عزيزي القارئ

مشروعان

  • عزيزي القارئ..

يأتي هذا العدد في ذكرى مرور عامين على الغزو الصدامي المشئوم للكويت، وذكرى اكتمال السنة الأولى على عودة "العربي" للصدور من جديد بعد التوقف القسري الذي فرضه الغزو.

وفي اجتماع المناسبتين إشارة عميقة المغزى إلى مشروعين مختلفين تماما:
أولهما: مشروع حضاري عربي إسلامي تنتمي إليه الكويت بحرصها على الإسهام في حقل الثقافة العربية، إسهاما مميزا وبارزا، بجانب إسهاماتها الائتمانية الأخرى التي تقدمها في مجالات عديدة، ليس من باب الفضل بل من باب المسئولية الحضارية والتعاون المتبادل.

وثانيهما: مشروع لا حضاري ينتمي إليه العدوان الصدامي الذي لم يطمح إلا إلى الاستبداد والتدمير والقمع، ولم ير في الحياة الإنسانية إلا رخصا لا يساوي ثمن رصاصة.

وفي المشروعين تناقض الصواب مع الخطأ، والإيجابي مع السلبي، والخير والرفاه مع الشر والتدمير.

ولأنه لا يصح إلا الصحيح، في النهاية، فقد اندحر الغزو، وتحررت الكويت، وعادت "العربي" إلى الصدور.

واستمرار "العربي"- رغم الصعوبات- دليل زاهر على انتصار الحضارة والحياة. وهي تستمد من دعم كل الخيرين قوة إضافية لتواصل دورها التنويري والديمقراطي في حقل الثقافة العربية، وهو جزء من دور الكويت الإنساني والحضاري.

واتساقا مع ذلك- عزيزي القارئ- تأتي مواد هذا العدد لنتذكر، لكن دون أن تقعدنا مرارة الذكرى، فلابد من عبور ضيقها إلى رحابة الحياة في ساحة الحرية والنور.

سنتذكر مع رئيس التحرير في حديث الشهر: "في ذكرى أغسطس.. الإعلام وتصنيع المستقبل"..، سنتذكر ضيق أفق الغازي وعدم إدراكه لكوننا نعيش في زمن ثورة الاتصالات والمعلومات المنقولة عبر أجهزة الإعلام، والتي صارت تحمل التاريخ لحظة بلحظة وتدفعه داخل بيوتنا لتجعله حاضرا حيا لايجوز فيه سرقة التاريخ على مرأى ومسمع من البشرية جمعاء مهما كانت الحيلة ومهما امتد الزمن.

وسنتذكر تهافت افتراءات الغازي في كتاب وثائقي يستعرضه أنور الياسين في مقاله "في مواجهة النسيان".

سنتذكر فظاعات التعذيب الصدامي في استطلاع لمركز علاج آثار التعذيب بالرقعي، وسنتذكر جلافة صدام البيئية عبر ملحمة إطفاء آبار النفط التي أشعلها.

ومن ألم الذكرى سنخرج لنتنفس من هواء العالم الواسع، فنتأمل التغيرات التي اجتاحته عبر سقوط الإمبراطورية السوفييتية في "ندوة العربي" "العالم وخيارات المستقبل". ونقلب في الماضى لنستعيد زمن "الكشوف الجغرافية والنهب الوحشي للذهب" من العالم القديم. ونلتفت حولنا لنرى "البندقية. المدينة العائمة قبل أن تغوص في البحر". وسننظر إلى المستقبل متأملين طاقته القادمة في "الاندماج النووي.. طاقة نظيفة من وحي الشمس". سنتمهل لنرى "المكان يتسع للجميع.. الجانب الصوفي في أدب الطيب صالح".

وهذا غيض من فيض هذا العدد.

نعم، عزيزي القارئ: الذكرى مؤلمة، لكن في الانتصار على آلامها كثير من العزاء... والفرح.