يوم يتوقف الكمبيوتر

يوم يتوقف الكمبيوتر

أغلقت جميع المصارف أبوابها، وتأجلت جميع الرحلات الجوية إلى أجل غير مسمى، وتعطلت الشبكة الهاتفية، وانقطع التيار الكهربائي، وعمت الفوضى والبلبلة جميع مرافق الحياة. إن هذا ليس كابوساً مزعجاً أو مشهداً من أحد أفلام الكوارث، وإنما هو تصور لما يمكن أن يحدث في بداية العام 2000، فيما لو لم يتم تدارك مشكلة التاريخ في برامج الكمبيوتر قبل حلول القرن الحادي والعشرين.

تسمى المشكلة بمشكلة العام 2000 The Year 2000 Problem، أو Y2K، أو آفة القرن الحادي والعشرين The Millenium Bug.

وتتلخص هذه المشكلة ببساطة شديدة بإسقاط المبرمجين الرقمين اليساريين اللذين يعبران عن رقم القرن في حقل التاريخ ضمن برامج الكمبيوتر، حيث يتم تخزين التاريخ 1/7/1998، على سبيل المثال، بالشكل 1/7/98. وقد دأب المبرمجون على هذه الحيلة البرمجية منذ ظهور الكمبيوتر، بهدف التوفير في ذاكرة ووسائط التخزين في الكمبيوتر، وذلك لارتفاع أسعارها في تلك الأيام. إلا أن هذه الحيلة البرمجية أضحت من الممارسات القياسية في البرمجة فيما بعد، لذلك استمر المبرمجون بالقيام بها، حتى بعد انخفاض أسعار أجهزة الكمبيوتر ومعداته. وساعد على ذلك الاعتقاد الذي كان سائداً في أوساط المبرمجين بأن التطور الكبير والمتسارع في تكنولوجيا الكمبيوتر يجعل عمر أي برنامج لايتعدى الاعوام الخمسة أو السبعة.

لكن ثبت اليوم خطأ ذلك الاعتقاد، إذ إن معظم برامج الكمبيوتر، ولاسيما تلك التي تعمل على أجهزة الكمبيوتر العملاقة Mainframe Computers، والتي تقود العالم، ستصاب بالتشوش والارتباك بحلول العام 0002، حيث إنها سوف تخزن العام 2000 بالشكل "00"، أو بمعنى آخر "1900"، الأمر الذي سوف يجعلها تظن أن الزمن قد عاد إلى الوراء مائة عام. ويبدو أن هذه الآفة سوف تصيب معظم الأجهزة الإلكترونية، ابتداء من أجهزة الصراف الآلي ATM وانتهاءً بالأجهزة العسكرية. كما أنها ستؤثر في جميع القطاعات الحكومية والشركات التجارية الكبيرة منها والصغيرة. ويعتقد الخبراء أنه لن ينجو أحد من هذه الآفة ما لم يكن قد بدأ بالفعل بتصحيح برامج الكمبيوتر التي تنظم أعماله.

أبعاد المشكلة

لقد تزايد الاعتماد على الكمبيوتر في جميع مجالات الحياة تزايداً كبيراً لدرجة لايمكن تصورها، كما أن معظم برامج الكمبيوتر تستخدم التاريخ في عملها، فتعطي نتائج تختلف باختلاف التاريخ، مثل برامج حساب الفائدة المصرفية وبرامج حساب الرواتب، وما إلى ذلك. ومثل هذه البرامج قد تضطرب وتعطي نتائج مغلوطة عندما يحل العام 2000، وبالتالي فإن معظم نواحي الحياة سوف تتأثر بشكل أو بآخر بآفة العام 2000.

ففي مجال الكهرباء مثلا، قامت شركة كهرباء هاواي الأمريكية بتجربة على أنظمة الكمبيوتر الموجودة لديها، لترى مدى تأثرها بآفة العام 2000، فوجدت أن هذه الأجهزة قد توقفت تماما عن العمل، الأمر الذي سوف يتسبب بانقطاع التيار الكهربائي عن بعض المشتركين، وارتفاع تردد Frequency التيار عند البعض الآخر، مما سوف يسبب تعطل الأجهزة الكهربائية لديهم.

وفي مجال الاتصالات سوف تتوقف معظم الشبكات الهاتفية عن العمل، كما أن الآفة سوف تسبب بفواتير هاتفية باهظة، وذلك لأن برامج حساب الفواتير ستعتقد أن الزبائن لم يدفعوا تكاليف اشتراكاتهم الهاتفية لمدة مائة عام.

وفي المجال الطبي، فبالإضافة إلى التشوش الذي سوف تسببه آفة العام 2000 في أنظمة حساب الفواتير الطبية ونظم المعلومات التي تحفظ سجلات المرضي وتواريخهم المرضية، وأجهزة مراقبة صلاحية مخزون الدم الاحتياطي والأدوية، فسوف تتأثر كذلك أجهزة العناية بالأطفال وأجهزة العناية المشددة المبرمجة لتزويد المرضى بالأمصال والأدوية والسوائل خلال أوقات وتواريخ معينة.

وفي المجال المصرفي سوف تصاب برامج حساب الفائدة المصرفية بالارتباك، كما أن برامج حفظ الحسابات قد تحذف الحسابات المخزنة لديها، معتقدة أنها قد أصبحت حسابات قديمة. وكذلك ستتعطل أجهزة الصراف الآلي ATM بصورة كاملة، حيث إنها سوف ترفض صرف أو إيداع أي مبلغ.

وفي مجال النقل الجوي قد تتعطل أجهزة الكمبيوتر التي تقود رادارات مراقبة مسار الطائرات أثناء طيرانها، الأمر الذي سينجم عنه الفوضى في حركة الطائرات في الجو، أو قد لاتستطيع التمييز بين معلومات مسارات الطائرات المخزنة في اليوم السابق والمعلومات الموجودة على شاشة الرادار.

وفي المجال الصناعي أعلنت شركة فورد لصناعة السيارات أن آفة العام 2000 سوف تجعل النظام الأمني الآلي، الذي يتحكم ببوابات أبنيتها، يوصد الأبواب في وجه العمال والموظفين في مطلع العام 2000، ويمنعهم من الوصول إلى أماكن عملهم، كما أن بعض خطوط الإنتاج لديها قد تتعطل تماماً.

وعلى الرغم من أن العام 2000 لم يحل بعد، فإن بعض الشركات بدأت تعاني من الآفة منذ الآن. فقد أصيبت شركة ماركس أند سبنسر Marks&Spencer البريطانية بالذعر عندما طلبت أجهزة الكمبيوتر لديها التخلص من أطنان لحم البقر المعلب لاعتقادها خاطئة أنها قد انتهت صلاحيتها منذ مائة عام. كما طلب نظام الكمبيوتر لدى أحد السجون الأمريكية إطلاق سراح جميع السجناء الذين تنتهي مدد سجنهم ضمن القرن الحادي والعشرين معتقدة أنهم قد أنهوا مدة عقوبتهم منذ فترة طويلة. وكذلك فقد رفضت أجهزة قراءة تاريخ صلاحية بطاقات الائتمان فيزا جميع البطاقات التي تنتهي صلاحيتها في بداية القرن الحادي والعشرين للسبب ذاته.

وقد جعلت المشكلة بعض شركات الطيران تلغي منذ الآن جميع رحلاتها الجوية التي سوف تتم في بداية العام 2000، تحسباً من أي كارثة جوية قد تحدث في مطلع القرن الحادي والعشرين.

العلاج

لاريب أنه لايمكن حل مشكلة العام 2000 إلا بتصحيح برامج الكمبيوتر التي تعاني من تلك الآفة. بيد أن هذه العملية ليست بالأمر اليسير، وذلك لأن البرامج التي تقود معظم فعاليات العالم والتي تعمل على أجهزة الكمبيوتر العملاقة، تعج بالأوامر والتعليمات المتعلقة بالتاريخ والتي تتكرر مرة كل 50 تعليمة، وفق بعض الإحصاءات. إضافة إلى ذلك فمن الصعب الوصول إلى مثل تلك التعليمات لأن معظم هذه البرامج غير موثقة لقدمها، ومكتوبة بلغات برمجة قديمة مثل الكوبول Cobol. لذا فإن إيجاد مواضع التعليمات الخاطئة وتصحيحها سوف يستغرق وقتاً طويلاً، ناهيك عن الوقت الذي سوف تستغرقه عملية اختبار البرامج، بعد تعديلها، للتأكد من صحة عملها. إضافة إلى هذا، فإنه من الضروري أيضاً تعديل جميع الأجهزة الإلكترونية التي يعتمد عملها على تواريخ معينة، مثل أجهزة الصراف الآلي والأجهزة الطبية وأجهزة تنظيم إشارات المرور، الأمر الذي سوف يزيد عملية حل المشكلة تعقيداً.

وأما فيما يتعلق بتكاليف البرامج واختبارها فحدّث ولاحرج. فعلى الرغم من تناقض الدراسات التقديرية لتكاليف حل مشكلة العام 2000 فإنها جميعا توقعت أرقاماً خيالية. فمثلاً أشارت الدراسات التي قامت بها الحكومة الأمريكية إلى أن تكاليف حل المشكة في الولايات المتحدة هي 2.3 مليار دولار أمريكي، بينما يعتقد بعض الخبراء أنها سوف تكلف حوالي 30 مليار دولار، ويقول بعضهم الآخر إنها سوف تكلف 600 مليار دولار. وتشير بعض الدراسات كذلك إلى أن تكاليف تصحيح البرامج في بريطانيا هي في حدود 50 مليار دولار، في حين أن الحكومة البريطانية تقول إنها لن تكلف أكثر من ملياري دولار.

ناقوس الخطر

لم تع الشركات والحكومات مدى خطورة آفة العام 2000 إلا منذ فترة قريبة. لكن ترى هل يمكن حل المشكلة في الوقت المناسب? لقد بدأت الجهود أخيراً تتضافر لتجاوز هذه الأزمة، حيث عقد الكثير من المؤتمرات الدولية لمناقشة الأسلوب الأمثل للحل. كما قامت العديد من الشركات الكبرى بتنظيم فرق عمل مكونة من مبرمجين ومهندسين يعملون بدوام كامل لتعديل برامج الكمبيوتر المتأذية من الآفة، وشرعت بعض شركات الكمبيوتر مثل شركة Peritus و Data Dimensions تعرض خدماتها من مبرمجين وخبراء وبرامج للمساعدة في حل المشكلة. وقد بدأت تظهر في الأسواق برامج خاصة تقوم بالبحث عن التعليمات التي تعالج التاريخ وتصححها آلياً.

وعلى الرغم من كل هذه الجهود يساور العديد من الخبراء الشك في إتمام تصحيح جميع البرامج المصابة قبل حلول القرن الحادي والعشرين، وذلك لضخامة حجم العمل المطلوب. فقد خصص مصرف بوسطن Bank Boston، الذي يعتبر المصرف التجاري الخامس عشر الأكبر في الولايات المتحدة الأمريكية، فريق عمل من 40 خبير كمبيوتر لتصحيح المائتي برنامج التي تنظم جميع أعمال المصرف، وقد باشر ذلك الفريق أعماله منذ عام 1995، غير أنه لم يتمكن حتى اليوم إلا من إنهاء تعديل 60 برنامجاً. وهذا ما حدا بالشركات والهيئات التي سوف تعاني من آفة القرن الحادي والعشرين محاولة تصحيح البرامج الأكثر أهمية وتأجيل البرامج الأقل أهمية إلى بدايات القرن القادم.

على أن الكثير من الشركات التجارية الصغيرة والمتوسطة الحجم لم تبدأ بعد بتصحيح برامجها لأنها مازالت تتجاهل آفة العام 2000. لذلك يتوقع المحللون الاقتصاديون أن ينجم عن الأزمة إفلاس حوالي 5% من الشركات والمستثمرين.

وبعد

يبدو أن المشكلة الآن قد اقتربت من الحل ولو جزئياً، إلا أنه مما لاشك فيه أن الأيام الأولى من القرن الحادي والعشرين سوف تشهد بعض الاضطرابات في العديد من مجالات الحياة، وأن الآفة سوف تترك بصماتها على بعض الشركات والاستثمارات.

مهما يكن الأمر فإن هذه الأزمة سوف تفرض تساؤلاً مهماً: من يتحكم بمن? هل الإنسان هو الذي يسيطر على الكمبيوتر أم العكس هو الصحيح؟

 

بيهس فرعون