمباز. والبجعة رسول الربيع والسعادة في الثقافة الصينية، كما أن الحرف المستخدم لكتابة اسمها، هو نفسه يانجنج، الاسم القديم لمدينة بكين، ولذلك تستوحي الطائرات الورقية في بكين طائر البجع في تصميمها.

هذا هو جزء ثقافي من التاريخ الجديد لألعاب بكين، التي تنطلق في الثامن من هذا الشهر أغسطس 2008. لكن اللجنة المنظمة لم تنس أن يستعيد زوار الصين تاريخ الألعاب الأولمبية، لذا بدأت قبل عام من الأولمبياد في عرض مجموعة مقتنيات عددها 700 تتضمن ميداليات الفوز من الدورات السابقة، والتمائم التي كانت ترمز لها، والأعمال الفنية التي تستدعيها، بالإضافة إلى الصور، والأفلام، والمنتجات الرياضية والعلمية التي استخدمت في القياس، والهدايا التذكارية، والشعلات الأولمبية كذلك، وذلك تحت شعار «عالم واحدٌ، حلم واحدٌ». وقد جاب هذا المعرض الذي أقيم برعاية اللجنة الأولمبية الدولية واللجنة الصينية الأولمبية، واللجنة المنظمة للأولمبياد التاسع والعشرين في مدن جوانج زهو، وهونج كونج، ونانجينج، وشنغهاي، وكينجداو، ووهان، وبدأ في الصين وانتهى فيها. معرض كان الأضخم حجمًا والأطول زمنا في تاريخ البلاد، نتجول بين المعروضات، التي قدمت للجمهور بشكل مثالي، من ناحية المؤثرات الصوتية، والإضاءة، ونستعيد صوت التهليل الذي صاحب لحظات الحصول على الميداليات. مائة عام من الشعلات الأولمبية، ومائة عام من تاريخ الألعاب، اجتمعت أمام ناظرينا في مركز الصين للمعارض الدولية.

الشعلة في رحلتها الصعبة

هذه الرحلة داخل المعرض الأوليمبي، التي استمتعنا فيها باستعادة تاريخ الأولمبياد المصور، ذكرتنا برحلة أخرى، للشعلة الأولمبية، التي بدأت في اليونان، وانتهت في الصين. لكنها كانت رحلة صعبة!

في ربيع هذا العام انطلقت الشعلة من قمة الأولمب، بأثينا (اليونان)، ثم حطت الرحال في بكين (31 مارس) وبعدها سافرت خلال شهر أبريل إلى ألماتي (كازخستان)، فاستانبول (تركيا)، وبعدها سانت بطرسبرج (روسيا)، ومكثت في لندن (المملكة المتحدة)، وعبرت باريس (فرنسا)، واستقبلتها سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة)، وحيتها بوينس أيرس (الأرجنتين)، وفرحت بها دار السلام (تنزانيا)، واحتفت بها مسقط (سلطنة عُمان)، ورأت إسلام أباد (الباكستان)، وتوقفت في نيودلهي (الهند)، وكذلك فعلت في بانكوك (تايلاند)، وكوالالمبور (ماليزيا)، وجاكارتا (إندونيسيا) وكانبرا (أستراليا)، وناجونو (اليابان)، وسيول (كوريا الجنوبية)، وبيونج يانج (كوريا الشمالية)، وهو شي منه (فيتنام)، حتى عادت في مايو الماضي إلى مدن الصين؛ هونج كونج، ماكاو، وصعدت لأعلى قمم العالم في الهيمالايا (إفرست) وصولا إلى مقر الألعاب في بكين. وكانت آخر حاملة للشعلة السيدة جيانغ شاو مين وهى لاعبة جمباز تبلغ من العمر 63 عاما وحصلت على بطولتين وطنيتين وجاءت فى المركز السادس فى بطولة العالم الخامسة عشرة خلال حياتها فى الرياضة.

عرفنا أن لجنة بكين المنظمة للألعاب الأولمبية قررت تعديل طريق تتابع شعلة الاولمبياد (الذي توقف 3 أيام حدادًا) بسبب زلزال 12 مايو فى سيشوان والذي كان مقررًا بين 15 و18 يونيو، ليكون أيام 3 و4 و5 أغسطس، أي قبيل وصول الشعلة إلى بكين، ولتبلغ مسافة مسيرة الشعلة 137 ألف كيلومتر استغرق عبورها 130 يوما وشارك بها أكثر من عشرين ألف حامل!

لم يكن طريق الشعلة مفروشا بالزهور، في كل محطة، فمثلما استقبلتها جموعٌ سعيدة، تظاهرت أيضا ضدها مجموعات كثيرة من مجموعات حقوق الإنسان، وخاصة تلك التي تندد بما يقع في التبت. ومع المظاهرات نشرت صحف العالم كثيرًا من الرسوم التي تطالب بمقاطعة الأولمبياد الذي تقيمه بلاد التنين. هذه الرحلة القلقة، جعلت اللجنة الأولمبية الدولية تعيد النظر في الجولات اللاحقة للشعلة الأولمبية حول العالم. فالشعلة تحملها شخصيات رياضية واعتبارية واعتراضها يعني أن تتدخل السياسة في الرياضة التي تكادُ أهدافها تتعارض معها. ففي حين تكرس الكثير من السياسات لتأجيج النزاعات، تحاول الرياضة أن تعمم قيم التسامح وتنشر اللعب النظيف وتروج التعاون، واحترام المنافسات الشريفة.

قانون للصحة البدنية!

يكاد شعار «الرياضة للجميع» يكون حقيقيا حين تبحث عن تطبيقاته في الصين. والاهتمام بالحدث الرياضي العالمي ليس وليد عام مضى، أو مجرد سنوات خلت، وإنما هو متجذر في الشخصية الصينية. مازلت أذكر في الصين صور الأحياء القديمة التي تضم عند كل زاوية منها طاولة للعب تنس الطاولة، مثلما أتذكر صور الألعاب الحركية الصينية، التي تعتبر فنا مهاريا موازيا للألعاب التي اشتهر بها الصينيون. الاهتمام بالرياضة لم يتوقف عند حدود المبادرات الفردية، ولا عند زوايا الأحياء الفقيرة، ولا بين جدران الأندية الثرية، وإنما تحول إلى قانون، والقوانين في الصين لها سطوة شديدة (كما يعرف القاصي والداني).

أتحدث عن قانون الصحة البدنية، في جمهورية الصين الشعبية، الذي تم تطبيقه في 1995، وهو العام نفسه الذي أصدر فيه مجلس الدولة تشريعا وآليات لبرنامج اللياقة البدنية. هناك دراسات مسحية تقولُ بأن نحو 40 بالمائة من السكان بين سن السابعة إلى السبعين يمارسون نوعًا من التدريبات الرياضية بشكل منتظم، وأن نحو 61 بالمائة في المدن والمناطق الحضرية يرتادون المراكز الرياضية، وأن 95 بالمائة من الطلاب يطبق عليهم قانون الصحة البدنية، الذي يركز بشكل أكبر على الجيل الأصغر، ويشجع أبناء الصين على ممارسة رياضة واحدة على الأقل كل يوم، وأن يتعلم كل منهم وسيلتين على الأقل للحفاظ على اللياقة، وأن يجتاز سنويا اختبارًا صحيا. إنهم يبحثون عن أمة من الأصحاء، أليس العقل السليم في الجسم السليم؟

امتدت فترة ذلك البرنامج 15 عامًا، استطاعت الدولة خلالها أن تقدم نظامًا صحيا يخدم العامة، بل وأصبح هناك في أنحاء الصين المترامية الأطراف 620 ألف ستاد وصالة ألعاب، معظمها مفتوح للجمهور، وأضيفت مراكز الرياضة إلى البنى الحضرية، سواء في المدارس أو المجمعات السكنية، حتى أصبح كل مجمع سكني في بكين مزودًا بمركز للياقة البدنية، وخاضعا للمعايير القياسية الوطنية، وافتتح منذ أربع سنوات أكبر ستاد رياضي في الصين للياقة البدنية على مساحة 10 آلاف متر مربع! ثم تأسست في سنة 2001 إدارة الدولة للثقافة البدنية، لتؤسس في 31 مدينة كبيرة ومتوسطة (مثل بكين وداليان)، مراكز رياضة بدنية. وفي نهاية 2003 بدأ العمل في أول مضمار للجولف بجبال الصين، في منغوليا الداخلية، وهو مشروع يكلف مليار يوان صيني، ويعتبر السادس عالميا من حيث المساحة (اليورو يساوي نحو 11 يوانا)!

أرقام أولمبية في عش الطيور!

في اليوم الثامن من الشهر الثامن من العام الثامن يبدأ الأولمبياد الثالث في الألفية الثالثة، والتاسع والعشرون في التاريخ الحديث. مع 91 ألف متفرج ومتفرجة في استاد بكين الوطني الجديد، هناك مليارات عدة أخرى ستجتمعُ أمام الشاشات لرصد أيام الحدث الضخم. أكثر من 10 آلاف وسبعمائة رياضي ورياضية، يتنافسون في الأسابيع الثلاثة للحصول على 302 ميدالية ذهبية فردية وجماعية. ميداليات ترقد مثل البيض الثمين في عش الطيور. وهذا العش ليست تسمية مجازية، بل هو لقب الاستاد الذي يضم معظم ألعاب القوى والرياضات في بكين، ويشبه تصميمه ذلك العش الذي تبنيه الطيور فوق أغصان الشجر. (وهو مع خمسة استادات أخرى لكرة القدم في قينجداو، وشنغهاي، وتيانجين، ومضماران بحريان إضافيان في هونج كونج وقينجداو، تشكل أماكن التسابق لهذه الرياضات تبلغ 31 مضمارًا).

نتوقف أمام عش الطيور لأخذ صور تذكارية، وهو الاستاد الذي صممه الفنان آي، ابن مدينة بكين، المُختار من قبل الشركة السويسرية هيرتزوج آند دي ميرون لابتكار هذا الاستاد الذي يتسع لواحد وتسعين ألف متفرج، ليصبح أعجوبة معمارية، يقول «آي»: لقد ابتكرته لأنني أعشق التصميم كفن. وقد استخدم في بناء عش الطيور نوعٌ جديد من الصلب ذو تكنولوجيا عالية.

وإذا عدنا إلى دورة بكين للألعاب الآسيوية عام 1990، نجد أن الحكومة الصينية تحملت كل التكاليف، ولكن هذه المرة في أولمبياد بكين تشارك جهات استثمارية في التمويل، ستستفيد لاحقا من المنشآت الرياضية. لذلك فإن استاد عش الطيور الذي تكلف ثلاثة مليارات يوان، يحق لهذه الشركات بعد أولمبياد بكين أن تدير عش الطيور لمدة 30 سنة لحسابها وليتحول إلى ملعب متعدد الوظائف، يشمل إقامة نشاطات تجارية وثقافية وسباقات رياضية. أيضا تبرع المغتربون الصينيون ومواطنون من هونغ كونغ وتايوان بتكاليف صالات السباحة المسماة بالمكعب المائي والتي بلغت تكلفتها مليار يوان.

وستحتفظ الحكومة بالمرافق التي مولتها كمرافق عامة للمواطنين. وستباع القرية الأولمبية وحديقتا الميديا للمواطنين بعد دورة بكين.

ملمحٌ اقتصادي آخر يقرب للذهن الوجه الاقتصادي للأولمبياد، يأتي من خلال إجابة سون وي ده، نائب مدير إدارة الإعلام والاتصال بلجنة بكين المنظمة للأولمبياد، عن إجمالي التكلفة المالية لاستضافة أولمبياد بكين، وهي الكلفة التي جعلها قسمين؛ ميزانية اللجنة المنظمة ببكين، التي تشمل جميع تكاليف الأعمال التحضيرية لهذه الدورة مثل الدعاية والإعلام وإقامة حفلتي الافتتاح والختام والفعاليات الثقافية المرتبطة بالأولمبياد، وهي ميزانية تعادل ميزانية دورة أثينا، أي 2,4 مليار دولار أمريكي. أما القسم الثاني فهو ما أنفق على البنى التحتية الرياضية والعامة، ويشمل بناء الملاعب والصالات والمنشآت في بكين، وهو أمرٌ يتجاوز الإنفاق على الأولمبياد، فقد أنفقت حكومة بكين في السنوات العشر الماضية 120 مليار يوان على تحسين البيئة، وهو أمرٌ يتخطى زمن الأولمبياد، كما أن تطوير مترو بكين - حاليا في بكين أربعة خطوط مترو طولها 114 كيلومترا - بإضافة أربعة خطوط أخرى، تزيد المسافة إلى 198 كيلومترا، وهو أمرٌ يتجاوز فترة الستة عشر يومًا للأولمبياد!

بكين التي تفوقت في الثالث عشر من يوليو 2001 لاستضافة الألعاب العالمية ضد المدن المنافسة؛ تورنتو وباريس واستنبول وأوساكا، تريد لألعاب 2008 أن تكون حدثا باهرًا. ليس فقط بعدد المشاركين فيها، بل أيضا بفضل وجود 20 ألف إعلامي منهم 5600 محرر ومصور و12 ألفا للإذاعة والتلفزيون لتغطية الحدث العالمي، ويغطى المركز الصحفى الرئيسى مساحة 63 الف متر مربع، بينما يغطى مركز الاذاعة الدولى مساحة 129950 مترا مربعا، وكلاهما الاكبر من نوعه فى تاريخ الاولمبياد. وللمرة الاولى فى تاريخ الاولمبياد، تم تخصيص فندقين لرجال الإعلام يقعان فى نفس مجمع المركز الصحفى الرئيسى.

وقد أطلقت الصين قمرًا اصطناعيا قررت تخصيصه لأغراض الأرصاد الجوية الخاصة بدورة الألعاب الأولمبية، وافتتحت القرية الأولمبية في الخامس والعشرين من يوليو الماضي وتغلق في التاسع والعشرين من هذا الشهر، ويشغل حفلا الافتتاح والختام في 8 و24 أغسطس بال أهل بكين وزائريها (عد سكان العاصمة الصينية 15 مليون نسمة)، وقد بلغ المتطوعون من أنحاء العالم لخدمة هؤلاء جميعًا 70 ألفا، يتحدثون بأكثر من مائة لغة! كما بدأ بيع تذاكر دورة بكين منذ أبريل الماضي، ويبلغ العدد الإجمالي للتذاكر سبعة ملايين تذكرة، ووقعت اللجنة المنظمة اتفاقية بيع التذاكر مع لجان أولمبية لأكثر من 130 دولة.

في لقاء مع ليو جينغ مين نائب عمدة بلدية بكين والنائب التنفيذي لرئيس اللجنة المنظمة للأولمبياد سألناه عن سرٍّ يريد أن يطلع عليه قراء «العربي»، فقال: إن أكثر من 10 آلاف عارض وعارضة سيقومون بتمثيل حفل الافتتاح، وأنهم سيدخلون إلى استاد «عش الطائر» الوطني ببكين، ثم تضاء شعلة الأولمبياد بشكل مبتكر. سألته إن كان هناك تنين ضخمٌ سينفث النار ليضيء الشعلة، قال إن ذلك مجرد تخمين. وأضاف إن حفل افتتاح أولمبياد بكين سينقسم إلى أربع مراحل ويدوم ثلاث ساعات ونصف الساعة. وأن لحظة إضاءة الشعلة الأولمبية ستكون في حوالى الساعة 23 والدقيقة 30 من يوم الافتتاح، كما أن حل اللغز لن يكشف عنه إلا في يوم الافتتاح، ثم اقتبس كلمات تشانغ يي مو (المخرج العام لحفل الافتتاح) بأن مشهد إيقاد الشعلة في حفل افتتاح أولمبياد بكين سيكون أكثر إدهاشا من نظيره في حفل افتتاح أولمبياد برشلونة عام 1992!

لكل شعار قصة!

أي شعار في تاريخ الأولمبياد يحكي قصة، وقصص بكين 2008 لا تقل ثراء، أو طرافة، أو عمقا عن سابقاتها.

«بكين الراقصة» هو الشعار الخاتم لأولمبياد هذا العام، يقدم صورة ملحمية تعكس خلود الألعاب التي نشأت في أحضان الأوليمب، مثلما تجسد الذراعين المفتوحتين لضيوفها معبرا عن حسن الضيافة، والالتزام تجاه العالم. كما أنه يحمل إيقاعًا رومانسيا يعكس عاطفة الصينيين عشاق الفنون.

«بكين الراقصة» سيعد مرآة لوجود 56 مجموعة عرقية، لمليار و300 مليون صيني. مثلما سيكون صدى لتاريخ البلاد القديم وروحها النابضة المعاصرة.

هناك قولٌ صيني: «الإخلاص التام يجعل الصلب يلين، مثلما يذيب الحجر». وهو قول يصعد بالصيني إلى النجاح، كما يصعد بالرياضي إلى منصة التتويج. ولذلك صنع الصينيون شعار الأولمبياد في بكين من المعدن والحجر، إرثا لحكمة القدماء.

اللون الأحمر لدى الصينيين هو المعادل الموضوعي للبهجة، وبه تأتي كلمتا «بكين الراقصة»، في الشكل المستوحى من الحروف الصينية التي تمثل عراقة التاريخ وتجسد روح الشرق وترمز لرشاقة الرياضة وتنحاز للقيم الجمالية. هكذا تم تطوير الحرف الصيني «جنج» وهو اسم المدينة قديما ليكون كائنا عصريا راقصا. يعكس السلاسة في الخط اليدوي الذي تُكتب به الأبجدية الصينية المصورة، بقوة ضرباتها، وحرية حركاتها، وتلقائية حبرها السخي. ومن هنا تأتي رموز الألعاب وعددها 35 رمزًا تتجانس بشكل لانهائي مع مشاعر الشعب الصيني وحفاوته بالأولمبياد، وحميمية ما يكنه للرياضيين.

جمالُ الحياة يكمن في ذلك الكائن المستقيم كرياضي, الراقص كإنسان سعيد، أليست قصة تستحق أن تروى وراء ذلك الشعار؟ أليست قصيدة حية يكتبها جميع المشاركين المؤمنين بحكمة الأولمبياد وقوته؟ إنه شعار يأخذ الراية من جيل إلى آخر، ومن أبطال سابقين إلى آخرين لاحقين، وإذا عجزت الكلمات عن التعبير عن ذلك الشعار، فإن ما سيراه الجمهور في الافتتاح سيكون دليلا على ما تعوزه الكلمات من معان!

أما كلمة «واحد» كما يكررها شعارُ «عالم واحد، وحلم واحد» فهي مترجمة عن المفردة الصينية «تونجيي»، التي تعني «الشيء نفسه». إنها تقول بأن البشرية كلها تعيش في العالم نفسه، وتبحث عن الحلم ذاته. وهو شعار ينطبق على الرياضة، ولكننا نتمناه كذلك، في ساحة الاقتصاد وحلبة السياسة، ومعترك الحياة.

في عش الطيور الأوليمبي، ربما نشاهد لهب التنين الصيني، وهو يضرم النار في الشعلة الخالدة. إنها النارُ التي صنعت الحضارة، وهي اليوم تضيء الطريق للتنافس الشريف، نحو منصات التتويج لحصد الميداليات، في منافسة قوية مع رياضيي العالم. فهل تفلحُ ناره في الفوز بمعظم غلة الذهب؟.

أشرف أبو اليزيد 





في اليوم الثامن من الشهر الثامن بالعام الثامن.. (8 / 8 / 2008).. تتحرك الحلقات الخمس، الملونة حسب قارات العالم، لتدشن الأولمبياد الثالث في الألفية الثالثة.. انطلاقا من سور الصين العظيم إلى إستاد «عش الطيور» الرياضي، حيث يتجمع 91 ألف متفرج





في كل مكان كان شعار الأولمبياد يصافحُ العيون، أمام الأماكن التاريخية، وعلى جدران المنشآت الرياضية، وفي الميادين العامة، شعار يجسد بكين وهي ترقص، للرياضة والحياة، يشي بأنه مصنوع من المعدن والحجر، إرثا لحكمة القدماء. يرمز اللون الأحمر للبهجة





 





الدمى الصديقة، أو مجموعة «الفوا». بي بي، جنج جنج، هوان هوان، ينج ينج، وني ني، التي تمثل أسماء التدليل لأطفال صينيين، وتنطق معًا: بيجينج هوانينج ني، ومعناها بكين ترحب بكم!





شرطة الجمارك لحظة العثور على القوالب المزيفة لصنع التمائم الأولمبية!





ملصق معرض الأولمبياد الذي ضم مجموعة مقتنيات عددها 700، منها ميداليات الفوز من الدورات السابقة، والتمائم التي كانت ترمز لها، والأعمال الفنية التي تستدعيها، بالإضافة إلى الصور، والأفلام، والمنتجات الرياضية والعلمية التي استخدمت في القياس





ملصق توجيهي في القرية الأولمبية، احذروا من أدوية البرد وحساسية الصدر، فعلى الرغم من السماح بها، فإنها قد تحتوي على مواد طبية محظورة عليكم، والتحذير الثاني، مفاده أن المشروبات الكحولية قد تظهر نتائج إيجابية في الفحوص الطبية للمنشطات





الشهد والدموع، عنوان رحلة شعلة الأولمبياد التاريخية، بين عواصم احتفت بها عبر استدعاء الشكل التقليدي للتنين الصيني الراقص، وعواصم أخرى نددت بممارسات الصين في التبت وحقوق الإنسان، وجعلت من رمز الأولمبياد هجومًا بصريا على الصين. في الصورة أيضا شعلة بكين 2008





استاد «عش الطيور»، المجمع الرياضي العملاق ذو التصميم العصري، إشارة معمارية لاتجاه يغزو وجه الصين اليوم