عزيزي القارئ

 عزيزي القارئ

تفاصيل صغيرة، ومفاهيم كبيرة

من أشعار العرب التي صارت مثلا: «كلُّ الحوادثِ مبدأُها من النظر، ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ، كْم نظرةٍ فعلتْ في قلب صاحبها فِعْلَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وتـر». أتذكر هذين البيتين وما اشتق منهما مثلا بعد أن تحول مستصغر الشرر إلى تغيير جذري يطول المنطقة العربية، إما بتحول سلمي، وإما بتحرك ثوري، وإما عبر نهج إصلاحي. كانت البدايات مجرد احتجاجات هنا وهناك، تفاصيل صغيرة لكنها تعبر عن مفاهيم كبيرة، قوامها الحرية وهدفها العدل وأدواتها الديمقراطية والقوانين المكرسة للحقوق والواجبات، وهدفها الإنسان.

الباحث في التفاصيل الصغيرة، والمحلل لها، سيتنبأ بالنتائج أو يتوقعها أو قد لا تفاجئه. ومن هنا تبدو أهمية ما يطرحه رئيس التحرير في حديثه الشهري عن مظاهر غزو ثقافي تركي لمجتمعاتنا العربية، أبرز مظاهره اجتياح المسلسلات التركية خرائط البرامج التلفزيونية في معظم الشاشات العربية. وهكذا فإن ما كان صَرْعة قبل عقدٍ كامل، أصبح موضة هذه الأيام، وها هو يتحول إلى أسلوب حياة للمستقبل، وهو ما يفسر دور الإستراتيجية التركية الساعية لإعادة ترتيب صورة الشرق الأوسط الجديد، كي نرى هذا العثماني العائد إلى بيوت عربية مشرعة الأبواب لمن يريد اقتحامها، مهلهلة البنيان لمن يشاء هدمها.

هذا يدفعنا للتأكيد على أهمية التفاصيل الصغيرة التي تؤسس لتغييرات كبرى، ونكمل مع الشاعر نفسه بقوله: «والمرءُ ما دامَ ذا عينٍ يُقَـلِبُها في أَعينِ الغِيرِ موقوفٌ على خَطرِ، يَسرُّ مُقلَتَهُ ما ضرَّ مُهجَـتَهُ لا مرحباً بسرورِ عادَ بالضررِ!».

ولأنها ديوان أدب الرحلة العربية المعاصرة، تسافر «العربي» إلى مدينة بورسعيد المصرية في ملتقى قارتي آسيا وأوربا، وعلى رأس أهم شريان مائي صناعي في المنطقة، لتقدم قراءة للماضي والحاضر، وصورة قلقة عن المستقبل، بقلم وعدسة أبنائها. مثلما تسافر للتاريخ حين تقرأ أوراق عراقي يقدم مشاهداته عن رحلته إلى الكويت قبل 60 عاماً.

ولا تزال «العربي» تعنى بحوار الأنا والآخر، ونقرأ تجليات هذا الحوار في مقالين، أول عن أمين الريحاني وحلم الجمع بين الشرق والغرب، وثان عن أشكال هذا الحوار.

كما ندعوكم لمائدة قراءات أخرى بين العلوم والفنون والآداب، في متن المجلة، وعلى صفحات ملحق (البيت العربي)، آملين في قراءة ممتعة للجميع، ونهنئكم بحلول عيد الفطر السعيد بعد أيام، أعاده الله عليكم بكل خير ويمن وبركة.

 

المحرر