الغرب وهيمنته الإعلامية أمينة صبري

الغرب وهيمنته الإعلامية

هل استغل الغرب هذه الثورة الهائلة في مجال الاتصالات لفرض هيمنته على الأذهان وتطويعها من أجل مصالحه الاقتصادية?

شهد الثلث الأخير من القرن الماضي تطوراً مذهلاً يمكن وصفه بأنه ثورة في مجال الاتصال الجماهيري تمثلت في إتاحة الاتصالات الفضائية المرئية والمسموعة, كما بشرت بها بل وجسدتها الأجيال المحدثة الفائقة الإمكانات من الحواسيب الإلكترونية التي أفضت بدورها إلى تثوير سبل جمع المعلومات وخزنها واسترجاعها وبصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ البشري, سواء من حيث الكم أو سرعة التناول والمعالجة, هذا فضلاً عن إتاحة سبل التواصل الشخصي على صعيد كوكبي مما أتاح بدوره إمكانات جديدة في تفاعل الثقافات أو نماذج الحضارات.

على الجانب المقابل من هذه الظاهرة الإيجابية في مجملها, قٌدر للعالم أن يشهد أساليب وطروحات ونظريات ومقولات كانت في مجملها تصب في قناة واحدة اتسمت بمعالم مشتركة ومنها على سبيل المثال :

1. استغلال هذه الثورة الاتصالية ـ الإعلامية ـ الفضائية ـ الإلكترونية لتحقيق أهداف بسط الهيمنة من جانب شعوب الشمال ـ الغرب المتقدم من العالم على شعوب الجنوب ـ الشرق الذي يعاني آثار التخلف ويرنو بل ويعمل جاهداً من أجل تحقيق التنمية واللحاق ـ لاهثاً ـ بركب التقدم.

2. أهداف هذه الهيمنة لم تتمثل في مجرد رغبة السيطرة أو متعة النفوذ.. بل كانت لها أهداف الاستغلال الاقتصادي لمقدرات شعوب الشرق والجنوب من الكرة الأرضية ولا سيما النفط واليورانيوم والمواد الأولية الداخلة في الصناعات الاستراتيجية, فضلاً عن استمرار فتح أسواق تلك الأقطار أمام تجارة الشركات المتعددة الجنسيات ونفوذ المؤسسات غير الوطنية, مما أدى إلى استشراء نفوذ ـ بل وسلطان تلك الاحتكارات العملاقة ( صناعات السلاح.. وصناعات الدواء مثلا ) فيما أدى ـ ربما بالدرجة نفسها ـ إلى تقليص وانكماش سلطة الدولة ـ القومية في أقطار الجنوب بالذات ولحساب عناصر أصبحت تعرف باسم (عناصر اللادولة), التي فرضت بدورها نوعا من السيطرة الظاهرة أحياناً والمستترة في غالب الأحيان, على شكل وصياغة وتوجهات عمليات صنع القرار.

3. كل هذه الأشكال المؤسسية, الدولية أو المحلية من عناصر الهيمنة المستجدة مع بدايات القرن الجديد كان من الطبيعي أن يكون لها أصواتها المعبرة عنها والناطقة بلسانها أو بلسان مصالحها المليارية إن جاز التعبير فكان أن التمست سبل هذا التعبير ووسائله في ميديا الإعلام الفضائي والإلكتروني وكأنها تقطف بذلك ثمار الثورة المعلوماتية ـ المعرفية التي ولدت مع سنوات الثلث الأخير من القرن العشرين.

4. ربما كان ذلك واحداً من الدروس المستفادة التي وعاها المعسكر الغربي ـ الرأسمالي وكان في مقدمتها أن الإعلام كان السلاح الأكثر فعالية في فوز الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة في الحرب الباردة ضد المعسكر الشرقي وكان على رأسه الاتحاد السوفييتي.. كانت تلك حربا على ساحة الكلمة والمعتقد وفوق حلبة الكلمة المسموعة عبر الراديو والصور المرئية والقوالب المتكررة المنمطة المذاعة عبر شاشة التلفاز.

لهذا فلم يكن صدفة أن يعد الغرب انتصار معسكره الرأسمالي ـ الليبرالي في حرب الخمسين عاما الباردة نهاية للتاريخ على نحو ما كتب المفكر فوكوياما في عنوان كتابه الشهير الصادر في ختام الثمانينيات ولأن هاجس الهيمنة وفكرة الصراع أو فلنقل جدل الصراع كان مسيطرا على الفكر الغربي, فقد تزامن صدور كتاب نهاية التاريخ مع دعوة مفكر آخر هو صمويل هانتنجتون التي ذاعت باسم (صدام الحضارات), أو (صراع الثقافات) وكان ذلك مع بدايات العقد الختامي من القرن العشرين.

ومع دخول مصطلحات الصراع الحضاري والتصادم الثقافي على مستوى الكرة الأرضية وقد أصبحت مزودة ـ إن لم نقل مدججة بأسلحة ثورة الأقمار الاصطناعية وميديا التواصل الإلكتروني ـ دخلت مصطلحات المحاور التي تفيد بدورها فكرة الصراع, وليس فكرة التواؤم أو الانسجام ( هارموني ) أو الاتساق.. سمعنا عن محور الشر.. ومحور الخطر وقبلهما سمعنا عن تصنيفات الدول إلى مارقة وفاشلة ( Failed ) ومرضي عنها إلى آخر ما طرحته الأدبيات السياسية الأمريكية من تقسيمات..

بيد أن الأخطر في هذا الصدد هو تلك الهجمة الإعلامية التي تم شنها على عالم الإسلام والمسلمين..

نبادر فنقول إن هذه الهجمة لم تبدأ مع الأحداث المؤسفة التي أدانها العالم وقد شهدتها أمريكا يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001..لقد جاءت نظرية تصادم الحضارات لتسبق أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعشر سنوات أو نحوها, اختص صاحب هذه النظرية الإسلام واصفًا إياه بأنه التحدي الأكبر والأكثر شراسة ضد الغرب كيانا ومصالح وحضارة ومستقبلاً..

هلال الأزمات

ومن قبل هذه النظرية سبق لمسئول أمريكي كبير وهو أكاديمي بارز أيضا ـ البروفسيور زبجنيو بريجينسكي أن تكلم عن المد الإسلامي, في عقد الثمانينيات واصفا إياه بعبارة (هلال الأزمات) ومن يتابع مواقع بعينها في ميديا الإعلام الأمريكي المعاصر ( قناة فوكس ) التليفزيونية مثلا.. جريدة وول ستريت, عددًا كبيرًا من صحف التابلويد الصادرة في العواصم الأمريكية الكبرى.. ويتابع الصور النمطية التي تتكرر في أفلام هوليوود عن مطلق (مسلم) ـ فضلاً عن مطلق (عربي) سوف يلاحظ بسهولة أن الموضوعة ـ التيمة المحورية في هذا الخصوص هي :

أولا : أن الإسلام دين للعنف وعدم التسامح.. وقهر المرأة.

ثانيا: أن تكريس الجهاد في السياق والمنهج الإسلامي هو حض ـ لا على مجاهدة النفس ورياضة الروح وكبح النزوات والدفاع عن الذات والكيان لصد العدوان.. بل (هو شن الحرب الدينية من أجل إبادة.. الكفار) وهذا بالطبع مفهوم مغلوط متعمد للإسلام.

ثالثا: أن الإرهاب صناعة المسلمين وأن الإسلام مرادف للإرهاب, وأن مطلق إرهابي ليس جماعة الألوية الحمراء في إيطاليا, ولا جماعات الايتا في الباسك الإسباني, ولا جماعة الجيش الجمهوري في أيرلندا, ولا بادر ماينهوف في ألمانيا, ولا كارلوس ورفاقه في أمريكا اللاتينية, ولا جماعات الجيش الأحمر في اليابان, ولا قاصفي المباني الحكومية بأوكلاهوما في أمريكا, ولا الجماعات التي ترفض سيطرة الحكومة الفيدرالية وتمتلك جيوشا خاصة ومحطات إذاعية وتعمل في إطار بنى أساسية في براري الولايات المتحدة, ولا عصابات الأرجون والشتيرن الصهيونية وما ارتكبته من فظائع إرهابية بحق الشعب الفلسطيني.

بل إن الإرهاب ويا للعجب هو صناعة إسلامية وكل مسلم هو إرهابي, وبالمقياس المنطقي البسيط نفسه, فكل إرهابي, لا بد أن يكون مسلمًا.

نبادر أيضا فنقول إن مصل هذا التصنيف المغرض ما زال يلقى اعتراضاً ورفضا من جانب نٌخب المثقفين في غرب أوربا وأمريكا.. وخاصة بعد ما تجلت رغبة الغرب في فرض هيمنته بالإعلام أحيانا وبالسلاح أحيانا منذ حرب الخليج الثانية في مطلع التسعينيات وحتى غزو العراق في ثاني سنوات القرن الحادي والعشرين وما تبع ذلك من تجاوزات..

ماذا نفعل إعلاميًا?

ويبقي السؤال البسيط والجوهري الذي نطرحه بإيجاز في إطار هذه المساحة المحدودة وهو:

- أليس في هذه اللمحات التي عرضناها ما يستثير همة إعلامنا العربي وقد (يستفز) الإعلاميين العرب إلى أن يتعمقوا في تدارس هذه الظواهر التي استجدت على حياتنا ومهنتنا في محاولة جادة. مسئولة ومخلصة لبذل جهود عربية متكاملة أو متسقة ترمي إلى أن تدفع شبح هذه الهيمنة بظلاله الكئيبة عن فكر ووجدان المواطن العربي من جهة, وإزالة الصورة المغلوطة عنا في الذهن الغربي وتصحيح صورة العرب موضوعيا في وسائل الإعلام الأجنبية من جهة أخرى.

وفي اعتفادي أنه لن يتأتى لنا ذلك إلا من خلال إشاعة ثقافة الحوار والتوافق ونبذ احتكار الحقيقة ونبذ وتكفير الآخر المختلف وتوسيع نطاق الاجتهاد الإنساني, ورفض الفكر التغييبي الخرافي والعمل على نشر مناهج الفكر التحليلي العقلاني, بجانب التجويد والتحديث المهني المستمر من خلال وسائل الجذب والتشويق الإعلامي, هذه مسئولية في تصوري تكاد تكون إعلامية قومية.. فهل من مستجيب?

 

أمينة صبري