تربية العنصرية وازدواجية المعايير سليمان إبراهيم العسكري

تربية العنصرية وازدواجية المعايير

  • ليت رفضنا كان ويكون نموذجًا حضاريًا بلا إضرام للنيران أو سقوط للقتلى لنفحم الغباء الذي أخرج الرسوم القبيحة المسيئة, وما وراءها من حقد لاعقلاني كامن ومتربص
  • التعليم في أي وطن هو صلب البنيان الاجتماعي, وقد نظروا إليه في إسرائيل كقوة داعمة وحاكمة تعمل على تغذية العقول بمبادئ التربية المتعصبة والتحفيز العدواني تجاه العرب
  • المناهج الدراسية الإسرائيلية تحفل بالعنصرية التي لا تستبيح العرب وحدهم, بل تفرق بين اليهود أنفسهم

لعل أبرز المطالب الإنسانية التي تبلورت لدينا نحن العرب في هذا الجزء من بداية القرن الواحد والعشرين هي العدالة, والعدالة بمعناها الواسع الذي لا يقتصر على الحكم بين الخصوم تبعًا لقانون يرتضيه الجميع لفض منازعات السياسة والاقتصاد, وما بينهما من حدود جغرافية وتجارية وغيرها, بل العدالة في تعاطي الخصوصيات والعموميات الثقافية, التي تشمل حق المعرفة, وواجب الحوار, ونبذ الهيمنة, وإشاعة مناخ من السلام الثقافي الذي يتيح للجميع إمكان النمو المعرفي, في سبيل إثراء تكامل وتناغم الحضارات, بدلاً من تصادمها الذي بشر به البعض وكأنه ينتظر هذا التصادم, إرضاء لذوات متعالية, أو استجلابًا لمصالح خفية, وهو شر لاشك فيه. وإعمالاً لمبدأ العدالة الثقافية المرتجاة, نقلب في صفحات كتاب يكشف المسكوت عنه في الجانب الآخر, لا بهدف إزكاء نار الصدام المتعصب, بل بهدف جلاء الحقيقة التي تتطلب العدل.

لقد فكرت في كتابة هذا المقال, قبل أن تتفجر أزمة الرسوم الفاسدة التي استهدفت نبينا العظيم, محمدًا عليه الصلاة والسلام. وشرعت في الكتابة بينما كانت الشوارع العربية والإسلامية تموج بمظاهر الرفض والاستنكار لما ذهب إليه نفر من الغرب وصفهم بعض العقلاء في الغرب نفسه بأنهم أغبياء. كان الرفض الإسلامي والاستنكار واجبين على كل مسلم, بل على كل متحضر ومثقف في العالم. لكنني تمنيت أن يكون رفضنا نموذجًا حضاريًا مفحمًا للغباء الذي أخرج الرسوم القبيحة وما وراءها من حقد لاعقلاني كامن, والخفة التي ارتدت قناع حرية الرأي لتزيد نار الأزمة اشتعالاً بالإمعان في نشر هذه الرسوم السفيهة. لقد أشعل بعض الغاضبين النيران, وحدثت مواجهات دامية, وسقط قتلى. كان الغضب الشديد حقًا للمسلمين, ولاشك, لكن الحكمة كانت واجبة أيضًا, على الأقل لإفساد الادعاءات الظالمة لخصوم الإسلام والمسلمين من متعصبي الأرض, ولتفويت الفرصة على من يريدونها حربًا ضروسًا ضد المسلمين والعرب, تنفيذًا لسيناريو (صراع الحضارات) الذي أراده البعض, ولم يكتفوا بالتنبؤ الفاسد بوقوعه. وفساد التوقع الذي أقصده هو الفساد الفكري الذي شاب عمل المفكر المؤسساتي هانتنجتون الذي فصّل رؤاه على مقاس المطلوب, ولم يكن المطلوب غير اختلاق عدو جديد بعد تلاشي العدو القديم الذي اختفى بعد انهيار المنظومة الشيوعية. ومع الأسف وقع الاختيار على الإسلام والمسلمين ليكونوا هم العدو الجديد في بؤرة هذه التنظيرات المحددة سلفًا لغايات لا تخفى على أحد. ومع الأسف أيضًا, فإن هناك من بيننا - نحن المسلمين - مَن يسوغ لأمثال هانتنجتون وبرنارد لويس ذرائع لتنظيراتهما المطلوبة, بمجموعة من التصرفات والتقولات, التي لا تستقيم مع منطق العصر, ومنطق الفطرة الإنسانية, ومنطق الإسلام نفسه, ديننا الحنيف, دين المسالمة العادلة, والتحاور بالتي هي أحسن.

خطر لي أن أرجئ الكتابة فيما أنا بصدده حتى تستبين الأمور, وتهدأ الخواطر, ويكون حديثي مكرّسًا لثقافة الحوار بعيدًا عن شبهة تغذية الاحتقان, لكنني نحيت الفكرة جانبًا إذ وجدت أن ما أريد التحدث فيه لصيق الصلة بموضوع الرسوم المزعومة تلك, فالقضية متعلقة بافتقاد العدل الثقافي, قبل السياسي, وليست الرسوم السيئة والمسيئة هي نموذجها المنفرد, فثمة نموذج صارخ آخر, وإن لم ينصب على المسائل الدينية مباشرة, لكنه يتوارى بعيدًا عن أضواء الإعلام الكاشفة, وهو: (تربية العنصرية في المناهج الإسرائيلية). هذه التربية الفاسدة, التي عملت على كشفها الباحثة المصرية العربية الجادة الدكتورة صفاء محمود عبدالعال, والتي يعضدها أستاذها الكبير شيخ التربويين العرب الدكتور حامد عمار, الذي راجع بحثها الذكي والشاق وقدم له في كتاب يحمل العنوان السابق. ويكفي أن نعرف أن هذه الباحثة دأبت للحصول على ستة عشر كتابًا دراسيًا إسرائيليًا, وهو أمر لاشك عسير, وتعمقت في دراسة اللغة العبرية لتقرأ في هذه الكتب دون وسيط, ثم وثقت ما اختارته من نماذج بوضع المادة العبرية في مواجهة ترجمة عربية أمينة لها. وحقيقة الأمر أن جل هذه النماذج مرعبة, مرعبة لمن ينادي بثقافة الحوار أو يدّعيها, وينبغي أن تكون مرعبة لهؤلاء الذين يصرخون ليل نهار مطالبين العرب والمسلمين بأن ينقوا مناهجهم الدراسية وخطابهم الديني, مما يحضّ على الكراهية والتطرّف, بينما الكراهية والتطرّف ضد العرب والمسلمين هما أجلى ما يكونان عنصرية في هذه الكتب الدراسية الإسرائيلية, التي عكفت على دراستها الدكتورة صفاء محمود عبدالعال. وهذا لا يعني المطالبة بإباحة الشوارد المتطرفة أو العنصرية لدينا - إن وجدت - في مقابل ما لدى الآخرين من تطرف وعنصرية. بل هي مطالبة بالالتفات إلى هذه العنصرية البغيضة لدى غيرنا, في إطار نبذ العنصرية من عالمنا ككل, ودون تمييز أو استثناء, عالمنا هذا الذي لا يكلّون ولا يملّون من ترديد أنه صار قرية كونية واحدة. وهو إن كان كذلك, فلابد من إعمال ميزان العدل في الحساب الثقافي لكل البشر, حتى لا تغدو العنصرية مقدوحة هنا وممدوحة هناك. ولننظر إلى ذلك.

مرآة لعنصرية النشأة

يستنتج الدكتور حامد عمار في تقديمه الكتاب أن أيديولوجية النشأة العنصرية الفاشية كانت بداية لما انتهت إليه ملامح هذه الأيديولوجية في المقررات الدراسية الإسرائيلية, وساق على ذلك بعض الأمثلة, ومنها مقولة بن جوريون (إنه يمكن وضع القانون جانبًا والاعتراف بما يصنعه اليهود), وإضافة اسحق شامير إلى ذلك (فلنلتفت إلى معتقداتنا نحن, حيث لا الأخلاق, ولا التقاليد اليهودية تنبذ الإرهاب بوصفه وسيلة قتالية في مجرى الصراع. لذا فنحن بعيدون كل البعد عن تأنيب الضمير إزاء استخدامنا وسائل الإرهاب. وفي التوراة جاء (امحقوهم عن آخرهم, أبيدوا حرثهم ونساءهم)...إن إرهابنا يلعب دورًا كبيرًا في معركتنا هذه). وقبل هذين الإسرائيليين يقول هرتزل أحد المؤسسين للحركة الصهيونية (إن التآخي العام بين الناس لا يعتبر حتى جميلاً, فالعدو شرط ضروري لأرفع مجهودات الإنسان وأسماها...إن الإنسان الذي يخترع مادة شديدة الانفجار يعمل لأجل السلام أكثر من ألف داعية إلى اللطف والرفق واللين)!!

وتكاد موضوعات المناهج الدراسية الإسرائيلية - يقول الدكتور حامد عمار - أن تكون مرآة لبشاعة العنصرية نحو الحقوق العربية. إنها تعكس مقولة هيرتزل, إذ يردد مرة أخرى (إذا حصلتُ يومًا على مدينة القدس, وكنت لاأزال حيًا, فلن أتوانى لحظة عن إزالة كل شيء ليس مقدسًا لدى اليهود فيها, وسوف أدمّر كل الآثار التي مرّت عليها قرون), والمقصود بذلك طبعًا الآثار الإسلامية والمسيحية, وسوف نجد في نصوص الكتب المدرسية ما يوحي بذلك, وليس انتهاك حرمة المقدسات الإسلامية وما جرى لها من حرائق وسفك دماء المصلين إلا أحد مظاهر ذلك الحقد العنصري.

وبالرغم من إحساسنا بحقيقة ما ذهب إليه الدكتور حامد عمار من استنتاج, وهو لابد توصل إليه عن بينة علمية, فإننا نذهب لنرى ذلك بأنفسنا, حتى نكون عادلين مادمنا نطالب بالعدل الثقافي, لأننا لا نبالغ حينما نقول إننا بصدد قضية خطيرة تستحق أن ندق من أجلها الأجراس حتى ينتبه الجميع, إن كانوا غير منتبهين, وتتبع خطورة القضية من كونها متصلة بالتعليم الذي يمثل عصب البنية الاجتماعية لأي مجتمع من المجتمعات, ويعكس طبيعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في مرحلة تاريخية معينة لهذا المجتمع.

وحيث إن التعليم - في أي وطن - هو صلب البنيان الاجتماعي, فقد نظروا إليه - في إسرائيل - وكما يظهره الكتاب الذي نطالعه - كقوة داعمة وحاكمة تعمل على توجيه هذه العقول, كما تعمل على تغذية هذه العقول بمبادئ التربية المتعصبة, بما يشكل نوعًا من الضمان والأمان في تحقيق (الولاء المطلق للدولة) وخلق حالة من (حرية الانتقام الفوري والعنيف) من كل من يناهض هذه الأيديولوجية الصهيونية العنصرية من الغير, أو كل من قد يشكل عائقًا أمام تحقيق غاية إسرائيل الكبرى...ومن ثم تزيين الشعور العدواني (للشخصية الإسرائيلية) بما يصاحبه من تصرفات عدوانية لتحقيق الهدف (الأسمى) بأي صورة وبأي وسيلة.

إن الكتب الستة عشر, التي توافرت للكاتبة الباحثة, وعملت على دراستها شملت مناهج الدراسات الاجتماعية, وهي التاريخ والجغرافيا المقررة من بداية الصف الثالث حتى الصف السادس الابتدائي, وهي سنوات الحلقة التعليمية الأولى من التعليم الأساسي في إسرائيل. وجميع هذه الكتب باللغة العبرية, منها (11) كتابًا في التاريخ و(5) كتب في الجغرافيا.

ورأت الكاتبة أن أخطر هذه الكتب كان كتاب (أرض الوطن) بجزئيه الأول والثاني, حيث إن تدريسه للطلاب الإسرائيليين, يتم على مدار سنوات دراسية عدة, ولا ينحصر في الحجرات الدراسية فقط. تقول الكاتبة (إن خير شاهد على الثقافة العدوانية الصهيونية ما تبثه عبر مناهج التعليم خاصة الكتب العبرية, التي قمنا بتحليلها (تاريخ/جغرافيا) والتي تتعمد فيها تشويه الشخصية العربية, أي تشبيه العرب بـ(الثعابين والأفاعي), و(العرب اللصوص والمختلسون, والإرهابيون, والعرب اللصوص, والزائرون, والكلاب, والعرب اللصوص والمتوحشون, والعرب الأنذال, والعرب المتعطشون للدماء اليهودية, والعرب قطاع الطرق اللصوص, والعرب البدو والمتخلفون, والعرب عابرو السبيل, والعرب والمسلمون الفقراء الذين يعطف عليهم اليهود ويقبلون صداقاتهم المتواضعة, والعرب الذين يضطهدون اليهود, والعرب اللصوص والسفاحون والمتآمرون, والعرب الخونة, العرب اللاهون الممارسون للمصائب...إلخ).

وتلاحظ الكاتبة, ونلاحظ معها, أن كل نعت ينعت به العرب لابد وأن تلازمه كلمة (اللصوص) للحط من شأنهم, وتثبيت الازدراء والتعالي في نفوس التلاميذ المتلقين.

وفي المقابل تدور النصوص العبرية حول جمع وقيادة الجماعات اليهودية حول نظرية (الشعب المختار) أو (الشعب الأسطوري)..., وذلك لأنهم أفضل شعوب العالم بما يشير إلى رفعة (الجنس السامي), وكأن السامية وقف عليهم, ومن ثم اعتبروا أنفسهم الجنس الوحيد المتحدر من نسل إبراهيم - عليه السلام - وامتدادًا لابنه إسحاق من سارة. أما نسل ابنه إسماعيل من هاجر, فهم في مرتبة أدنى, وعليه, فقد تم تشبيه العرب الذين يتحدرون من نسل إسماعيل بأبشع الصفات.

لقد كان كل ما سبق قراءة إجمالية مواكبة لقراءة صاحبة الكتاب الدراسة, لكن دعونا نحتكم إلى نماذج حرفية من النصوص التي وردت في الكتب الدراسية الإسرائيلية لعلنا نكوّن رأيًا مستقلاً, ويكوّن غيرنا هذا الرأي حكمًا على ما تنطق به الكتب الدراسية الإسرائيلية نفسها. ولعلنا بهدف الإيضاح نرجع لبعض المراجع المفسرة لمصطلحات ما جاء في بعض هذه النصوص.

مقتطفات دالة

من كتاب (أرض الوطن), فصول من ميلاد الاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل في العصر الحديث, طبعة حديثة, سنة 2003 ميلادية, وهو في مادة التاريخ, الجزء الأول, وزارة التعليم, ص 90:

(وفقًا لقوانين الحراسة, يلتزم الحارس بأن يسمع دبة النملة على الأرض, وأن يكون سلاحه على أهبة الاستعداد, وأن يسترق السمع لبيت الزواحف العربية).

وكلمة حارس في هذا النص وغيره تشير إلى اليهودي المكلف بالحراسة, وقد كانت منظمة الحارس (هاشومير) من أولى العصابات الصهيونية التي عملت على ترويع الفلسطينيين, وكانت حليفتها عصابة (الهجاناه).

ويعتبر (تيودور هرتزل) أول من أطلق تعبير الأفاعي على العرب, حينما قام بالتفاوض مع السلطان العثماني (عبدالحميد الثاني) بشأن إعطاء فلسطين لليهود لتكون وطنًا قوميًا لهم. وحينما رفض السلطان طلبه استشاط (تيودور هرتزل) غضبًا وقال: (إن اسم عبدالحميد الثاني رمز لمجموعة من أحط الخبثاء, تحيط به مجموعة من العرب اللصوص وهذه العصابة ليست إلا مجموعة من (الأفاعي) السامة).

وعلى الصعيد نفسه, وصف (نسيم دهان) (من حزب شاس وكان وزيرًا للصحة وقتئذ) المصلين المسلمين في الحرم القدسي بأنهم (ثعالب ارتقوا تدريجيًا والآن هم أفاع وعقارب). كما أضاف: (إن المسلمين يتجولون اليوم بصورة آمنة في القدس, ويشكلون خطرًا علينا, ولكننا سنشهد في المستقبل أيامًا أفضل, وسنعرف من هم الأسياد, ومن هم العبيد).

ومن كتاب أرض الوطن أيضًا ص23:

(قاتل جماعة (الحارس) ضد الناهبين واللصوص والسفاحين والمتآمرين العرب. وقاموا بتأمين الطرق).

ومن الكتاب نفسه ص87:

(ومنذ الهياج الذي حدث عام 1837 وتحطم السور المطوق لمدينة طبريا, تفشى بين أبناء المدينة عدم الأمان والخوف من العرب القتلة).

ومن كتاب (بين أسوار القدس) المقرر على الصف الخامس - وزارة التعليم الإسرائيلية, طبعة سنة 2003, ص22:

(تدور الحياة في أورشليم بين الأسوار. تحوطها الجبال والمرتفعات التي تروع وتخيف اللصوص العرب).

ومن المرجع نفسه ص10:

(جماعة (الحارس) دافعوا عن المستوطنات ضد المتوحشين واللصوص العرب. وكان أعضاء (الحارس) من الصفوة, وكان السكان العرب ينظرون إليهم بهيبة, لقد تعلم العرب منهم حتى طريقة ارتداء ملابسهم).

ومن كتاب (القدس لي ولك) لرونيت نحميا, ونديفا برلموتر, للصف السادس بتصديق من وزارة التعليم, ص 83:

(في السنوات الأولى من القرن العشرين, زود كل حي بعدد من السكان, كل حي يضم أبناء طائفة معينة أو من بيئة واحدة, على سبيل المثال, الطائفة المميزة تسكن في مساكن مميزة, والطائفة اليمنية تستوطن (النحالوت) وهكذا).

ومن كتاب الخروج من الأسوار المقرر على الصف السادس, ص26:

(وجدت طائفتان مميزتان, هما: الطائفة السفاردية الهرمة والطائفة الأشكنازية الشابة الفتية, وقد اعترفت الحكومة بالطائفة الأشكنازية كطائفة خاصة مميزة).

ومرة أخرى من كتاب في أرض الوطن, ص85:

(في نهاية عام 1907, اجتمع في مدينة يافا شباب في غرفة أحد زعماء العمال (اسحق بن تسفي)... وتقرر في هذا الاجتماع إقامة منظمة (هاشومير)...سميت في بادئ الأمر باسم (برجيورا) نسبة إلى اسم أحد زعماء الثورة ضد الرومان في القدس. واختاروا لأنفسهم شعار: (بالدم والنار سقطت يهودا, وبالدم والنار ستقوم يهودا). وبعد مرور خمسة وعشرين عامًا نصب (إسحق بن تسفي) رئيسًا لدولة إسرائيل, وهو الرئيس الثاني لها).

إن عقدة الإسرائيليين الأساسية - المفتعلة - من وجهة نظرهم - أن أرض يهودا (الضفة الغربية) أرضهم ولا يمكن التفريط فيها. وهاهم يرسخون في أذهان النشء أفكاراً تقوم على (الدم والنار) حتى يشب الإسرائيلي, وقد تشرب الفكر الصهيوني بتصوراته الداعية إلى اعتماد العنف كأسلوب أساسي في مواجهة الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين.

والعبارة التي وردت في النص (بالدم والنار سقطت يهودا... وبالدم والنار ستقوم يهودا) ليست مجرد عبارة وضعها المؤلفون كإحدى شطحات الخيال, ولكنها تمثل عقيدة ثابتة وردت في الأساس على لسان الزعيم الصهيوني (دافيد بن جوريون) الذي يطلقون عليه اسم (النبي المسلح), وأصبحت هذه العبارة هي شعار منظمة (هاشومير) بدلاً من شعار الحراسة والدفاع.

ومن كتاب أرض إسرائيل, ص 60:

(تيودور هرتزل في كتابة الدولة اليهودية, سجل: إنني لم آت إليكم بفكرة جديدة, ولكنها فكرة قديمة, سادت العالم وهي ضرورة قيام دولة يهودية, فنحن اليهود حلمنا بالإمبراطورية كل ليلة منذ مولدنا, والآن لا يوجد ما يمنعنا ويعيقنا عن نشر عناصرنا النشطاء. فبيدنا نستطيع أن نحوّل الحلم إلى واقع).

ومن المرجع السابق, ص94:

(يعتبر الحلم الكبير للحراس, إقامة قرى, من أجل توسيع أراضي المستوطنات العبرية. وعدد من الحراس انشغلوا بالعمل الزراعي وعدد آخر انشغل بالدفاع أو الأمن. وجميعهم حلموا بإقامة قرية يمكن من خلالها العبور إلى الأردن. على أراضي البارون رتشيلد في (حوران) بيد أنه في المرحلة الأولى أقاموا مستوطناتهم في وادي يزرعال).

ومن كتاب (القدس مركز ثقافي وروحاني للشعب اليهودي) - مركز التكنولوجيا التعليمي - مادة الجغرافيا للصف الثالث, ص9:

(أورشليم, مدينة مقدسة, عاصمة إسرائيل الأبدية: أورشليم ليست فقط نقطة على خريطة العالم أورشليم فكرة ورمز, رمز لحياة وانتصارات الشعب اليهودي).

أين البصيرة?

إن كل ما يرمون به المسلمين, في بعض الدوائر الغربية, من جنوح للعنف ولا عقلانية في التفكير, هو - حتى لو كان به ظل من الحقيقة - ليس إلا انعكاسًا - في أسوأ الأحوال - لعنف أفظع ولا عقلانية أشد خبثًا تتسلط على المسلم العربي أو غير العربي, وما يحدث من إسرائيل ليس بخاف عليهم, ولا ينبغي أن يكون خافيًا. وشتان بين أن يكون الجنوح - على افتراض وجوده - فعلاً سافرًا كما لدى الإسرائيليين, وأن يكون رد فعل عشوائيًا ومتحيرًا في مواجهة ما يسكت عنه العالم.

هذا لا يعني الدفاع حتى النهاية عن كل ما يصدر في عالمنا الإسلامي, فهناك من وقائع وأفكار العنف المتطرف ما لا نستطيع إنكاره, ولا نستطيع الدفاع عنه, بل ندينه, من واقع تعاليم ديننا السمح, ومن طبيعة الفطرة الإنسانية السوية. لكننا نشعر بالمرارة جراء هذه الازدواجية, والكيل بمكيالين, أحدهما يضخم شوائبنا إلى حد تصوير الإسلام والمسلمين عدوًا كونيًا للغرب والحضارة الغربية, والثاني يلاشي العنصرية الفادحة, التي تعتنقها إسرائيل وتمارسها, ليس في مناهج التربية والتعليم فقط, بل على الأرض الفلسطينية المسروقة, التي تهرسها وتدميها الدبابات الإسرائيلية, وتقطع أوصالها الأسوار الإسرائيلية, وتحرق سماءها الطائرات الإسرائيلية.

إن النماذج التي عرضنا لها من هذا الكتاب الوثيقة عن تربية العنصرية في المناهج الدراسية الإسرائيلية تصرخ بما فيها من عجرفة وعدوانية وبغض وتسويغ لنهب وتشريد وترويع الآخر, الذي هو العرب, وهي عنصرية شاملة بكل تنويعاتها المقيتة. فأين ضمير العالم المتحضر, والنابذ للعنصرية, وللعنف الذي هو ممارسة تابعة لكل عنصرية. هل من عدل, ولو على المستوى الثقافي?!.

 

سليمان إبراهيم العسكري