المرأة المسلمة كيف يفتري الغرب عليها? فوزية العشماوي

المرأة المسلمة كيف يفتري الغرب عليها?

يعتقد الغربيون أن المرأة في بلادهم قد حصلت على كامل حقوقها كإنسانة, أسوة بالرجل. ويعتقدون أيضًا أن هناك فرقًا شاسعًا بين المرأة والرجل في الإسلام, وأنها تساوي نصف رجل, لأنها تحصل على نصف مقداره في الميراث, ولأن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد.

ومن هذا المنطلق وضعوا معايير لقياس مدى تقدم الدول ورقيها, فأصبح احترام حقوق المرأة في أي دولة يعتبر معيارًا لقياس تقدم ورقي هذه الدولة. وكلما ازداد احترام الدولة للمرأة ولحقوقها ولمساواتها بالرجل في الدستور وأمام القانون, وكلما ارتفعت نسبة تعليم المرأة ونسبة وجودها في سوق العمل وفي البرلمان وفي الحكومة,ازداد احترام العالم لتلك الدولة, وتم اعتبارها من الدول الراقية المتقدمة.

ومما لا شك فيه أن الإسلام يعتبر أول الأديان السماوية التي اعترفت بالمرأة كإنسان كامل الأهلية, ومنحها المساواة بالرجل في الكرامة الإنسانية, وفي كونها خلقت مثله في نفس البوتقة البشرية يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها... , كما أكرم الله المرأة في الخطاب القرآني وفضلها على بقية المخلوقات مثلها مثل الرجل, وبالدرجة نفسها, حيث جاء في الآية الكريمة ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا , وقد استخدم العلي القدير في هذه الآية الكريمة مصطلح بني آدم أي سلالة آدم كلها من الرجال والنساء أي الإنسان, سواء أكان ذكرًا أم أنثى. وهذا التكريم المشترك المساوي المرأة بالرجل لم تعرفه اليهودية ولا المسيحية. كذلك نود التأكيد على أن الإسلام منح المرأة حقوقًا مساوية للرجل في أداء الشعائر الدينية, ولم يحرم على المرأة دخول أماكن العبادة (المساجد), مثلما تحرم المرأة اليهودية من دخول السيناجوج (المعبد اليهودي), كذلك لم يحرّم الإسلام على المرأة مسك المصحف الشريف وتلاوة القرآن (إلا إذا كانت المرأة في فترة الحيض أو النفاس), مثلما حرّمت اليهودية على المرأة الإمساك بالتوراة وتلاوتها في جميع الأوقات, حيث تعتبر المرأة في اليهودية مدنسة ولا يحق لها أن تدخل المعبد أو تمسك التوراة حتى لا تدنسهما.

افتراءات غربية

طبقًا للمنظور الغربي - غير الإسلامي - فإن الإسلام لا يعطي للمرأة المساواة مع الرجل, بل يعتبر مكانة المرأة في الإسلام أدنى من مكانة الرجل, ويبرر المستشرقون هذا الادعاء بأن الخطاب القرآني يقرر أن الرجل أفضل من المرأة ويستشهدون على ذلك بالآية الكريمة الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم.... ولكنهم نسوا أو تناسوا أن القوامة لا تعني السيادة ولا الأفضلية ولا السيطرة ولا الهيمنة على المرأة, ولكن تعني درجة أعلى في القيادة. وليس معنى القوامة الانفراد بالرأي والسيطرة وإلا لما أقر الإسلام مبدأ الشورى, وحث عليه في جميع أمور الحياة, بما في ذلك أمور إدارة الأسرة التي يشترك في إدارتها الزوج والزوجة حسبما جاء في الحديث الشريف كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته... , فالقوامة إذن معناها أن لكل من الرجل والمرأة درجة في سلم القيادة ودرجة الرجل هي أعلى درجة في السلم, لأنه مثل ربان السفينة, هو الذي يقودها ويوجهها, ولا يمكن أن يكون لأي سفينة منذ قديم الأجل وحتى زماننا هذا قائدان في الوقت نفسه وإلا غرقت السفينة.

كما يردد الغربيون أن المرأة في الإسلام مضطهدة ولا تتمتع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل المسلم, وأن الإسلام يحرم المرأة المسلمة من حق العلم وحق العمل وهذا الافتراء مردود عليه بأن الإسلام أقر حق المرأة في التعليم والعمل خارج البيت, فقد حث الرسول الكريم المسلمين على طلب العلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم), وكلمة مسلم هنا اسم جنس أي أنها تشمل الرجل والمرأة والأطفال. وينقل لنا التاريخ الإسلامي أن كثيرا من كبار العلماء والفقهاء تلقوا العلم على يد النساء, وتنقل لنا كتب السيرة أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت مرجعًا من أهم مراجع السيرة النبوية الشريفة وكانت فقيهة تراجع الرواة والقراء والفقهاء, وقد كرمها الرسول (صلعم) بحديثه الشريف خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء . كما تنقل لنا كتب التاريخ الإسلامي أن حفصة بنت عمر بن الخطاب وزوج الرسول كانت خطيبة فصيحة وراوية للحديث, وقد حافظت السيدة حفصة على الصحائف المكتوب عليها سور القرآن الكريم, والتي كانت في حوزتها, حتى سلمتها للخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فتم نسخها في أول مصحف في التاريخ, وتم توزيعه على الأمصار, ويرجع إليها فضل الحفاظ على تلك الصحائف, فلولا قوة إيمانها واحترامها وتقديرها للعلم ولقيمة هذه الأوراق لما حافظت عليها بكل هذه العناية.

كما أن الإسلام لم يمنع المرأة من ممارسة العمل خارج بيتها, فهذه أسماء بنت أبي بكر تباشر العمل في أرض زوجها الزبير بن العوام وتقول: (فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء... وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي, وهي مني على ثلثي فرسخ.. فلقيت رسول الله (صلعم) يومًا معه نفر من الأنصار, فدعاني ليحملني خلفه, فاستحييت أن أسير مع الرجال). وهذه الشفاء بنت عبدالله بن عبد شمس اشتغلت بتعليم القراءة والكتابة, وكانت معلمة حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين, وتميزت بالحكمة ورجاحة العقل, حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب ولاّها ولاية الحسبة أي وزارة التجارة والأسواق, والأوزان والمعاملات, فكانت تراقب وتحاسب وتفصل بين التجار وأهل السوق من الرجال والنساء. وتعتبر الشفاء بنت عبدالله بن عبد شمس أول امرأة تتقلد منصب وزيرة في الأمة الإسلامية.

ومن الافتراءات المنتشرة في الغرب أن الإسلام يعتبر المرأة قاصرًا, لذا فهو يعتبرها نصف رجل فلا تحصل إلا على نصف نصيب الرجل في الميراث وتعتبر شهادتها نصف شهادة الرجل. ونحن نرد عليهم بأنه طبقًا للإسلام تأخذ المرأة نصيبها من الميراث تطبيقًا لما جاء في الآية الكريمة للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون , وهذه الآية الكريمة تكفل للمرأة نصيبها في الميراث دون أن تحدد كمية هذا الميراث, أما الآية التالية فإنها تحدد كمية هذا النصيب في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين . ونصيب المرأة في الميراث من حقها وحدها ولها مطلق الحرية في إنفاقه أو عدم إنفاقه, فمن حقها أن تحتفظ به دون الإنفاق منه ويلزم الرجل سواء أكان زوجها أو أخوها أو ابنها بالإنفاق عليها.

هل هي نصف رجل?

أما الافتراء الذي يدعي أن المرأة تعتبر نصف رجل لأن شهادتها نصف شهادة الرجل فمردود عليه بأن شهادة المرأة جاء ذكرها في آية واحدة فقط في القرآن الكريم, وهي الآية الخاصة بكتابة وتدوين الديون المالية واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى . والحقيقة أن هذه الآية إنما تتحدث عن الإشهاد وليس عن الشهادة, وقد توصل كثير من الفقهاء إلى هذه الحقيقة, وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتليمذه العلامة ابن القيم, والإمام الأكبر الشيخ شلتوت الذي كتب يقول في تفسير هذه الآية: (إن قول الله سبحانه وتعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ليس واردًا في مقام الشهادة التي يقضي بها القاضي ويحكم, وإنما هو في مقام الإرشاد إلى طريق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل).

أما الشهادة في جميع مجالات الشهادة الأخرى مثل الشهادة في حالة الزنا أو في حالة اللعان أو في حالة الميراث فلم يذكر القرآن الكريم أبدًا جنس الشهود. وقد خلص المفكر الإسلامي د.محمد عمارة إلى خلاصة مستنيرة في قضية شهادة المرأة في كتابه (التحرير الإسلامي للمرأة) حيث يقول: (على أن المرأة كالرجل في هذه الشهادة على بلاغ الشريعة ورواية السنة النبوية فالمرأة كالرجل في رواية الحديث, التي هي شهادة على رسول الله (صلعم)... فكيف تقبل الشهادة من المرأة على رسول الله (صلعم) ولا تقبل على واحد من الناس?).

ومن الافتراءات الخبيثة على المرأة المسلمة في المجتمعات الأوربية الادعاء بأن الإسلام يعطي للرجل المسلم حق شراء زوجته, حيث يدفع لها مهرًا أي ثمن حبسها في البيت وتحجيبها, ثم ينفق عليها طوال مدة الزوجية فيصبح من حقه أن يحبسها ويضربها ثم يطلقها بلا أي سبب حين يشاء, ويطردها من بيت الزوجية, ويحرمها من حضانة أولادها. والغربيون يصدقون هذا الافتراء بل نجدهم يرددون ذلك في بعض المؤتمرات الدولية. لذا يجب على المسلمين أن يقوموا بالرد على هذه الافتراءات والتأكيد على أن الإسلام أعفى المرأة من الإنفاق على الأسرة, وجعل الرجل يتكفل بذلك فهو مسئول عن الإنفاق على نساء الأسرة, وهو ملزم بذلك أمام القانون الوضعي في معظم الدول الإسلامية مهما كانت ثروة المرأة ومقدرتها المادية.

وهذا يقودنا إلى التأكيد على أن الإسلام منح المرأة استقلال الذمة المالية, وذلك قبل كل الحضارات والأديان الأخرى. فالديانة اليهودية مثلا تعتبر أن المرأة وكل ما تملكه ملكًا لزوجها يتصرف هو في مالها بحرية وليس لها الحق في مراجعته. وكان هذا هو حال المرأة الغربية في أوربا منذ القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر, بينما المرأة المسلمة تمتعت بحق استقلال الذمة المالية منذ ظهور الإسلام, الذي كفل لها حق البيع والشراء وإبرام العقود دون أي تدخل من أي رجل سواء أكان أبًا أو أخًا أو زوجًا أو ابنًا.

وهناك افتراء آخر شديد الانتشار ومفاده أن المرأة المسلمة ليس لها رأي في مسألة زواجها واختيار شريك حياتها, وأن رجال أسرتها سواء أبيها أو أخيها أو عمها هم الذين يختارون لها زوجها ويفرضونه عليها, وتلك مقولة ظالمة, الإسلام بريء منها - وإن كانت بعض المجتمعات القبلية لاتزال أسيرة لمثل هذه التقاليد البالية التي لا تمت للإسلام بصلة, حيث إن الإسلام منح المرأة حق اختيار زوجها, ويكون عقد الزواج باطلاً دون موافقتها. فقد روت السيدة عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلعم - أنه قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر, والبكر حتى تستأذن), فقالت - السيدة عائشة: (يا رسول الله, البكر تستحي), قال: (رضاها صمتها). وروى البخاري عن امرأة تدعى خنساء بنت خدام الأنصارية زوّجها أبوها من رجل دون رضاها, فأتت رسول الله - صلعم - وشكت إليه أمرها, فرد نكاحه. وعن عبدالله بن عباس قال: (جاءت فتاة بكر إلى رسول الله فشكت أن أباها زوّجها من رجل وهي كارهة له, فخيّرها النبي - صلعم - بين قبوله أو رفضه.

ونضيف إلى ذلك حق احتفاظ المرأة المسلمة باسمها الذي كفله الإسلام لها, فهي تحتفظ باسمها واسم أبيها وعائلتها, ولا ينمحي اسمها بالزواج من رجل, حتى وإن كان هذا الرجل رسول الله - صلعم - فالتاريخ الإسلامي يذكر لنا النساء بأسمائهن, وليس بأسماء أزواجهن, هذه خديجة بنت خويلد, وهذه عائشة بنت أبي بكر, وهذه حفصة بنت عمر بن الخطاب لم يذكرهن أحد أبدًا باسم زوجهن الرسول الكريم, لم يذكرهن أحد أبدا باسم حرم محمد بن عبدالله, والاحتفاظ بالاسم إنما هو أكبر دليل على مساواة الإسلام المرأة بالرجل, فهي كائن مستقل مثلها مثل الرجل, وليس مثل المرأة الأوربية والأمريكية, التي كانت حتى سنوات قليلة تفقد هويتها بالزواج وينمحي اسمها واسم عائلتها, وتأخذ اسم زوجها وعائلته.

حق الطلاق

ومن بين الافتراءات الغريبة المسيئة للمرة المسلمة مقولة إن الإسلام لا يمنح المرأة حق الطلاق, وأن الرجل هو الذي يقرر الطلاق بمفرده, وحسب مزاجه, وأن المرأة المسلمة لا تستطيع المطالبة بالطلاق. والحقيقة خلاف ذلك لأن المرأة المسلمة من حقها الطلاق والانفصال عن زوجها, إذا رغبت في ذلك بسبب عدم استطاعته الإنجاب, أو بسبب إصابته بمرض عضال لا شفاء منه, أو بسبب عجزه الجنسي. فالإسلام يعطيها الحق في الطلاق, مع الاحتفاظ بكل حقوقها المالية المترتبة عن الطلاق. وكذلك منح الإسلام المرأة حق الطلاق لعدم تلاؤم الطباع أو لأي سبب آخر, فالقرآن ينهى عن عدم طلاق الزوجة والاحتفاظ بها للإضرار بها, خاصة إذا كانت ترغب في الطلاق, كما جاء في الآية الكريمة فامسكوهن بمعروف أو سرّحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه... . كذلك أقر الإسلام حق المرأة في الطلاق على أن تفدي نفسها وتقوم بتعويض الزوج عن خسارته المادية الناجمة عن طلاقها, بناء على رغبتها طبقًا للآية الكريمة فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به... . وهذا الطلاق بناء على رغبة الزوجة يسمى (الخلع) وهو موجود ومتعارف عليه منذ عهد الرسول - صلعم - مثلما حدث مع الصحابية التي استشارت الرسول في طلب طلاقها من زوجها لأنها لا تطيقه, أي لا تحبه, بالرغم من أنه إنسان كريم, وكان هذا الزوج قد منحها حديقة كمهر وصداق, فاشترط عليها الرسول - صلعم - مقابل حصولها على الطلاق أن ترد عليه حديقته ففعلت فطلقها زوجها.

أما الافتراء الذي تعاظم في السنوات الأخيرة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001, فهو الافتراء على المرأة المسلمة بسبب ارتدائها الحجاب الشرعي, وعلى الأخص غطاء الرأس, حيث يعتقد الغربيون أن المسلمين الرجال هم الذين يفرضون على المرأة المسلمة ارتداء الحجاب. وطبقًا لهذا الافتراء, فإن حجاب المرأة المسلمة بالنسبة لهم دليل على خضوع المرأة للرجل, حيث يدّعون أن المرأة المسلمة تابعة للرجل, وترتدي الحجاب لتتوارى وراءه, فلا يكون لها ظهور ولا وجود إلى جوار الرجل, بل تعيش في الخفاء وراء حجاب فرضه الرجال المسلمون عليها ليحجبوها عن المدنية الحديثة, وعن العمل وعن المشاركة الفعّالة في المجتمع.

ونرد عليهم بأن الإسلام لم يمنع المرأة من المشاركة الفعّالة في جميع أوجه الحياة الاجتماعية والسياسية, ولم يفرض الإسلام على المرأة الانحباس في البيت وعدم استقبالها لضيوف زوجها من الرجال في حضور زوجها في بيتهما, وعدم خروجها إلى الاجتماعات العامة, وعدم العمل خارج بيتها. فكل ذلك يعتبر من الافتراءات, لأن المرأة المسلمة في عهد الرسول - صلعم - كانت تستقبل ضيوف زوجها في بيتهما, وتشارك زوجها في مجلسه وتستقبل ضيوفه وتضيفهم وتشاركهم الطعام. ونذكر هنا ما جاء في البخاري ومسلم أن أبو أسيد الساعدي دعا النبي - صلعم - وأصحابه لحضور عرسه, فما صنع لهم طعامًا ولا قرب إليهم إلا امرأته أم أسيد, فكانت خادمتهم يومئذ, وهي العروس, بلّت تمرات في تور (إناء) فلما فرغ النبي - صلعم - من الطعام, أماثته (أذابته) له فسقته, تنحفه (تخصه) بذلك). هكذا كانت العروس تستقبل ضيوف زوجها وتضيفهم بنفسها وبيديها, ومنهم رسول الله - صلعم -.

في حضرة الرسول (ص)

كما أن المرأة في عهد الرسول - صلعم - كانت تخرج لاجتماعات عامة في مسجد الرسول - صلعم - بالمدينة, حيث يدعو إليها مؤذن الرسول بلال - كرّم الله وجهه - كما كانت النساء يذهبن إلى مسجد الرسول للصلاة ورائه, ولسماع دروسه وخطبه الدينية, وما ينزل عليه من وحي. كما طالبت النساء الرسول الكريم بدروس خاصة بهن في المسجد, لأن الرجال يغلبوهن عليه في المسجد, فاستجاب الرسول الكريم لذلك. وهذا معناه أن النساء كن يحضرن دروس الرسول العامة في المسجد إلى جانب الرجال, ولكن نظرًا لكثرة عدد الرجال, كانت النساء المسلمات لا يتمكن من توجيه الأسئلة إلى الرسول مباشرة, لذا طالبن بتخصيص دروس لهن وحدهن, بينما فسر الفقهاء ذلك بضرورة فصل الرجال عن النساء في الدروس العامة, في حين كانت النساء في عهد الرسول يصلين في صحن المسجد نفسه, خلف الرجال, لم يكن هناك ما يسمى حاليًا بالسندرة أو بالحرملك, فكل ذلك اختراعات وبدع لم تكن موجودة في عهد الرسول الكريم في المدينة المنورة.

وأما الافتراء والادعاء بأن الحجاب رمز لخضوع المرأة المسلمة, وأن الرجل هو الذي فرض الحجاب عليها لعزلها عن الحياة الاجتماعية, فنجيب عليهم بأن الحجاب أمر من الله عز وجل نزل واضحا وجليا في آيتين كريمتين هما وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن . و يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيما . فالمرأة المسلمة ترتدي الحجاب طوعًا وامتثالاً لأمر الله ورسوله الكريم وليس خضوعًا للرجال كما يتوهم الغربيون.

وكلنا نعرف مدى تعسف بعض الدول الأوربية وعلى رأسها فرنسا التي شنت حملة شعواء على الحجاب الإسلامي, وأصدرت أخيرًا قانونًا تم التصويت عليه في البرلمان الفرنسي, وحصل على أغلبية ساحقة يمنع التلاميذ من ارتداء الرموز الدينية ومن بينها الحجاب في المدارس الابتدائية والثانوية الحكومية الفرنسية, وبالرغم من كل الاعتراضات من جميع أنحاء العالم ضد هذا القانون, فإن هذا القانون تم تطبيقه في فرنسا منذ العام الدراسي 2004. ولا نريد هنا أن ندخل في تفاصيل هذا القانون الفرنسي ومدى مشروعيته, فليس هذا موضوع بحثنا, ولكننا نريد أن نؤكد على أن هذا القانون لا يتعرض للطالبات في الجامعات الفرنسية اللواتي لهن الحق في ارتداء الحجاب في الجامعات الفرنسية الحكومية, ولكن القضية قضية التعليم الإلزامي الذي تريده فرنسا علمانيًا لجميع التلاميذ والتلميذات دون تفرقة بسبب المعتقدات الدينية.

وفي الواقع أن الفرنسيين أعطوا لقضية الحجاب الإسلامي بعدًا سياسيًا, واعتبروه رمزا من الرموز الدينية, وقرروا أنه رمز لخضوع المرأة المسلمة للرجل, بينما الحقيقة أن الحجاب الإسلامي ليس رمزًا دينيًا, ولكنه فرض من فرائض الدين الإسلامي على المرأة المسلمة, أي أنه أمر يتعلق بالعقيدة الدينية ويندرج تحت حق التعبير عن الرأي وممارسة العقيدة الدينية, وليس تحت بند الرموز الدينية. ومن المعروف في القانون الدولي أن حق التعبير عن الرأي من الحقوق الأساسية المذكورة في دساتير جميع الدول الأوربية وفي الميثاق العالمي لحقوق الإنسان, وهذا القانون الفرنسي يعد خرقًا للمادتين 18و19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللتين تنصان على حق كل إنسان في حرية التعبير وفي حرية ممارسة عقيدته الدينية.

ولم يكتف الأوربيون بالافتراء على المرأة المسلمة في حياتها, بل افتروا عليها أيضًا بعد وفاتها وانتقالها إلى السماء, فقد ادّعوا كذبًا أن الإسلام حرم الجنة على النساء وجعلها حكرًا على الرجال المسلمين, لأن الإسلام وعد الرجال المسلمين بالجنة وبالحور العين فيها, وحرّم الجنة على المرأة المسلمة, وهذا الافتراء والادّعاء الكاذب مرفوض ومردود عليه بالآية الكريمة التي ذكرناها عن أجر الأعمال الصالحة, كما أن هناك أكثر من آية قرآنية تؤكد على دخول المؤمنات الجنة مثل المؤمنين تمامًا مثل الآية التالية: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم .

الإسلام بريء

علينا أن نؤكد للغرب أن كثيرا من الشوائب التي تشوّه صورة المرأة المسلمة ليست لها علاقة بالإسلام, لأن الإسلام جعل للمرأة مكانة رفيعة, لو تم تطبيق الدول الإسلامية لها مثلما كانت مطبقة في عهد الرسول - صلعم - في المدينة المنورة لحسدتها المرأة الأوربية على تلك المكانة. كذلك يجب تطوير الرؤية الإسلامية المستقبلية لوضع المرأة في الإسلام والارتقاء بشأنها في مجتمعاتنا الإسلامية. ومما لاشك فيه أن من أهم أسباب تدحرج معظم الدول الإسلامية من دول نامية إلى دول أقل نموًا حسب تقييم البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي, ومن أسباب انخفاض معدلات النمو وارتفاع انتشار نسبة الأمية والجهل والفقر, والتراجع في ميادين العلم والاختراعات والتكنولوجيا والانتاج في كثير من الدول الإسلامية, إنما يرجع إلى عدم احترام مبادئ حقوق الإنسان وعدم المساواة بين الرجل والمرأة, مثلما جاء في النصوص الدينية الإسلامية الثابتة التي ذكرناها في هذا البحث. كما يرجع ذلك أيضًا إلى التقاليد الزائفة التي ورثناها عن عهد الإمبراطورية العثمانية, والتي ظلت راسخة حتى عهد قريب, حيث حرمت المرأة من حقوقها الأساسية المنصوص عليها في القرآن الكريم وفي الأحاديث وفي السنة النبوية الشريفة.

إن حرمان المرأة المسلمة من حقوقها لقرون طويلة باسم الإسلام - بينما الإسلام بريء من ذلك - تسبب في تراجع الأمة الإسلامية تراجعًا مزريًا, مازلنا نعيش آثاره المدمرة في بعض مجتمعاتنا الإسلامية. فقد كانت المرأة المسلمة حتى بداية القرن العشرين تعيش في ظلمات الجهل والانحصار بين جدران البيت, فلم تكن تخرج منها إلا ثلاث مرات: من بطن أمها إلى العالم, ومن بيت أبيها إلى بيت زوجها, ومن بيت زوجها إلى القبر, وإنني أتحدى من يجد أساسًا في النصوص الدينية الإسلامية الثابتة لهذا الجهل المقدح, الذي يجد - مع الأسف الشديد - بعض الصدى في أفواه كثير من مدّعي الدعوة الإسلامية المنتشرين في بعض الدول الإسلامية في هذه الأيام.

ونأمل أن تحصل المرأة المسلمة التي تعيش في الدول الأوربية على كل حقوقها وتتم مساواتها بالمرأة الأوربية في هذه الدول الأوربية دون تفرقة, بحجة أن المسلمة الأوربية ترتدي الحجاب, وهذا يجعلها مثل المعاقين - حسب رأيهم - وهذا نوع من الافتراء. وعلى المرأة المسلمة التي تعيش في المجتمعات الغربية أن تدحض هذه الافتراءات وتثبت بتصرفاتها وحسن أخلاقها أن الإسلام منحها حقوقها كاملة, ويجب عليها أن تهتم أكثر ما تهتم بتنشئة أولادها على الأسس الراسخة للدين الإسلامي.

إن المرأة هي نصف المجتمع, ومستقبل المجتمعات الإسلامية في النهوض بمستوى المرأة ومحو أميتها وتنشئتها التنشئة الإسلامية السليمة ومنحها الحقوق التي كفلها لها الإسلام, ولا ننسى أبدا ما وصانا به الرسول الكريم استوصوا بالنساء خيرًا وخيركم خيركم لأهله والنساء شقائق الرجال .

 

فوزية العشماوي