الخدج.. على هامش مليء بالمفاجآت
الخدج.. على هامش مليء بالمفاجآت
مخلوقات ضعيفة جاءت مبكراً إلى الدنيا، ولهذا تكون أجهزتها المختلفة غير قادرة على العمل بما يضمن حياة صحية سوية، ولابد من تدخل الأطباء. الخديج هو المولود قبل أوانه في الأسبوع الحملي السابع والثلاثين وما دون، ويقول أحد الأطباء عن الخدج المولودين بين الأسبوعين 24 ـ 28 من الحمل: إنهم مخلوقات نهايات القرن العشرين الذين لايمكن أن يعيشوا خارج الأرحام إلا بمعاونة الأجهزة الحديثة. إن سن الحمل الطبيعي هي 38 ـ 42 أسبوعاً من آخر طمث رأته السيدة الحامل. إذن لابد أن يكون للخداج درجات حسب سن الحمل.. فمن يلد قريباً من نهاية الحمل غير من يلد في سن 82 أسبوعاً أو دون.. وكلما صغر تعقدت المشكلة بسبب صعوبة التعامل مع الأجهزة الدقيقة للوليد، وكثرة المشاكل التالية. في الماضي عرف الخديج خطأ بأنه من كان دون 5.2 كجم وزنا. هذا غير صحيح، فكثيرا ما يكون الوليد صغير الحجم مكتملا.وعلى هذا يقسم الولدان تبعا للوزن إلى: 1 ـ ناقصي وزن الولادة LBW : وهم دون 2.5 كجم. 2 ـ ناقصي وزن الولادة بشدة VLBW: وهم دون 1.5 كجم وزنا. 3 ـ فائقي نقص الولادة ELBW: وهم دون 1 كجم وزنا. إن نقص وزن الولادة تابع بشكل رئيسي للظروف الاجتماعية الاقتصادية، ولهذا فإن نسبته في السويد لاتتعدى 2% بينما تصل في البلدان المتخلفة إلى 20% أو أكثر. أما الخداج فيقسم إلى: 1 ـ خداج خفيف بحدود 36 أسبوعا: وغالبا لاتوجد مشاكل تذكر. 2 ـ خداج متوسط بين 28 ـ 32 أسبوعا: توجد مشاكل تنفسية متوسطة إلى شديدة ومشكلات أخرى. 3 ـ خداج شديد بين 23 ـ 24 أسبوعا: وهؤلاء قل أن يعيشوا حتى في أحسن الأماكن. وعلى العموم فإن نسبة نجاة الخداج في المستشفى الملكي للأطفال المرضى بجلاسكو "أسكتلندا" هي 14% في خداج 23 أسبوعا، ليرتفع إلى 98% في خداج 34 أسبوعا، أما تبعا لوزن الولادة فإن نسبة النجاة هي: ـ صفر في وزن أقل من 500 جرام. ـ 25% في وزن بين 500 ـ 570 جراما. ـ 58% في وزن بين 1000 ـ 1500 جرام. ـ 95% في وزن بين 1500 ـ 2000 جرام. وعلى هذا فليس الخديج بالغا مصغرا، بل هو مخلوق متناهي الحساسية، وهو ذو عالم مختلف تماما حتى عن عالم الأطفال، وهذا ما يدركه كل العاملين في أقسام العناية المركزة المخصصة للخدج. يكون جلد الخديج محمرا رقيقا مغطى بوبر ناعم، ويكون رأسه لينا صغيرا، وكذا صيوانا الأذنين يكونان لينين قليلي التجاعيد، ويكون الصفن عند الذكور صغيرا وقل أن توجد الخصيتان فيهما. وتكون أغلب أجهزة الخديج غير ناضجة غير أن كل هذا يخضع لسن الخداج، والذي يمكن لطبيب تقييمه بخبرته وبالجداول الخاصة. العناية بالخدج إن العناية بصغار الخدج والمرضى منهم يتطلب أجهزة غالية ومعقدة في عناية مشددة NICU، غير أن الغالبية العظمى منهم تحتاج إلى عناية خاصة فحسب SCBU. وإذا لم يكن كل شيء جاهزا عند اقتراب الولادة، وجب نقل الأم لتلد في مركز مجهز. وفي كل مرة نرى فيها خديجا لابد أن نفكر في السبب، خاصة أنه قد يكون خطيراً ويحتاج إلى معالجة مثل الإنتان. إن من أهم أسباب الخداج: الإنتانات المنتقلة إلى الجنين مثل الإنتانات التناسلية، والانسمام الحملي "ارتفاع الضغط مع بيلة البروتين"، وقصور المشيمة وتشوهات الأجنة، وتشوهات الرحم. أما أهم أمراض الخدج فهي: المشاكل التنفسية: تكون عضلات الصدر والحجاب الحاجز ضعيفة، والتنفس سريعا وسطحيا، وقد يتباطأ حتى يتوقف ثم يتسرع من جديد "التنفس الدوري" وقد يتوقف التنفس حتى يصاب الوليد بالزرقة "نوب توقف التنفس"، وقد ترى أمراض مثل متلازمة عسرة التنفس "داء الأغشية الهلامية" الناجم عن نقص مادة السرفاكتانت في الحويصلات الرئوية مما يؤدي إلى انخماصها، والرئة المبلولة التي تكثر عند ولدان القيصريات، وذات الرئة، وداء المنفسات التالي للتنفس الصناعي ويدعى "عسرة التصنع القصبية الرئوية". المشاكل العصبية: وتنجم عن عدم النضج العصبي الذي يشمل كل شيء مثل مراكز التنفس والحرارة وغيرها، كما يشمل الشبكية "التي لاتنضج قبل الأسبوع 34". وهناك مشاكل أخرى كالنزف حول بطينات الدماغ، وتنكس المادة البيضاء بسبب نقص التروية وما ينجم عن ذلك من اختلاجات وإعاقات في المستقبل. المشاكل المعوية المعدية: يشيع عدم تحمل الرضعات بسبب سوء هضم النشويات والدسم، وبسبب صغر حجم المعدة وضعف المصران مما يؤدي إلى كثرة حدوث القيء والقلس "ارتجاع الحليب" وما ينجم عن ذلك من خطر الاستنشاق الرئوي. هذا ويوجد مرض خطير يصيب الأمعاء هو التهاب القولون النخري. إن المشاكل الهضمية تضطرنا إلى ابتداء التغذية الوريدية باكراً ما أمكن "غالبا في اليوم الثالث"، ولهذه التغذية مشاكلها أيضا لاسيما الإنتان واضطراب أملاح الدم والحموض الأمينية، الأمر الذي يتطلب حكمة عالية ومراقبة شديدة. المشاكل الإنتانية: وهي كثيرة بسبب العوز المناعي وكثرةالتداخل على الخديج "قساطر، إبر، حقن، أنابيب، تنفس.."، كما أن كثرة استخدام المضادات الحيوية تشجع على النمو الفطري الذي يصعب تشخيصه وعلاجه. إن كل إنتان خطر عند الخدج لاسيما إنتان الدم والتهاب السحايا. المشاكل القلبية الوعائية: لاسيما التشوهات الخلقية مثل بقاء القناة الشريانية وبقاء الثقبة البيضية "الأذينية" وبقاء الدوران الجيني، وهشاشة الأوعية الدموية مما يسهل النزف والتكدم. كما ينقص الآحين "الألبومين" في الدم مما يسبب وذمات في الجلد وهبوطا في التوتر الشرياني. المشاكل الجراحية: مثل التهاب القولون النخري، والتشوهات الولادية الأخرى مثل عدم انثقاب الشرج، وانسداد الأمعاء. المشاكل الاستقلابية: وأهمها نقص السكر بسبب نقص المخزون الغذائي في الكبد، ونقص الكلس والفوسفات وغيرها. المشاكل الكلوية: مثل نقص معدل التصفية الكبية الكلوية، وعدم نضج الوظيفة الأنبوبية الكلوية، وهذا يجعلنا حذرين في استخدام الأدوية. قلة نضج الكبد: وينجم عن ذلك اليرقان ونقص سكر الدم والميل إلى النزف. المشاكل الحرارية: وهي كثيرة وخطيرة ذلك أن سطح الخديج كبير نسبة إلى وزنه مما يسبب الضياع الحراري السريع، ويزيد من وخامة الأمر أن مركز تنظيم الحرارة غير ناضج. المشاكل الاجتماعية والنفسية: بسبب فصل الوليد عن والدته عقب الولادة مباشرة ولمدة طويلة، وهذا يؤدي إلى مشاكل نفسية مهما قصرت فترة الفصل. التغذية والنمو ما عدا المشاكل التغذوية المشار إليها سابقا، فإن التغذية واجبة وضرورية في أسرع وقت ممكن ما لم يوجد عائق مثل الانسداد أو الالتهاب القولوني النخري، وكثيرا ما نبدأ بكميات متناهية في الصغر تزاد تدريجيا تبعا لتحمل الخديج، حتى نصل إلى مقدار 150 ـ 180 مل لكل كيلو جرام من الوزن "وأحيانا أكثر" ما لم يكن الإرضاع طبيعيا والذي ننصح به دائما. يضاف الفيتامين "د" بمقدار 400 وحدة دولية يوميا في البلدان التي تغيب فيها الشمس، ما لم تكن مضافة إلى الحليب الصناعي، ويضاف الحديد في سن شهرين أو حينما يتضاعف الوزن بمقدار ملعقتين لكل كيلو جرام، على أن يكون نقل الدم قد توقف. كما تضاف الفيتامينات في عمر مبكر لاسيما حمض الورقي "فوليك أسيد". يهبط الوزن بعد الولادة عند أغلب الخدج، وينمو الخديج السليم "الذي لايتعرض لمشاكل" بشكل جيد ليكون في الأسبوع الحملي الأربعين مماثلا في وزنه ومقاييسه للوليد كامل النمو داخل الرحم، أما أغلب باقي الخدج فيغلب أن يلحقوا بزملائهم وزنا وطولا ومحيط الرأس في سن السنة، فمن عانى مرضا شديدا عقب الولادة فيغلب أن يتأخر في اللحاق بأقرانه حتى السنة الثالثة من العمر. ومن يفشل في ذلك ويبقى دون معدل 3% من أقرانه فيغلب أن يبقى قاصر النمو أبدا. أما الخدج الذين يولدون أصغر من وزنهم المقرر لهم " LBW " فإن الدماغ ينمو بشكل أكبر من الجسم في البداية ويفرق هذا عن استسقاء الدماغ "وهو توسع بطينات الدماغ وملؤها بالسائل الدماغي الشوكي" بغياب انتفاخ اليوافيخ، وغياب افتراق حواف عظام الرأس، وبصورة الدماغ بالصدى "الإيكو". ولننتبه إلى أن العمر يحسب تبعا لسن الحمل كما لو أتم الجنين الحمل، وليس بدءا من زمن الولادة. ويخرج الوليد من المستشفى عندما تتوافر ثلاثة شروط: الاستقرار الحراري، والغذائي، والتنفسي، فإذا كان الأهل على قدر من الوعي بحيث يتمكنون من مراعاة هذه الأمور في البيت أمكن تخريج الخديج ولو كان وزنه أقل مما هو معتاد، وقد يخرج بأنبوب معدة للتغذية. يعطى اللقاحات كلها قبل التخرج فالخداج ليس مضاد استطباب للقاحات، بل على العكس هؤلاء الخدج أحوج من غيرهم إلى المناعة. لايعطى لقاح الشلل في الحضانة خشية انتشار الفيروس. تكمل اللقاحات كالمعتاد بالنسبة لوليد كامل، ولايهم وزن الخديج كما هو متعارف عليه خطأ في بعض أقسام العناية المشددة. إن حقل علم الخديج والوليد Neonatology يشكل الآن حوالي 50% من حقل طب الأطفال، وهو يحتاج إلى تجهيزات وإمكانات كبيرة في شعب العناية المركزة، غير أنه ـ مع الأسف ـ لايزال هذا الحقل يعاني من مشكلات كثيرة مادية ومعنوية. إن مشاكل العناية بالخدج كثيرة، فعدا عن عدد الولادات الكبيرة والعناية العادية بها هناك مشاكل خاصة مثل الخداج الشديد والحالات القلبية والجراحية والتي تتطلب أمهر الأطباء وأرقى الأماكن، كما أن هناك مشاكل أخرى بعد خروج هؤلاء من المستشفى مثل اليرقان والخمج. المشكلات المتأخرة يعاني الخدج من مشكلات لاحقة عقب خروجهم إلى الحياة ومن هذه المشاكل: المشاكل العصبية: وهي لاتنجم عن الخداج بحد ذاته بل بسبب ما يلحق الدماغ من أذى. إن أكثر ما يخشى منه هو الإعاقات التالية والشلل الدماغي ومشكلات الدراسة اللاحقة بسبب عدم نضج المراكز الدماغية وبسبب تأذي الخدج بمشاكلهم المختلفة مثل النزف الدماغي والتهاب السحايا ونقص الأكسجين أو السكر المؤذيين جدا للدماغ. ومما يزيد الأمر سوءا حدوث المشاكل السمعية "نقص السمع" والعينية التالية للعلاج بالأكسجين "التليف خلف الشبكية". هنا لابد من ذكر الدور المهم للمعالجين الفيزيائيين Physiotherapist، واختصاصيي النطق Therapist Speech من أجل إعادة تأهيل الخدج Rehabilitation عقب تخرجهم. المشاكل التنفسية: وأهم مشكلة هي داء المنفسات الصناعية أو عسرة التصنع القصبية الرئوية BPD التالية للعلاج بأجهزة التنفس الصناعي حيث يوجد نوعان من الأذى: أذى ضغط الجهاز، وأذى الأكسجين المستنشق أول أسبوعين عقب الولادة، الأمر الذي يخرب القصبات الرئوية ويؤدي إلى تليفها، ومن ثم يصعب الفطام لاحقا عن الأكسجين حتى بعد مرور شهر على الولادة أو أكثر، ويحتاج العلاج إلى مداراة شديدة باستخدام الكورتيزون والمدرات زمنا طويلا، ويبقى التنفس نقطة ضعف عن هؤلاء مستقبلا حيث تكثر الإصابات الرئوية والربو ونوبات نقص الأكسجين، ومن ثم ضعف النمو، وربما إصابة القلب "القلب الرئوي"، مما يتطلب علاجهم المتكرر بالمضادات الحيوية وموسعات القصبات والعلاج الفيزيائي ذي الأهمية الفائقة.
|