السوق الخليجية المشتركة.. الحلم إذا تحقق!
منذ عقود وقضايا الشرق الأوسط هي الأعلى صخبا في العالم، تحتل افتتاحيات الأخبار ومانشيتات الصحف، لكن هذا لا يعني أن المنطقة لا تشهد غير الصراعات والحروب، فلم يخل الأمر من أحداث إيجابية كبري، كان أبرزها إعلان قيام «السوق الخليجية المشتركة» في ختام قمة الدوحة الأخيرة, ديسمبر 2007 الماضي.
تجربة مجلس التعاون منذ بداياتها مغايرة لجميع محاولات الوحدة العربية السابقة، التي لم يحالفها الحظ لأسباب عديدة جعلت إخفاقها حتميا، فدول الخليج العربية استوعبت أسباب ذلك الفشل وتفادتها ببناء وحدتها على أسس اقتصادية كمرتكز راسخ، يملائم طموحات شعوبها، ويعفيها من الخلافات، بدرجة تشبه إلى حد كبير ما فعلته دول الاتحاد الأوربي، التي أمكنها تجاوز التعقيدات السياسية، فجاءت خطى مجلس التعاون ثابتة واثقة.
ونصّ إعلان «السوق الخليجية المشتركة» على أن: «يعامَلَ مواطنو دول المجلس الطبيعيون والاعتباريون في أية دولة من الدول الأعضاء نفس معاملة مواطنيها من دون تفريق أو تمييز في جميع المجالات الاقتصادية».
وكان الأمين العام لمجلس التعاون عبد الرحمن العطية قد وصف قيام «السوق الخليجية المشتركة» بالتاريخي «لانسجامه مع الغايات التي نص عليها النظام الأساسي للمجلس من تقوية الأواصر التي تربط الدول الأعضاء، ويساعد بقوة في تعزيز اقتصاداتها ويقوّي موقفها التفاوضي وقدراتها التنافسية عالميا».
ويرى الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون، ورئيس المركز الديبلوماسي للدراسات عبد الله بشارة أن «الفيدرالية الاقتصادية» بين الدول الست الأعضاء ستصل إلى الكونفدرالية الخليجية ربما خلال عقد من الزمن إذا اكتمل تنفيذ الإجراءات التي تتطلبها السوق الخليجية الموحدة، لأن الوحدة الاقتصادية التي انطلقت بقمة الدوحة في ديسمبر 2007 تعني ما يلي:
- حق مواطني دول مجلس التعان في ممارسة التجارة بكل أنواعها بما فيها شراء وبيع العقارات والأسهم وإنشاء الصناعات والمزارع وشركات الخدمات والاتصالات والمواصلات.
- حرية انتقال رءوس الأموال وتوظيفها في كل الأنشطة الاقتصادية.
- حرية ممارسة الحرف والمهن (أطباء، محامون، استيراد، وتصدير،..).
- المساواة في أنشطة التعليم والصحة والتأمينات والتقاعد والخدمات الاجتماعية.
وهذه الحزمة الواسعة من التكامل ستسحب مجلس التعاون إلى التداخل المصلحي بين المواطنين، وربما تزيل وبشكل نهائي قوائم الممنوعات والمحظورات في المجالات الاقتصادية، وستدخل دول الخليج لهذا السبب في ديناميكية اندماجية تدفع بها نحو الكونفدرالية، وهي احترام سيادة كل دولة ونظامها وحكومتها ضمن إطار موحد في السياسات الاقتصادية والمواقف السياسية والتنسيق العسكري.
وهناك إرادة سياسية ممثلة في قرار القادة تدفع بها نحو التكامل، وهناك ديناميكية وزخم اقتصادي يلعبان دور القاطرة نحو هذه الكونفدرالية، والمطلوب الآن سرعة إصدار التشريعات من كل دولة من الدول الأعضاء.
ويرى أيضا أن إعلان السوق الخليجية المشتركة يعني قيام سوق واحدة من جنوب عمان إلى شمال الكويت، وبعدما كانت التجارة البينية بين الدول الأعضاء ستة بلايين دولار في الثمانينيات ستصل إلى ثلاثين بليونا خلال العام 2008.
- وارتفع الدخل النفطي من 400 بليون دولار في 2006 إلى 550 بليونا في 2007، وستصرف دول المجلس خلال العقد المقبل 700 بليون دولار لتطوير البنية التحتية وإقامة المنشآت النفطية ومكملاتها من طرق وموانئ ومخازن، وهي تملك أكبر احتياطي نفطي في العالم
- والقوة الاقتصادية لدول الخليج التي تصل إلى 800 بليون دولار سائلة تعطيها قوة تفاوضية ومكانة مميزة في الاقتصاد العالمي.
- ووصل دخل الفرد فيها إلى 20 ألف دولار في 2006.
- ويحق للمواطن العيش في أيِّ من دول المجلس، وممارسة أي نشاط، ومتابعة الدراسة والاستفادة بالخدمات الاجتماعية والصحية.
- والارتفاع بالإنتاج الصناعي والزراعي والخدماتي لسوق يبلغ سكانها 38 مليون نسمة.
- وارتفاع مستوى التشغيل في جذب الاستثمارات الأجنبية التي ستجد أمامها سوقا واسعة بإمكانات مرتفعة في الخدمات والبنية التحتية.
- وخلق فرص عمل واسعة للكفاءات الخليجية.
- وتنمية المهارات والاتساع في التدريب كما ونوعا، وتطويرالإمكانات الذاتية لدول المجلس.
- ووضع تشريعات جديدة تتلاءم مع واقع السوق الخليجية الموحدة.
- والتوسع في إقامة مصادر دخل جديدة لتخفيف الاعتماد الكلي على النفط.
- وتوظيف فوائض الميزانيات في مشاريع مثمرة داخل دول المجلس بعد اتساع فرص الاستثمارات التي توفرها السوق الموحدة.
- وزيادة المنافسة في نوعية المنتج الخليجي.
- وستُدخل السوق الموحدة اقتصاد دول الخليج في ما يسمى اقتصاد الحجم المغري للاستثمار لإنشاء صناعات تحتاج إليها المنطقة، بما يفرض على المستثمر حسن الاستخدام لرءوس الأموال.
- والسوق الواحدة تعني التنفيذ الكامل لحقوق المواطنة الاقتصادية التي دعا إليها القادة عند توقيع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة في قمة الرياض في نوفمبر 1981.
وعن المدى الذي يمكن أن تأخذ السوق الخليجية مجتمعاتها إليه قال بشارة: «إنها ستنشئ اقتصادا خليجيا قويا متنوعا يملك سيولة كثيفة، وسيساهم في إدخال تبدلات كثيرة على الواقع الحالي، وهناك بعض الحقائق لابد من ملاحظتها:
- القبول الصادق بأن العمل المشترك لايستقيم مع الإصرار على السيادة وتحصينها، وهناك شروط للعمل الجماعي أبرزها قبول المسئولية التي يفرضها العقد الخليجي السياسي والاقتصادي والسوق الموحدة أبرز ثمارها.
- والخوف من التضخم في الارتفاع الاستهلاكي، وفي العقار، وأسعار الصناعة.
- والخوف من آثار تذبذب العملات التي ترتبط بها دول الخليج.
- وضرورة تنويع مصادر الدخل التي ستفرضها السوق الموحدة.
- وتطويع القوانين المحلية لمصلحة الآليات الجدية التي يتطلبها العمل المشترك.
- والوضع الخليجي الاجتماعي والاقتصادي سيتبدل مع تعاظم دور السوق الموحدة.
- وهناك لجنة دائمة لمتابعة تنفيذ الإجراءات واللوائح ودراسة مسببات التأخير، وهذه اللجنة العين الساهرة لتنفيذ قرارات القادة، وتملك صلاحيات لاتخاذ خطوات تعجل في تنفيذ هذه القرارات».
وعما إذا كانت السوق الخليجية ستصبح استهلاكية للدول الأجنبية فقط قال: «السوق الخليجية ضرورة لأسباب كثيرة أبرزها تنويع مصادر الدخل، ووضع أساس لاقتصاد وطني قائم على أسس منتجة في الصناعة وفي الخدمات وفي مشتقات النفط، بدلا من الاقتصاد الريعي الذي كان ظاهرة خليجية، والسيولة ليست قوة اقتصادية، بل وسيلة لخلق اقتصاد صلب متين يقوم على مهارات متعددة، وبلا شك المنطقة تستفيد مما تملكه الدول الصناعية في التكنولوجيا وفي علم الاتصالات، بالعمل المشترك الخليجي الأوربي، والخليجي الياباني، والخليجي الأمريكي في تأسيس شركات ومصانع الدخول في مشروعات مشتركة».
وعن قدرة السوق على تحويل مجلس التعاون دولاً منتجة توفر لمواطنيها الأمن الغذائي والصناعي، وتحولهم إلى شركاء فاعلين في حركة الإنتاج العالمية أوضح أن: «السوق الخليجية لن تستغني عن استيراد المواد الغذائية والتكنولوجية والصناعية، وستوفر السوق الموحدة اقتصادا خليجيا مشابها لاقتصاد دول تعتمد على تصدير المنتج، بدلا من التصدير المكتشف والمقيد بسلعة واحدة غير متجددة، وستوفر السوق إنتاجا خليجيا متنوعا أقل سعرا من المستورد، ومجالات واسعة للاستثمار، وستحول المنطقة إقليماً جاذباً وواعداً ومرتبطاً بالاقتصاد العالمي وليس مجرد ممول للطاقة، بل شريك فاعل في التنمية العالمية».
وعما إذا كانت السوق الخليجية بداية لإنشاء سوق عربية مشتركة أجاب: «أعتقد أن السوق الخليجية ستدفع نحو اكتمال السوق العربية الواحدة التي تتعثر بسبب تردد الدول في تخفيض اللائحة الضريبية لأن معظمها يعتمد على المصدر الجمركي، والسوق الخليجية الواحدة لها تعرفة جمركية واحدة 5% على جميع أنواع المستورد الخارجي، وليس بينها معوقات ضريبية، وستكون عامل ضغط للإسراع في الوصول إلى تفاهم حول المعوقات الضريبية بين الدول العربية، وستدفع نحو إزالة القوانين البالية التي لا تشجع المستثمر ولا تعطيه الاطمئنان، والصوت الخليجي في القرار الاقتصادي العربي سيكون القاطرة نحو اكتمال السوق العربية المشتركة، وعندما تنعقد القمة الاقتصادية العربية في الكويت ستكون أمام القادة تجربة خليجية تنطلق بمفردها نحو العالمية إذا لم يتحرك القادة لانتشال السوق العربية المتعثرة».
إزالة الجمارك وتوحيد العملة
وكانت الأوساط المالية الإقليمية والدولية قد أجمعت على أن هذه السوق نتيجة طبيعية للجهود التي بذلتها دول «مجلس التعاون» منذ إنشائه عام 1981، وتجسيدا لأحلام مواطني الدول الست.
ومعروف أن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي وقّعها قادة مجلس تعاون دول الخليج عام 1981 شكّلت أول خطة اقتصادية متكاملة، طبقت بخطوات متدرجة، منها إقامة منطقة تجارة حرة، واتحاد جمركى، وكذلك البرنامج الزمني الذي أقره المجلس الأعلى فى دورته الثالثة والعشرين عام 2002 لاستكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة، وفي 2005 جرى تحديد المعايير اللازمة للاتحاد النقدى والانتهاء من تشريعات السلطة النقدية التي ستتولى مهام إصدار العملة، وإدارة السياسة النقدية الموحدة، وسيتم استكمال اللجان المعنية خلال الفترة المقبلة تمهيدا لتوحيد العملة في يناير 2010 مما يعد نقلة كبيرة من التنسيق إلى التكامل.
فهل يعني تفعيل السوق الخليجية المشتركة في بداية ينايرالماضي إزالة الجمارك نهائيا بين الدول الأعضاء؟ أم سيتم ذلك تدريجيا، وهل سيتم توحيد الضرائب بالضرورة؟ أم ستظل هناك بعض الفروق؟
يرى وزيرالمالية الكويتي مصطفي جاسم الشمالي أن: «قيام السوق خطوة باتجاه التكامل الاقتصادي الخليجي ولا يعتبر بديلا للاتحاد الجمركي، حيث إن التكامل الاقتصادي بين التجمعات الدولية لابد أن يبدأ بخطوة أولى هي إنشاء منطقة تجارة حرة، والخطوة التالية هي الاتحاد الجمركي، ثم السوق الخليجية المشتركة، وبعدها الاتحاد النقدي وأخيرا التكامل الاقتصادي، مع ملاحظة أن تطبيق أي من هذه الخطوات لايلغي الخطوة السابقة وإنما يكمل ما سبق إنجازه، ودول مجلس التعاون كانت قد بدأت بإلغاء الرسوم الجمركية على الصناعات الوطنية، ثم قامت بتوحيد التعرفة الجمركية على الواردات من الخارج عند إعلان قيام الاتحاد الجمركي مطلع 2003، وتسعى حاليا لإلغاء المهام الجمركية للمراكز البينية والاتفاق على آلية التحصيل المشترك باعتبارها من متطلبات الاتحاد الجمركي.
وتعكف دول المجلس حاليا على دراسة إمكان وضع نظام ضريبي موحد يطبق بصورة جماعية يعتمد على نظام الضرائب غير المباشر (القيمة المضافة)، وهذا الموضوع لايزال تحت الدراسة، بعدما قطعت دول المجلس خطوات كبيرة في التكامل الاقتصادي بانتقالها من منطقة تجارة حرة إلى اتحاد جمركي إلى سوق خليجية مشتركة.
وحول توحيد العملة في دول مجلس التعاون المقررعام 2010، وهل سيضاعف فعالية السوق الخليجية المشتركة ؟ وهل سيؤدي لإلغاء العملات الوطنية في الدول الست ؟ قال وزير المالية الكويتي: « توحيد العملة الخليجية يعني بالضرورة إلغاء جميع العملات الوطنية في الدول الأعضاء بالاتحاد النقدي واستبدالها بعملة موحدة مما يسهم بفعالية في دعم السوق الخليجية المشتركة، وارتفاع اقتصادات دول المجلس على النطاقين الإقليمي والدولي، كما يساعد على انسياب رءوس الأموال الخليجية في المنطقة وزيادة حجم الاستثمارات، وتقوية سعر صرف العملة الخليجية الموحدة أمام العملات الأخرى».
تريليون دولار
ووفق التوقعات فمساواة مواطني مجلس التعاون في تعاملات البورصات سيخلق سوقا ضخمة تضم أكثر من 630 شركة يتجاوز إجمالي رأسمالها تريليون دولار، مما يفتح خيارات أوسع للمستثمرين الخليجيين الذين كانوا يُعدّون من «الأجانب»، وتباينت الآراء حول مساواة مواطني الدول الست في الاكتتابات الأولية، فيرى البعض إنها ستكون حتمية في ظل السوق المشتركة، وذهب آخرون إلى أن الاكتتابات الأولية ستظل وقفا على مواطني كل دولة على حدة، باعتبارها إعادة توزيع للثروة الوطنية، وتداول الأسهم سينعكس إيجابا على الأسواق التي قطعت خطوات جيدة في تحديث الأنظمة واستعادة ثقة المستثمرين، وعودة تدفق السيولة، وعودة رءوس الأموال الخليجية من الخارج، لأن قرار إقامة السوق المشتركة يعطي مصداقية لأداء الاقتصادات الخليجية وتوجهاتها المستقبلية، من حيث تحرير حركة رءوس الأموال بين دول التعاون، وفي 2010 سيتم توحيد سعر الأصول في الأسواق الخليجية بعد إقرار العملة الخليجية الموحدة، ويتوقف الأمر على قدرة الأجهزة التنفيذية في تطبيق قرارات القادة ورفع العراقيل من أمامها.
موقف الغرف التجارية
وكان اتحاد غرف دول مجلس التعاون قد رحب بالسوق الخليجية المشتركة التي مهدت الطريق لعقد اتفاقيات ثنائية وجماعية بين رجال الأعمال بدول مجلس التعاون، ووسعت دوائر العمل المشترك، وتنمية الصادرات لتنشيط التجارة الخارجية، وتمثل السوق أهمية كبرى للقطاع الخاص الخليجي الذي يلعب دورا أساسيا في التنمية الاقتصادية بدول المجلس، ويعد إطلاق هذه السوق تجسيدا لرؤية وسياسة القطاع الخاص المتوافقة مع توجهات الحكومات الخليجية، ووفقا لنص المادة الثالثة من الاتفاق الاقتصادي الخليجي الموقع عام 2002. والسوق المشتركة تهدف لدمج الدول الخليجية، كخطوة ضرورية قبل الاتحاد النقدي الكامل، الذي ثبّتَ القادة موعده في 2010 نافين احتمالات التأجيل التي ترددت، ورأى البعض ضرورة إنشاء هيئة «تنسيق خليجية بين أسواق المال» لتوحيد معايير وأنظمة التداول، وتحسبا لأي مشكلات قانونية وتنظيمية قد تطرأ مستقبلا في حال اندماج الشركات، والسوق المشتركة ستؤدي لنمو التعاملات البينية الخليجية، وانتقال الخبرات من دول إلى أخرى كشركات التطوير العقاري مثلا، وغيرها من التجارب الاقتصادية الناجحة، وستتيح للدول الأعضاء مزايا عديدة في تعاملاتها مع التكتلات الاقتصادية الدولية الأخرى، وستمكنها من تبوؤ مكانة عالمية نظرا للإمكانات الاستثمارية الضخمة التي تمتلكها.
حصص أكبر للخليجيين
وزوال صفة الأجنبي عن الخليجيين في الاستثمارات بعد مساواتهم بالمواطنين في مختلف دول مجلس التعاون، سيمنحهم فرص استثمار بنسب أكبر في الشركات، ويفتح مجالا أوسع للمستثمر الأجنبي بالضرورة، وسيكون هناك رقم موحدللمستثمر الخليجي في كل أسواق دول التعاون، واعتبار شركات الوساطة المرخصة في أي دولة خليجية مرخصة بالضرورة في بقية الدول الأعضاء، وقد يواجه الربط الإلكتروني بعض الصعوبات في عمليات التسوية والمقاصة لاختلافها من دولة لأخرى، لكن هذه الصعوبات ستزول فور توحيد العملة الخليجية في 2010، وعلى الأسواق الخليجية تشكيل لجان لدراسة الفوارق بينها، وتحديد القرارات اللازمة، من الإدارات مباشرة أو الوزارات المختصة، والحكومات الخليجية ترى أن تحويل الشركات الحكومية إلى مساهمة بمنزلة إعادة توزيع للثروة على مواطنيها، ومن المتوقع استمرار وضع ضوابط على الاكتتابات الأولية كي لا تتسرب الثروات الوطنية إلى غير أصحابها، وستعجل السوق المشتركة بإصلاح نظم التداول في الأسواق ليواكب بعضها بعضاً، فالمستثمر الخليجي في السابق كان يتحرك داخل دولته فقط، أما الآن فيمكنه التحرك في ست أسواق بسهولة، وأسواق الخليج كانت مفتوحة عمليا أمام مواطني دول التعاون، لكنهم كانوا ضمن فئة الأجانب، وعندما يصبح للخليجي حقوق المواطن نفسها فسيمكنه تملك حصص أكبر، مما يعزز تدفق السيولة على الشركات التي وصلت نسبة تملك الأجانب فيها الحد الأقصى، ويمكن تأسيس شركات مشتركة، وإدراجها في أكثر من بلد خليجي.
إنجاز وطموح
كان حجم التجارة البينية في دول المجلس 12.215 مليار دولار عام 1980 ارتفع إلى 33.943 مليار دولار في 2005، وبلغ إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون 725 مليار دولار وفق إحصاءات 2006, وهي تمتلك 45% من احتياطيات النفط في العالم، وعدد سكانها 38 مليون نسمة, وهذا يجعلها سوقا عالمية استراتيجية مهمة.
وتهدف السوق إلى إزالة الفروق بين السياسات الاقتصادية الوطنية لتوحيد ودمج قوى العرض والطلب في الدول الأعضاء بتحرير تجارة السلع والخدمات وعناصر الإنتاج بشكل كامل.
ومن أهم فوائد السوق المشتركة زيادة معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى التشغيل والإنتاج, وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وإيجاد فرص عمل جديدة للعمالة الوطنية وتنمية مهاراتهم وقدراتهم الذاتية وزيادة الاهتمام بتحسين الأوضاع الاجتماعية للدول الأعضاء، وزيادة حجم الإنتاج وانخفاض التكاليف والأسعار وإيجاد سوق قوية تمكن الدول الأعضاء من الوقوف في وجه السلع الأجنبية.
ويرى البعض أن السوق لن تكتمل إلا بتوحيد العملة، فالفروق بين عملات الدول الأعضاء قد تؤدي إلى اختلالات نقدية، والعملة الخليجية الموحدة سترفع القوة الشرائية للمواطنين ومستوى دخولهم، وتدعم ميزان الاقتصاد العالمى وتؤثر فى صناعة القرار الدولى وتضفي ثقلا على مكانة الدول الخليجية باعتبارها المصدر الرئيسي للطاقة في العالم.
ولن يتم جني ثمار هذه السوق إلا بعد تطبيق الإجراءات والضوابط التي تضمن زيادة التجارة البينية، ومضاعفة عمليات الشراء الموحدة، وتسهيل نقل البضائع.
دور القطاع الخاص
والقطاع الخاص بدول مجلس التعاون سيكون مطالباً بدور أكثر فعالية، فيمكنه دعم وبلورة الوحدة الاقتصادية وتفعيل السوق الخليجية المشتركة، مثلما حصلت شركة الاتصالات السعودية على رخصة الاتصالات الثالثة في الكويت، وشركة زين الكويتية على رخصة النقال السعودية، والحجم الضخم لاستثمارات الكويت في دبي وقطر والبحرين، ومثل هذه المشاريع مهدت طريق الوحدة الاقتصادية بين دول الخليج.
فالعالم كله الآن في طريقه إلى بلورة كيانات اقتصادية كبرى ذات سياسة موحدة قادرة على مواجهة التكتلات القوية مثل الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وروسيا والصين، والسوق الخليجية المشتركة تجعل دول التعاون الخليجي واحدة من الكيانات القوية بامتياز، وتؤكد خطواتها الثابتة على الطريق الصحيحة مما يمنحها فعالية ودورا إيجابيا أكبر في الاقتصاد العالمي، والاعتداد بها في المحافل الدولية اقتصاديا وسياسيا.
وعلى الرغم من كل ما شهدته مسيرة مجلس التعاون من نقلات مهمة قادت العمل المشترك بكفاءة عالية، يظل الطموح أكبر من الإنجاز، وإن كانت الخطى نحو المأمول بطيئة، لكنها تمضي واثقة، فالأهم هو استمرار الجهود لتحقيق التطلعات ووفرة الإمكانات تجعل ذلك يسيرا.
ويرى البعض أن الطريق أمام المواطنة السياسية الكاملة لاتزال طويلة، وتحتاج إلى بعض الوقت، فجواز السفر الموحد، والبرلمان الخليجي الجامع، والمواقف السياسية الواحدة كلها ضمن الطموح العملي، وهي ليست أحلاما مستحيلة، والمواطنة الثقافية أيضا تحتاج إلى بعض التنظيم، أما المواطنة الاجتماعية فموجودة بطبيعة الحال بين شعوب دول الخليج، مثل العادات والتقاليد، ووحدة الدين واللغة، والتراث والمناسبات الواحدة كالأعياد، والحج والصوم، وما إلى ذلك من المشتركات القوية، أما الآن فالمواطن الخليجي بحاجة إلى المواطنة الاقتصادية التي حققتها السوق المشتركة، لتسهل عليه التنقل والإقامة والتملك، والتي تحقق جوانب المواطنة الأخرى، مما قد يؤدي إلى حلم الوحدة السياسية بالضرورة نتيجة لاندماج سائر المجالات.
--------------------------------
عِش للجمالِ تراهُ العينُ مؤتلقاً |
|
في أنجمِ الليلِ أو زهرِ البساتينِ |
وفي الرُّبى نصبتْ كفِّ الأصيلِ بها |
|
سُرادقاً من نُضارٍ للرياحينِ |
وفي الجبالِ إذا طافَ المساءُ بها |
|
ولفَّها بسرابيلِ الرّهابينِ |
وفي السواقي لها كالطفلِ ثرثرةٌ |
|
وفي البروقِ لها ضِحكُ المجانين |
وفي ابتساماتِ (أيارٍ) وروعتها |
|
فإن تولى، ففي أجفانِ (تشرينِ) |
إيليا أبو ماضي