أطباق طائرة أم جنون؟

أطباق طائرة أم جنون؟

مع تصاعد اليقين بأننا لسنا وحدنا في هذا الكون, يعاد بحث بعض الظواهر الغامضة, وبطريقة صارمة أحيانا!

هل اليوفولوجي " Ufology " ـ وهو علم دراسة الأجسام الطائرة غير المعروفة أو ما يعرف باسم الأطباق الطائرة ـ ما هو إلا ضرب من ضروب البارانويا " Paranoia " ـ أي جنون الاضطهاد ـ ?.. وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعلم أن البارانويا تظهر نفسها في الأشخاص الذين يعتقدون بوجود من يتعقبهم أو من يتجسس عليهم, ويفسر أولئك الأشخاص الأحداث الجارية حولهم على أنها أجزاء من مؤامرة تُحاك ضدهم. وعندما نصل إلى الأفراد الذين يضطلعون بالحكم على الذين يعتقدون بوجود الأطباق الطائرة تصبح القضية ـ عموماً ـ هي تفسير الفرد لمفهوم ما لا تصنعه لوجودها, فبرغم واقعية الدليل على وجود هذه الظواهر فإن السؤال هو عن صحة هذا التفسير, وهل نحن نطبق نوعاً جديداً من التلاعب اللفظي للتعبير عن تجربتنا في هذا العالم?

وبالنسبة للمصاب بالبارانويا, ونتيجة لاضطراب فكرته عن روابط المجتمع البشري, فهو يعاني من اختلال في نمط تفكيره يؤدي به إلى تضخيم أهمية توافه الأمور التي تجري من حوله, فهو إذا وجد رسالة ممزقة فهذا يعني, بالنسبة له, أن هناك من يلاحقه من عملاء وكالات الاستخبارات الأجنبية, ولا تؤدي معرفته بأن هذا الخطاب ما هو إلا جزء من قمامة جاره إلا إلى تغير مؤقت في ثقته في النمط العام لتفكيره, وهو يتجاهل التباين الواضح بين غرابة الادعاء وتفاهة الدليل, والتي يراها كل من حوله, نظراً لحاجته للاعتقاد بوجود قوة خارجية تحاول القضاء على حياته وبهذا المنطق المألوف كان من الطبيعي أن يُنظر لدراسة ظاهرة الأطباق الطائرة كمظهر من مظاهر الإصابة بالبارانويا منذ عقوة عدة. ومن السهل الخلط في تفسير معنى حرف "الغين" في كلمة "أ.ط. غ" "أجسام طائرة غير معروفة" على أنه "غير مفهوم" بدلاً من "غير معروف" وسط الخيالات السياسية السخيفة لبعض باحثي اليوفولوجي مثل "ريتشارد هاينس" وذلك في محاولة لإلغاء وجود التقارير التي ثبتت صحتها عن الأطباق الطائرة, فهذا اللفظ "غير مفهوم" ـ كنهه ـ يشتمل على تضمين مهم ويشير إلى احتمال حدسي, فالجسم الطائر لم يقدم تعريفاً لنفسه, وليس هناك اتصال لاسلكي بيننا وبينه ولا لدينا خط سيره الملاحي في الفضاء, وتشير كل مصطلحات الطيران هذه إلى مصدر لفظ "أ.ط.غ" والذي صاغته القوات الجوية الأمريكية التي شكت أول الأمر أن هذه الأجسام ما هي إلا طائرات تجسس روسية تنتهك الأجواء الإقليمية الأمريكية إلى حدود غير معلومة.

هول من الاحتمالات

لقد أدى تطور نظرية تفسير وجود الأجسام إلى التفكير بوجود اتصالات من الفضاء الخارجي بغرض استكشاف كوكب الأرض ـ مثلما فعلنا مع القمر ـ ثم افتراض وجود استخبارات للتجسس الخفي, إلا أن طريقة التعبير عن "واقعية" هذه الأجسام لم تمثل أي أهمية بالنسبة لواضعي هذه النظريات والفروض, لذلك فقد أعلنت قيادة القوات الجوية في النهاية أن هذه الأجسام لا تمثل "تهديداً للأمن القومي الأمريكي", وقد أثبت الزمن صحة هذا الإعلان حتى الآن, غير أن المتخصصين المدنيين برصد هذه الأجسام يرون أنه إذا وجد تقرير واحد لا يمكن تفسيره عن جسم طائر غير معروف فهذا سيعني فتح مجال هائل من الاحتمالات, ولذلك فهم مستمرون في الاعتقاد بأن هذه الأجسام ما هي إلا دليل على زيارات من كائنات لا أرضية.

وبغض النظر عن السخرية التي قد يثيرها مثل هذا الاعتقاد, فالطرق المعتمدة على الأدلة المادية لإثبات "واقعية" وجود هذه الأجسام الطائرة هي مساوية في ضآلتها لتلك المستخدمة في دعم الأوهام الأكثر خصوصية لباقي المصابين بالبارانويا مثل الحلقات المفقودة, والأضواء التي تخفت بالتدريج, والاضطرابات الميكانيكية للسيارات واعتلال الصحة الذي لا يمكن تفسيره وقت ظهور هذه الأجسام في الفضاء, إضافة للصور الفوتوغرافية التي يتم تفسيرها بحماس زائد على أنها لأطباق طائرة. والواقع الملموس هو أن هذه الأجسام الطائرة لم يسبق لها أن أذابت إحدى السيارات وحولتها إلى بركة مشعة أو أن اختطفت استاداً لكرة القدم أو حتى أن تترك آثارا تدل على هبوط أجسام شديدة القوة في أماكن رؤيتها. وباختصار, فإنه ليس هناك ما يتطلب منا إيجاد تفسير خارج عن حدود العالم المادي المحسوس لتبرير وجوده, غير أن هذا لا يعني على الإطلاق أن هناك دائما تفسيراً مادياً لهذه الحوادث, إذ إنه حتى المصابين بالدرجات الأخف وطأة من البارانويا يمكنهم أن يطرحوا أسئلة يصعب الإجابة عنها.وقد تم تعريف مشكلة "اللا اتصال" في اليوفولوجي, والتي طرحها أولاً "والد" اليوفولوجي "تشارلز فورت" ذاته, على أنها مؤامرة لنسف أبحاث اليوفولوجي من أساسها أو اعتبارها ـ ببساطة ـ غير ذات موضوع!

وقد أقدم باحثو العلوم التقليدية "بنفي" اليوفولوجي ـ ضمناً ـ لعدم انطباق شروط الاختبار العلمي على دراسة هذه الأجسام الطائرة, وذلك بوضعه في إطار "العصاب" " Neurosis" ومع هذا فهم لم يشغلوا أنفسهم, ولو لمرة, بتفسير هذه الأوهام التي تصيب باحثي "اليوفولوجي", ويعد هذا الإغفال مؤسفاً, على الأقل من وجهة النظر "الإنسانية" والمنادية بوجوب محاولة المرء أن يفهم أولئك الذين يختلفون عنه في الرأي, وأن يقوم بهذه المهمة بعمق وتفهم. وقد فقد العلم إضافة لهذا, اللذة الفلسفية لوضع تاريخ دراسة ـ والاعتقاد بوجود ـ الأجسام الطائرة غير المعروفة داخل إطار جمالي وفلسفي مفهوم. وقد يعني اعتبار اليوفولوجي كضرب من ضروب البارانويا أن المقالات العلمية التي تتناول هذا المرض العقلي ستقدم لنا بعض المفاهيم الخاصة بديناميات الاعتقاد بوجود هذه الأجسام الطائرة غير المعروفة, لكن الواقع هو أن أغرب نتائج الأبحاث السريرية لوصف البارانويا توضح أن المعتقدات التي يعتنقها المصاب بالبارانويا لا تمثل معالم ثابتة للشخصية, إذ إنها "تتطور" تبعاً لتقدم المرضى, متبعة خطاً مرضياً محدداً ومعروفاً بتواتره المنظم بدرجة دقيقة حتى تصل لصورتها النهائية وذلك بالمرور عبر سلسلة من المراحل المرضية التي تبدأ بالإحساس بالخجل المفرط وتنتهي بأوهام العظمة, وتترتب على الوجه الآتي:

ـ وجود عامل معجل لظهور الأعراض المرضية ـ غالباً ما يكون في صورة إحباط اجتماعي أو إهانة تلحق بالشخص وظهور حساسية في العلاقات الخارجية, وحدوث ضرب من ضروب الانعزال عن المجتمع والوسوسة ـ أي البحث عن تفسيرات طبية لأسباب الأمراض, مع الفشل في التوصل إليها والتوصل إلى "اكتشافات" لا عقلانية لتفسير الأمراض وترتيب الأوهام وتبريرها وإعادة صياغة الشخصية على ضوء هذه التبريرات والتفكير بمنطق التآمر ـ أي تفسير الأحداث الجارية كأجزاء من مؤامرة, مع تزايد دائرة "المتآمرين" لتشمل أفراداً من جميع أنحاء العالم, وتحير الفرد المصاب تجاه سبب تركيز التآمر عليه وحده, وأوهام العظمة وتزايد إحساس الفرد بأهميته بصورة مبالغ فيها, واعتقاد الفرد بأن هناك مهمة جليلة منوطة به, مثل إنقاذ العالم أو إحساسه بأنه مرسل من السماء والهوية الكونية ـ أي إحساس الفرد بأنه "الكون" أو إنه إله. والملاحظ أن هناك اتساقا غريبا بين هذا التطور المرضي للبارانويا وبين تاريخ دراسة اليوفولوجي. وإذا كان الاعتقاد بوجود الأطباق الطائرة سيؤدي إلى التصرف بنفس الطريقة التي يفكر بها المصاب بباقي أنواع البارانويا, فمن الطبيعي أن ينبع هذا الاعتقاد عن إصابة الفرد الذي يؤمن به بإحباطات اجتماعية أو إهانات.

التناقض

وتوضح نتائج دراسة ميدانية أجراها "دونالد وارن" أن الذكور الحاصلين على شهادات جامعية والذين لا يجدون أمامهم سوى وظائف دنيا لا توفر لهم سوى دخل ضئيل أقل بكثير مما يتوقعونه تزيد نسبة إقدامهم على التقرير برؤية الأطباق الطائرة من 5 ـ 16 مرة أكثر من أقرانهم الناجحين علمياً, وقد صاغ "وارن" نتائج أبحاثه في صورة نظرية أسماها "نظرية التناقض الاجتماعي". ومن الوجهة التاريخية, يرجع فضل إرساء "اليوفولوجي" كفرع مستقل من فروع العلوم الإنسانية إلى "تشارلز فورت" " C. Fort ", الذي تعطينا سيرة حياته دليلاً واضحاً على أن التفكير الاضطهادي "لفورت" قد نتج عن اضطرابات اجتماعية تعرض لها, إذ سافر في بواكير حياته حول العالم بغرض اكتساب الخبرات التي تمكنه من احتراف الكتابة, واستقر مع زوجته بعد عودته من رحلته هذه وبدأ في الكتابة, وحصل عام 1905 على شهرة قصيرة كنجم أدبي جديد ومتميز, إلا أن طموحاته كانت لاتزال بعيدة المنال, وهكذا بعد مرور وقت قصير, وفي عام 1906, كان "فورت" يحمل في نفسه مشاعر مرارة وحقد شديدتين, إذ مرت الشهور من دون أن يتمكن من بيع أي من مؤلفاته, وهنا تملكته فكرة الانتحار تماماً, وتحول في هذه الفترة لكتابة الروايات بدلاً من القصص القصيرة. وقد نشر أولى قصصه عام 1909, إلا أنها لم تلق أي حظ من النجاح ولذلك فقد انسحب من الحياة الاجتماعية تماماً وأغرق نفسه في القراءة. ولا نعلم كثيراً عن حياته خلال هذه الفترة إلا أننا نعرف أنه قام بتأليف كتاب مهووس أسماه " X " يدور حول فكرة أن "المريخ" يسيطر بصورة خفية على كل مقدرات الحياة على الأرض بواسطة أشعة خاصة. ثم أتبع "فورت" هذا المؤلف بكتاب ضخم أسماه " Y " ـ نحو عام 1915 ـ يبدو أنه يحكي عن حضارة مشئومة ظهرت في القطب الجنوبي واشتهر من أفرادها "كاسبر هاوسر" ـ وهو صبي غامض ظهر في "نورنبرج" عام 1828 ـ ويعتقد "فورت" أن "هاوسر" هذا قد اغتيل لمنعه من ذكر حقيقة الأرض التي قدم منها ـ والواقع أن كلاً من الكتابين لم ينشر على الإطلاق. وقد تخيل "فورت" نفسه على علاقة مع كائنات فضائية غريبة, إلا أن التطور المرضي له لم يصل إلى أقصاه حتى عام 1919, عندما نشر مؤلفه "كتاب الملاعين" "Book of the Damned" والذي يقدم فيه نظرية فلسفية جديدة أسماها "الوسطية" تؤكد أن كل أفعال الهوية التي يقوم بها المرء هي أفعال اعتباطية لأن الواقع, أي الكون, هو عبارة عن علاقة متصلة تتحول فيها كل الأشياء الظاهرية إلى مظاهر استقلالية محدودة. وبغض النظر عن رأينا في نظرياته الفلسفية فهناك من البراعة والحبكة والمرح الأصيل في كتبه ما يجعله ـ ككاتب ـ أفضل بكثير من أولئك الذين خلفوه, ومع هذا يجب ألا نغفل عن النقطة الأساسية في حديثنا هذا, وهي أن اليوفولوجي قد بني على التأملات البارانوية لكاتب فاشل.

أما "اليوفولوجي" ـ كظاهرة حضارية ـ فقد ظهر على يد رجل آخر هو "كنيث أرنولد" " K. Arnold " والذي كان تقريره عن رؤية مجموعة من الأجسام الطائرة غير المعروفة محلقة بسرعة خارقة فوق جبل راينييه " Rainier " هو السبب في تحويل فكرة الأطباق الطائرة إلى أسطورة عالمية. وقد توافقت مشاهدات "أرنولد" مع رؤيته لسرب بعيد من طيور الأوز العراقي من زاوية رؤية ضيقة, وقد بدا تفسيره لهذه الأجسام كطائرات عسكرية معقولاً لأول وهلة, لكنه كان من الطبيعي أن يعيد النظر بهذا التفسير بعدما أثبتت حساباته أن هذه الأجسام كانت تطير بسرعة تزيد على 1700 ميل في الساعة ـ وهي سرعة تزيد بمراحل على أي طائرة معروفة عام 1947 ـ وعليه فقد اعتقد "أرنولد" أن هذه الأجسام عبارة عن صواريخ تقوم الولايات المتحدة أو غيرها من الدول باختبارها بصورة سرية ـ ويشير هذا الاستنتاج إلى توجه "بارانويى" في تفكير "أرنولد", وقد ظهر هذا التوجه جلياً ـ فيما بعد ـ عندما أجرى "جريج لونج" مقابلة مع "أرنولد" أظهرت انحرافاً واضحاً في تفكيره نحو المنطق التآمري وأوهام العظمة. وتدلنا سيرة حياته على أنه قد اختير لتمثيل ولاية "داكوتا الشمالية" في التصفيات الأولمبية عامي 1933 و1932 ـ إضافة لقيامه بتدريس الغطس والسباحة, مما دفعه لمحاولة الاستفادة بمواهبه الرياضية في الحصول على منحة للدراسة الجامعية, إلا أن أحلامه قد تحطمت فور التحاقه بالجامعة لإصابته في ركبته, مما اضطره لقطع دراسته الجامعية نظراً لفقره الشديد, وبمرور الوقت تحول نشاطه إلى الاتجار بالأسلحة النارية.

غزو خارجي

كان باحثو اليوفولوجي الأوائل يتميزون بحساسيتهم المفرطة للعلاقات الشخصية, إذ آثر كثير منهم الانسحاب التام من المجتمع وعدم مشاركتهم لأبحاثهم مع أي إنسان, إضافة لمنع سلاح الجو الحديث المدنيين عن الأجسام الطائرة غير المعروفة, لذا فقد أطلق على هذه الفترة اسم "العهد المظلم" بالنسبة لليوفولوجي.ومع حلول الستينيات, كانت السمة الغالبة على أبحاث اليوفولوجي هي الخوف من "الغزو" إذ توقع أغلب الباحثين الكشف عن أن هذه الأجسام الطائرة هي وسائل معادية لغزو الأرض, واستشهدوا ببعض الإصابات والأضرار التي نسبت لتلك الأجسام.

وذهب البعض إلى مطالبة الكونجرس الأمريكي بكشف "الحقائق" على الملأ, وقد تم تشكيل لجنة حكومية بالفعل أعلنت أن هذه الأجسام الطائرة لا تمثل تهديدا للأمن القومي, إضافة لافتقارها للدقة العلمية. وفي هذا الوقت صدرت عشرات الكتب التي تؤكد خطورة مشكلة هذه الأجسام الطائرة غير المعروفة.. غير أن هذا "الغزو" المتوقع لم يحدث حتى يومنا هذا. لذلك فقد حاول الباحثون المحدثون معرفة كنه هذه الأجسام وأغراضها ـ فقد عكفوا على دراسة الأساطير والأديان القديمة حول العالم, مما أدى لظهور آراء لا عقلانية ـ ومنها أن هذه الظواهر تخدعنا لكي تدفعنا للاعتقاد بواقعيتها.ومع حلول السبعينيات, انتشر الاعتقاد بوجود عامل خارجي يقوم "بهندسة" تجارب الأجسام الطائرة غير المعروفة في عقول الذين يتعرضون لها, مما أدى إلى ظهور مصطلحات عديدة في قاموس اليوفولوجي تمثل هذا الاتجاه "الميكانيكي" للتفكير مثل "أنظمة التحكم" و"السايكوترونيك" و"اللا أرضيين" و"الأشعة الفضائية" و"العقول الفائقة".. وغيرها, وبهذا كان لدينا في العام 1974, ضرب جديد من "اليوفولوجي" يمتاز بالصرامة وتنظيم شبيه بنظم الأعمال ليحل محل أعمال الهواة السابقة ويزيل قلق الغزو السابق.وفي أواخر السبعينيات, بدأ "جاك فاليى" في نشر نظرية جديدة تفترض تلاعب الحكومات في الاعتقاد بوجود هذه الأجسام الطائرة وبوجود مجموعة "غامضة" وراء هذا الخداع.لقد بدأ اليوفولوجي, كعلم, على يد مجموعة مختلفة من الأشخاص المميزين, والذين تخطت اهتماماتهم ـ في كثير من الأحيان ـ نمط التفكير السائد في وقتهم, وقد لا يكون افتراض تطور جماعي مدخلاً مثالياً للحديث عن مستقبل اليوفولوجي, إلا إنه مدخل عملي مبني على آراء الاتجاهات الرئيسية المشاركة في هذا التطور. والواضح أن دائرة "المتآمرين" ستزداد بصورة غير منطقية, وتشهد التسعينيات إدراكا عاماً بأن المؤامرات الكبرى تكون بواعثها أكثر فظاعة بكثير من مجرد نشر ذعر اجتماعي نظري بين الناس. وستزهر أوهام العظمة وتثمر محصولاً وفيراً من المقالات التي تعلن بداية نظرة ملحمية للموضوع مع نهاية القرن, وربما كان من المتوقع عودة التفاسير الشيطانية لظاهرة الأطباق الطائرة مع تزايد حمى "نهاية العالم" خلال هذه الفترة ذاتها, وستتم في النهاية صياغة فلسفة "الهوية الكونية" بدمج الإنسان مع الكون وستنتشر بصورة واسعة, وعليه سينتهي اليوفولوجي كضرب من ضروب البارانويا ـ أما بعد هذه المرحلة فلا يمكننا التكهن بما سيئول إليه حال اليوفولوجي إذ أظلمت الكرة البللورية أمام أعيننا.

وكذلك فإن اعتبار "اليوفولوجي" كضرب من ضروب البارانويا يدفعنا للبحث في أسباب هذا الحرص العقلي, إذ إنه ليس كل من تلحقه إهانة أو إحباط ما سيتحول إلى مصاب بالبارانويا, وهذا يعني ضرورة وجود نقص معين في شخصية هذا الفرد قبل ظهور أعراض المرض العقلي عليه. وقد خلصت مجموعة من الدراسات التي استهدفت معرفة هذا النقص إلى أن العامل المشترك بين كل المصابين بالبارانويا ـ وأغلب باحثي اليوفولوجي والمعتقدين بوجود الأطباق الطائرة ـ هو إحساسهم بالعجز. لذلك فنحن إذا افترضنا ـ جدلاً ـ أن شروط وسم شخصية بالبارانوية تنطبق على باحثي اليوفولوجي, فنحن نضيف منظوراً جديداً لتفسير بعض أوجه اليوفولوجي والتي كانت تبدو لأول وهلة غير قابلة للاختراق.

ولتفسير اعتقاد بعض باحثي اليوفولوجي أن حكومة ديمقراطية ـ كحكومة الولايات المتحدة ـ قد تحجب عن المجتمع الرأسمالي الكنوز التي قد يجنيها من اتصـاله بأولئك "اللا أرضيين", يجب أن تدرك أنك إذا كنت لا تتوقع الكرم من والديك, فأنت بالتأكيد لن تتوقعه من الحكومة أو غيرها.

 

 

إيهاب عبدالرحيم

 
 




الأطباق الطائرة حقيقة أم وهم؟