قراءة في عدد قديم

قراءة في عدد قديم

يقدم الكاتب في هذا المقال قراءة تحليلية للعدد الثاني من «العربي» (يناير 1959م). تحية للعربي في عيدها الخمسين وكان قد قدم قراءة اخرى للعدد الأول نُشرت في إحدى الصحف اليومية في الكويت.

كان استطلاع «العربي» في عددها الثاني، يناير 1959، من الاكتشافات الإعلامية المذهلة لمعظم القرّاء. فحتى من كان يتابع أخبار المغرب وشمال إفريقيا، كانت جل معلوماته أحاديث السياسة عن جهاد الريف ونضال الجزائر وجهاد عمر المختار في ليبيا وأشعار أبي القاسم الشابي وغير ذلك. غير أن مقال مجلة العربي وصورها عن «البلاد المباركة» المغرب، وذلك الحديث المفصل الذي كتبه د. صلاح الدين المنجد، الأستاذ الكبير المعروف في مجال التراث والمخطوطات، الذي تناول ماضي البلاد وحاضرها، وقديم المغرب وجديده، كان مفيدًا وشائقًا، وبخاصة للمشارقة الذين كانوا يعرفون القاهرة وبغداد وبيروت ودمشق، وزاروا بعضها، ولم يكن هذا هو الحال مع الرباط والدار البيضاء وفاس!

ولعل كثيراً من القراء، من جانب آخر، آلمتهم تلك الصورة المحزنة لكتب التراث والمخطوطات العربية النادرة في مكتبة «ابن يوسف» بمراكش، وقد أصابها البلى، كما قالت «العربي» في تعليقها على الصورة. «فأصبحت أكوامًا تعج فيها الأرضة ولا تقوى حتى على التماسك!».

وجاء في الاستطلاع أن المرأة المغربية «لاتزال محجبة في المدن، والسافرات فيها قلائل. أما في القرى والسهول والجبال فلا حجاب. وجمال المرأة المغربية ظاهر. وأكثر ما شاهدتُ الجميلات في فاس، وقد صادفتُ في الطرق منهن ذوات عيون زرق. وجمال العيون في مراكش شائع، وكلها عيون في طرفها حَوَر كعيون صاحبة جرير. وحدّثت أن المغربيات في جبال الأطلس العليا من أجمل نساء العالم...!».

وتحدث الاستطلاع كذلك عن الموشحات الأندلسية فقال إن سامعها «يحس بتأثير مزامير الكنائس وموسيقاها.

ولعل هذا من تأثير نصارى الأندلس». فكان هذا تذكيرًا للقراء من جديد، بتنوع مصادر وينابيع الثقافة العربية.

عكس «بريد العربي» اهتمام القراء العرب واحتفاءهم بالمجلة.

«عشرات الألوف من نسخ «العربي» ما كادت تظهر في الأسواق العربية حتى اختفت، حتى لقد بيع بعضها في بعض الأقطار في صباح واحد. وبيع بعضها في يوم. ويأتينا البرق بالرسائل تطلب النجدة العاجلة. والجواب واحد: آسفون».

رحّبت مجلة العربي في غمرة حماسها، بانقلاب السودان لعام 1958 بقيادة الفريق إبراهيم عبود! وخصصت للحدث ثماني صفحات كتبت في أعلى الصفحة الأولى «انقلاب عسكري في السودان... استولى الجيش على الحكم.. أوقف الدستور... حل الأحزاب والبرلمان!» وهكذا لخّصت «العربي» خطوات كل انقلاب!

وجاء في التقرير المطوّل، «إن مجلة العربي لتتوجه إلى الله أن يجعل الخير، كل الخير فيما حدث في السودان الشقيق، وأن يلهم أبناءه السداد والرشاد، لتحقيق رفاهية الشعب السوداني وأمنه واستقراره».

مقالات تصادمية

تضمن العدد الثاني من «العربي» مقالين متصادمين متجادلين في صميم العروبة والفكرة القومية! فقد كتب الأديب اللبناني المعروف ميخائيل نعيمة (1889 - 1988) مقالاً بعنوان «العروبة.. ولكن!»، وضمّه، كما جاء في مقدمة «العربي» للمقال، «آراء هي من الخطورة، بحيث جعلتنا نطلب إلى أحد أقطاب العروبة أن يناقشها ويرد على ما فيها».

ويبدو مقال الأستاذ الأديب «نعيمة» اليوم من قبيل النقد الذاتي الواسع الانتشار في الصحافة العربية. ولكن لم يكن من المعتاد سماع مثله آنذاك. وقد جاء في مقال «العروبة... ولكن!»، «إنه لمن التجني على الحقيقة أن نعزو كل ما في البيت العربي من خراب ومساوئ إلى الاستعمار. فالاستعمار أشكال وألوان... ومنها الاستعمار الداخلي، وهو أقوى شكيمة وأصلب عودًا، وأشد عنادًا، وأبرع حيلة من الاستعمار الخارجي. وجذوره العتية سحيقة الأغوار في الحياة العربية. وهذا النوع من الاستعمار لم يأتنا من الغرب ولا من الشرق. بل من صميم حياتنا». وعن التوجه القومي قال: «لابد للعروبة. إذا هي شاءت أن يكون لها شأن بعيد الأثر في حياة العرب وحياة الإنسانية، من أن تتخذ لها معنى غير معنى العنصرية. فهل للعروبة أن تتبنى قضية الإنسان، وأن ترد إليه اليقين».

وقال نعيمة إن دعوة الوحدة العربية يلتهب لها دم كل عربي وتصفق لها جوارحه، ولكنني، أضاف: «عندما أنظر إلى هذه المجموعة من الحجارة التي هي دول العرب ودويلاتهم وإماراتهم ومشيخاتهم لأعجب لكثرة المتحمسين لوحدتها، ولقلة المهتمين بصقلها وهندستها، وبرسم الخطوط الكبرى لرصفها في بناء واحد.. فأين المهندسون؟ وأين البناءون؟».

وجاء رد «أحد أقطاب العروبة» على مقال نعيمة في العدد نفسه بعنوان «العروبة.. بلا لكن»! وجاء فيه، بعد مقدمة من الاحترام والتوقير للأديب الكبير: «إن هذا البيت ياأخانا الكريم هو بيتنا الحبيب، وقد خربته أيدي كثير من الغزاة من تتر وفرس وأتراك وإنجليز وفرنسيين وإيطاليين... ونحن مازلنا نؤكد أن جميع ويلاتنا ومصائبنا إنما منشؤها الاستعمار، سواء أكان شرقيًا قديمًا أم غربيًا حديثًا، وأي وضع من أوضاعنا المعوجة لم يكن للاستعمار فيه تأييد وتثبيت، سواء أكان هذا التأييد ظاهرًا أم خفيًا؟! فمحاربة الوحدة العربية بهذا المنطق الغريب وتحت هذا الستار العجيب أمر يدعو للأسف والإشفاق».

ولايشك أحد ممن يدرس مجتمعات البلدان العربية والتاريخ العربي أن أسباب تخلفنا متنوعة، منها الذاتي الموروث، ونحن وثقافتنا وسياساتنا مسئولة عنه، ومنها ما نجم عن الاستعمار وغيره.

غير أن القطب العروبي الذي رد على نعيمة خلط الجد في رده بالهزل، فقال: «العروبة قادرة على طرد القمل والبراغيث من الأجساد والرمد من الأجفان، والبلهارسيا من الأحشاء، كما تستطيع أن تجعل من البدوي حضريًا، فالعروبة نفير العرب أجمعين إلى التخلص من الاستعمار الغربي، والاستعمار الغربي هو وحده سبب الجهل والفقر والمرض. الاستعمار الغربي هو المسئول عن جوع الملايين من أبناء العرب، وهو المسئول عن حرمان أطفال العرب من التعليم، وهو المسئول عن الأمراض المتفشية في بلاد العرب، وعن المأساة الدامية في فلسطين، فإذا ما قضت العروبة على الاستعمار الغربي وأصبح أمر العرب للعرب، فإن الغذاء والتعليم والاهتمام الصحي، كل هذه كفيلة بطرد القمل والبراغيث والرمد والبلهارسيا والصهاينة».

وحفل العدد الثاني من «العربي» بالطرائف والمنوعات. من بينها أن صديقين كانا يقيمان في شقتين متقابلتين. وبينما كانا ذات مرة في النادي قال أحدهما للآخر:

- يحسن أن تغلق النوافذ في الليل يا صديقي... فقد رأيتك مساء أمس وأنت تقبل زوجتك!

- مساء أمس؟ لابد أنك تهذي! فإني لم أكن ليلة أمس في المنزل يا صديقي!!

وكانت مسابقة «العربي» «عش مائة سنة واكسب مائة جنيه» مبتكرة. وقد تضمنت «عشرة أحلام» و«عشرة أمال»، طلبت من القارئ اختيار ثلاثة من كل مجموعة. من بين هذه الأحلام!

أن أعيش مائة سنة، أن أكون دائمًا في سن العشرين، أن أحوّل كل ما ألمسه إلى ذهب، أن أتزوج حورية، أن أتحدث إلى حفيدي السادس.

ومن بين الآمال: أن أصبح شاعرًا كشوقي، أن أصبح عالمًا كأينشتين، أن يكون لي ثلاثة أصدقاء خلصاء، أن أقوم برحلة حول العالم.

وحذرت الصفحة العلمية القراء من القيام بغسل البيض! فقد أجرى العلماء تجربة غسلوا فيها ستين بيضة بالصابون بعد أن نقعوها في الماء. وقد نال الفساد 57 بيضة منها ولم يسلم غير ثلاث بيضات.

دأبت «العربي» على نشر مقتبسات من الصحافة العربية في زاوية «مرآة الرأي العربي». ومما جاء في مقال بجريدة الشعب القاهرية بقلم محمد عودة ما يلي: «في الهند أربعون لغة وثمانون دينًا، والهندي من الجنوب لا يتفاهم ولا يفهم لغة الهندي في الشمال، وقد لا يعبد آلهته. ولكن الهند مع ذلك شعب واحد ووطن واحد. وفي الصين خمس قوميات مختلفة، لكل منها لغتها وتراثها، وأحيانًا دينها، ولكن الصين وطن واحد وحكومة واحدة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية جاءت كل العناصر والجنسيات والأديان من كل ركن في العالم، ولكنها انصهرت جميعها في البوتقة الأمريكية، وخرج شعب واحد في وطن واحد.

ونحن... بلغتنا وأرضنا وتاريخنا وتراثنا ومصالحنا وقدرتنا على الاستمرار والمقاومة أحق من أي شعب آخر بوحدتنا».

النساء والطب

وتساءل معد صفحة «أخبار الطب والأطباء»: هل تعليم النساء الطب يجزي؟! وقال: يقوم نقاش في هذه الأيام حول تعليم النساء الطب، هل هو من الوجهة الاقتصادية نافع. ذلك أن التي تتعلم الطب، وهو تعليم غالي النفقة، لا تلبث أن تتزوج فتصبح أما، فتترك الطب. وكانت النفقة على تعليم الذكور الطب أولى. ويقول أطباء دفاعًا عن الطبيبات، إن في الطب وظائف لا يميل إليها الذكور من الأطباء. وهي وظائف ذات أجور محدودة... فهذه للنساء الطبيبات.

ولكن، يبدو أن الطبيبات مقتنعات بوظيفتهن: «وحدث أن أرسل بعض الباحثين سؤالاً

إلى 1040 طبيبة يسألهن: هل يحببن أن تكون بناتهن مثلهن طبيبات؟ وقد أجاب 74 % منهن بنعم».

ومما يتصل بالطب والأطباء في الزاوية نفسها، أنه قد اتضح «أن الكثير من الأطباء يرعون صحة الناس وينسون أنفسهم. فقد قام طبيب برسم كهربائي لدقات قلوب 3228 من زملائه الأطباء، فاتضح له أن 18 في المائة منهم لهم قلوب غير سليمة».

وأظهر مقال بعنوان: «فتاة الجامعة على الشاشة» دور المرأة الرائد في صناعة السينما المصرية: وأعجب ما في أمر هذه السينما «أنها قامت على جهود ثلاث سيدات، من كريمات الأسر!! السيدة الأولى، هي عزيزة أمير، وكانت زوجة ابن باشا من أكرم الأسر المصرية، ثم السيدة بهيجة حافظ، وكان والدها محافظًا للإسكندرية، ثم السيدة آسيا وهي من أسرة لبنانية كبيرة».

العامية والفصحى

وتناول مقال بقلم محمد فتحي الجدل الدائر حول استخدام العامية أو العربية الفصحى في الإذاعات العربية، وهي قضية تجددت اليوم مع هذا الانتشار الواسع للفضائيات التلفزيونية!

فالإذاعة، كما جاء في المقال، عامل خطير في توحيد اللهجات، «يبز في نتائجه المجامع والمدارس والكتب وغيرها من عوامل توحيد اللهجات، ولسنا بمغالين إن قلنا بأن الفروق الكبيرة بين اللهجات العربية التي كانت في ما مضى تجعل من العسير على عربي في العراق أو في الجزيرة العربية أن يفهم عربيًا في مصر، أو في المغرب، أو يتفاهم معه، قد زالت وكادت تنعدم انعدامًا، وأصبح هناك لسان عربي موحد يتردد على الألسنة في كل الربوع العربية».

ويضيف الكاتب بثقة: «لقد أتيح لي أن أتنقل بين ربوع الوطن العربي المتسع الرقعة، فما أحسبني لقيت عناء بسبب اللهجات واختلافها، بل إن لهجة موحدة فصيحة قد انبثقت من بين هذه اللهجات جميعًا وأصبحت لسان العروبة الناطق».

وتساءل مدير جامعة دمشق د. حكمت هاشم، (1913 - 1982)، كيف يمكن إنقاذ المجتمع العربي في زحمة الآراء والعقائد، وقال: «في المجتمع العربي اليوم بلبلة فكرية عظيمة، واضطراب في الميول والعقائد واسع عريض. فقد اختلف الناس في منازع الرأي اختلافًا شديدًا، وتباينوا في مذاهبهم الفكرية والخلقية والسلوكية تباينًا لا تلاقي معه: فهذا ماديٌّ وذلك روحاني.. وهذا واقعي وذلك خيالي، وهذا ملتفت إلى عالم الغيب وذاك إلى عالم الشهادة.. وآخرون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء يهيمون في كل واد.. والذي زاد في الطنبور نغمة، أن تلك البلبلة الفكرية رافقتها عصبية للرأي، جامدة لا تتزحزح، وعنف في منازلة الخصم يتجاوز أيما تجاوز حد الجدل الفكري النزيه».

وحاول د. هاشم أن يتقدم ببعض الحلول والمخارج للناس في «دنيانا العربية»، فكانت أولى النقاط «الإيمان بالعقل وبقيمة العلم التجريبي»، و«الإيمان بأصالتنا العربية»، و«الحرص على ألا تكون قوميتنا قومية مغلقة»، وأن «نقدس العمل المثمر»، وأخيرًا، «هي إيماننا بأن لنا رسالة».

ولقد طالعت كتاب «تتمة الأعلام للزركلي» عن حياة د. حكمت هاشم، فوجدت المؤلف يقول ما يلي: «تبوأ منصب مدير جامعة دمشق سنة 8591م، ثم اعتزل العمل الرسمي في بلده لخلاف سياسي بينه وبين سلطات الحكم، فدعته جامعة محمد الخامس في الرباط للتدريس فيها، واستجاب لدعوتها، فدرّس هناك. كما عمل في اليونسكو رئيسًا لبعض البعثات إلى الجزائر وليبيا، ثم اعتزل العمل، وأقام في باريس».

ونشر الشاعر «نزار قباني» قصيدته المعروفة «كلمات» في العدد الثاني من «العربي»، حيث أرسلها إلى الكويت.. من بكين!

وانسابت كلماته الرومانسية رقة وعذوبة، بين مشاكل العرب وبلبلتهم الفكرية:

«يُسمعني
حين يراقصني
كلمات... ليست كالكلمات
يأخذني
من تحت ذراعي
يزرعني
في إحدى الغيمات...
يخبرني...
إني تحفته...
وأساوي... آلاف النجمات».

ونعود، كما بدأنا، إلى انقلاب 1958 بالسودان. فقد أشادت «العربي»، في مقدمة القرارات الحكيمة التي اتخذتها الثورة السودانية، بإزالة تمثالي «جوردون» و«كتشنر» من الميدانين المعروفين باسميهما في الخرطوم، بعد أن ظلا زمنًا غير قصير رمزًا للاحتلال البريطاني للسودان.

وأشادت زاوية «دردشة» بكتاب جديد للمؤرخ البريطاني «فيليب ماجنوس» عن كتشنر، وعن شذوذه، وقسوته، وتلذذه بآلام الآخرين، وإرساله لجمجمة المهدي، بعد قتله، إلى كلية الجراحين بلندن، والتي هزّت حتى الملكة فكتوريا. كما أنه، لما احتفل بانتصاره في عطبرة، «امتطى حصانًا أبيض وجعل قائد جيش الخليفة بعد أسره إياه يسير خلفه مقيدًا بالسلاسل، ينهال عليه الحراس بسياطهم كلما تعثّر».

صيادو اللؤلؤ

سلّطت «العربي» في هذا العدد الأضواء على مهنة لم يكن أحد من عرب المشرق أو المغرب يعرف عنها شيئًا... اللهم إلا من كتب عنها كابن بطوطة وبقية الرحالين العرب والمسلمين. وقد نشرت المجلة استطلاعًا مصورًا نادرًا، من تصوير أوسكار وتحرير الأستاذ سليم زبال، عن «صيد اللؤلؤ»... الصناعة العربية المهددة بالفناء!

وقالت إن «أصداف اللؤلؤ كالنساء، بعضها «حامل» وبعضها عاقر... والصَدَفة تمرض فتصنع اللؤلؤ».

لقد عاشت «العربي» مع صيادي اللؤلؤ في منطقة «شتية» بالبحرين، أكبر وأغنى مناطق صيد اللؤلؤ في العالم، يومين كاملين، خرجت بعدهما لتجيب عن بعض الأسئلة: من أين يأتي اللؤلؤ؟ وكيف يحصلون عليه؟ وكم يكلف العقد منه؟ ولم تنفرد المجلة بنشر تلك الصور التفصيلية الملونة عن حياة غواصي اللؤلؤ فحسب، والتي اشتهرت في ما بعد ونشرت وعُرضت مرارًا، وأصبح لها قيمة تاريخية لا تُنكر، بل قام محرر الاستطلاع بالغوص فعلاً... في مياه الخليج، وكتب واصفًا تجربته كما يلي:

«كنت أندفع بسرعة الهابط ببراشوت من السماء وعيناي مقفلتان... وكانت دقات قلبي تشتد حتى خلتُ أنه لابد خارج من صدري... إني أغوص في مياه الخليج العميقة.. وفي قدمي 14 رطلاً من الرصاص الثقيل تدفعني إلى القاع.. وفجأة تذكرت ما حدّثني عنه بحارة الخليج العربي من أسماك «اليريور» و«الدجاجة» و«الديك» و«اللخمة».

فأصابتني لخمة حقيقية. وأحسست بضغط فظيع على أذني اليمنى. ففتحت عينيّ لأجد أمامي عشرات الأسماك... الكبير منها والصغير... ولكني خلتها كلها من أسماك القرش المتوحش يريد افتراسي، وأنا مازلت مندفعًا إلى القاع، وفجأة، وبحركة غير إرادية شددت حبل الاستغاثة، وأخرجت قدمي من الثقل العالق بها، لأجدني مندفعًا إلى سطح الماء، لقد كان «السيّب» يجرّني إلى أعلى، فوصلت بعد ثوان قليلة، وما كدت أحسُّ بالهواء يلفح وجهي حتى نزعت «الفطام» من فوق أنفي وصرخت طالبًا سحبي من الماء إلى ظهر السفينة. إن هذه الحادثة كلها لم تستغرق 35 ثانية، ولكنها كانت أعنف تجربة في حياتي».

ومن أعجب معلومات الاستطلاع ما ورد عن العلاقة بين اللؤلؤ والصدف، فنحن نظن أنهما متباعدان بعد التِّبر عن التراب... والحقيقة عكس ما نظن!

«سوف تعجب إذا علمت أن مادة اللؤلؤ ومادة الأزرة التي تُصنع من الأصداف هي شيء واحد.. ذلك أن أكثر مادتهما إنما هي مادة الحجر. نعم الحجر الجيري الأبيض ذاته الذي يصنع منه الجير بالنار. كحجر جبل المقطم. أو هي باللفظ الكيماوي كربونات الكالسيوم، نعم من كربونات الكلس تصنع اللآلئ، وتصنع الأزرة. وانظر ما ثمن اللؤلؤ. وانظر ما ثمن الزرار الواحد. ثم انظر ما ثمن الكيلو من كربونات الكالسيوم عند الصيدلي... مثل الرجال: الجسم واحد، والأعضاء واحدة، والدم واحد، ومجاريه واحدة، ولكن يختلف الناس في القيم لصفات غير صفات الجسد».

ونقف في الختام عند صفحة «المعلومات العامة»، ونختار ثلاثة أسئلة من بين 15 سؤالاً لنرى مدى تطور ذكائنا بعد خمسين سنة من صدور هذا العدد!

الأول يقول: «الفول السوداني غذاء طيب، وهو رخيص، وهو لذيذ، ولولا رخصه لزادت عند الناس لذته وزاد تقديرهم إياه. فهل تدري أي بلاد العالم يصدق أن يسمى بعاصمة الفول السوداني؟».

والجواب هو «داكار»، الميناء الأول لبلاد السنغال!

والثاني يقول: «هل من الصخور ما يطفو على الماء؟».

والجواب نعم. مثل ذلك حجر الخفاف الذي يستخدم في الحمام من قديم الزمان لحك كعوب النساء. وكذلك الصخر المعروف بالاسبستوس، ومنه يُصنع الورق الذي يوضع فوق موقد الكيروسين ثم نضع عليه وعاء الطبخ.

والثالث يقول: «لو أنك جئت بلترٍ من اللبن وجعلته يقطر القطرة من بعد القطرة. فكم قطرة يعطيك؟».

والجواب: لتر اللبن يعطيك 13 ألف قطرة!.

 

 

خليل علي حيدر