أرقام

سر الصين

كيف يمكن لنظام ما أن يدير وطنا يضم 22% من سكان الأرض؟

السؤال مهم ومثير، لكنهم في الصين يحاولون الإجابة. في الماضي القريب كان عدد سكان الصين 541,7 مليون نسمة، كان ذلك عام 1949 حين تأسست الدولة الجديدة، ولكن ما أن مرت سنوات أربعون (89) حتى بلغ عدد السكان حوالي 1114 مليون نسمة، أي أكثر من ضعف ما كان عليه. أصبح حجم سكان الصين مساويا ل 4,4 ضعف حجم سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح السؤال: كيف يمكن التعامل مع هذه الأرقام الضخمة؟

في علم السكان: الأرقام محايدة، فهي خير أو شر، ميزة أو عبء، وفقا لطريقة التعامل معها.

والصين تملك مساحة ضخمة تصل إلى 9.6 مليون من الكيلومترات المربعة، ومع ذلك فإن المساحة وحدها بما تضمه من موارد لا تحل المعضلة. المعضلة أن يجد هذا المجتمع البشري الضخم: المأكل والملبس والمسكن والصحة والتعليم.

المعضلة أن يرتفع مستوى المعيشة فلا يقف الصيني "محلك سر" بينما يجري النظر لدولته كواحدة من الدول الخمس العظمى.

المعضلة ألا تصبح المدن خلايا تغص بالبشر، تحكمها الفوضى وتقضي عليها سيكولوجية الفرصة المحدودة.

في الصين- وفي مواجهة معضلة السكان- حدث الانقلاب مرتين، مرة على جبهة التزايد السكاني، ومرة على جبهة تزايد الموارد.

حتى السبعينيات كانت نسبة التزايد السكاني 2.5 في المائة سنويا، ولكن منذ ذلك التاريخ بدأت سياسات تنظيم النسل فهبط معدل التزايد إلى 1.4 في المائة سنويا. أصبح حجم السكان تحت السيطرة، وكان الطريق إلى ذلك مجموعة من البرامج والقوانين والنظم.

ينظم قانون الزواج في الصين: سن الزواج ومعدل الإنجاب، فالسن لا تقل عن 22 عاما للذكور و 20 عاما للإناث. وفي التطبيق العملي ووفقا لإحصاءات منتصف الستينيات بلغ متوسط سن الزواج عند الإناث 5 ,22 سنة، أي أن فكرة تأخير الزواج قد تحققت بالفعل.

الأهم أن المسموح بإنجابه هو طفل واحد لكل أسرة باستثناء مناطق محدودة مترامية الأطراف أو مناطق قليلة الكثافة ويصعب فيها تطبيق القاعدة.

البداية دروس للتوعية في المدرسة والمصنع، في المدينة والقرية. والنهاية حوافز وعقوبات لمن يطيعون أو يخالفون. التعقيم الصناعي يمنح صاحبه حق الحصول على إجازة مدفوعة بأنجر كامل، وشهادة الولد الواحد تعطي الأسرة معاملة تفضيلية في القبول برياض الأطفال والالتحاق بالمدارس والحصول على فرص العلاج والسكن، بالإضافة لما يعادل عشرة دولارات تقريبا كمكافأة سنوية للأسرة وحتى يبلغ الوليد 14 عاما من عمره.

أما في الريف فإن الحوافز تختلف، فيجري منح الفلاح الحق في حيازة أكبر من الأرض، وقسطا أكبر من البذور والأسمدة والمبيدات الممتازة.

وعلى العكس عندما تقع المخالفة ويزيد عدد الأبناء على واحد، يجري خصم جانب من الراتب يتراوح بين 5 و 10 في المائة لمدة قد تصل إلى 14 عاما. وفي الريف يدفع الفلاحون غرامة، ويجري تخفيض نصيبهم من الأرض.

الحافز والرادع هما الأداتان اللتان توجهان سياسة السكان. وحتى الآن النتائج إيجابية، لقد نجح انقلاب السكان، وهبط المعدل إلى النصف على وجه التقريب خلال سنوات معدودات.

لكن ضبط السكان وحده لا يكفي. زيادة الإنتاج هي المحدد الثاني لمواجهة المعضلة. ومن هنا كان محور التنمية الاقتصادية هو المحدد الأول لسياسة الصين منذ أواخر السبعينيات حين جرى الإعلان عن سياسة الانفتاح.

الصين دولة زراعية في المقام الأول و 80% من سكانها يقيمون في الريف، لذا كان لابد أن تكون البداية هناك بتغيير علاقات الإنتاج وإتاحة الفرصة للحافز الفردي. وبالفعل بدلا من أن يكون الفلاح عاملا أجيرا - وهو الوضع السائد منذ الثورة- أصبح متاحا أن يحصل الفلاح على حق الانتفاع بالأرض، وأن يزرعها لحسابه، وأن يبيع إنتاجه، بشرط واحد ألا يكون مخالفا لقانون الإنجاب، وألا يكون قد تجاوز الستين من عمره، فإذا تجاوز هذا العمر اشتغل من خلال أسرته وترك حق التعاقد والحصول على أرض لفرد آخر من أفراد الأسرة.

زاد الإنتاج، وارتبط الريف بالصناعة حيث أصبحت الفلسفة تربط بين الاثنين حتى يتم توظيف كل القوى العاملة وحتى تتاح فرصة دخل أعلى.

ومن الريف إلى المدينة امتد الانفتاح ليتيح فرصة للقطاع الخاص الوطني والأجنبي، جرى بناء المناطق الاقتصادية الخاصة لتتمتع بمرونة أكثر في قواعد التعامل، ولتكون طليعة التحول نحو نظام السوق. كذلك جرى وما زال يجري استقدام التكنولوجيا الحديثة.

ووفقا لأرقام البنك الدولي فقد حققت الصين في ظل النظم الاقتصادية الجديدة معدلات عالمية قياسية، فخلال حقبة الثمانينيات بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالى 12.6 في المائة سنويا، وبلغ معدل نمو الإنتاج الصناعي 12,6 في المائة، وتحول هيكل الإنتاج فتراجعت الأهمية النسبية للزراعة من 44% من حجم الإنتاج عام 65 إلى 32% عام 89، بينما تقدمت الصناعات الحديثة، فاحتلت الصناعة 48% من حجم الإنتاج في مقابل 39%، وزاد نصيب الفرد من استخدام الطاقة نحو ثلاثة أضعافه بين عامي 65 و89. وبلغ متوسط العمر المتوقع 69 عاما للذكور و71 عاما للإناث، وهو من أعلى المعدلات في العالم.

قراءة أرقام تثير الدهشة، فالبرغم من أن الصين مازالت من الدول ذات الدخل المنخفض، إلا أنها استطاعت- خلال الثمانينيات- أن تخصص 36% من الناتج للاستثمار، وجرى تغطية ذلك من ادخار محلي بالقدر نفسه. ولم تزد القروض الخارجية في أوائل التسعينيات على خمسين مليارا من الدولارات وبما يعادل قروض دولة صغيرة الحجم نسبيا مثل مصر قبل إسقاط الديون عنها.

تحققت معدلات مرتفعة للنمو، ومع ذلك فإنهم يقولون: لكن المستقبل شيء آخر، ويدعون الخارج للاستثمار في الداخل، كما يدعون الداخل لمزيد من النشاط الخاص.

ووفقا لدراسة صينية تحت عنوان "الصين عام 2000" يتوقع باحثان اقتصاديان أن تشهد نهاية القرن عددا من المتغيرات، فيزيد عدد المدن من 245 مدينة عام 82 إلى 375 مدينة في نهاية القرن، ويزيد عدد المدن التي يزيد حجمها على المليون خلال الفترة نفسها من عشر مدن إلى 31 مدينة. إنه الزحف نحو الحضر، لكنه زحف مرتبط بنشاط. اقتصادي أوسع حتى إن الدخل القومي سوف يصبح نحو أربعة اضعاف ما كان عليه عام 1980. والأهم أن حجم الإنتاج الصناعي الصيني سوف يصبح مع نهاية القرن معادلا لما كان عليه الإنتاج الصناعي الأمريكي عام 1980.

هناك يقولون: لقد بدأ الانطلاق. والقول صحيح.