الأدوية عندما تُمرضنا

الأدوية عندما تُمرضنا

المنومات، ومضادات الاكتئاب، والمهدئات، ومسكنات الألم، وأدوية الضغط، وغيرها من الأدوية الشائعة، التي تُستهلك بشراهة، ومن دون وصفة طبية، يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات خطيرة، بل مميتة أحيانًا.

استعمال الدواء من دون وصفة طبية ظاهرة اجتماعية غير صحية وخطيرة أحيانًا، إذ أصبحت هذه الظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا وأصبح كثير من الأشخاص يشعرون بأنهم قادرون على معالجة أنفسهم بأنفسهم، إما بتناول بعض الأدوية المخزنة في صيدلية المنزل أو باستعمال وصفات طبية وصفها لهم أحد المقرّبين أو الأصدقاء.

ولأجل التخفيف من حدة هذه المضاعفات يكفي لكل منا أن يتبع بعض النصائح الصحية المهمة:

أدوية غير ضرورية

صيدلية المنزل مكتظة بالأدوية اللازمة وغير اللازمة، وأننا نستهلك فوق حاجتنا من المضادات الحيوية، ومن المهدئات النفسية ومن مضادات الالتهاب، وآلاف من المرضى يراجعون العيادات الطبية والمشافي في كل سنة بسبب الأعراض الجانبية أو حادث مرتبط بتناول الدواء.

والأدوية الأكثر اتهامًا هي مضادات الالتهاب الستيروئيدية (الكورتيزون) وغير الستيروئيدية المستعملة في أمراض الروماتيزم ومضادات الألم وأدوية القلب والأوعية الدموية وأدوية ارتفاع ضغط الدم، والمسكنات المستعملة للنوم ومضادات الاكتئاب والمهدئات العصبية والنفسية.

والمضاعفات الأكثر حدوثًا هي: السقوط المفاجئ على الأرض، النزوف، الأعراض الهضمية، الأعراض التحسسية، تفاقم القصور الكلوي أو القصور القلبي أو التنفسي أو الداء السكري.

وحسب دراسة حديثة تبين أن 33% من الوصفات الدوائية لا جدوى منها، وقد تلحق الضرر وخصوصًا عند المتقدمين في السن، وذلك لأنه مع التقدم في العمر تتغير الحركية الدوائية مما ينتج عنه تأثيرات جانبية للدواء، إضافة إلى أن الجهاز العصبي المركزي لدى المسنين أكثر حساسية لتأثيرات الأدوية، كما أن التقدم في العمر ينتج عنه تغيرات في استجابات المناعة، كما أنه يحدث انخفاضًا في امتصاص الكثير من الأدوية. ويلاحظ عند الكثير من المسنين الذين تنخفض لديهم نسبة التصفية الكبدية لبعض الأدوية، وخصوصًا عندما يتم وصف الأدوية لفترات طويلة، فإن التراكم البطيء للدواء قد يؤدي إلى حدوث تأثيرات جانبية مضادة بعد فترة من تناول الدواء.

كما أن من المحتمل أن يؤدي انخفاض الوظيفة الكلوية عند المسنين، وخصوصًا عند الذين يعانون من اعتلالات كلوية مثل تضخم البروتستات وغيرها، مما يقلل من وظيفة الكلية مع التقدم بالعمر - يؤدي إلى تكدس الأدوية التي تفرز بشكل رئيسي من خلال الكلية عند هؤلاء المرضى إذا تم إعطاؤهم الجرعة نفسها التي تعطى للشباب، لذلك لابد من ضبط جرعة الأدوية المعطاة للمسنين.

والمرضى المسنون الذين يتناولون المدرات يكونون عرضة لتأثيرات جانبية عدة مثل: هبوط ضغط الدم وعدم تحمل الجلوكوز واضطراب في شوارد الدم: صوديوم، بوتاسيوم، كلور، كالسيوم ومغنيزيوم. كما أن المسنين الذين يتناولون أدوية معالجة الروماتيزم يكونون عرضة للقرحة الهضمية أو نزف هضمي في حالة العلاج الطويل الأمد، ويحدث أحيانًا لديهم احتباس سوائل بسبب هذه الأدوية، وبالتالي ارتفاع ضغط الدم.

مراقبة صرف الدواء

إن تناول الباراسيتامول كل يوم بشكل مستمر لتلافي أوجاع الرأس والآلام المختلفة يعرض الشخص لأذية في الكلية أو الكبد (فشل كلوي أو قصور كبدي)، وخصوصًا إذا استعمل بجرعات كبيرة ولفترات طويلة.

كما أن استعمال مضادات الالتهاب قد يحسّن من النوبة الحادة الروماتيزمية، ولكنه لا يغير من تطور المرض، لذا يجب وصفها لفترة قصيرة وبشكل متقطع - وكذلك الأدوية التي تعالج الاضطرابات الوريدية (البواسير ودوالي الساقين) التي تساعد على تخفيف الآلام والثقل في الساقين أثناء الحمل، أو أثناء البقاء في السرير فترة طويلة من الزمن، إذ إن هذه الأدوية ليس لها تأثير مهم على القصور الوريدي نفسه.

أدوية أخرى يجب عدم استعمالها فترة طويلة من الزمن مثل الأدوية المنومة والمهدئات، ويستحسن عدم وصفها أكثر من شهر واحد.

وتناول الفيتامين A الضروري للصحة العامة بجرعات عالية، ولفترات طويلة يؤدي إلى تجمعه في الكبد والجسم، مما يجعله سامًا ويعرض المريض لأعراض مزعجة كالصداع أو أعراض جلدية وآلام عصبية وعظمية وتساقط شعر الرأس، إن ربع عدد المتقدمين في السن الذين يتناولون نوعًا أو أكثر من الأدوية المهدئة يصبحون بعد فترة من الزمن في حالة إدمان لهذا الدواء، ويحتاجون من وقت لآخر إلى زيادة الجرعة للحفاظ على المفعول نفسه، مما قد يسبب لهم السقوط على الأرض وإصابتهم بالكسور وخاصة كسر عنق الفخذ، إضافة إلى إصابتهم بالوهن والنعاس في النهار بفعل طرح هذه الأدوية البطيء من الجسم. ولكن عندما يكون استعمال هذه الأدوية ضروريًا وحيويًا وبشكل منتظم، يجب أن يعاد النظر بوصفها من وقت لآخر، وعدم إيقافها من قبل المريض، وإذا لزم الأمر، يجب أن يختصرها مع طبيبه.

كما أن المسهلات المستعملة في حالة الإمساك بشكل دائم قد تعرض المريض لخطر الإصابة بالتجفاف أو إلى اضطرابات بيولوجية على مستوى الشوارد في الدم، مسببة هبوطًا في ضغط الدم أو اضطرابات في النظم القلبية. وكذلك الأدوية المضادة للسعال إذا ما استعملت بشكل سيئ قد تحدث احتقانًا أو انسدادًا في القصبات الهوائية، والقطرات التي تستعمل للعين والأنف والأذن وتمر في الدم، تحتوي أحيانًا على مواد تزيد من فعالية بعض الأدوية، كما أن بعض الفيتامينات قد يسبب مضاعفات خطيرة، ففي دراسة حديثة نشرت في مجلة The Lancet البريطانية أكدت أن استعمال مضادات الأكسدة مثل الفيتامين (A-E-C) بعيارات عالية يستطيع أن يحدث أذية في جهاز القلب والأوعية، وأن فيتامين D الموصوف بكميات كبيرة قد يؤدي إلى تشكّل حصيات كلسية في الجهاز البولي، محدثة آلامًا شديدة (قولنج قلوي).

خطورة استخدام الأدوية

هناك حوادث أو أعراض جانبية خطيرة قد تكون ناتجة عن مشاركة أدوية عدة، وخصوصًا إذا كانت أغلبية هذه الأدوية فعّالة، فمثلاً إشراك دوائين من مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، مثالاً على ذلك (أندوميتاسين + بروفينيد)، قد يعرض المريض لنزف هضمي مميت، وكذلك الأدوية المضادة للالتهاب التي تقلل من فاعلية الأدوية الخافضة لضغط الدم.

وعندما يقرر أحد المرضى وحده ومن دون استشارة طبيب إضافة مضادات الألم غير الستيروئيدية لمعالجة الروماتيزم إلى مضادات التخثر الموصوفة من قبل الطبيب، فإن ذلك قد ينتج عنه نزوف خطيرة وأحيانًا مميتة، كما أن إضافة المسهلات إلى مدرات البول قد تؤدي إلى اضطراب قلبي نتيجة التجفاف، وإضافة أدوية الاكتئاب إلى بعض الأدوية من عائلة البنزوديازييم المساعدة على النوم قد تؤدي إلى قلة الانتباه والتوجس، وبالتالي إلى حوادث السقوط على الأرض عند المسنين.

كما أن إضافة بعض الهرمونات إلى مضادات التخثر قد تسبب تجلط الدم (وقد أعطيت مضادات التخثر هذه لتلافي حدوث الخثرات). أيضًا فإن إعطاء هرمون الثيروكسين لمعالجة قصور الغدة الدرقية يجب أن يكون بحذر عند مرضى القلب وذلك بمراقبة سير العلاج ببعض التحاليل من وقت إلى آخر.

والآن أصبح من الرائج استعمال مقويات الجنس (الفياغرا) دون أخذ الحذر عند مرضى القلب الذين يتناولون موسعات الشرايين الإكليلية (النيترات) مما قد يؤدي إلى عواقب خطيرة (هبوط ضغط شديد)، كذلك ينصح بعدم استعمالها مع الدواء المضاد لحموضة المعدة (سيميتيدين)، وإيضًا لا ينصح باستعمالها مع المضاد الحيوي الأريثرومايسين ومع مضاد الفطريات (نيزورال) ومع بعض أدوية ضغط الدم.

واستعمال أدوية تخفيف الوزن عند المصابين بالسمنة من دون استشارة طبيب قد ينتج عنه عواقب وخيمة عند مرضى الضغط المرتفع غير المسيطر عليه، وعند المرضى المصابين بسكتة دماغية أو أي مرض قلبي (قصور قلب أو عدم انتظام بضربات القلب) ولابد من إعادة النظر بالعلاج الموصوف من قبل الطبيب وخصوصًا عند العلاج الطويل الأمد وذلك في حالات عدة منها: عند ظهور إنتان أو كريب أو أي عرض مرضي آخر كوجود حالة توتر عصبي ونفسي شديد لفقدان شخص عزيز أو تغيير مكان الإقامة أو السقوط على الأرض عند المسنين أو تغيرات مهمة بدرجة الحرارة (برد قارس أو ارتفاع شديد بدرجة الحرارة وخاصة عند المسنين).

الحمية والوقاية

قبل أن يحدد الطبيب فاعلية أي علاج ضد الكولسترول - مثلاً - أو ضد ارتفاع ضغط الدم أو ضد داء السكري، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار نسبة خطورة المرض القلبي والشرايين أو الداء السكري، والفائدة المرجوة من هذا العلاج.

وفي حالات كثيرة فإن الوقاية والحمية تكونان كافيتين: (إيقاف التدخين، تخفيف الوزن الزائد، البدء بقيام نشاط رياضي منتظم، الابتعاد عن الإجهاد الجسدي والنفسي).

والوقاية من تصلب الشرايين العصيدي يجب ألا تتم بعلاج موحد ومتجانس لكل المرضى، ولكن لكل مريض طريقة علاج خاصة به، وأدوية ارتفاع ضغط الدم أكبر مثال على ذلك، فالآن يتناول ملايين من الناس في العالم هذه الأدوية، ويعالج نحو 25 % إلى 40 % منهم بشكل خاطئ، ولاسيما أننا نعلم مدى التأثير الضار لبعض هذه الأدوية في الجسم (تعب، برود جنسي، صداع، اضطرابات هضمية، سعال جاف وغير ذلك من الأعراض).

ولكن في أغلب الأحيان مهما كان عمر المريض، فإنه يجب أخذ ارتفاع ضغط الدم بعين الاعتبار ومعالجته بشكل جدي، وقد يكون ذلك مدى الحياة.

وعند غياب عناصر الخطر القلبية الأخرى (سوابق عائلية من احتشاء عضلة قلبية، سوابق حادث وعائي دماغي، داء سكري، سمنة، تدخين. وأخيرًا ارتفاع كولسترول الدم) يكون علاج ارتفاع ضغط الدم بالأدوية غير ضروري في كثير من الحالات، والحمية عن تناول ملح الطعام وبعض الإجراءات الوقائية قد تكون كافية.

نصائح إيجابية

أولاً: يجب تلافي الذهاب من طبيب لآخر وعدم استشارة أطباء عدة في وقت واحد مما ينتج عنه مضاعفة الوصفات الطبية. وفي حالة استشارة طبية جديدة يجب ألا ننسى إطلاع الطبيب على هذه الوصفات وخصوصًا الجديدة منها.

ثانيًا: أن نسأل الصيدلاني أو الطبيب النصيحة قبل أن نشتري دواء من دون وصفة طبية للتأكد من أن هذا الدواء ليس له مضاد استطباب مع وصفة الطبيب.

ثالثًا: ألا ننسى أن نذكر الطبيب بأسماء الأدوية التي اشتريناها من الصيدلية والتي استعملت قبل زيارة الطبيب.

رابعًا: تناول فقط الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب وليس من قبل قريب أو صديق.

خامسًا: في حالة العلاج الطويل الأمد لابد من احترام الوصفة الطبية بالحرف الواحد وقراءة الأدوية الموصوفة وأوقات استعمالها بإمعان.

سادسًا: اعمل مع طبيبك على إعادة النظر بالعلاج بشكل منتظم كل عدة أشهر على الأقل عندما يكون العلاج طويل الأمد.

سابعًا: عدم إيقاف العلاج بشكل مفاجئ من دون استشارة الطبيب، ومثالاً على ذلك إيقاف المضاد الحيوي قبل انتهاء مدة العلاج، بحجة أن المريض بدأ يشعر بتحسن، وهذا الوضع غير الطبيعي يمهّد لظاهرة المقاومة للمضاد الحيوي مستقبلاً.

ثامنًا: استخدام أقل جرعة مؤثرة ممكنة وأقل عدد ممكن من الأدوية التي يحتاج إليها المرضى المسنون.

تاسعًا: عدم تناول الأدوية لمعالجة الأعراض، بل لابد من تشخيص المرض ومن ثم إعطاء الدواء المناسب، وعدم متابعة استخدام الدواء إذا لم يكن هناك ضرورة له.

عاشرًا وأخيرًا: انتهز الفرصة بأن تسأل طبيبك عن هدف وصف هذا الدواء أو ذاك (ليس بهدف التقليل من الثقة التي منحتها له) ومناقشته في إمكان تخفيفه، لا تتردد في استعمال هذا الحق وخصوصًا أمام وصفة طبية طويلة تحوي أدوية عدة، فالأطباء كغيرهم من البشر غير معصومين من الخطأ، وفي حال حدوث أعراض جانبية بعد البدء في تناول دواء جديد لا تتردد في الإسراع باستشارة طبيبك.

 


نزار الناصر 





 





 





من يراقب صرف الدواء؟





العيادة المنزلية.. أين طبيبها?!