أجمل قصة للعالم

أجمل قصة للعالم

عرض: الدكتور نضال قسوم

في كثير من الحالات عندما أنشر مقالا ـ أو حتى كتابا ـ بالاشتراك مع زميل أو زميلين, يلاحظ لي العديد من أصدقائي وأفراد عائلتي أنه كان يفضل ـ في نظرهم ـ لو نشر كل منا جزأه منفصلا وتحت اسم واحد. إذ يبدو أن هذه العادة "عادة التأليف والنشر المشترك"، التي هي سائدة بشكل واسع في الغرب وفي باقي العالم, لم يألفها بعد العالم العربي ولم تنتشر بعد بشكل ملحوظ. وأعتقد أنه سيكون مفيدا جدا لو قام أحد الباحثين بدراسة هذه الظاهرة والبحث عن أسبابها الثقافية والاجتماعية. وفي كل مرة أحاول التوضيح أن معظم المواضيع المطروحة للبحث والتأليف اليوم تحتاج إلى معارف وخبرات نادرا ما تتوافر لدى شخص واحد, وأن الغالبية الساحقة من الأبحاث العلمية التي تنشر اليوم في الدوريات المتخصصة تحمل اسمين أو ثلاثة أو أربعة، بل أحيانا أكثر من عشرة، وقد قرأت بنفسي بحثا كان يحمل ما لايقل عن أربعمائة اسم باحث!

لهذا السبب البسيط ـ ولأسباب أهم وأكبر سأفصلها لاحقا ـ يسعدني أن أقدم هنا كتابا صدر سنة 1996 عن دار سوي الفرنسية، وهو يحمل توقيع أربعة مؤلفين "من الوزن الثقيل" رغم أن عدد صفحاته لايزيد على 165 صفحة "من الحجم المتوسط". ويكفي أن نشير إلى أن هؤلاء المؤلفين الأربعة قد نشروا فيما سبق ثلاثين كتابا فيما بينهم ـ ناهيك عن الأعداد الضخمة من الأبحاث والمقالات وأعمال المؤتمرات وغير ذلك ـ حتى نفهم أنهم إذا اجتمعوا هذه المرة من أجل هذا الكتاب فلابد أن ثمة سببا مهما. هذا السبب المهم يتمثل ببساطة في موضوع الكتاب: قصة الكون والحياة والإنسان, تلك القصة التي لم يكن كاتب واحد، مهما كان عالما، ليقدر على سردها كاملة مفصلة بمفرده!

أكثر من مؤلف

علي الآن أن أعرّف القارئ ـ ولو بإيجاز ـ بهؤلاء المؤلفين ذوي السمعة العالمية:

ـ هوبرت ريفز هو فيزيائي فلكي شهير جدا، بدأ دراساته في كندا "وطنه الأصلي" وأكملها في الولايات المتحدة وفي فرنسا "بلده بالتبني"، ولا نبالغ إذا قلنا إن مساهماته العلمية صارت الآن جزءا من تراث الإنسانية، وقد ألف اثني عشر كتابا حتى الآن.

ـ جوال دورونيه هو بيولوجي من الطراز الأول، وهو حاليا مدير ""مدينة العلوم" بباريس،, وكان سابقا مدير معهد باستور المعروف، وألف عشرة كتب.

ـ إيف كوبنس هو أحد مكتشفي "لوسي"، أقدم هيكل عظمي بشري،, وهو حاليا أستاذ بـ "كلية فرنسا" العريقة، وقد نشر أربعة كتب.

ـ دومينيك سيمونيه هو مساعد مدير تحرير مجلة "الإكسبريس" الفرنسية، وقد أنتج خمسة كتب قبل الآن، بالإضافة إلى عدد من الأشرطة والحلقات التلفزيونية.

خلاصة القول إننا هنا في صحبة النخبة العلمية الفرنسية الأولى، ومن ثم يحق لنا أن نتوقع الحصول على لؤلؤة بين غلافي الكتاب.لقد أعطى سيمونيه، الذي تولى عملية التحرير للكتاب، إطارا وشكلا شائقا ومناسبا لمحتويات الكتاب, إذ قدمه في شكل مسرحية من ثلاثة فصول، كل فصل مقسم إلى عدد من المشاهد يحدد كل منها دخول "شخصيات" جديدة. وأضاف إلى كل هذا مقدمة في شكل مونولوج كتبه سيمونيه، وخاتمة تمثلت في نقاش عام بين المؤلفين الأربعة.

يعتزم الكتاب إذن تقديم القصة الكاملة للكون, بما في ذلك ظهور الحياة والإنسان. وفي هذا الصدد نجد الجمل الأولى في الكتاب جد معبرة: "من أين جئنا؟ من نحن؟ إلى أين نتجه؟ هذه فعلا هي الأسئلة الوحيدة التي تستحق الطرح.".

ويؤكد المحرر أن هدف هذا العمل هو تقديم أجوبة لهذه التساؤلات مبنية على المعارف العلمية الراهنة، خاصة بعد أن طور العلم أدوات فعالة للبحث، كالمسابر والمسرعات والتلسكوبات الفضائىة والحواسب السريعة والتقنيات البيولوجية وغيرها.

وتشكل الاختصاصات الثلاثة المستجوبة هنا علوما أساسية أكثر من غيرها، من حيث إنها كلها تسعى بحثا عن مصدر ما: فيزياء الفلك تبحث في بداية الكون، والبيولوجيا تبحث عن مصدر الحياة، وعلم الحفريات " Palaentologn " يبحث عن الإنسان الأول. وقد توصل العلم إلى نتيجة عامة عظيمة تتمثل في كون العالم قد اتبع نفس المبدأ التطوري منذ البداية، من الأجسام الأبسط إلى الأعقد فالأعقد، سواء فيما يخص الجسيمات المادية أو الكائنات الحية أو الحيوانات.

الكون

يتطرق الفصل الأول إلى الجزء الأول من قصة العالم، أي من خلف الكون "منذ حوالي 15 مليار سنة" إلى تكوين الأرض.

يبدأ سيمونيه بطرح سؤالين ذوي طابع ميتافيزيقي على ريفز: أولا، ماذا كان هنالك قبل الكون، وثانيا لماذا يوجد هناك كون؟ عن السؤال الأول يقدم ريفز نفس إجابة القديس أوغسطين، لأنها مطابقة لجواب العلم الحديث: أن الانفجار العظيم لايمثل فقط خلقا للمادة "كل المادة"، بل أيضا خلقا للزمان والفضاء، وبالتالي فلايمكن الحديث عن زمن أو مكان "قبل" الكون، إلا بمعان غيبية، وكذلك مسألة "السبب" أو "المغزى" من وراء وجود الكون هو مسألة فلسفية محضة, أو دينية, أي خارج إطار العلم.

وهنا يلاحظ سيمونيه التشابه الكبير بين القصة العلمية لخلق الكون أو بدايته والقصص الدينية وبعض الميثولوجيا.

وعلى صعيد علمي, يتساءل سيمونيه كيف يمكن لنا أن ندعي معرفة ما حدث خلال اللحظات الأولى للكون، أي قبل 10 مليارات سنة, خاصة إذا أيقنا أن الظروف الفيزيائية حينها كانت مختلفة عما نشهده اليوم بشكل جذري.

يقول ريفز إن لدينا أداتين عظيمتين تمكنانا من الوصول إلى مثل تلك النتائج: الرصد بالأجهزة, وهذا يمكننا من النظر بعيدا في الفضاء ـ وبالتالي في الزمان ـ .والمنهج العلمي "المشاهدة، الفرضية، التنبؤ، التأكيد التجريبي".

وماذا نعرف اليوم إذن عن خلق الكون وتطوره؟ باختصار شديد، صرنا نعلم أن الكون ليس ساكنا، أي أنه يتمدد، وأن درجة حرارته تنخفض باستمرار، وأن كثافته المادية والطاقوية تتناقص. لكن أهم نتيجة توصلنا إليها هي أن المادة ظلت تتشكل في الكون بطريقة متزايدة التعقيد.

أما عن المرحلة الثانية، أي تكوين الأرض والمجموعة الشمسية، فلا يمكننا ادعاء فهمها بالشكل المفصل والدقيق الذي نعرف به المرحلة الأولى. ما يمكن قوله هو أن السحب الغبارية البينجمية تتجمع حول نجوم بدائية فتكون حلقات تتكاثف وتتزايد في الكتلة حتى تولد كواكب ملتهبة, تفقد حرارتها تدريجيا على مدى مئات الملايين من السنين، بعضها ـ مثل الأرض ـ يتمكن من تكوين غلاف جوي ضروري للحياة, وبعضها الآخر لن يستطيع فعل ذلك، كل حسب خاصياته الفيزيائية "حجم، كتلة، مسافة عن الشمس، إلخ". وقد تميزت الأرض عن أخواتها في كونها الوحيدة الحاملة للماء السائل، ويعتقد عموما أن ماء الأرض جاءت به المذنبات، المكونة من ثلج وأوساخ تساقطت على سطح كوكبنا منذ تكوينه. وبقي هذا الماء سائلا لأن جاذبية الأرض ودرجة حرارتها "بفعل مسافتها المتوسطة عن الشمس" كانتا ملائمتين. ولولا هذا الماء السائل لكانت هذه نهاية قصتنا. فمن دونها لم تكن الحياة لتظهر, لأن الماء لايشابهه مركب كيميائي آخر في قدرته على تذويب المركبات العضوية والسماح لها بالتجمع فيما بينها في أشكال أكثر تعقيدا. ولكن من أين جاءت المركبات العضوية التي منها تشكلت المركبات المعقدة فيما بعد؟ إننا لانعلم ذلك يقينا وبدقة، لكن العلماء يتكهنون أنها ربما جاءت من الفضاء، منقولة من طرف المذنبات.

لنلخص إذن هنا فصلنا الأول. للتشبيه ـ من أجل التبسيط والتقريب ـ دعونا نعتبر عمر الأرض "4.6 مليار سنة" بمنزلة يوم واحد. في هذه المشابهة، يكون الكون قد خلق منذ يومين أو ثلاثة. وبعد تكوين الأرض، فقدت حرارتها الأصلية في ساعتين أو ثلاث "بضع مئات مليون سنة"، ثم ظهرت الحياة في حدود الساعة الخامسة صباحا وظلت تتطور طوال "النهار"، وعند الساعة الثامنة مساء ظهرت أولى الرخويات، وحوالي الحادية عشرة ليلا ظهرت الديناصورات، ثم اختفت عند الساعة الحادية عشرة وأربعين دقيقة، تاركة المجال مفتوحا أمام التطور السريع للثدييات. أما جدنا الأول فلم يظهر إلا خمس دقائق قبل منتصف الليل، وتضاعف حجم الدماغ البشري في الدقيقة الأخيرة، أما الثورة الصناعية فلم تنطلق إلا منذ جزء من المائة من الثانية!

والعبرة من هذه الخلاصة أنه كلما تقدمنا في الزمن، تزايدت سرعة التطور.

فصل آخر

إننا نقول عن جسم ما إنه حي إذا أبدى خاصيتين أساسيتين: القدرة على تسيير ذاته والقدرة على التكاثر. أما عن التفريق التقليدي بين الحي والجامد، فإن جوال دورونيه لايرى فيه سوى مظهر من مظاهر جهلنا الطويل. ففي الحقيقة يوجد ثمة تطور مستمر من الجامد إلى الحي يمثل بالضبط تطبيقا لمبدأ التعقيد الذي لاقيناه في الفصل السابق: من الجزيئات إلى الماكروجزيئات أو الجزيئات الضخمة المعقدة" إلى الخلايا فالأجسام.

وكيف تظهر الحياة وما هي الشروط المساعدة على ذلك? نحتاج أولا إلى كوكب جيد، موجود على مسافة مناسبة من نجم ذي حجم كاف حتى يتسنى له الحفاظ على غلافه الجوي، وذي تركيب كيميائي ملائم "ثاني أكسيد الكربون، بخارالماء، هيدروجين، ميثان، أمونياك". في هذه الحالة وخلال عملية انخفاض درجة الحرارة سيساعد الغلاف الجوي على تشكيل مركبات عضوية معقدة في وسط محمي من الأشعة فوق البنفسجية وهكذا ينطلق السير التطوري نحو الحياة. ولانحتاج بعد ذلك إلا إلى الزمن. ونذكر هنا أن هذا السيناريو ليس محض خيال أو نظريات بل تم تأكيده تجريبيا في المخابر منذ 1952.

ويرجح العلماء أن الحياة ظهرت في بحيرات ومستنقعات ـ وليس في البحار كما كان يعتقد آنفا ـ أي في أماكن جافة وحارة نهارا، رطبة وباردة ليلا. في مثل هذه الأوساط يتوفر في الطين الصلصال والكوارتز، وهي مواد تملك القدرة على شد الجزيئات الطويلة المعقدة وجعلها ترتبط ببعض. ففي وسط الصلصال تتجمع الأسس الجزيئية تلقائىا في شكل سلاسل من الأحماض النووية، وهي أشكال مبسطة من الحمض الريبونووي DNA "الذي سيتكون لاحقا". أما البروتينيات فتتشكل في المستنقعات ابتداء من الحوامض الأمينية، بعضها يتكور على نفسه ليكون كويرات قبل ـ حية تتطور إلى أن تصير خلايا حية "بالخاصيتين المذكورتين أعلاه.".

أما المرحلة الموالية من تطور الأحياء فتتمثل في ظهور التركيب الضوئي "القائم على الكلوروفيل" والتنفس "القائم على الهيموجلوبين"، ويبدأ هنا الطلاق بين الطحالب والبكتيريا، أي بين عالم النبات وعالم الحيوان. وقد حدث هذا حوالي مليار سنة بعد تكوين الأرض.

ثم تأتي مرحلتان لتكملا تطور الحياة، ظهور الجنس واستقرار قاعدة الموت، وهما حدثان رئيسيان في التطور، لأن الجنس يسمح، ضمن كل فصيلة، بتنوع عظيم للأجسام عن طريق تمازج الجينات، أما الموت فيعيد الجزيئات والأملاح المعدنية إلى الطبيعة، التي تحتاج إلىها في تطورات أخرى.

وأخيراً يواصل التطور إتقان تقنيات الحياة بتحسين آليات إنتاج الطاقة والنقل. وفي هذا الصدد سوف تبرز ثلاثة أجهزة متقدمة، الجهاز المناعي، الذي يقوم بدور الحماية ضد الطفيليات والفيروسات، والجهاز الهرموني، الذي يتحكم في الدورات البيولوجية والجنسية التكاثرية، والجهاز العصبي، الذي يتولى عملية الاتصالات الداخلية.

وبعد هذا السرد المختصر لوقائع الفصل الثاني، نجد أن ثمة عبرة بسيطة وعميقة مشابهة ومكملة تماما لما لاقيناه في الفصل الأول، أن المسيرة التعقيدية تنطلق دوما من مركبات أساسية جد بسيطة: جسيمان من الكواركات في بداية الكون، وثلاث ذرات متناظرة "من الهيليوم" لتكوين الكربون، وأربع قواعد للجينات، وجزيئان متطابقان من أجل تأسيس العالمين النباتي والحيواني، وفردان للتكاثر الجنسي، في كل مرحلة، كأن الطبيعة عرفت الطريق الأبسط للتطور. أو كما يقول جوال دورونيه: "التعقيد لايعني الصعوبة".

الإنسان

إن الإنسان أقدم بكثير مما كنا نعتقد، إلا أنه يصعب تحديد زمن دقيق لميلاده على سطح الأرض. بل إنه يصعب علينا وضع تعريف دقيق لما هو "بشري".

ويؤكد إيف كوبنس في الفصل الثالث أن الإنسان لاينحدر من القرد، بل من إحدى الفصائل القريبة من القرد، أي من جد مشترك للإنسان والقرد معا، بحيث يشترك الاثنان في 99% من الجينات. وقد حدث الانفصال في إفريقيا "هذا مؤكد"، وكان ذلك منذ حوالي 7 ملايين سنة "وهذا الرقم غيرمؤكد"، عندما طرأ حدث جيولوجي مهم تمثل في انهيار سهل الرفت 'في شرق إفريقيا"، مخرجا جدارا فصل بين سلالة البشر "المستقبلية" في الشرق وسلالة القردة في الغرب.

فقد تم العثور على ألفي قطعة من بقايا البشر و"ما قبل البشر"، وكانت كلها شرق سهل الرفت. وفي تنزانيا عثر على آثار أقدام مستحجرة لفرد كان يمشي على رجلين منذ نحو 8.5 مليون سنة. وطبعا هناك أيضا "لوسي" الشهيرة التي تعود إلى 3 ملايين سنة. والتي عثر على آثارها سنة 1947 في منطقة الأفر الإثيوبية، وكانت لوسي لاتزيد طولا عن حوالي متر، وكان رأسها صغيرا وكانت تمشي على رجلين وتتسلق الأشجار، وماتت في سن العشرين، غرقا أو مبتلعة من طرف تمساح، لأنه عثر عليهـا في وسط بحيري.

ثم علينا أن نذكر بعض المنعطفات الرئيسية في تاريخ الإنسان: أولا ظهور اللغة بسرعة "نسبيا"، أي منذ أكثر من مليون سنة، وثانيا اختراع النار منذ نحو خمسمائة ألف سنة، وأخيرا بروز المحيط، أي المكتسب أو الثقافة، كعامل أساسي وأولي في حياة الإنسان أكثر من أهمية الفطري والموروث.

وكذلك يوضح لنا كوبنس بعض الحقائق حول أجدادنا المشهورين: كان رجل نياندرتال Neandertal "قبل خمسين ألف سنة" ماهرا ومبدعا وذا لغة متطورة، وكان يدفن موتاه ويلتقط الأشياء للمتعة، أما رجل كرومانيون Cromagnon "قبل عشرين ألف سنة" فهو النموذج الأصلي للإنسان الحديث، مجهز بشكل جيد بيولوجيا وثقافيا.

يبقى أن نقدم بعض الإحصاءات البسيطة المفيدة، يكاد تعداد البشرية يناهز مائة وخمسين ألفا منذ 3 ملايين سنة، وصار بضعة ملايين قبل مليوني سنة، ثم 10 إلى 20 مليونا منذ عشرة آلاف سنة، ثم صار ملياراً منذ 200 سنة، وسيزيد على ستة مليارات في العام 2000.

فهل من عبرة هنا أيضا لهذه القصة? في رأي كوبنس، لايمكن تفسير هذا التطور نحو الأعقد للأحياء بالحديث عن الصدفة والاحتمال، بل يؤكد أن التطورات العلمية والدينية لاتعارض بعضها، فالعلماء يعون أن الحقيقة هي دوما أعقد وأعمق من المشاهدة وبالتالي فلايسمحون لأنفسهم بأي نوع من الدوغمائية.

سؤال أخير إذن: أين ومتى نضع آدم وحواء في قصتنا? إن كوبنس يسميهما "الإنسان الماهر" Homo Habilis، ويضعهما في إفريقيا الشرقية "جنة أرضية" كما يقول منذ نحو 3 ملايين سنة.

المستقبل

في هذا الفصل الأخير، يقوم سيمونيه بجمع المؤلفين الآخرين في جلسة نقاش حول مستقبل الإنسان والحياة والكون.

ويحصل هناك إجماع حول النقطة التالية: إن التطور اليوم هو اجتماعي وثقافي وتقني أكثر منه بيـولوجيا أو كيميائيا أو فيزيائيا. فنحن نشهد الآن ظهور نوع جديد من الحياة: جسم كوكبي عملاق نمثل نحن خلاياه ويمثل الإنترنت جهازه العصبي. بل نحن نشهد حدوث انتقاء "طبيعي" من نوع ثقافي، هو أسرع بكثير من الانتقاء الدارويني.

وبرغم أنه يصعب كثيرا قياس أو إثبات أي تطور معنوي، فإنه من الواضح أن البشرية خطت خطوات كبيرة في هذا المجال، مثلا مع إلغاء الرق، ووضع وثيقة حقوق الإنسان، والاعتراف بحقوق المرأة. بل إن التطور المعنوي صار يشكل اليوم ضرورة أساسية "للبقاء"، فكما يقول ريفز: إما الحكمة وإما اختفاء الجنس البشري، إما أن نتمكن من التعايش مع قدرتنا المكتسبة الهائلة وإما أن يتواصل التطور دوننا.

كتاب مدهش بصفحاته القليلة وعرضه البسيط، وأيضا بغزارة العلم فيه وعمق الحكمة لديه.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب