ماذا تتوقع دول مجلس التعاون من الأمين العام الجديد؟ عبدالرحمن الشبيلي

ماذا تتوقع دول مجلس التعاون من الأمين العام الجديد؟

بداية من الشهر القادم - أبريل 1996 - يتسلم موقع الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية شخصية ذات خبرة دبلوماسية وسياسية طويلة هوالأستاذ جميل الحجيلان وهذه بعض من التوقعات المعقودة عليه.

أن يكون الأمين العام الجديد لمجلس التعاون لدول الخليج العربية من البلد المقر، وأن يأتي ذلك بعد مرور خمسة عشر عاما على بدء مسيرته، وأن يكون الأمين العام المعين هو جميل الحجيلان بالذات، فإنها جمعيا أمور تستدعي التوقف عندها، لاستكشاف أهميتها ودلالاتها.

على أنه لا بد من القول في البداية، إن المعيار الأهم في شاغل هذا المنصب، هو كفاءة المرشح، وقدرته على تحقيق تطلعات الدول والشعوب التي منحته ثقتها ووافقت على اختياره، وعلى إحداث التغيير أو التطوير، وألا يكون منحازا في توجهاته وأفكاره، وأن يحظى بتعاون من يعمل معه، فالثقة بالمرشح هي بلا شك، تحد لقدراته.

أما أن الأمين العام الذي اختير للأعوام الثلاثة القادمة، قد تم اختياره من البلد "المضيف" فإن ذلك يلقي بتبعات ومسئوليات أكبر على ذلك البلد، خاصة أنها الأكبر في الجغرافيا والسكان والسياسة والاقتصاد.

كما أن المعيّن الجديد للسنوات القادمة، يعرف جيدا محيط الأمانة ومجتمعها، ولن يحتاج إلى وقت أو جهد طويلين، مما يلزم عادة لأي سفير يعمل خارج بلده، مهما كان التقارب بينهما.

أما أن يأتي اختيار الأمين العام "الثالث" بعد مضي خمسة عشر عاما على قيام المجلس، فإن هذا الأمر، في الواقع، يحمل أكثر من أهمية، لأن المجلس، وعلى الرغم من اكتمال تكوينه وبنيته وهيكله الإداري، وتنظيماته الإجرائية، ومقره الجميل، واستمرار الاهتمام الرسمي والشعبي به، فإن إنجازاته التي تحققت حتى الآن، وفي بعض الحقول، لم تكن حتى الآن، مقارنة بعمره، على مستوى تطلعات المواطنين وآمالهم، ولقد سبق لكاتب هذه السطور، وللعديد من وسائل الإعلام، أن عبرت عن ذلك.

مسيرة حساسة

إن اللوم، إن صح، يجب ألا يلقى على الأمين العام الحالي أو السابق، فلقد قادا مسيرة الأمانة في ظروف بالغة الدقة والحساسية، ولم يقصرا في بذل أقصى الجهود، والكل يدرك تعقيدات العمل المشترك، لكن المواطن الخليجي، الذي تعود على أن تتم الأمور والإنجازات في هذه المنطقة، بسرعة، لا يزال يشعر، ومنذ سنوات، بأن الوقت يمضي، وبأن ما تحقق من إنجازات، يظل أقل من طموحاته، وأن كثيرا مما ينشغل به المجلس أحيانا، هي أمور نظرية، قد لا يصل مردودها سريعا وبشكل مباشر إلى المواطن. منطقة الخليج ومجتمعاتها، تعودت على الانفتاح على العالم، وشاهدت الكثير من أوجه الترابط بين الشعوب، واطلعت على تجارب الآخرين. فالمواطن الخليجي، الذي رأى كل ذلك أو أكثره، يريد كغيره من مواطني التجمعات الإقليمية الأخرى، أن يرى تسهيلات أكبر في الانتقال والعبور، ومساواة في المعاملة الوظيفية والتعليمية، ووحدة نقدية، وتأشيرة موحدة، وسفارات أقل، ومناهج موحدة، ووسائل إعلامية غير متكررة، وطرق مواصلات سريعة ومباشرة، تربط بين دول المجلس، ورحلات طيران مكثفة، وشركات نقل مشتركة، إلى غير ذلك من أوجه التكامل والتعاون والتنسيق.

ومع أن المجلس ماض في هذا الاتجاه، وحقق الكثير في بعض الحقول، الاقتصادية على وجه الخصوص، فإن الكثير من أهدافه الأساسية، لم يتحقق بعد.

إننا نرجو من الأمين العام الجديد، وهو الذي عايش تجربة الوحدة الأوربية، وعاصرها عشرين عاما، وهي تجربة، تحققت فيها معجزات، برغم تعقيدات الوضع في مجتمعات أوربا، واختلاف ثقافاتها وأنظمتها وظروفها، نرجو منه أن يضع قائمة بالأولويات، ومواطن الضعف، وأن يطلع على ما كتب من نقد وتقويم للمجلس، وأن يركز على الأهم قبل المهم، وأن تكون لديه الجرأة لوقف كل ما هو نظري أو ثانوي.

نريد منه، أن يلتقي المواطنين، والإعلاميين، وغيرهم من شرائح المجتمع، ليستمع إلى ملاحظاتهم، وآرائهم، ومقترحاتهم، وأن يهتم بما لم يتحقق بعد، مما يتصل ويصل تأثيره مباشرة إلى المواطنين.

من هنا تأتي أهمية النقطة الثالثة، وهي أن يكون الأمين العام المعين، هو جميل الحجيلان، فالمملكة عندما أرادت أن تختار أمينا عاما منها، لم تختر مسئولا عاديا، ولكنها اختارت واحدا من الكفاءات العالية المعروفة، المخضرمة في تجربتها، اختارت فارسا من فرسان الإدارة والإعلام والدبلوماسية، لأنها تقبل التحدي، لتفعيل هذا المجلس وتحريكه، لكي يكون مجلس تعاون فاعلا، يحقق النقلة النوعية والكمية المرتقبة، مدعوما بالثقل السياسي والمادي والمعنوي للمملكة.

إن مسألة اختيار الأمين العام الجديد من المملكة، ليس تشريفا للمملكة، بقدر ما هو تحد حقيقي لها ولمرشحها. ومن خلال معرفة عارفيه به وبقدراته، فإننا لا نهنئه، بقدر ما نشد على يديه داعين له بالتسديد والتوفيق.

من أجل تفعيل المجلس

إن عمل أمين عام مجلس التعاون، ليس بحجم المسئوليات السابقة التي تولاها الشيخ الحجيلان من قبل، كما أننا نعرف حدوده في العمل الجديد، وأنه ليس صاحب القرار الوحيد، لكننا متأكدون، بإذن الله من أنه سيكون على مستوى الآمال، والتحدي، ولن يكون أمينا عاما بالمفهوم الإداري للوظيفة، بقدر ما سيكون أمينا فعلا على تفعيل هذا المجلس وتحريكه، وتحقيق نقلة في أعماله وإنجازاته القادمة، واستثمار علاقاته الواسعة مع أجهزة الدول الست، والمملكة بالذات، لإنجاز ما عجزت عن تحقيقه أعمال المجلس من قبل.

وفوق كل هذا وذاك، فإن الأمين العام المعين -وكما أسلفت- هو كفاءة إعلامية ودبلوماسية، ذات جودة وأداء عاليين، وسيكون كسابقيه وجها مشرقا حين يمثل المجلس في تصريحاته، أو حين يحضر جلساته. لقد فرخت المملكة واحدا من أبرز كفاءاتها، ونقلته من موقع مهم إلى موقع آخر لا يقل عنه أهمية. إن أمام المجلس قائمة مهمة بالأولويات التي كان ينبغي - أو يفترض - أن تتحقق منذ أعوام، إلا أنها لا تزال مشروعات على الورق، سأورد ثلاثة نماذج منها فقط تتصل بالتعليم والإعلام والاتصال:

الأول: مكتب التربية العربي لدول الخليج وجامعة الخليج: هذا المكتب، يعتبر من أنشط المشروعات الخليجية، الذي يقدم برامج وخدمات ملموسة في مجال التربية والتعليم، وقد أنشئ قبل قيام المجلس ولا يزال يعمل خارج إطاره، ولا تزال العلاقة بينهما علاقة تنسيقية فقط، برغم أن العراق لم يعد عضوا فيه، يقابل هذا المكتب إدارة في أمانة مجلس التعاون تعنى بأمور التربية والتعليم التي لا يغطيها نشاط المكتب.

وفي تصوري، أنه قد آن الأوان، لتوحيد النشاطين في جهد مشترك موحد، والكلام نفسه، ينطبق على جامعة الخليج، التي أنشئت منذ أعوام في البحرين. ثمرة لجهود مكتب التربية لدول الخليج، وتعمل خارج إطار مجلس التعاون، وتعيش منذ سنوات وضعا صعبا بالنسبة للتمويل، وبالتالي لقدرتها على تحقيق أهدافها.

الثاني: جهاز تلفزيون الخليج: العلاقة بين هذا الجهاز والأمانة العامة للمجلس، علاقة هامشية، كما أن الجهاز نفسه، قد جاء بعد إنشائه، مختلفا إلى حد كبير، عما رسم له من أهداف ومهام، وفي تقديري أنه من الضروري الالتفات إلى أوضاعه وتقييمها ومعالجتها بشكل حازم وجريء.

الثالث: طرق المواصلات والطيران: إن أقل ما كان يرجوه المواطن من المجلس بعد قيامه، أن يجد أمامه طرقا سريعة تربط بين دوله وتختصر المسافات، وكذلك رحلات طيران بين مدنها مباشرة ومكثفة، وهما أمران.. على الرغم من بساطتهما، لم يتحققا، بالشكل المأمول، حتى الآن.

إن مثل هذه الأمور، في نظر المواطن البسيط، هي معيار نجاح مجلس التعاون، والحكم على فعاليته، فالمواطن، أولا وأخيرا، هو الهدف، وما لم يلمس تلك الأشياء، فإن المؤتمرات والندوات والولائم والرسميات، هي أمور شكلية لا تعني له شيئا.

 

عبدالرحمن الشبيلي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




جميل الحجيلان