لماذا الرياحين تغبطهُ..؟

 لماذا الرياحين تغبطهُ..؟

البنفسجُ غادرَ صهوته وانتهى للميادينِ بين يديْ صبيةٍ
جائعينَ يبيعونهُ فوق جسر الصبابات للعاشقينَ, وبينَ
إشارات جُندِ المرورِ, البنفسجُ لم يرتدعْ حين غادرَ
أشجارهُ النائحاتِ, ولم يتعظْ بعذاباتهِ واكتفى
بالدموع التي أغرقَتْ جَفْنهُ, حينما علّمَ الناسَ كيفَ
يُريقونَ ماء صباباتهمْ تحتَ أهدابِ فاتنةٍ أشَعَلتْ
نارها كي تصبَّ الرصاصَ المُحميَّ بأفواهِ صبوتهمْ,
وأنا مترعٌ بازدحامِ الفؤادِ إلى آخر السطر بالأمنياتِ
التي أحرقَتْ ألفَ حَقْلٍ من الوردِ, أو ترتديِ ثوبَ
صفصافةٍ سَطعتْ بالحماسِ الربيعيَّ عند اصطدام نوافذهِ
بالغيوم.. الهمومُ تُدجَّجُ أوقاته وتحاصرهُ,
والبنفسجُ فجرئذِ تائهٌ.. يتنقَّلُ بينَ موائدِ اسئلةٍ
نكأتْ فَرْحهُ, فلماذا الرياحينُ تغبطهُ, ولماذا البناتُ
الخجولاتُ شبهْنَهُ بالحبيبِ البعيدِ?, لماذا الوحيدُ يُعلّقُهُ
فوقَ جُدرانِ غربتهِ وينادي حبيباً نأى واشتهى غيرَ
ذاكَ الذي يشتهيهُ الوحيدُ?, لماذا الحبيبةُ هاربةٌ
من مواعيدها الزئبقيةِ, كيف أنا أحتفى بنداءاتِ
جُرحيِ ثلاثين نوْماً, ثلاثينَ برْقا هي النار تلدغ صدري,
ولا نبع ماء قريب, ولا همس لحن الرباباتِ,... قال
البنفسجُ قولتَهُ, وأنا قلتُ: هل للبنفسج بعض القراباتِ
من عائلاتيِ? وهل للسلالة تأثيرها في دمائيِ?... لجدّيِ
خرافاتهُ حين قال بأن ابنه مات, ثم ذهبنا لنقرأ فاتحةً
فوق شاهدِهِ, لم نجد شاهداً, ووجدنا بنفسجةً أزهرتْ
ووجدنا نساءً ينغمْنَ عدودةً في البنفسج, طافَ جناحٌ
من الذكرياتِ وألقى على كُلِّ قَبْرٍ مواعيدَ مِنْ مطرٍ واختفى
واختفينا..., أنا الآن صرتُ بلا وطنٍ يبتغيني, بلا مطرٍ
وارفٍ, كان يسقي الحنينَ لأرض تنازعها قمرانِ, الذي في
فضاء سماواتِهِ, والذي هو أنتِ.. إذن أنتِ بدرُ
اشتعال البنفسج, طيرٌ من الرقةِ الساحليةِ, أغرى فتى
من جحيم الجنوبِ, وهذّبهُ بالبكاء الجميلِ, وطارا معاً
ثم حطّا على همسِ نافذةٍ لُونتْ بهديلكِ, وارتميا عاشقينِ
على مخملٍ.. تلك كفكِ, تلك أساورك السوسنية,
تلك خواتم روحيِ معلقة في الأصابعِ, آنيةٌ لعصيرِ الأناناسِ,
وردٌ يسيلُ على جرح روحيِ, عصافيرُ تعزفُ لحن أناشيدها المدرسيةِ
ثمَّ يمام تسكَّع في رُدُهاتِ الهواءِ, نهارٌ أطلَّ, تقمصَ في عجلٍ
وجْهَ دفتكِ, نهر يُهرّبُ ضفتَهُ نحو دلتاه, تاه الفتى حينَ
أعلن عن عجزه وامتطى دمعهُ وارتضى بشجارِ النخيلِ على شاطيءٍ
لونه من دماهُ, الفتى تاه, ثم استوى ضاحكا, حين راقب عصفورةً
تتهجى حروف اسمها, وصباحا سيقرأ بعد كثيرٍ كتاب العلومِ,
يقلب في صورٍ زاهياتٍ, يرى شجرا يتخفف من حرَّ قمصانهِ,
وحصانا جميلاً يعانق مُهرتهُ غامزا للمصورِ, ثم يغادر صفحته
في حياء, غزالاً تودّدَ سبع ليالٍ لكي
يلتقي بالغزالة تحت
غصون من المسكِ,... إن البنفسج يضحك يضحك
في وجعٍ, فامسحوا دمعَهُ, ارجعوه إلى شوقِ أشجارِهِ...!

 

عزت الطيري