الكويت في الرحلة الجزائرية الحديثة.. قراءة في رحلتي المدني ومنور

الكويت في الرحلة الجزائرية الحديثة.. قراءة في رحلتي المدني ومنور

تحمل الرحلات الجزائرية الحديثة، التي سافر أصحابها نحو المشرق العربي، لأغراض ثقافية، أو دينية، العديد من الخصائص الإخبارية، والمعارف العلمية، في الحضارة، والثقافة، كما تقدّم لقرائها صورا عن المكان المشرقي وأهله.

كانت الكويت من البلدان المشرقية التي اعتنت الرحلات الجزائرية بذكرها، وتسجيل مظاهر الحياة فيها، ونجد ذلك في رحلتين ألفهما علمان بارزان في الثقافة والأدب الجزائريين، وهما: أحمد توفيق المدني، وأحمد منور.

عرفت الرحلة إلى المشرق عند توفيق المدني تنوعا في أغراضها، واتجاهاتها، كان أكثرها سياسيا، لأداء مهام رسمية مكلف بها من لدن جبهة التحرير الوطني، وانقسمت رحلات المدني الكثيرة إلى قسمين: قسم أوّل، أنجز فيه الرحالة زياراته السريعة لبلدان عربية في المشرق، ابتداء من ليبيا، كمصر، والسودان، والسعودية، والكويت، والعراق، وسورية، ولبنان، والأردن، لأهداف منها: جمع المال، والمعونة، لمصلحة جبهة التحرير الوطني، وحث الحكومات على عدم قطع المساعدات على الجبهة، للدفع بالثورة التحريرية إلى الأمام، وعدم فشلها إزاء العدو، وكانت رحلاته في هذا القسم مؤرخة ابتداء من 30 أبريل 1956، أما القسم الثاني، فعنونه: «الرحلة العربية الكبرى»، وتمثل في معاودة زيارة البلدان العربية، وكانت ابتداء من يناير 1959، ويفصح المدني عن الغرض الأساسي من هذه الرحلة، بقوله: «..لشكر دول العرب على ما قدمته من عون، ومن اعتراف فوري بالحكومة المؤقتة».

دوّن المدني أحداث رحلته إلى الكويت في مذكراته «حياة كفاح»، ولذلك كان اعتناؤه شديدا بذكر التواريخ وتفاصيل الأحداث، خاصة ما تعلّق منها بمهماته الرسمية، كما قدّم بعض التأملات الفكرية الخاصة، وهي التي تعبر عن روح ناقدة، اتصف بها المدني، فصبغت مقاطعَه الوصفيةَ، وفقراتِ رحلاته التحليليةَ، التفسيرية.

أما رحلة منور إلى الكويت فكانت لحضور المهرجان المعروف بـ «القرين»، الذي يقام كل سنة بالبلد، وينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والرحلة لا تعرض ما جرى في الحدث الثقافي فقط، بل تعرف القراء بكثير مما شاهده الرحالة في الكويت، وكل ما تعلق بانطباعاته، وأحكامه تجاه ما رأى، وسمع، وقد رجع أحمد منور بالقارئ في كثير من المواقف، والحالات إلى التاريخ؛ ليقارن بين حال اليوم، وحال الأمس، فزوّد الكاتب رحلاته بكثير من القيم والأفكار المرتبطة بموروثه الثقافي، والدين الإسلامي، ومختلف الظروف التي عايشها ببلده، وتبدو رحلة منور سائرة على نمط الرحلات المدونة، قديما وحديثا، مع خصوصيات في المواقف، والمشاعر، والأسلوب بما يضمه هذا المصطلح من عناصر لا تقف عند مستوى اللغة فقط، بل تتعداه إلى طريقة الكاتب في السرد، والعرض، والوصف، وكيفية انتقاء المادة المدونة.

انطلاق ومسار الرحلتين

انطلق المدني في سفره من الجزائر متجها نحو باريس؛ تمويها لسلطة الاحتلال الفرنسي، وكان السفر يوم الجمعة 16 مارس 1956م، حيث تم الهبوط في مطار أورلي، ومن باريس انتقل إلى مرسيليا بعد عشرة أيام، ادعاء منه للحكومة الفرنسية بالرجوع إلى الجزائر بالباخرة، لكنه لم يفعل، بل غادرها إلى مدينة نيس، ومنها ركب طائرة سويسرية نحو جنيف، وحجز للذهاب إلى مصر يوم الخميس 12 أبريل، وتحقق الأمر؛ إذ سافر إلى القاهرة، وفيها أنجز نشاطات سياسية عدة، ومن القاهرة كانت تنقلاته المتكررة السياسية، والدبلوماسية.

قام برحلتين إلى تونس، وسبع رحلات إلى ليبيا، لفض نزاعات، وحل مشكلات عالقة ترتبط بالسلاح الجزائري المار على الحدود، وحل مشكلات الطلبة الجزائريين، ولقاء شخصيات مرموقة في الدولة، وامتاز المدني عن غيره من الرحالين الجزائريين في زيارته السودان، التي زار عاصمتها الخرطوم أكثر من مرة، ضمن عمله السياسي داخل جبهة وجيش التحرير الوطنيين، وترددت رحلات المدني في بلاد الشام، فزار سورية والأردن، ولبنان، كما زار بغداد، أما الكويت فقد سافر إليها المدني مرتين: الأولى يوم 6 ديسمبر 1957م، والثانية يوم 26 أبريل1959م.

وكان سفر منور إلى الكويت يوم 6 ديسمبر 1994م، بواسطة طائرة منطلقا فيها من كراتشي الباكستانية، حيث شارك في ندوة أكاديمية، ولم يفصل منور في مراحل السير، والتنقل، واكتفى بوصف مدينة الكويت، والحديث عن أحداث إقامته بها، وحضوره النشاطات المتنوعة لمهرجان «القرين» اسم الكويت قديما، كما فصّل في حدث الوصول إلى مطار الكويت، حيث قال: «حينما حطت بنا الطائرة.. على أرضية مطار الكويت في الصباح الباكر من يوم الأربعاء، ديسمبر.. ولم تستغرق إجراءات مراقبة الجوازات أكثر من دقائق معدودة، وحينما لم أجد أي أحد في استقبالي، استغربت الأمر في الأول، ثم قلت في نفسي، لعل الفاكس.. لم يصل، ولم أتردد طويلا، فتقدمت من شباك للصرافة، وحوّلت بعض الدولارات إلى العملة المحلية، بغرض الاتصال هاتفيا بالأديبة ليلى العثمان، التي.. طلبت مني أن أتّصل بها فور وصولي إلى الكويت، غير أنني وقفت حائرًا أمام جهاز الهاتف.. حينما لم أجد فيه فتحة أضع فيها قطعة النقود.. واكتشفت بعد تردد واستغراب أن المكالمات.. تتم مجانا... وقبل أن أخرج من دهشتي.. كان هناك شاب.. يتقدم نحوي مبتسما، ويسألني في لطف: الأستاذ أحمد، من الجزائر؟».

الحياة في الكويت

يقصد الكاتب الرحالة في كتابته غالبا تصوير الواقع، وتقديم معارف عن الذات، وانطباعات عن الآخر، عن طريق سرد الأفعال، ووصف الأشخاص فرادى، وتحديد طبيعة الحياة الاجتماعية، والثقافية، والدينية للجماعات (الشعوب)، كما يسجل مواقفه الخاصة ما بين مواقف التوافق والانسجام، ومواقف الرفض والاختلاف، ومواقف الوسط والحياد، ويعد الوصف من الدعائم الأساسية، التي يتوسل بها مؤلف الرحلة لنقل مشاهداته، والتعريف بالبلدان المجتازة أثناء سفره، أي الإفادة بخصائص المكان الذي يحويه خط سيره، والأفق الذي يتطلع إليه، وتحديد مظاهره الجغرافية، والحضارية، وتعداد المرافق المتوافر عليها، وكل ما يحسبه الرحالة الكاتب يستأهل الوقوف عليه.

ويحتل الوصف، الذي هو وسيلة من وسائل التعريف بالذات، والآخر، مكانة بالغة في نصوص الرحلات، وهو ينبع من لدن السرد، ليدعمه، ويخدم موضوعاته، وهو خصيصة جوهرية في كل رحلة مدونة، أي في كل سفر معاد صياغته، وتتجلى في كثير من النصوص الرحلية ميزات جمالية في الوصف، الذي تنتجه الشخصية المركزية، أي السارد الجوال في الأمكنة، لغرض تقديم صورة سردية موقعية، تحتفي بلون من الكتابة البصرية، ويتآزر فيها الماضي، والأركيولوجي، والتاريخي، بما هو مشاهد، وآني، ويتحول فيها الانطباع، ووجهة النظر، بتحوّل السارد في الزمان، والمكان، وتغيّر تجاربه الذاتية فيهما، المصحوبة بانفعاله، وتفاعله مع كل ما يعرض له أثناء السفر، وبذلك يمكن عدّّ النص الرّحلي مجموعة من الصور السردية، والذاتية، المتراتبة، والمتتابعة في الزمان، والمكان، وظيفتها الأساسية تقديم المعرفة بالموصوفات للقارئ، والأخذ بيده في حالة الإبهام والغموض، وجدة الموصوف، عن طريق الاستعانة بأساليب تقرب الصورة الغامضة إلى ذهن المتلقي، وتوضحها، كأسلوب التشبيه، والاستشهاد، وتقديم المثيل المألوف، وعقد المقارنات الوصفية، والتحليلية، وتوطيد العلاقة بين الصورة المقدمة، والصور القديمة، المتوافرة في رحلات السابقين، تعطي مصداقية، وشرعية انتساب النص الجديد إلى النصوص القديمة، ولأنها تؤلف بين عناصر الصورة المرئية الجديدة، باستخدام جوانب من صور الرحالين السابقين.

زار كل من توفيق المدني، وأحمد منور الكويت، لكن الأول لم يصف الكويت رغم زيارته لها أكثر من مرة، ولم يسجل سوى ملاحظة مظاهر البساطة على مطارها، وتواضع حاكمها الأمير عبدالله السالم الصباح، أما منور، فقد أصدر انطباعات كثيرة، ووصف المدينة وصفا دقيقا في رحلته إلى الكويت، سنة 1994، أظهر مدى نشاط الرؤية، وحب الاستطلاع لدى هذا الرحالة، خاصة أنه شهد خلال هذه الرحلة الكثير من المظاهر الاحتفالية، المراهنة لمهرجان الكويت السنوي «القرين»، وقد زار من أجل ذلك مسرحا من مسارح المدينة الكثيرة؛ لمشاهدة عرض غنائي راقص، على نغمات الفنانين المحليين.

في رحلة المدني إلى الكويت عام 1957، أفرد المدني الكويت ببعض من الوصف، وركّز على الأماكن المغلقة التي شاهدها في المطار، فقال: «أنزلونا في دار للضيافة بسيطة جد البساطة، لم نجد فيها، ونحن في يوم 6 ديسمبر أي مكيف للهواء، ولا أي أثر من آثار النعمة التي أضفاها الله على الكويت في ما بعد، وتشرفنا بمقابلة سمو الأمير عبدالله السالم الصباح في بيت متواضع تداعى للخراب، وقد استمتعت نفسي بما وجدته مكتوبا على باب ما كانوا يدعونه قصرا: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك! وكان الأمير الجالس إلى مكتب متواضع في غرفة بسيطة كثير الوعي، واضح الذكاء».. أصيب الرحالة بالدهشة، للتواضع الشديد الذي وجده في مطار الكويت، وغرفة استقبال ملكها، وقد أشار في نصه إلى تأخر النهضة والازدهار، إلى ما بعد زمن الرحلة، بفضل النهضة الشاملة في البلاد، وتنامي تجارة النفط في البلاد، بدليل أنه فرّق بين كويت زمن التأليف (اليوم) المزدهرة، والمترفة، وكويت زمن الرحلة (الأمس) المتواضعة، ونجد في النص تنزيلا للموصوف في الزمان، في ذكره يوم السادس من شهر ديسمبر الشتوي، الذي غابت خلاله المكيفات في المطار، كما نلمس ذاك التأثر، والتعبير عن انطباعه، عند رؤية اللوحة التذكيرية بزوال النعم، وتداول الناس عليها في قصر الملك.

أما أحمد منور فقد قدّم لرحلته إلى الكويت، بخطاب يعّرف فيه بمناسبة الرحلة، وبالمهرجان، الذي قصد من وراء رحلته حضور فعالياته، كما عرض تصورات ذهنية عن الكويت، في مرحلتين تاريخيتين: ما قبل الغزو العراقي له، وما بعده، وهي تصورات مستقاة مما شاهده وخبره في بلاده، عبر وسائل الإعلام، والصحافة، وقد أفصح عما شاهد مفضلا استباق الأحداث قائلا: «لكن الزائر للكويت اليوم يدهش من أن كل مظاهر الخراب والدمار تلك، قد زالت نهائيا، ولم تبق منها إلا آثار قليلة معزولة قد لا يتنبه إليها إلا إذا لفت نظره إليها أحد أبناء البلد. وقد قال لي بعض من سألتهم إنه شارك في محو تلك الآثار، كل فئات الشعب الكويتي بلا استثناء». إذن لاحظ منور في الكويت عدم تأثر المدينة بالحرب التي شنتها عليها العراق، إذ قام أهلها رجالا ونساء بإزالة آثارها، وإعادة بناء ما خرّب فيها.

واستطاع أحمد منور بفضل صديقته الأديبة الكويتية «السيدة ليلى العثمان» التجول في مدينة الكويت، والتعرف على ما فيها، فقدّم للقراء لوحة تصويرية من الخارج لأهم معالم وضواحي الكويت العاصمة، فقال: «بنيت «المدينة» بشكل لا يمكن معه القول بوجود شيء اسمه مركز المدينة، فكل ضاحية تشكل مركزا في حد ذاته، يشتمل على كل المرافق، من أسواق، ومستشفى، وبريد، وبنوك، وما إلى ذلك.. مررنا بضاحية السالمية، وهي منطقة تجارية حديثة النشأة، بها عمارات، وسكانها في معظمهم أجانب، من العرب ومن غير العرب.. ومنها دخلنا إلى طريق الكورنيش، وهو كما يدل عليه اسمه، الشارع المحاذي للبحر، وتبدو عليه الفخامة في كل شيء، العمارات الحديثة، والشاليهات الفخمة، والنوادي الرياضية، والمقاهي ذات السطوح المكشوفة، وتعم هذه المنطقة الخضرة بجميع أنواعها: الأشجار، والحدائق، واللافتات... ومررنا بضاحية «حولي» و«النقرة».. وعن قصر الأمير، يلاحظ الناظر إليه، لاسيما المتطلع إليه من أكبر أبراج الكويت الأربعة، القريب من هناك، أنه لا يختلف كثيرا عن البنايات المحيطة به، بل يلاحظ أن بعض قصور أفراد الشعب أفخم من قصره، وقد كتب على قصره حكمة مشهورة تقول: «لو دامت لغيرك لما وصلت إليك».

قصر الأمير

يتناول الكاتب عددا من المشاهدات للمكان في الكويت، وهذا عبر نشاط رؤية مواز، موح بالآنية، التي تدعمت بأسلوب الخطاب، وبالأفعال الحاضرة، ويذكرنا أحمد منور في وصفه لقصر الأمير الكويتي، بما جاء في زيارة المدني للكويت، والقصر، أين أعجب بالحكمة المدونة على المدخل، التي تعلل سبب بساطة القصر، أو ما يدعى قصراً كما قال المدني، وكما لاحظ بعده منور، من تفوّق بعض قصور العامة في الفخامة على قصر الأمير، وقد تدعّم الوصف المباشر، للأحياء وما فيها، بمعلومات إضافية، يستحيل تحصيلها بالمشاهدة، فكان مصدر تلك المعلومات ليلى العثمان سيدة من البلد، زوّدته بأسماء الشوارع، ومن يسكنها.

ويرجع أحمد منور بقرائه إلى الزمن التاريخي، حيث يفصل في التعريف ببيت شاهده في مدينة الكويت، بدا له غريبا عن طراز المعمار الكويتي، فقال: «استوقفنا بيت من الطراز القديم، يختلف تماما عن البنايات الحديثة، القريبة منه، مثل مبنى البرلمان، والمستشفى الأمريكي، وقصر أمير البلاد نفسه، فأوضحت لي مرافقتي «ليلى العثمان» بأنه بيت أول سفير بريطاني في الكويت، ويدعى «بيت زهراء دايكسون، أو لا يكسون»، وزهراء هي زوجة السفير المذكور، التي أحبت الكويت حبا شديدا، وعاشت أزهى أيامها في ذلك البيت، ولم تشأ أن تغادره بعد وفاة زوجها، وأوصت أن يظل البيت على حاله بعد وفاتها، وقد احترم الكويتيون إرادتها، وأبقوا على المنزل على حاله، رغم أن بناءه يعود إلى العشرينيات من القرن الماضي، ولم يعد يتلاءم مع محيطه الجديد».

كما صادف منور أثناء تجواله بالمدينة، شارعا مسمى باسم مدينة بالجزائر، فدهش للأمر، وقال: «وفوجئت ونحن في طريق العودة حين دخلنا شارعا طويلا اسمه شارع وهران وكذلك حديقة جانبية جميلة تسمى أيضا «حديقة وهران» فسألت مرافقتي عن تلك التسمية، ولماذا وهران بالذات، فقالت لي: هناك أيضا شوارع وحدائق تحمل اسم الجزائر، وتونس، والقدس، وكل المدن العربية الكبيرة والعريقة لها شوارع ومساحات وحدائق عامة بالكويت تحمل أسماءها».

أما ما خص الجانب الديني، فإنه حدّثنا عن إعجابه بمسجد متميز البناء، صمم في شكل هرم، كما أفاد بظاهرة كثرة المساجد، وتخصيص بعضها للجالية المسلمة، غير العربية، وفيها تقام الصلاة يوم الجمعة مع خطب بلغات مصليها المختلفة، كما تميزت الكويت عن غيرها من دول الخليج بالسماح للمسيحيين بإنشاء كنائس، للعبادة، وإقامة الشعائر الدينية بها.

وعيّن الرحالة بعض المعاهد الثقافية الموجودة في الكويت، تنم عن نهضة كبيرة في هذا المجال، منها: رابطة الأدباء، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي يصدر: «عددا من المجلات وسلاسل الكتب المعرفية والعلمية الراقية، مثل «الثقافة العالمية»، و«عالم الفكر»، و«عالم المعرفة» ونصوص «المسرح العالمي»، التي اكتسبت، بفضل جديتها، وجودة ما ينشر فيها، وانتظامها في الصدور، بالإضافة إلى جودة الطباعة وجمالها، شهرة في كل البلاد العربية»، وكذلك ذكر الرحالة مجلة وصحيفة بارزتين في الكويت، وهما: «العربي»، و«القبس»، وهما من المجلات والصحف المشهورة في البلدان العربية.

أما عن مظاهر الحياة، فقد ذكر الرحالة منور بقاء آثار الحرب العراقية - الكويتية في نفوس الشعب الكويتي، رغم إزالتهم آثارها المادية من البلد، فقال: «إنه يستحيل أن تتبادل الحديث مع أي كويتي، من دون أن ينجر بكما الحديث، عن طريق التداعي، إلى الاحتلال العراقي للكويت، وما خلفه من جروح عميقة في النفوس».

وأفاد منور قراء رحلته بالعديد من المعلومات الخاصة بالشعب الكويتي، منها عزوف الكويتيين عن سكنى الشقق، واختيارهم للمنازل الفردية، فتجد الأحياء الجماعية يسكنها غالبا الأجانب من العرب وغيرهم، وكذلك تعود سكان الكويت على الخروج والتنزه مساء الجمعة في الحدائق، وعلى كورنيش المدينة، وفي الملاعب والنوادي الرياضية.. وغيرها من الأماكن العامة، وكانت من ملاحظات الرحالة البارزة في الكويت حضور العنصر النسوي في الحياة الثقافية، فتجد في البلاد الكثير من الأديبات، والشاعرات، والباحثات، والناقدات، مما أثار انتباه الرحالة.

لقاءات سياسية وثقافية

كانت الكويت عند زيارة المدني لها، ووفق تعبيره «أحسن حالا من العراق»، وقد انتفعت الجزائر من مساعداتها المالية لاستكمال الثورة التحريرية، ولقي المدني خلال رحلته إلى الكويت أميرها عبدالله السالم الصباح، وكان على ما وصفه به المدني متواضعا، لا يتخذ في بيته لمظاهر الزينة مكانا، وكان الأمير: «الجالس إلى مكتب متواضع في غرفة بسيطة كثير الوعي واضح الذكاء، واسع الاطلاع، بادي الهمة، يتحدث فيمتع، صوته هادئ، وكلامه رصين، وهو راوية للشعر العربي الفحل، يتمثل في كلامه منه، كأنما هو قائلها، لشدة انطباقها على الواقع»، وقد برهن الأمير على دعمه للجزائر بالإعانات المالية القيمة لها، وقد أفصح في أحد لقاءاته بالمدني عن موقفه فقال: «كنا معكم قلبا، ثم صرنا معكم قلبا ومالا، ومهما اتسعت أموالنا زدنا في إعانة الجزائر لا تتقيد بميزانية ولا تتحدد بعدد».

أما لقاءات المدني برجال السياسة في الكويت، فقد كانت مع عضوي لجنة الجزائر المكلفة جمع الإعانات للجزائر، وهما: الدكتور الخطيب، والسيد الأستاذ يوسف الفليج، وقابل في رحلة أخرى للكويت وزير معارفها آنذاك، وقد طلب منه المدني زيادة عدد الطلبة الجزائريين في الكويت.

ولقي الرحالة أحمد منور في رحلته إلى الكويت عددا كبيرا من الأدباء، والنقاد، ومسئولي إدارات ثقافية، وأساتذة باحثين من دول عربية شقيقة، وقد ذكر بعضا منهم، واعتذر عن الذين لم تحتفظ ذاكرته بأسمائهم، واكتفى في أغلب الحالات بذكر أسمائهم، أو وظائفهم، من دون تقديم أوصاف، أو صور عنهم.

ومن أبرز الشخصيات الكويتية، التي لقيها منور السيدة ليلى العثمان، التي سبق له التعرف عليها في باكستان، خلال مشاركته في ندوة هناك، وهي: «مؤسسة قائمة بذاتها، تكتب، وتناضل، وتشارك بفعالية في الحياة الأدبية والاجتماعية الكويتية، وبيتها مفتوح لكل من يزور الكويت من الأدباء والنقاد والفنانين العرب، قضيتها الكويت، وحزبها الشعب الكويتي، تدافع عن أفكارها بحماس وثقة، ولكنها لا تتضايق أبدا ممن يخالفها».، وكانت لهذه الشخصية أفضال كثيرة على الرحالة؛ إذ ساعدته على اكتشاف مدينة الكويت، ومعرفة أسماء ضواحيها، وأهم معالمها الحضارية، والأثرية، ومشاهدة مرافقها الاجتماعية والدينية، واستضافته في بيتها رفقة الكثير من الأدباء، كما صحبته على متن سيارتها إلى مقر رابطة الأدباء الكويتيين، وهناك قابل كما قال: «العديد من الشعراء والنقاد، والجامعيين المرموقين أذكر منهم الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، الشاعر علي السبتي، والقاص والناقد الدكتور سليمان الشطي، والسيدة أمل عبدالله، والمؤرخ خالد سالم، وغيرهم مما لم أعد أذكر أسماءهم».

كذلك لقي منور الدكتور طه وادي، والدكتور ماهر حسن فهمي من مصر، وإسماعيل فهد إسماعيل، وطالب الرفاعي من الكويت، ونذير جعفر، وجمال بارود من سورية، كما عرف بعض نقاد وأدباء الخليج، وهم: عبدالله الغذامي، وسعد البازعي، ومرسل العجمي، وسعد السريحي من السعودية، وإبراهيم غلوم من البحرين.

وتناول منور في رحلته إلى الكويت كذلك، الأزمة العراقية- الكويتية، التي انفجرت في الثاني من أغسطس سنة 1990، باحتلال العراق أرض الكويت، وقد فوجئ الرحالة، عند زيارته الكويت في شهر ديسمبر، بالسرعة المذهلة التي أعيد فيها تصحيح وجه المدينة، وإزالة آثار الحرب، بفضل تكاثف جهود جميع فئات الشعب الكويتي، لكن الكاتب لاحظ أن الآثار التي تركتها الحرب في نفوس الكويتيين، لاتزال قائمة، وصور التدمير راسخة في قلوبهم، ومشكلة الأسرى الكويتيين، الذي بلغ عددهم ستمائة وخمسين أسيرا: «لا تزال تعكر الأجواء، وتطيل عمر الأزمة..

ويقدّم أحمد منور رأيا خاصا عن الواقعية، يدعو فيه إلى الابتعاد عن الحرفية، والتصوير الفوتوغرافي، وهذا استنادا إلى ثقافته، ومكتسباته السابقة في النقد الأدبي، فكان تعليقه على لوحات فنية، شاهدها في معرض أقيم بمناسبة مهرجان «القرين»، فقال: «كان الموضوع المسيطر على معظم اللوحات، كما كان متوقعا، هو موضوع الغزو، والآثار التي خلفها في المحيط وفي النفوس، وقد عُبّر عن المأساة بشكل رفيع ومؤثر، كالعناية بإبراز المعاناة في النظرة، والحركة، وفي الملامح للنماذج الإنسانية موضوع اللوحات، وفي الألوان المناسبة للموضوع والموقف، لكن بعضها انزلق نحو إعادة إنتاج الواقع الحرفي، مثل تصوير آبار النفط وهي تشتعل، وهذا النوع من رصد الواقع، مهما كان صادقا لا يرقى إلى الفن الحقيقي الذي يعبر عن الواقع ولا يعيد إنتاجه».

المدني ومنور في سطور

أحمد توفيق المدني من مواليد تونس سنة 1889م، من أصل جزائري، درس في جامع الزيتونة، واستغرق وقته في المطالعة والدرس في مجالات مختلفة كاللغة والدين والتاريخ، ألقي عليه القبض من المحتل الفرنسي لنشاطه الثوري، وسجن أربع سنوات، ونفي من تونس إلى الجزائر عام 1925، وفيها كانت الفرصة للمشاركة في العمل السياسي، لتطوير وطنه، وتحريره، ثم انضم سنة 1951، إلى جمعية العلماء المسلمين، وكان عضوا في هيئتها التنفيذية، كما عُيّن في جبهة التحرير الوطني، ممثلا لها في مصر، مع وفد من السياسيين، وهذا سنة 1956، إضافة

إلى نشاطات سياسية، وسفارية قام بها بعد الاستقلال، وكان وزيرا للتربية والتعليم،

في الحكومة المؤقتة، نشر توفيق المدني مقالات تاريخية، وسياسية، في البصائر، وفي

صحف، ومجلات كثيرة، وله مؤلفات في التاريخ، والأدب، أهمها: كتاب «الجزائر»، وكتاب «مذكرات الحاج أحمد الشريف الزهار»، وكتاب «حياة كفاح»، وقد نبغ المدني بكتابته في التاريخ، والاقتصاد،

وسير الإدارة، والجغرافيا، هذا إضافة إلى كونه

من أعلام الصحافة، والسياسة في بلاده، توفي المدني في أكتوبر 1983.

ولد أحمد منور سنة 1946 بجيجل، تابع دراسته في المراحل الأولى ببلدته، وأتم دراسة التدرج في جامعة الجزائر، ثم سافر إلى فرنسا، حيث تابع دراسة الأدب، بجامعة السربون، ومنها تحصّل على دبلوم الدراسات العليا، عاد إلى الجزائر وتحصل من جامعتها على الدكتوراه، وكان عنوان الدراسة «الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية»، ويزاول حاليا التعليم بقسم اللغة العربية وآدابها، جامعة الجزائر، للكاتب مساهمات في الأدب، والقصة على الخصوص، منها نذكر مجموعتين قصصيتين «الصداع» الصادرة في 1980، و«لحن إفريقي» الصادرة عام 1986، وله دراسات أدبية مختلفة في الأدب الجزائري الحديث، والنقد، والترجمة، واعتنى على الخصوص بأعمال رضا حوحو، وصدر له أخيرًا كتاب «أدب الفرجة والنضال في الجزائر»، أنجز أحمد منور رحلات متعددة، منها ما كان أوربي الوجهة؛ إذ سافر للسياحة والتجوال، وقضاء عطلة الصيف بفرنسا وإنجلترا، وكان هذا سنة 1976، ومنها ما يمم شطر المشرق، فأتيحت لمنور الفرصة لزيارة ليبيا، ومصر، والكويت، وجزر القمر.

 

 سميرة أنساعد 






الجهة الشرقية لدولة الكويت واطلالة ساحرة على الخليج العربي





الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح أبو الدستور ورائد النهضة الحديثة لدولة الكويت





أحد المواقع الاثرية التاريخية الموجودة في جزيرة فيلكا





الأديبة ليلى العثمان





مهرجان القرين من أهم الأنشطة الثقافية التي ينظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب





من المعالم الاثرية التي تحرص دولة الكويت على ترميمها والمحافظة عليها