أرقام محمود المراغي

أرقام

الجنود الأطفال!

"الجنود الأطفال" ظاهرة لم يعرفها العالم كثيرا. الآن.. أصبحت ظاهرة منتشرة وأحد ملامح سلوك المجتمعات التي تنتقل إلى القرن الواحد والعشرين!.

وفي التاريخ العسكري ما يقول إن أحد استخدامات كلمة "المشاة" في أوربا: الأولاد أو الشبان الصغار الذين يؤدون خدمات للجيوش أو الذين يقرعون طبول الحرب إيذانا ببدء القتال.

لكن ذلك شيء آخر غير الذي حدث في السنوات الخمس عشرة الأخيرة من تاريخ العالم.

ففي ذلك الوقت كنا نقول: "الحمد لله، لقد انتهت الحرب الباردة وسوف يشهد العالم نمطا جديدا من الحياة، أكثر إشراقا وسلاما" وكنا نردد: هذا عصر للوئام والتعاون والتنمية فنفقات الحروب سوف توجه لأغراض إنسانية".

لكن الواقع الفعلي كان شيئا آخر.

يبدو الحرب قد أصبحت إدمانا ومع تقدم أنظمة التسليح، واستخدام القصف الجوي والسلاح النووي وانتشار الحروب الأهلية والعرقية. مع هذه التطورات، أصبح المدنيون هم الأكثر تعرضا للعدوان، وبعد أن كانت نسبتهم نصف عدد الضحايا في القرون الثلاثة الأخيرة، ارتفعت النسبة إلى الثلثين في الحرب العالمية الثانية. ثم ارتفعت ثانية لتسجل نسبة (90%) من الضحايا في نهاية الثمانينيات.

خلال ذلك كان لا بد أن يكون للأطفال نصيب، وهو ما يسجله تقرير لمنظمة الطفولة (اليونيسيف) يقول: لقد سقط خلال العقد الماضي ملايين الأطفال ضحايا للحروب.. استشهد مليونا طفل، وتشرد اثنا عشرمليونا، وأصيب (15) مليونا بأمراض نفسية أو إعاقة بدنية أو فقدان للأهل!

وفي التفسير أن الأطفال هم الأقل قدرة، وأن البشرية قد أصبحت أكثر قسوة، وأن هناك نوعا من الحروب -وهي الحروب العرقية- تستهدف إزالة النوع، والإزالة تبدأ من إبادة الجيل الجديد!

الصورة بشعة، لكن الأكثر بشاعة أن يكون الأطفال ذاتهم جنودا في الحرب.. ووقودا لها.

في ليبيريا، شوهد أطفال في السابعة من العمر يرتدون الزي العسكري..والسر كما يقول مدير الصليب الأحمر: "إن من يحمل بندقية يستطيع الحصول على الطعام".. أي أن الأزمة غذائية!.. وليست أزمة البحث عن مقاتلين!

نفس الشيء في ماينمارا حيث تبرع الأهل بأطفالهم لجيش المتمردين لأنه يقدم الملابس ووجبتين كل يوم.. وقد بلغت نسبة الأطفال إلى الجنود المقاتلين حوالي (20%) عام 1990!

وفي ليبيريا أيضا، تسجل الأرقام أن جيش الأطفال والصبية والمنضوي فيما يسمى جبهة تحرير وطني قد بلغ عدده (200) ألف مقاتل.

وفي أثيوبيا، كانوا يخطفون الأولاد ممن يبلغون من العمر خمسة عشر عاما أو أقل..لتجنيدهم وإبعادهم عن قراهم..ونفس الشيء حدث خطفا أو بالقبض العشوائي في السودان، وسريلانكا، وأنجولا، وموزمبيق، والأخيرة شهدت جنودا في السادسة من العمر!..أما في سيراليون فقد غزت (الجبهة الثورية) عام 1995 عددا من القرى وخطفت الأطفال وألحقتهم بصفوف المقاتلين..بعد تدريبهم على مشاهدة أعمال التعذيب، وإعدام الأقارب، والمشاركة في ذلك، مع تقديم وجبة مخدرات لكل طفل!

وبطبيعة الحال فإن الطفل، أو الصبي يجرى إعداده بطرق مختلفة.. تتراوح بين التربية العقائدية أو العرقية، وبين أساليب الردع النفسي بالترغيب والترهيب..وامتدادا لاستخدام الحاجة الاقتصادية، بحيث يصبح معسكر التدريب هو الأسرة البديلة للطفل، فلا يعرف أبا أو أما أو أخا.. إلا من خلال المعسكر.. له السمع والطاعة.

أما الأعمال المنوطة بالأطفال فهي تتراوح أيضا بين القتال المباشر الذي ساعد عليه استحداث أسلحة صغيرة وخفيفة، وامتدادا لأعمال التجسس وجمع المعلومات والتسلل للمدن وجيوش العدو لإحداث تخريب أو دس مفرقعات.

يساعد على ذلك سهولة تطويع الطفل، وتشكيله، بحيث يشب وقد اكتسب كل صفات وقدرات العدوان..!

الأخلاق.. خارج القاموس.
والأسرة.. لا وجود لها.

أطفال الملاجئ والقنابل!

من يوغوسلافيا السابقة، وفي شهادات حصلت عليها منظمة اليونيسيف يقول صبي في الثالثة عشرة من العمر: "لقد سقطت القنبلة على الملجأ، وكان علينا أن نتسلق فوق جثث القتلى، بينما استمر القناصة في إطلاق النار تجاهنا.. كان والدي بين الجرحى، فتم نقله إلى المستشفى، ربما يكون قد مات وربما يكون في معسكر للاعتقال. أشعر بالانزعاج.. وأقاسي من الكابوس". هذه شهادة طفل من بين الملايين يعانون نفس الشيء، وتسجل التقارير الدولية الآثار التي تركتها عليهم أعمال العنف، في (97%) من أطفال سراييفو شهدوا أعمال القصف، و(55%) أطلق عليهم القناصة نيران أسلحتهم!..و(66%) ظنوا في لحظات كثيرة أنهم يواجهون الموت.. و(20%) يقولون نشاهد كل يوم، وفي كل ليلة أحلاما مزعجة.. وهذه هي أبسط الآثار.

يقول تقرير آخر من أنجولا إن 66% من الأطفال شاهدوا القتل و67% شاهدوا أعمال تعذيب.

إن ما أسمته المنظمات جدول أعمال المستقبل يشمل: منع استخدام الأطفال في الحروب، ومنع تصنيع الأسلحة التي تستخدم ضد الأفراد والمدنيين.. وتوثيق المعلومات حول المجازر وأعمال الإبادة وحالات التعذيب والاغتصاب.

إنه التشهير بما يجري، لعل الرأي العام يفعل شيئا.يقولون: إن (179) بلدا قد وقعت على اتفاقية دولية لحقوق الطفل وذلك حتى سبتمبر 1995.

يقولون، ويقولون..لكن أطفالا مازالوا يحملون القنابل ويطلقون الرصاص، وتتشكل سلوكياتهم من خلال شعار: اقتل.. لتنتصر.. اقتل لتعش، ولن تحصل على الحياة إلا من خلال موت الآخرين!

و..هكذا نستقبل القرن الواحد والعشرين!

أليس ذلك مزيدا من التخلف؟

أظن ذلك، حتى لو سافر آخرون إلى القمر في رحلات سياحية يتم تنظيمها في الولايات المتحدة الأمريكية!

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات