عُمان.. بلاد الأمان إبراهيم المليفي تصوير: سليمان حيدر

عُمان.. بلاد الأمان

في ليلة عربية حالمة وعلى نغمات بلاد العرب أوطاني, ارتدت مسقط ثوب الفرح المزركش, وغنت كما لم تغن من قبل. كانت المناسبة عزيزة واستثنائية دون شك, فقد حطت مشاعل النور في عمان بمناسبة اختيار مسقط عاصمة للثقافة العربية 2006.

قلعة الرستاق
تجربة ناجحة في ترميم المعالم التاريخية

تعتبر القلاع والحصون من أبرز المعالم التاريخية والحضارية في سلطنة عمان وقد بدأ الإنسان العماني في بناء القلاع والحصون منذ بداية ظهور الحياة المستقرة لتأمين الممتلكات وصد العدو الخارجي ومن بين تلك القلاع التي يبلغ عددها ( 500 ) قلعة , تبرز قلعة الرستاق الضخمة التي تقع عند سفح الجبل الأخضر في ولاية الرستاق في الباطنة وتبعد عن العاصمة مسقط مسافة 165 كم, ويعتقد من خلال بعض المصادر التاريخية أن قلعة الرستاق بنيت قبل الإسلام من قبل ( الجلنديين) وهناك آراء تشير إلى أنها بنيت على أنقاض الخرائب الفارسية عام 1250م وقد جددت على أكثر من مرحلة , منها في عهد السلطان سيف بن سلطان بن سيف اليعربي الأول والملقب بـ(قيد الأرض), الذي وحد البلاد واتخذ من الرستاق عاصمة ثانية له بعد مسقط وحدث ذلك بين القرنين السادس عشر والسابع عشر .

وبنيت القلعة على جبل في موقع استراتيجي , وتعد من أعلى القلاع في عمان إذ يبلغ ارتفاعها من 26 إلى 30 مترا , واستخدم في بنائها الطين والحجارة والصاروج العماني والسعف وهو جذوع النخيل.

تتكون قلعة الرستاق من ثلاثة أدوار ويوجد بها أربعة أبراج رئيسية تم بناؤها بين عامي 1477م-1906م , وكل واحد منها يمثل مرحلة من تاريخ عمان السياسي , فبرج الشياطين بناه الجلنديون قبل الإسلام وبرج الأحمر بني في عهد إمامة بن خروص في القرن السادس الهجري, وبرج الريح يعود بناؤه لعهد سيف بن سلطان اليعربي عام 1692م, وأخيرًا البرج الرابع والمسمى برج الريح فقد بني أثناء حكم أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس الدولة البوسعيدية عندما انتقل من صحار إلى الرستاق, واتخذها مقرًا لإدارة شئون الدولة. ويحيط بالقلعة سور كبير مزود بأحد عشر مركزا للحراسة, ولمتطلبات الحماية توجد مساقط لصب الزيت والعسل المغلي عند المداخل الرئيسية , كما زودت القلعة بمدافع بحرية تم الاستيلاء عليها خلال حقبة الاستعمار البرتغالي لعمان في القرن السادس عشر, وقد قام عزان بن قيس البوسعيدي في القرن التاسع عشر بجلب تلك المدافع لوضعها في قلعة الرستاق. وحفرت في القلعة أنفاق وممرات سرية متصلة بأقسام المبنى وبعضها يؤدي إلى خارج القلعة. وتضم القلعة جامع البياضة الذي يعد مجمع علماء عمان, ومن أشهرهم الشيخ العلامة عبدالله بن حميد السالمي واسمه نورالدين بن حميد, وهو صاحب مؤلفات من بينها كتاب ( تلقين الصبيان ) , وكذلك الشيخ العلامة ماجد بن خميس بن راشد العبري .

وأعيد ترميم قلعة الرستاق في عام 1994م على أسس سليمة بعد أن تمت الاستفادة من الخبرات المغربية في ذلك المجال , لتستقبل قلعة الرستاق الزوار من داخل وخارج السلطنة طوال أيام العام وقد وضعت لها تصورات مستقبلية تستهدف تحويل القلعة إلى متحف بعد إعادة تأهيلها . واكتسبت قضية إعادة ترميم المعالم التاريخية , أبعادا عالمية بعد أن أولت المنظمات الدولية مثل اليونسكو اهتماما بالغا فيها , وشارك في تلك الحملة الدولية حكومات ومنظمات أهلية وحتى الأفراد ممن يقدرون قيمة الأثر التاريخي.

ومن الخطورة الولوج في تلك العملية دون خبرة سابقة, كما حدث مع الأسف الشديد في أكثر من دولة عربية , حيث رممت بعض الآثار دون الحرص على استخدام نفس المواد التي استخدمت في بناء الأثر التاريخي أيضًا, كما تم تشويه بعض تلك المعالم من خلال الإضافات غير المدروسة لبعض الوسائل الحديثة كالإنارة والتكييف والتمديدات الكهربائية الأمر الذي أفقد ذلك الأثر هيبته التاريخية وعلاقته بالماضي.

كانت عُمان بتنوعها الثقافي والتراثي والأزيائي حاضرة في حديقة القرم. الفنون العمانية التقليدية, الأعراس, الألعاب الشعبية, الموسيقى والرقص الجماعي للفرق الشعبية, أشهر الصناعات الوطنية كالحلوى العمانية, والحرفية, وكل منطقة في عمان تقدم ما لديها من عادات وتقاليد .

إنها لوحة ملونة ومتحركة تختصر الوقت والزمان للتعرف على عُمان.

ويستند مهرجان مسقط - إلى جانب دوره الترفيهي والتعليمي - على أسس تجارية متينة تهتم بالجودة وتستعين بخير من يقدمها لزوار المهرجان, فصناع الحلوى الذين يقومون بعملهم في الهواء الطلق يمثلون أشهر المصانع العمانية في صناعة الحلوى. وعندما كنا نتجول في سوق الحصن بصلالة وجدنا مجموعة كبيرة من محلات اللبان قد أغلقت أبوابها وانتقل أصحابها لعرض منتجاتهم في مهرجان مسقط.

وتعتبر حديقة القرم الطبيعية من أكبر الحدائق في مسقط, حيث تبلغ مساحتها الإجمالية 1,715,500 متر مربع, وكانت في السابق موطنا لأشجار القرم, وتوجد في الحديقة حوالي أحد عشر ألف شجرة, ووصلت مساحة المسطحات الخضراء إلى خمسمائة ألف متر مربع, ولذلك أصبحت المكان المناسب لإقامة فعاليات مهرجان مسقط.

وفي مسرح البحيرة بتلك الحديقة الطبيعية كان العشرات من المدعوين من داخل السلطنة وخارجها على موعد مع انطلاق الأوبريت الفني والثقافي الساحر (رواحل), إيذانا ببدء وتدشين فعاليات الاحتفالية الثقافية, ورواحل هو عمل فني استعراضي تنسجم فيه الأبعاد الدرامية والمناخات المسرحية بالأداء الحركي الاستعراضي والنص الشعري بالموسيقى المستوحاة من عمق المكان, ويشتمل أوبريت رواحل على 15 لوحة فنية قدمتها فرقة (أنانا) السورية بمشاركة فرق استعراضية من عدة دول عربية .

وفي حفل الافتتاح ألقيت كلمات لعدد من المسئولين عن تنظيم احتفالية مسقط عاصمة للثقافة العربية, وكيل وزارة التراث والثقافة للشئون الثقافية الشيخ محمد بن أحمد الحارثي, حيث أشار إلى أن مدينة العطاء مسقط تحمل اليوم لواء الثقافة العربية, مسقط التي مارس من خلالها مثقفو ومبدعو عمان على مر العصور أدوارا كرست حبهم للثقافة والعلم, ومكنتهم من امتلاك أدوات الاجتهاد والتعبير, وعززت حوارهم وانفتاحهم على الآخرين. وبين الحارثي أن مسقط وبعض مدن السلطنة, ستحتضن على امتداد أيام العام مشاريع وفعاليات ثقافية وإبداعية. إضافة إلى احتضان بعض المدن العربية والعالمية لفعاليات وأنشطة عمانية تعرف بمفردات الثقافة العمانية.

من جانبه أكد رئيس بلدية مسقط المهندس عبدالله بن عباس أن مسقط منذ القدم تمارس دورا مهما في مد جسور التواصل مع الجوار القريب والبعيد, موظفة علاقاتها التجارية وامتدادها الحضاري, وهو ما ساهم في إضفاء البعد الثقافي على معظم علاقاتها بالحواضر والأقاليم التي اتصلت بها.

وألقى الأمين العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الدكتور المنجي بوسنينه كلمة أشاد فيها باختيار مسقط عاصمة للثقافة العربية قائلا : إن إعلان مسقط عاصمة للثقافة العربية هذا العام يأتي استحقاقا لهذه العاصمة الثقافية أصلا, معلنا أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ستساهم في هذه المناسبة, بإقامة مجموعة من الفعاليات, منها الثقافة العربية ومجتمع المعلومات في نوفمبر القادم, كما ستعقد المنظمة مع شقيقتها المنظمة الإسلامية في مسقط ندوة حول ثقافة الأسرة والطفل في مجتمع المعلومات, وندوة عمان في أقلام الرحالة الجغرافيين في الجمهورية التونسية ضمن إطار الأسبوع الثقافي العماني في تونس.

الرحالة المؤرخ يجول بلاد العرب

يستعرض أوبريت رواحل برشاقة متناهية لوحات للمكان والإنسان العربي, تمهيدا للدخول في الحدث التاريخي الذي يبدأ بحضارة اليمن وانهيار سد مأرب, ثم الهجرات العربية إلى الجزيرة العربية, ثم الانتقال إلى بلاد الشام ووادي وبلاد الرافدين, وصولا إلى الخليج العربي وعمان ومسقط. ويمثل الرحالة العربي الرابط الدرامي بين لوحات العمل, وهو رحالة ومؤرخ نجده في جميع لوحات العمل ومشاهده المختلفة .

في لوحة اليمن تصور الحياة الاجتماعية والاقتصادية على المسرح في لحظة ثبات وجمود, ثم تدب الحياة فيها مع أصوات الفلكلور اليمني, وفجأة ينهار سد مأرب مؤذنا بالرحيل, فيما سيتحول لاحقا إلى ممالك عربية على مر التاريخ, ويلتقي أهل اليمن القحطانيون بأهل الجزيرة العربية العدنانيين في لوحة اللقاء التي يندمجون فيها تحت شمس الإسلام .

وفي مشهد لا يعكس حالة حرب بقدر ما يعكس نقلا للثقافة ومشاعل الحضارة, يقف طارق بن زياد في لوحة المغرب العربي على رأس جيشه ويراقب الرحالة .. البحر أمامه وخلفه أصوات فلامنجو خافتة. يجتاز طارق البحر ومعه الرحالة لتبدأ معه الموشحات الأندلسية وصور معبرة لقصور الحمراء في غرناطة وأحياء مدينة قرطبة .

في لوحة وادي النيل يجتمع أهل مصر في مشهد فلكلوري, ثم يتحلقون حول مجموعة تؤدي طقسا فرعونيا, يعقبه أداء حركي لرقصات من النوبة وأقاليم السودان. وفي لوحة بلاد الشام نسمع العتابا الفلسطينية, وغناء بدو صحراء الأردن, ويقف الرحالة على مرتفع فنرى القدس ومسجدها وكنيسة القيامة .

ومن بلاد الشام ينتقل الرحالة إلى لوحة بلاد الرافدين ليسجل تاريخ الحضارات القديمة التي تعاقبت على العراق, وليتوقف عند الدولة العباسية في أوج ازدهارها. وتجسد لوحة الخليج الحضارات التي قامت في تلك المنطقة وأنماط الحياة فيها .

تغيرت ملابس الرحالة عندما وصل إلى سلطنة عمان, وبدا عليه الكبر, لقد جال على كل أرجاء السلطنة وقرر أخيرا الاستراحة في مكان. وفي لوحة مسقط نرى الرحالة بملابس حديثة وهو يأخذ جولة في مسقط المعاصرة .

وفي أكثر لوحات أوبريت رواحل تأثيرا وشمولية تقدم لوحة بلاد العرب لوحة تجمع أقطار الوطن العربي, وتنعكس تلك الشمولية في ثراء الألوان والأزياء والأداء الحركي والموسيقي وفي الخلفيات المرئية للمسرح.

واختتم حفل الافتتاح بعرض موسيقي تناغمت مع دفقاته ألعاب نارية أضافت لذلك العرض المزيد من الإبهار والتشويق .

الأرض الجميلة

كنا قد وصلنا إلى عمان قبل موعد هذا الاحتفال بأيام قلائل, قبل بزوغ الفجر بوقت قليل نزلت بنا الطائرة في مطار السيب الدولي, واستقبلني هواء مسقط فتوقفت قليلا لأستنشقه, كان باردا دون قشعريرة. إذا لقد وصلنا إلى مسقط في الوقت المناسب. في الشهر الأول من هذا العام, وكنا سمعنا الكثير عن حر مسقط في الصيف وأفضلية الذهاب إلى صلالة ذات الطقس المعتدل طوال العام, وبالطبع هناك من المبالغات عن هذا الحر الذي يقال إنه يذيب السيف في غمده ويحول أحجار مقبض الخنجر إلى فحم.

تذكرت أن هذه المبالغات غيرت موعد زيارة المبشر الأمريكي (فان بويرسم) لمسقط عام 1918م إلى فصل الشتاء عندما وصفت له بأنها جهنم الخليج. وقد كتب قبل ثمانية وثمانين عاما في مذكراته : (وبعد كل ذلك سألت نفسي : هل من الممكن أن تكون هذه الأرض الجميلة هي جهنم الخليج ? وأجيب نفسي أيضا, من الممكن أن يكون ذلك صحيحا في الصيف ولكن من المؤكد أنه غير صحيح إطلاقا في الشتاء). وكانت مجموعة من العاملين مع (بويرسم) في البحرين قد حذرته من السفر لمسقط في فصل الصيف, وقد عمل بهذا التحذير. وبالرغم من أننا في فصل الشتاء كما تقول الرزنامة, فلا يزال أهل مسقط يلبسون الملابس الخفيفة .

في الطريق إلى الفندق كنت مستغربا من أمرين, فعدم وجود رحلات مباشرة بين عاصمتين شقيقتين هما الكويت ومسقط أمر محبط ولا يعبر عن الروابط المتينة والصلات التاريخية بين البلدين الكويت وعُمان, ففي رحلة الذهاب توقفنا في أبوظبي, وفي العودة من الممكن أن نتوقف في دبي أو البحرين .

الأمر المزعج الثاني هو موعد إقلاع الطائرة قبل منتصف الليل بقليل, وهو يعني وصولنا في ساعة مرهقة, وضياع جولة صباحية ضرورية للتعرف على معالم العاصمة مسقط. وبالفعل تمت زيارتنا لسوق مطرح القديم في الفترة المسائية. إضافة إلى قلعتي الجلالي والميراني, وتلك الأمكنة سنتعرض لها لاحقا.

عاصمة تضيق بجبالها

بحثت على قدر اتساع الرؤية عن بقعة واحدة كبيرة متصلة تسمى مسقط فلم أجدها, ومن السماء في طريقنا إلى ظفار كررت المحاولة من نافذة الطائرة فلم أجد غير الجبال تحشر نفسها في كل اتجاه, بعض من التقيناهم قال لنا موضحًا لقد سميت مسقط لأنها سقطت من السماء وتناثرت على الجبال, وأضاف إنها المكان المنخفض عما حوله, وهذا الرأي لامس الواقع الذي رأيته. ولكن ما ورد في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي غير ذلك فعمان سميت نسبة إلى عُمان بن إبراهيم الخليل - عليه السلام - وهناك رأي يقول إن الأزد سمتها كذلك لأن منازلها كانت على واد لهم بمأرب باليمن يقال له عمان. وهناك الكثير إلا أن التعريف الأول كما ذكرت لامس الواقع والفؤاد أيضًا.

الإنسان العماني عاند الواقع وقَبِل تحدي الجبال التي نحتت أقدام أجداده على مر التاريخ, ففي مجال رصف الطرق تم إنجاز العديد من مشاريع الطرق في الخطة الخمسية السادسة, حيث تجاوزت أطوال شبكة الطرق الحديثة المرصوفة عشرة آلاف كيلو متر, فيما بلغت الطرق الممهدة خمسة وعشرين ألف كيلو متر ساهمت في ربط محافظات السلطنة ببعضها بعضًا, فضلا عن ربط السلطنة بالدول الملاصقة لها وهي الإمارات والسعودية واليمن .

لقد وصفت اليزابيث كانتين في 1908 وعورة الطريق بين مسقط ومطرح في مذكراتها قائلة : (في البداية واجهتنا مشكلة, وهي أن الطريق من مسقط إلى مطرح كان شديد الانحدار وصخريا, لذلك لم نستطع الركوب فوق حميرنا, ولم يكن أمامنا خيار سوى إرجاعها بما تحمله من تجهيزات وحمولة. ومقابل ذلك قررنا الذهاب بحرا بواسطة زورق طويل خفيف كان يحمل المسافرين من والى مطرح باستمرار....) .

لقد عقدت مقارنة بين وصف كانتين الذي شارف عمره على المائة عام, وبين ما عايشته يوميا من سهولة ويسر في المرور من وإلى مدينة مطرح, وقلت في نفسي سبحان مغير الأحوال.

فمن الغريب أن الأرقام الرسمية تؤكد أن الجبال تشغل 15 بالمائة فقط من مساحة سلطنة عمان, في حين أكدت مصادر أخرى أن القسم الأكبر من السلطنة مغطى بكتلة جبلية يشقها منخفض عميق هو وادي سما, ومن الواضح أن جزءا كبيرا منها تركز حول وداخل مسقط, ما شكل لها حماية طبيعية, ورشحها لأن تكون العاصمة السياسية لعمان منذ أكثر من مائتي عام, وحتى الوقت الحاضر.

ومن أهم سلاسل الجبال في سلطنة عمان جبال الحجر التي تبدو على شكل قوس كبير, يمتد من محافظة مسندم شمالا وحتى رأس الحد المطل على المحيط الهندي شرقا, ويصل أقصى ارتفاع لها 3000 متر عند رءوس الجبل الأخضر وجبل شمس في المنطقة الداخلية .

تقع محافظة مسقط في الشمال الشرقي من سلطنة عمان وتحيط بها أسوار وبوابات تاريخية مثل: باب المثاعيب والباب الكبير والباب الصغير. وقسمت إداريا اليوم إلى ست ولايات هي مسقط ومطرح والقريات والعامرات وبوشر والسيب, ويبلغ عدد سكان محافظة مسقط وفقا لتعداد عام 2003م 632,073 نسمة يمثلون 27 في المائة من إجمالي سكان سلطنة عمان .

وتتبوأ مسقط مكانة رفيعة في ترتيب المدن التاريخية إذ بنيت مع تدفق الهجرات العربية التي سبقت انهيار سد مأرب وبذلك يعود تاريخها إلى ما قبل ظهور الإسلام.

وتتسم بيوت مسقط بطابع معماري موحد, ومن أجل ذلك سنت الدولة القوانين المنظمة لذلك الطابع حتى تحافظ على هوية المدينة وتراثها. ويمكن ملاحظة أن مباني مؤسسات الدولة الرسمية تأخذ أشكال القلاع والحصون مع لمسات عصرية تجعل من تلك الأمكنة صالحة للاستعمال كباقي المباني الحديثة .

النظافة الاستثنائية في مسقط تقف وراءها بلدية مسقط النشطة التي تتحمل الكثير من المهام, آخرها فعاليات مسقط عاصمة الثقافة العربية .

وتعتبر اللحية قاسما مشتركا بين العمانيين كافة, ولا يوجد في تلك الجزئية فجوة بين الأجيال, والشيء نفسه بالنسبة للزي التقليدي الدشداشة والمصر والكمة, ولم أر خلال فترة وجودي حتى مغادرتي مطار السيب عمانيًا يلبس البنطلون.

المائدة العمانية لا تختلف عن المائدة الخليجية العربية, اللهم في الأسماء, أما الوجبات المتطابقة فهي الهريس والثريد وغيرها.

وطوال فترة إقامتنا في سلطنة عمان لم نشاهد رجال الأمن!! - اللهم لا حسد - بمختلف تشكيلاتهم, فيما عدا داخل المطار .

مطرح في الليل

عندما تدلف من الشريان الرئيسي لسوق مطرح يعود بك الزمن إلى الوراء, وهي سوق مسقوفة وقديمة تطل على خليج مطرح وميناء السلطان قابوس, عند المدخل يلفك مزيج من روائح البخور تختلط فيه الأطياب بروائح الفلفل والدارسين, بعض محلات السوق مرفوعة على مصاطب, يجلس بالقرب منها مجموعة من كبار السن يسترجعون ذكرياتهم ويتابعون حركة المارة الذين هم خليط من أهل البلد ومئات من الوافدين والسياح. يتحدث الكبار بلهجتهم المحلية بصوت عال لا تكاد تفهم منها سوى كلمات السلام عليكم ومع السلامة. صافحني أحدهم بابتسامة دافئة ودعوة كريمة لشرب الشاي, وافقت على الفور, وجلست مع المجموعة وتركت صاحبي المصور يقوم بعمله .

يغرق العجوز في ذكرياته وهو لا يكف عن الحديث: (كل شيء تغير يا ولدي, لقد أصبح السوق أنظف بكثير وبه إنارة كافية ولو نزل المطر ما شعرنا به, ولكن هناك شيئا مفقودًا, روح السوق القديمة لم تعد موجودة يا ولدي, هذه النظافة زائدة عن حدها, وهذه الوجوه غريبة, السوق قديما كانت تضم أهلنا جميعا, ولكنها الآن لم تعد تضم سوى الغرباء). كان مثل عادة بقية كبار السن, يريد للزمن أن يتجمد. انتهيت من الشاي وودعته هو ورفاقه وذهبت بحال سبيلي, وعادوا هم لحديثهم الطويل .

كان ممر السوق يفضي إلى ساحة دائرية تتفرع منها شرايين فرعية ضيقة مليئة بالمحلات الصغيرة, والمتقابلة تكاد بضائعها تحتك ببعضها بعضا. كانت الأسقف مزينة بزخارف مستوحاة من الملامح العمانية, كانت المحلات تبيع كل ما هو تقليدي وتراثي من العطور والملابس التقليدية والتحف والمشغولات الفضية والتوابل والبهارات .

اشتريت طاقية ( كمة باللهجة المحلية), يقال إن طرازها هندي, وعندما هممت بلبسها لاحظت أنها متموجة في أطرافها السفلية, بعكس الطاقيات التي شاهدتها. واصلنا جولتنا في السوق, كنا ثلاثة, أنا وصاحبي المصور, ومرافقنا الشاب النشط محمد البوسعيدي. كان زميلي سليمان أكبرنا سنًا وسبقت له زيارة سوق مطرح عدة مرات آخرها كانت قبل أكثر من عشر سنوات. لقد وقف متعجبا أمام التغيرات الكبيرة التي حدثت في سوق مطرح وغيرها من المناطق لاحقًا, بسبب أعمال الترميم والتحسينات, التي جعلت منها مكانًا جاذبًا للزيارة في زمن الأسواق والمجمعات التجارية الضخمة, فلا المطر أو الشمس يستطيعان اليوم إفساد متعة التسوق أو إفساد بضائع التجار.

بعد زيارة سوق مطرح توجهنا إلى مكان آخر يحتل مكانة عزيزة في قلوب أهل مسقط, هو موقع قلعتي الجلالي والميراني. والثانية شهدت واحدة من أعظم معارك تحرير الوطن من الغزاة البرتغاليين دفع ثمنها خمسة آلاف عماني, وقد بني مسجد هناك سمي بمسجد الشهداء تخليدا لذكراهم العطرة.

وقد شيدت القلعتان في عامين متتالين هما 1587م و1588م. وتطل قلعة الجلالي على خليج عمان, من الجهة الشمالية الشرقية من مدينة مسقط, وقد بنيت على ربوة ترتفع عن سطح الأرض مائة وخمسين قدما واكتمل بناؤها عام 1588م, أما قلعة الميراني فتقع في الجهة الغربية من مسقط, وخضعت قبل مدة لتجديد كامل.

مطرح في النهار

لا يمكن أن تنتهي جولتنا في مطرح دون زيارة سوق السمك المركزية, كنت متشوقا لمشاهدة واحدة من أكثر أسواق السمك في العالم العربي تميزا, كمًا ونوعًا.

كانت السوق تضج بحركة الناس, المزادات لا تنتهي, والباعة يرتبون أرزاقهم بعناية فائقة, ويرشون عليها الماء بين الحين والآخر لتبدو نضرة وطازجة. بعضهم افترش الأرض والبعض الآخر جلس على مكان مرتفع, هناك من بدأ بعملية التقطيع والتجهيز لعلمه المسبق بأذواق الزبائن, وهناك من باع كل ما لديه من أسماك وأخذ بإنزال كمية جديدة, الكل يصيح وينادي على الزبائن: (طازج.. طازج .. صيد اليوم). كانت الأنواع الثلاثة التي رصدتها عند أغلب الباعة هي السردين والتونة ومعهما السمكة الأولى في عمان ..الكنعد .

ويعمل أكثر من خمسة وثلاثين ألف نسمة في مجال صيد الأسماك, ولأهمية مساهمة قطاع الثروة السمكية في الدخل القومي لعمان, فقد تم إنشاء 14 ميناء من موانئ الصيد البحري على طول الساحل العماني.

بعد خروجنا من سوق السمك وركوبنا السيارة, لاحظ سائقنا الطيب سالم أن رائحتنا أصبحت مثل رائحة الكنعد قبل طهيه. ودون تردد انطلقنا متوجهين إلى سوق مطرح وعند أول محل للعطور اشترينا الطيب وتبرع البائع الهندي بكمية من البخور أشعلها تحت ثوبينا أنا ومحمد.

قلعة نخل وعين الثوارة

محطتنا التالية كانت في ولاية نخل, حيث قمنا بزيارة قلعتها وهي تبعد عن مسقط مسافة 120 كلم, وتتربع على نتوء صخري في سفوح جبال الحجر الغربي, ويعود تاريخها إلى القرن السابع عشر, تبدو القلعة الحجرية وكأنها حارس يطل على مزارع النخيل الخضراء, ولكل ما حوله من منظر أخاذ للمنطقة الريفية, التي تحوي أربعة وسبعين قرية تتوزع بين السهول والهضاب والوديان. وقد بنيت قلعة نخل بطريقة تسمح للهواء البارد بدخول مختلف حجراتها, ومن بينها حجرة الوالي وحجرة قاضي المدينة .

على بعد مسافة قليلة من قلعة نخل, توجد عين ساخنة ارتبطت شهرة ولاية نخل باسمها (عين الثوارة) لما لها من فوائد صحية, وهذه العين تنبع من تحت أكمة صخرية تتدفق منها المياه طوال العام ولا ينضب, وقد أعدت كي تكون متنزها يرتاده الناس, ويوجد في ولاية نخل أكثر من مائة عين مائية .

تتكاثر هذه العيون أيضا في ولاية الرستاق, نتوقف هناك عند واحدة من أجمل وأكبر العيون المائية التي رأيتها, وهي عين الكسفة الساخنة, حيث تبلغ درجة حرارتها 45 درجة مئوية, وهي تنبع من أعماق الأرض وتسيل في جداول. ويأتي الناس إلى الكسفة من كل فج عميق للاستشفاء من الكثير من الأمراض العضلية أو التمتع بالنظر إليها, وقد بني مسجد بجانبها, وأماكن خاصة للاغتسال والوضوء, وهو ما أتاح لنا تحسس حرارة المياه التي هي بالفعل ساخنة.

أفلاج وعيون وظمأ

وتنتشر الأفلاج في السلطنة لتروي الكثير من المزارع والحقول, كما تنتشر العيون التي لا تزال تعد من مصادر الثروة المائية في عمان وهي تلقى رعاية دورية بهدف المحافظة عليها. وتتراوح تلك العيون ما بين الحارة والباردة, وهناك عيون أخرى تحتوي على أملاح معدنية تصلح للاستشفاء

وقد بينت إحصائية أن عدد الأفلاج في مختلف مناطق سلطنة عمان يصل إلى 4112 فلجا, منها 3017 فلجا حيا و1095 فلجا ميتا, وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام : الداودي, والعيني, والغيلي .

وتشكل مشاريع تحلية المياه موردا آخر للمياه في عُمان, حيث تم إنشاء العديد من محطات تحلية المياه في المناطق التي تعاني من نقص في المياه, مثل مسقط ومسندم وظفار, وبعض ولايات مناطق الباطنة والشرقية والوسطى.

صناعة السياحة

تبقى سلطنة عُمان واحدة من أكثر البلدان السياحية أمانا في قارة آسيا. بعد أن عصفت رياح الإرهاب بالكثير من النقاط السياحية في العالم والمقومات الطبيعية لا تكفي وحدها لنجاح صناعة السياحة دون توافر سلسلة من الخدمات الرئيسية والمساندة كالفنادق بمختلف درجاتها وتوافر شبكة طرق ومواصلات وخدمات الترجمة وشركات السياحة التي تنظم الرحلات الممتعة للمتاحف والمدن والمواقع السياحية الشهيرة للقلاع والحصون .

وقد رصد في الخطة الخمسية السادسة ما يقارب من 50 مليون ريال لتنمية القطاع السياحي, الذي يتولى أمره اليوم القطاع الخاص العماني, وتتولى الدولة مسئولية خلق البنية الأساسية, كشبكات الطرق والمياه والكهرباء والاتصالات والقوانين والمطاعم والاستراحات والعناية بالمرافق السياحية .

وقد سنحت لنا الفرصة لمتابعة تنفيذ مشروعين سياحيين كبيرين, الأول هو مشروع منتج بر الجصة, والثاني مشروع الموج السياحي. ويضم المشروع الأول عدة فنادق من مختلف الفئات وتبلغ الطاقة الاستيعابية للفنادق المذكورة 700 جناح وغرفة متنوعة الأحجام والمستويات, كما يضم المشروع شققا وعددا من الفيلات المستقلة التي تطل على مياه خليج عمان, إضافة إلى ثمانية مطاعم وناد صحي ومركز للرياضة المائية.

وبالرغم من أهمية وجود مثل تلك المشاريع الضخمة, يبقى للفنادق الصغيرة الحجم أهميتها الحيوية, ففي طريقنا إلى قلعة نزوى توقفنا قليلا عند أحدها, كان فندقا صغيرا جدا مكونًا من دور واحد, وجميع الغرف فيه تطل على حمام السباحة, ومن شدة الاهتمام بالتراث العماني جُلب أحد الحرفيين, وخصص له ركن في صالة الاستقبال كي يرحب بالسياح ويقدم القهوة والتمر ويبيع منتجاته لمن يريد. وبالفعل وجد السياح الأجانب في ذلك الفندق نقطة استراحة مثالية قريبة من المعالم التاريخية, بدلا من قطع الطريق من مسقط والبقاء لساعات قليلة, حيث يمكنهم الآن قضاء يومين في نزوى والمناطق المحيطة بها.

لقد عرفت عمان كيف تصبح ملاذا للهاربين من البرد القارس أو الحر اللاهب, وأن تكون قبلة للسياح الباحثين والتراث الشرقي والإسلامي, وحتى لمن يريدون الانعزال عن العالم لفترة من الزمن.

نزوى بحلة باهية

عرفت نزوى طوال أكثر من مائتي عام كمركز روحي وديني لعمان الداخل منذ أن وقع الانفصال التاريخي بين الحركة الإباضية والسلطة السياسية في عهد الإمام سعيد بن أحمد (1775-1779), كما تعرف اليوم أيضا بأنها العاصمة الثقافية لعمان, وهي تبعد عند العاصمة مسقط مسافة 173 كلم .

وزيارة ولاية نزوى هي زيارة للتاريخ والعلم والتراث, ومن أبرز معالمها قلعتها المعروفة بالشهباء التي استغرق بناؤها 12 عاما وانتهى في عام 1668م وقد أمر بتشييدها الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي, وتنفرد قلعة نزوى بعمان بشكلها الدائري الضخم المطمور بالتراب, وترتبط القلعة بحصن ذي ممرات مخفية ومعقدة .

ومن خلال أسوار ونوافذ الشهباء يمكن رؤية غابة النخيل والحدائق المحيطة بها, كما يمكن رؤية سوق المدينة وحارات وأزقة نزوى القديمة.

وتمت عملية ترميم ضخمة للسوق القديمة المتاخمة للجامع والقلعة, روعيت في تصميمه اللمسات العمرانية التقليدية, للمحافظة على روح السوق التراثية, وتم طلاء الجدران بالطين المحروق ( الصاروج ). وقُسمت السوق إلى محلات تجارية صغيرة تباع فيها التحف والفضيات والبهارات كما كان في السابق.

مسفاة العبريين .. القرية المعلقة

لولا التوصية الكريمة من أحد الفنانين التشكيليين لما علمنا بأمر تلك القرية المعلقة, ولكانت نزوى هي النقطة الأبعد التي وصلناها في المنطقة الداخلية. إنها قرية (مسفاة العبريين) أو قرية الصراع مع الطبيعة والنجاح في تعليق قرية بأكملها على مشجب جبل عظيم, والناظر لها عن بعد يستطيع إدراك مدى الشقاء الذي عاناه بناة تلك القرية المعلقة, بالرغم من جمال المنظر وكثافة النخيل وتورد الأزهار. ويعتقد أن أول بيت بني في مسفاة العبريين شيد قبل مائتي عام.

ولقد قيل لنا إن القرية أصبحت اليوم مهجورة. والحق أننا وجدناها على تلك الحال أول الأمر عند دخولنا, ولكن بعد أن تعمقنا قليلا سمعنا أصوات أطفال يلعبون ورأينا أناسًا يتحركون هنا وهناك, وأزهارًا جميلة في كل مكان تلقى عناية فائقة, ورائحة قدور الطبخ التي أعدت بالطريقة التقليدية. إنها قرية لاتزال آهلة بالسكان .

وإلى جانب أشجار النخيل التي تعتبر علامة مميزة لمسفاة العبريين, تشتهر القرية بزراعة الحمضيات وأشجار الموز والفواكه.

لحظات في ظفار

منذ أن وصلنا إلى مسقط والجميع يقولون لنا: ليتكم تزورون صلالة في خريفها ..

ومنذ وطأت أقدامنا مطار صلالة تكررت المقولة نفسها, ولكن بأسى أكبر. بصراحة هم على حق لو كنا نستهدف الخضرة وجمال الطبيعة وفورة مياه العيون وأصوات خرير الأفلاج, ولكننا كنا نبحث عن جمال آخر نستمتع بمشاهدته, إنه جمال صلالة دون مكياج وضجيج.

دون مقدمات حاد بنا السائق على يمين الطريق وتوقف عند بائع جوز الهند, توقفه الفجائي جر السيارة لمسافة قليلة وسحب معه حبات من الحصى, لقد استهوتني هذه الشجرة الرفيعة منذ أن رأيتها تتمايل على شاطئ الفاراديرو في كوبا, ولم أتوقع أن أراها مرة أخرى, وهأنذا أراها فاتنة مشرئبة في أرض عربية .

ضرب بائع جوز الهند - وخلال ثوان معدودة - بسيفه الصغير حبة جوز الهند في أماكن محددة محولا إياها كأسا من عصير جوز الهند, وبعد أن فرغت منه قام بتقطيع تلك الكأس بطريقة أخرى لتصبح حبة جوز الهند شطيرة تؤكل. خلف محلات جوز الهند المنصوبة على طول الطريق توجد أشجار الموز الخفيضة وأشجار جوز الهند, بمعنى أن مصادر الإنتاج ملاصقة لنقاط التوزيع .

وتبعد صلالة عن العاصمة مسقط حوالي 1040 كلم بريا ويربطهما طريق معبد مزود بالإنارة, وتقع محافظة ظفار في جنوب سلطنة عُمان وعاصمتها الإدارية صلالة التي أصبحت مكان الإقامة المفضل في موسم الخريف, (وهو بالمناسبة في عز الصيف), كما يسمى هناك. وتتكون ظفار من تسع ولايات هي صلالة, طاقة, مرباط, سدح, شليم وجزر الحلانيات, مقشن, ثمريت, رخيوت, ضلكوت .

ومن هذه الأرض - ظفار - عبرت قوافل اللبان أرض الجزيرة العربية, تحمل ذهب عمان الأبيض, اللبان, إلى قارات العالم القديمة لاستخدامه في المعابد و الأماكن المقدسة .

وفي الخريف تكتسي ظفار ثوبا شديد الاخضرار ومن فوقه تلبس عباءة خفيفة من الرذاذ.

البليد ومعالم أخرى

يبرز اسم سوق الحصن الشعبي كواحد من المعالم الرئيسية في صلالة, ويقع بجانب شاطئ الحافة ويشتهر ببيع اللبان والعطور إضافة إلى الملابس الشعبية والصناعات العمانية التقليدية, وتكثر المواقع الأثرية في ظفار مثل سمهرم والشصر, وأشهرها مدينة البليد التاريخية, التي أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو, وقد استفادت هذه المدينة من ازدهار تجارة اللبان من خلال صلاتها التجارية بموانئ الصين والهند والسند والعراق واليمن وشرق إفريقيا وأوربا, وهي تقع على الشريط الساحلي في المنطقة الواقعة بين الدهاريز والحافة. وهي مستطيلة الشكل, تبلغ مساحتها ستمائة وأربعين ألف متر مربع, وكانت في الأزمان الغابرة جزيرة تستطيع السفن التجارية الدوران حولها والتوقف في موانئ صغيرة. ونتيجة لبعض العوامل التاريخية لم تعد البليد جزيرة بعد أن التحمت بصلالة, ولم يتبق من الشريط المائي الذي كان يلفها سوى خور راكد أشبه بالبركة الكبيرة.

وتشير بعض الدلائل الأثرية ومن دراسات الفخار والمواد العضوية أن الموقع ينتمي لمراحل تاريخية سبقت ظهور الإسلام, وبعد الإسلام بني المسجد الكبير في البليد في القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي, وهو يعد من أقدم المساجد في العالم, ولا يعرف على وجه التحديد سبب اندثار مسجد البليد الكبير وتحوله إلى أنقاض.

تزامنت زيارتنا لموقع مدينة البليد التاريخية, مع أعمال البناء والاستعداد لتشييد متحف يضم جميع ما عثر عليه من قطع أثرية نادرة كالعملات والأواني الفخارية وأعمدة المسجد الكبير. وأغرب شيء صادفته في البليد كان في نهاية جولتنا, حيث توقفنا عند شجرة قطن مهملة, وقد طرح وجود هذه الشجرة عدة تساؤلات من أهمها هل تكون سلطنة عمان في المستقبل إحدى الدول المنتجة للقطن?

توجهنا إلى ولاية مرباط لمشاهدة حصنها الشهير, وكلمة مرباط تعني مربط الخيل, واشتهرت مرباط في القرن التاسع الميلادي بتربية وتصدير الخيول وتجارة اللبان. وأغلب مباني مدينة مرباط أثرية ذات طابع عربي وإسلامي, وتم اختيارها قبل سنوات لتمثيل الحضارة العربية والإسلامية في متحف الهواء الطلق بمدينة بانيمن خم بمملكة هولندا .

يمتد الشريط الساحلي لمحافظة ظفار مسافة 400 كم تقريبا, وهي تنتج كميات جيدة من الأسماك والكائنات البحرية كأم الربيان الذي تشتهر به ظفار, إلى جانب العديد من الأسماك الأخرى, كالحبار والكنعد والتونة والهامور والشعري والصافي وغيرها .

وفي ظفار يمكن مشاهدة ضريح النبي أيوب عليه السلام, (غير ثابت علميا أنه كان موجودا في هذه الأنحاء), في مرتفعات جبال أتين وقد بني مسجد بالقرب منه, كما يوجد بناء ملاصق للضريح يقال إنه مكان كان يتعبد النبي أيوب فيه وقبلته متوجهة نحو المسجد الأقصى بفلسطين. ويوجد هناك رجل يعتني بسلامة ونظافة كل من الضريح والمسجد, وهو يحرص أشد الحرص على إشعال البخور مرة تلو الأخرى. وتوجد هناك أضرحة أخرى في ظفار مثل ضريح النبي عمران عليه السلام في صلالة الشرقية, وضريح بن علي في ريسوت وأخيرا موقع ناقة النبي صالح عليه السلام في الحصيلة.

ويختلف المناخ في ظفار عن باقي مناطق عمان نظرا لتأثير الرياح الموسمية عليه خلال أشهر الصيف, حيث تزداد الرطوبة وتكون درجات الحرارة معتدلة ما يجعل تلك المنطقة آية في الاخضرار, في الفترة الممتدة من منتصف شهر يونيو, حتى منتصف شهر سبتمبر. وتحتضن سلسلة الجبال أكبر قدر من الأمطار لمسافة 400 كلم من الشرق إلى الغرب لتؤمن مصادر مياه وفيرة طوال العام .

وعند زيارتنا لعين أرزات ذات الينابيع الطبيعية كانت المياه لا تزال تتدفق منها من وسط الصخور, بالرغم من أننا بعيدون عن موسم الأمطار. وتتجمع المياه في بركة ومن ثم تنساب في مجرى يتفرع وسط البساتين الخضراء قبل أن تصب في البحر.

وقد سنحت لحظات خاصة تمكنا فيها من التجوال بين أشجار جوز الهند واستخراج عصارة اللبان من شجرة لبان يتيمة تقع بين الجبال, كما تناولنا وجبة سمك كنعد لذيذة على الغداء طلبنا أن تكون محضرة بطريقة تقليدية وفي مكان شعبي بين الناس.

يا الله لقد انتهى الوقت الجميل.

لقد مرت أيامنا في ظفار كأنها ثوان, لا نذكر منها سوى الصحبة الطيبة والجمال الطبيعي, دون مكياج.

كلمة أخيرة

هناك ما هو أجمل من اعتدال مسقط في الشتاء وأروع من اخضرار ظفار في فصل الخريف, وألذ من الحلوى العمانية الشهيرة, إنه الإنسان العماني بأخلاقه الرفيعة وتواضعه الجم مهما علت مراتبه, وتلك الصفات هي التي جلبت لعُمان شهرتها الحقيقية.

العربي تلتقي صاحب صالون الفراهيدي

اهتم بشكل خاص بنقل صورة عُمان الحديثة إلى الخارج, وعندما حل في القاهرة سفيرا لعمان ومندوبا لها في جامعة الدول العربية عام 1990م , خاض في (مغامرة) تأسيس صالون ثقافي في عاصمة عربية تعج بالنشاط الثقافي والأدبي , وكان حريصا على أن يكون الصالون خارج الإطار الرسمي.

كان لقاؤنا المميز مع المثقف والوزير والسفير عبد الله بن حمد البوسعيدي, سألناه بداية لماذا الفراهيدي وليس أحدا آخر? فقال إن الخليل بن أحمد الفراهيدي شخصية لا يختلف عليها اثنان من العرب , وهو علم من أعلام هذه الأمة العريقة, عرف واشتهر كأحد علماء مدينة البصرة وأغلب المثقفين العرب الذين عرفتهم في مصر وتونس والمغرب يعتقدون بذلك, في حين أن الفراهيدي ولد في إحدى ولايات منطقة الباطنة. ونظرا لما لمدينة البصرة من مكانة علمية ارتحل إليها الفراهيدي وتعلم وعلّم, حتى عرف كبصري. وفي رأيي أن الفراهيدي هويته عربية أكثر من أي شيء آخر.

وأضاف: (كان هو صاحب التحديد والتجديد الشهير في تراثنا الأدبي واللغوي).

وعقد صالون الفراهيدي أربع حلقات, والأولى منها حملت عنوان (الخليل بن أحمد الفراهيدي وجهوده في الدراسات اللغوية العربية). والثانية بعنوان (الدلالات الحضارية لموسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب), والثالثة بعنوان (المدائح النبوية في الشعر العربي), و أخيرًا حلقة (التواصل الحضاري بين مصر وعمان). وقد لاقى ذلك الصالون نجاحًا وإقبالاً كبيرًا من قبل المثقفين المصريين والعرب وشارك بفعالياته نخبة من المفكرين والعلماء. وبعد عودة السفير البوسعيدي إلى عمان لتولي وزارة الرقابة المالية, توقف صالون الفراهيدي الذي أسسه وأشرف عليه بحكم المسئولية الملقاة على عاتقه. وعندما استوضحنا منه عن إمكان انتقال الصالون إلى مسقط , لم يغلق الباب نهائيا وأكد لنا أن الفكرة لو كتب لها العودة من جديد فستكون بصورة مطوّرة, بمعنى أن يتحول صالون الفراهيدي إلى مركز ثقافي , يضم الصالون ومكتبة ودار نشر تشجع إنتاجات الشباب العماني, كما حدث في القاهرة عندما أصدرنا رواية وديوان شعر, وكنا نطمح إلى إصدار إنتاج أكثر من عمل في السنة الواحدة

كهف مجلس الجن

تم اكتشاف كهف مجلس الجن في عام 1982م, وهو يعد من أهم المعالم الطبيعية السياحية في محافظة مسقط , وتبلغ مساحة الكهف 58 ألف متر مربع وطوله 310 أمتار وعرضه 225 مترا, أي أنه قادر على استيعاب عشر طائرات جامبو بداخله, ويقع هذا الكهف العملاق في مشجب جبلي يتسم بكثرة تصدعاته وأخاديده مما يجعل من الصعب كشفه من الخارج, وكل ما يدل على وجوده هو ثلاث فتحات , وهي المنفذ الوحيد للنزول إلى داخل الكهف.

الخنجر العماني.. زينة المناسبات

بعكس ما شاهدناه في اليمن من التصاق يومي للخنجر على وسط اليمنيين , فإن الخنجر العماني يعتبر مكونا رئيسيا من الزي العماني التقليدي, إلا أنه لا يلبس إلا في المناسبات المهمة فقط. وتتعدد أنواع الخنجر العماني فمنه ما يعرف بالنزواني والصوري والسعيدي والصحاري وغيرها. وهو يصنع من الفضة الخالصة بطريقة النقش بالقلع, وطريقة أخرى هي التكاسير, حيث يزين الخنجر بخيوط الفضة .

وتأتي الاختلافات في أنواع الخنجر من الحجم والشكل ونوع المعدن الذي يصنع أو يطلى به, ويتألف كل خنجر من النصلة وهي شفرة الخنجر , والقرن وتهني المقبض وأشهره ذاك المصنوع من الزراف والعاج وهي أثمن ما في الخنجر , والصدر وهو أعلى الغمد وهو يزين عادة بالنقوش, وأخيرًا القطاعة وتعني الغمد.

ويوجد في كل ولايات سلطنة عمان صناع للخناجر, وأكثرهم يتمركزون في ولايات صحم والخابورة وصور ونزوى وصلالة.

المرأة والرجل العمانيان.. سواء بسواء

ينص القانون الأساسي لسلطنة عمان , بصورة قاطعة , على العدالة والمساواة بين جميع المواطنين, وعلى فرص متكافئة للذكور وللإناث, وعدم التمييز بين الجنسين أمام القانون. وللمرأة العمانية وضع خاص في وطنها , فعمان البر والبحر والحقل والأفلاج والعيون التي تتشابه اجتماعيا وثقافيا وتاريخيا مع دول الخليج العربية, تتميز انسجاما مع تنوعها المناخي وتتعدد أوجه مصادر العمل والدخل فيها , بإعطاء المرأة وضعا مميزا وذلك بخروجها المبكر إلى سوق العمل ومشاركة الرجل في اتخاذ القرار, بعكس البيئة المفرطة في المحافظة, التي نجدها في مجتمعات الخليج الأخرى , ما جعل لقاءنا مع سيدات تموقعن في أعلى المناصب يكتسب أبعادا جديدة في رؤيتنا لدور المرأة العربية في عمان .

لميس بنت عبدالله الطائية وهي عضوة في مجلس الدولة التي تخرجت في قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة عين شمس بمصر, شددت في لقاء مع (العربي) على أن المجتمع العماني مجتمع متكامل, لا يرى فرقا بين المرأة والرجل, وبالتالي هي لا ترى أن دورها في مجلس الدولة محصور في خدمة قضايا المرأة وقالت : (نحن نناقش كل المواضيع والقوانين ولا توجد لدي أجندة خاصة, لأن الدستور العماني لم يخاطب الرجل فقط بل كلا الطرفين). واتفقت عضوة مجلس الشورى رحيلة بنت عامر الريامي مع ما ذهبت إليه الطائية, واستشهدت بعرض تاريخي موجز لمسيرة التعليم في عمان ونسبة التعليم للإناث , حيث رأت أن دخول الإناث في التعليم في بداية عهد النهضة , مع الذكور في فصول مختلطة , دليل واضح على إيمان القيادة بدورها, مضيفة أنه لا تنمية دون تعليم . وتمتلك الريامي خلفية واسعة في الحقل التربوي كمعلمة ومديرة ولديها مساهمات مشهودة في العمل التطوعي من خلال جمعية المرأة العمانية . من جانبها رفضت لميس الطائية - وهي صحفية سابقة - مقولة المشاركة الشكلية للمرأة العمانية في مراكز اتخاذ القرار , معتبرة أن وجود المرأة في مواقع المسئولية السياسية أمر طبيعي من حيث المبدأ ويعكس وجودها التدريجي في مختلف مواقع العمل والمسئولية , فهي اليوم وزيرة وطبيبة ومهندسة ومدرسة وموظفة وعاملة: (ومن الطبيعي أن تجني ثمار مساهمتها الفاعلة في المجتمع ) . وضربت الريامي الكثير من الأمثلة حول القوانين التي أنصفت حقوق المرأة العمانية , ومنها قانون الأحوال الشخصية الذي يمنع زواج البنت قبل سن الثامنة عشرة , كما يضمن عدم تزويج الفتاة بغير من ترغب, ويمنحها رفع دعوى قضائية على ولي أمرها , علما بأن ذلك القانون متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.

 

إبراهيم المليفي 




صورة الغلاف





قلعة نخل التي تتربع على نتوء صخري, تبدو وكأنها حارس يطل على مزارع النخيل المخضرة المحيطة بها, ويعود تاريخ بنائها إلى القرن السابع عشر





قلعة الرستاق





لقطة من إحدى لوحات أوبريت رواحل الذي قدمته فرقة أنانا السورية بمناسبة تدشين مسقط عاصمة للثقافة العربية 2006





الواجهة البحرية لمدينة مطرح التاريخية وهي تضج بحركة الناس طوال اليوم





أحد الأسواق المحيطة بقلعة نزوى (الشهباء) وقد روعي في تصميمها اللمسات العمرانية التقليدية للمحافظة على روح السوق التراثية





جامع السلطان قابوس الأكبر, يعد من أكبر وأجمل مساجد سلطنة عمان, وتبلغ مساحته الإجمالية حوالي أربعمائة وستة عشر ألف متر مربع, وافتتح رسميا يوم الجمعة الموافق الرابع من مايو 2001م





ما تبقى من آثار مدينة البليد التاريخية, وقد سجل هذا الموقع الأثري ضمن قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو, وتظهر في الصورة أعمدة المسجد الكبير الذي يعد من أقدم المساجد في العالم





مراكب صغيرة ترسو بجانب شواطئ مدينة مرباط بولاية ظفار التي اشتهرت في غابر الأزمان بتربية وتصدير الخيول وتجارة اللبان





لقطة عامة لمجموعة من المشاريع السياحية الضخمة التي يتوقع لها أن تدعم صناعة السياحة المزدهرة في سلطنة عمان, وتضم تلك المشاريع بناء عدة فنادق وفيلات مستقلة ومطاعم وغيرها





الأستاذ عبدالله بن حمد البوسعيدي





 





ضوء ساطع ومتسلق عنيد يخترقان عتمة كهف مجلس الجن المخيفة (الصورة مأخوذة من وزارة الإعلام العمانية)





الخنجر العماني





تحت أشجار جوز الهند الرشيقة جلس هذان الرجلان من ظفار, وكل واحد منهما منشغل عن الآخر بما بين يديه





باعة سوق السمك في مطرح, افترشوا الأرض ووضعوا أرزاقهم استعدادا لقدوم الزبائن





تجربة حية لطريقة استخراج اللبان من شجرة لبان نائية وجدناها في طريق رحلتنا بين ولايات محافظة ظفار, وقد نجحنا في استخراج كمية قليلة من عصارة اللبان





صورة عامة لقرية مسفاة العبريين المعلقة على مشجب جبل عظيم, ويقدر عمر هذه القرية بمائتي عام وتشتهر بزراعة النخيل والحمضيات وأشجار الموز





واحد من شرايين سوق مطرح التاريخية المسقوفة. محلات صغيرة وبضائع تنتمي للماضي, وأجناس من كل لون ودين





السيدة رحيلة الريامي عضو مجلس الشورى





السيدة لميس الطائية عضو مجلس الدولة





عين الكسفة الحارة في ولاية الرستاق, تبلغ حرارتها 45 درجة مئوية ويأتيها الناس بكثرة للاستشفاء من الكثير من الأمراض العضلية أو للتمتع بالنظر إليها





منظر ساحر لغروب الشمس في صلالة . ويختلف مناخ محافظة ظفار عن باقي مناطق سلطنة عمان, فهو معتدل باستمرار, وفي فصل الخريف تتحول ظفار إلى جنة خضراء اللون وتحتضن جبالها الأمطار الغزيرة لتؤمن مصادر مياه وفيرة