هموم السينما الآسيوية الشابة

هموم السينما الآسيوية الشابة

غياب العدالة الاجتماعية والتشبث بالأوهام

من عبثية التشبث بالأوهام والبحث عن الذات إلى التمييز الطبقي والعرقي والظلم الاجتماعي تنعكس هموم شباب المخرجين الآسيويي في أحدث إبداعاتهم.

كيوشمي كوروساوا (40 عاماً) أحد أهم المخرجين الشباب الجدد في السينما اليابانية وأكثرهم نشاطاً وإنتاجاً. بدأ العمل كمساعد إخراج في بداية الثمانينيات مع عدد من المخرجين المتميزين, وتحققت له شهرة واسعة خارج اليابان بعد أن شارك فيلمه (معالجة) - 1998 في عدة مهرجانات دولية. وشارك فيلمه (كاريزما) - 1999 في أسبوع المخرجين بمهرجان كان في العام نفسه, وفي مهرجان فينيسيا 1999 نُظم برنامج خاص لعرض أفلامه.

في عام 2000 قدم أحدث أفلامه (الوهم الكبير) الذي تنبع أحداثه من خلال شخصيتيه الرئيسيتين, الشاب هارو صاحب شركة صغيرة للإنتاج الموسيقي وحبيبته ميتشي العاملة في أحد مكاتب البريد, كلاهما لديه أحلامه الخاصة, يعيشان معاً ويعملان على تحقيقها, لكن متى كان الطريق إلى تحقيق الأحلام سهلاً أو مفروشاً بالورود.

رغم أن هارو مازال في منتصف العشرينيات, وحقق نجاحاً معقولاً في إنتاج وبيع الموسيقى التي يؤلفها صديق طفولته, فإنه يبدأ الشعور بالملل من حياته, بل يبدأ يشك في جدوى حياته وينتابه هاجس أنه سيختفي يوما ما. أما ميتشي التي تعمل في قسم الطرود المرسلة خارج اليابان وتحلم بالسفر إلى أحد البلاد البعيدة, فتقوم بسرقة بعض تلك الطرود لتزيّن غرفتها بمحتوياتها تنفيساً عن غضبها لعدم قدرتها على تحقيق حلمها.

بعد علاقة استمرت عاماً, كان كل منهما خلاله السند والأمان للآخر, أصبح هارو وميتشي يشعران بأن هناك مسافة كبيرة تباعد بينهما.

تستقيل ميتشي من عملها وتقرر السفر إلى الخارج, لكنها تكتشف أن جواز سفرها لم يعد, بصورة ما, صالحاً. أما هارو فيتعرّف على بعض الأشقياء ويقوم في نوبة غضب جنونية وغير مبررة بضرب الموزع الذي يتعامل معه ضرباً مبرحاً. يشعر كل من هارو وميتشي بالغربة والضعف وهما في حالة البعاد, فيعود كل منهما إلى الآخر. بعد شهرين تبدأ ميتشي العمل في مكتب البريد مجدداً, وفي أحد الأيام, يهاجم رجلان مقنّعان المكتب من أجل سرقته, تتمكن ميتشي من الإيقاع بأحدهما, وعندما تخلع عنه قناعه تكتشف أنه هارو الذي يشعر بخجل شديد, رغم ذلك تدرك ميتشي أن مجرد وجودها مع هارو يكفيها, وينتهي الفيلم عندما تمد يدها ليمسك بها هارو.

يضع المخرج كيوشي كوروساوا - لا تربطه أي صلة قرابة بأكيرا كوروساوا - أحداث فيلمه في فترة زمنية مستقبلية وتحديداً في عام 2005, أي الفترة القريبة من نهاية القرن السابق بكل اضطراباته, وبدايات القرن الجديد بكل ديناميته وتقدمه المفترضين. وفي خلفية هذا العالم غير المستقر يعرض للعلاقة غير العادية التي تربط بين الشاب والفتاة, علاقة تبعية متبادلة لا تسمح لأحدهما بالاستقلال عن الآخر أو العيش من دونه أو بعيداً عنه. وهذه تيمة الفيلم الرئيسية التي يناقش المخرج من خلالها فكرة الحب الأبدي الذي يتجاوز مجرد العواطف والعلاقات الغرامية.

عبر مشاهد الفيلم نرى صوراً عدة لهذا الوهم, منها ما يتعلق بمسيرة الحب ومصيره بين الشاب والفتاة مثل عدم صموده أمام ظروف اقتصادية ومتغيرات اجتماعية, وأحلام يصعب تحقيقها وعودة غير واثقة, ومنها ما يتعلق بظروف وأحداث عبثية تحدث لهما ومن حولهما, من دون مبررات, صاغها المخرج في مشاهد تمزج بين السيريالية والفانتازيا, مثل مشهد البار المتكرر وغير المفهوم في بداية الفيلم ومشاهد تسليم الطرود التي بدت وكأنها تحدث في كوكب آخر, ومشهد قفز ميتشي من أعلى مبنى مكتب البريد, وحتى فكرة عدم صلاحية جواز سفرها العبثية التي تمنعها من تحقيق حلمها لأتفه الأسباب, والمشهد الذي يرى فيه الحبيبان هيكلاً عظمياً لأحد الجنود, وقد ألقت به الأمواج على شاطئ البحر, وأخيراً المشهد الذي تقابل فيه ميتشي شبّانا بزي أسود يضربونها بلا هوادة, دون أن نعرف هويتهم أو حتى إذا كان المشهد حقيقياً أم لا!!

لقد عمد المخرج إلى بلورة خيط واه بين ما هو واقعي وما هو متوهم, وأبلغ دليل على ذلك فراغ كادراته التي تعبّر عن فراغ حياة الحبيبين أو احتشادها بالأوهام, الوهم الذي وصف به كوروساوا الحب الأبدي لهذا الثنائي لا ينطبق فقط على الحب, بل أيضاً على الظروف والزمن والواقع المحيط بهذا الحب.

السينما المستقلة

شانج واي - هانج (37 عاماً) مخرج شاب من هونج كونج بدأت علاقته بالسينما كناقد وكاتب سيناريو, وكان شديد الاهتمام بالسينما المستقلة, فقدم أولى تجاربه الروائية عام 1997 بعنوان (After crescent) إنتاجاً مستقلاً.

فيلمه الروائي الثاني (ما بين النجوم) - 2000 يعد بصورة ما جزءاً مكمّلاً للأول من ناحية الفكرة والشكل إذ يتناول فيهما المخرج الشباب ومشكلاتهم مع الآخرين والأهم مع أنفسهم, ومحاولة تصالحهم معها أو البحث عنها أحياناً.

دائماً ما نرى الأبطال في الفيلمين يجوبون شوارع المدينة بحثاً عن الوعود التي وعدتهم بها الحياة, يتابعهم المخرج بكاميرا محمولة تعّبر عن قلقهم وشكوكهم.

يبدأ (ما بين النجوم) بتجوّل البطلة في تلك الشوارع غير متيقنة إلى أين تذهب أو ماذا تفعل. تقابل في طريقها شابا وزوجته يشكرانها على اهتمامها بأم الزوجة ورعايتها على متن إحدى الرحلات الجوية فنعلم أنها كانت مضيفة جوية, ثم نعلم أنها تركت هذا العمل لكن من دون معرفة الأسباب.

بعد تأملها في معالم المدينة وشرودها المتكرر تحادث البطلة صديقها القديم تليفونياً أكثر من مرة, وكان الحديث عن عودة كل منهما للآخرمجدداً. في الوقت الذي بدت فيه البطلة شديدة الاحتياج إلى العودة إليه كانت متشككة في إمكان نجاح علاقتهما, ومتخوّفة من فشلها مرة أخرى. كان كلاهما يحاول إيجاد معنى لعلاقتهما وحياتهما ومصيرهما معاً. بعد مشاهد أخرى لتجوالها في شوارع العاصمة وللمحادثات التليفونية التي تقتطعها فواصل من الشعر المقروء, وأحياناً المكتوب على الشاشة, الذي كتبه المخرج بنفسه تذهب البطلة أخيراً إلى منزل البطل الذي نراه للمرة الأولى فتستمع مصادفة إلى رسالة صوتية تليفونية تركتها له صديقة جديدة. لا تجدي محاولات الصديق في إقناعها أنها علاقة عابرة, وتعود البطلة مرة أخرى لشوارع المدينة هائمة مع ذكرياتها وحيرتها.

من الأشياء الجميلة في الفيلم تلك العلاقة التي أقامها المخرج بين البطلة وشوارع المدينة المتسعة المترامية والمليئة بالبشر حيث تبدو هي في هذه الخلفية ضئيلة, وحيدة وحائرة وفي حاجة شديدة إلى البحث عن الذات.

تعويض الفراغ

المخرجة التايوانية الشابّة فيفيان شانج (30 عاماً) عملت كمساعدة إخراج في عدد من الأفلام المتميزة والحديثة في تايوان, وقامت بإخراج العديد من الفيديوكليب الموسيقية. في نهاية عام 2000 تقدم شانج أول أفلامها الروائية بعنوان (همسات خفية) الذي ترصد فيه بصورة عميقة وحسّاسة المراحل العمرية المختلفة في حياة بطلتها, وعلاقاتها بأمها وآخرين في خلفية موحية للمتغيرات التي مرت, وتمر بها, العاصمة تايبي. في بداية الفيلم, نرى هذه البطلة وهي طفلة بريئة في الخامسة تصطحب يومياً والدها السكير للذهاب إلى المكان الذي يحتله في أحد شوارع العاصمة كشحاذ, وتشاهد هناك صوراً متغيرة للعنف الذي بدا لها كجزء من الحياة اليومية. عندما تعود مع والدها ليلاً تجد أحيانا أمها مع شخص آخر يمارس معها العنف أو بالأحرى الجنس المرتبط بالعنف, فتقف عاجزة وحائرة أمام ما تراه ولا تملك - بالطبع - أن تغيّر من هذا الواقع شيئاً.

في السادسة عشرة, تصبح فتاة متمرّدة وجريئة نتيجة الصور والانطباعات القاسية التي ترسّبت في مخيلتها منذ الطفولة والتي حاولت التخلص منها باللجوء إلى سرقة بطاقات هوية خاصة بالآخرين لتسكن عالمهم هرباً من واقعها. وحتى عندما تصل إلى سن الثلاثين تحاول تعويض ذلك الفراغ الذي ملأ حياتها بمصادقة أكثر من شاب في الوقت نفسه. أخيراً تجد من يحبها بصدق وتصل إلى مرحلة تصالح مع نفسها ومع أمها وهي على فراش الموت بعدما كان يخيّم التوتر على علاقتهما وسادتها الإهانات والاتهامات المتبادلة.

إنه بحث المرأة عن الذات في عالم ذكوري نماذجه إما سكيرة أو جبانة أو ضعيفة, وتشتت في هوية البطلة الذي عبّرت المخرجة عنه من خلال مشاهد سيريالية (يؤخذ عليها تأثرها الواضح بمشاهد من الفيلم الألماني (لولا تجري) 1998 للمخرج توم تويكر) خاصة وهي في فترة المراهقة بما يكتنفها من حساسية واضطراب. وظفت المخرجة الإيقاع وحركة الكاميرا بحيث تعبّر عن بطلتها في كل مرحلة من مراحل عمرها, فكانت تلك اللقطات السيريالية السريعة المتوترة في مراحل تشتتها وعدم استقرارها في البداية, لتتحول إلى لقطات وكادرات أكثر ثباتاً وذات إيقاع مستقر عندما تتصالح مع نفسها ومع أمها أخيراً.

شارك هذا الفيلم في مسابقة مهرجان فرايبورج السويسري في مارس 2001 وحصل على جائزة أفضل سيناريو من لجنة التحكيم الدولية التي كان كاتب هذه السطور أحد أعضائها الخمسة.

غياب العدالة

المخرج البنجلاديشي أبوسعيد (36 عاماً) أخرج فيلمين قصيرين والعديد من الأعمال التلفزيونية, في نهاية 2000 قدم أول أفلامه الروائية الطويلة (كيتون كولا) الذي شارك في كتابة السيناريو له وألف موسيقاه أيضاً, والذي يناقش فيه موضوعاً أصيلاً متعدد الأبعاد.

تقع أحداث الفيلم في منطقة تدعى ميلا, وتعني في بنجلاديش أي منطقة تقام فيها الاحتفالات والعروض الفلكلورية وترتادها فرق جوّالة من أماكن مختلفة.

هذا الفيلم يصوّر الجانب الآخر لهذا المعنى الذي يوحي عادة بالبهجة والمرح, ويجسّد الأزمات المختلفة لبعض الأفراد المشاركين في هذا الحشد الاحتفالي البهيج من خلال تصادم عالمين مختلفين تمام الاختلاف لم يحدث أن تقابلا معاً من قبل وعرض النتائج التي تفجّرت عن هذا اللقاء الذي قلّب الأوضاع رأساً على عقب والذي سمح لمشاعر الإحباط والرغبة والمحاكاة من كلا الجانبين للتدفق والظهور من دون حدود.

العالم الأول هو عالم الغجر بسلوكياته وثقافته الخاصة الذي يزور, من خلاله فرقة مسرحية جوّالة, العالم الثاني وهو فلاحي قرية صغيرة ومنغلقة يستغلهم سيد هذه القرية الجشع. في هذين العالمين نرى شخصيات تؤثر في أخرى وتتأثر بها, شخصيات معذّبة محمّلة بالهموم وبعض الآمال وأخرى لا تجد حلاً لمشاكلها إلا الموت نفسه! هناك روستام أحدأعضاء فرقة الغجر الذي يتمرّد عليها وعلى حياة الغجر عموماً, ويتوق إلى أن يحيا حياة جديدة من دون جدوى, وسوناي الفلاح الذي يقع في حب الخادمة الغجرية داليمون التي تحبّه, لكنها تدرك أن هذا الحب لا مصير له حيث يتحتّم عليها الالتزام والولاء لعشيرتها ومهنتها. هناك أيضاً شايا رانجان الذي يهيم حبّاً بالجميلة باناشري التي لا تعيره اهتماماً, وهي كانت عاهرة تحوّلت على أيدي رابيداس إلى ممثلة الفرقة الأولى, تتحطم أحلامها المشتركة معه إذ تقع في براثن إيدو سيد القرية الجشع فتضطرب نفسياً وتنتحر في النهاية.

تنتهي الاحتفالات وتبحر سفينة الغجر إلى مكان آخر يقدمون فيه فنونهم, ويبقى الطريق ضبابياً أمام شخصيات مثل سوناي وروستام وشايا رانجان الذين غضب عليهم وطردوا من عوالمهم وأعمالهم.

رُسمت شخصيات الفيلم بشكل جيد ومتوازن رغم تعددها وتميّزت الأزياء بالأصالة والألوان الساخنة المبهجة. لكن لا يستطيع من يشاهد هذا الفيلم ألا يتذكر فيلم المخرج ريتويك غتاك (تيتاش هو اسم النهر) الذي صوّره في بنجلاديش والذي ناقش فكرة مجتمع يحتضر يغير على أراضيه جيرانه الأكثر قوة.

تنازل مفتعل

مخرجة شابّة أخرى من تايوان هي سينجن شن (28 عاماً) بدأت العمل في إخراج الأفلام التسجيلية عام 1995 وقدمت حتى الآن خمسة أفلام قصيرة, وفي عام 2000 قدمت أولى تجاربها الروائية الطويلة بعنوان (مستر اكمون) قامت بكتابته والتأليف الموسيقي له والمساهمة في توليفه, وتتناول فيه مشاكل وأزمات المشرّدين ومن لا مأوى لهم. عُرف عن المخرجة اهتمامها بعدة قضايا اجتماعية في بلدها وعلى رأسها قضية هؤلاء المشرّدين.

شارك هذا الفيلم في عدة مهرجانات دولية ونال بعض جوائزها, ويتميز بحميمية جميلة نتيجة تعاطف المخرجة مع هؤلاء المشرّدين حتى أنها اختارت شخصيتها الرئيسية من بينهم وهو رجل مسن قام بالدور الرئيسي في الفيلم.

يعثر هذا الرجل في يوم ما على كاميرا فيديو صغيرة مسجل على شريط بداخلها مشاهد تصوّر حياة سعيدة لإحدى الأسر, فيخبر زملاءه أنها أسرته, لكن لا أحد يصدّقه بالطبع. الطريف أنه أثناء مشاهدته ذات مرة لذلك الشريط تحت أنفاق المترو تمر به الطفلة الحقيقية التي تظهر في الشريط بصحبة أمها ويتردد الرجل في إعادة الكاميرا لها إذ يشعر من خلال هذا الشريط بالحياة السعيدة والمستقرة التي يفتقدها. في إطار بانورامي به الكثير من الحساسية والخصوصية والجرأة أيضاً تستعرض المخرجة حياة وهموم بعض المشرّدين الآخرين فنرى أحدهم وقد تعرّض لحادثة يفقد بصره على أثرها, فيتخذ مكاناً تحت أحد جسور تايبي ويغني الأغاني الشعبية ليكسب عيشه من خلالها. ثم نرى شخصية أخرى تسكن معهم الشارع ونعرف أنه كان صحفياً, وكان يتوقع أن يحصل على جائزة المليون دولار في مسابقة أفضل مقال, لا يتعرف أي شخص على هذا الصحفي سوى زميلته الصحفية التي تحاول أن تنتشله من الوهم الذي يعيشه.

في تعليقها عن أسباب اختيارها لهذا الموضوع في أول أفلامها وعن تعاطفها عموماً مع قضية المشرّدين, تقول المخرجة: (معظم المدن الكبرى تمتلئ بمثل هؤلاء المشرّدين, لكن قليلا منا من يرغب في التقرب منهم ومعظمنا ينظر إليهم, وعلامات القرف والعداء تملأ عينيه. أما وسائل الإعلام التي تسعى لمقابلتهم ويعاملهم القائمون عليها بتبسيط ظاهري وتنازل مفتعل, فإنهم ينتهكون حياتهم أو مملكتهم الخاصة تحت حجة العناية بهم. ونجد أن حياتهم الحقيقية تتحول إلى قصص حزينة تستدر الدموع, لكن متى ما حكيت هذه القصص فإنه يتم نسيانها في الحال, ومن ثم لا يتغير أي شيء).

المخرج الإيراني الشاب حسن يكتباناه (37 عاماً) عمل كمساعد مخرج مع بعض المتميزين في السينما الإيرانية منهم عباس كياروستامي في (طعم الكرز) وجعفر ياناهي في (المرآة) وآخرين. أول أفلامه الروائية الطويلة (جمعة) الذي حاز عنه جائزة الكاميرا الذهبية مناصفة من مهرجان (كان) عام 2000, ويناقش فيه بحساسية وبصورة تبتعد تماماً عن الخطابة والمباشرة والصوت العالي, فكرة التمييز العرقي والطبقي من خلال جمعة الشاب الأفغاني الذي يلجأ للإقامة في إحدى القرى الإيرانية النائية, ويعمل في مزرعة ألبان يمتلكها السيد محمود. جمعة شاب ملتزم وهادئ, بريء الملامح وطيب القلب ويحرص على أن يعيش حياة كريمة رغم واقعه كغريب وفقير في هذا المكان, وهو بهذا يختلف عن ابن عمه حبيب الذي يعمل معه في المزرعة نفسها ويشاركه غرفة المبيت. لذلك نجد أن جمعة يعاني من الوحدة, في يوم من الأيام يقع جمعة في حب ابنة صاحب محل بقالة من النظرة الأولى فيشعر أنها قدره ومصيره وأنها ستخفف عنه الكثير خاصة أنها بادلته نظرات المودّة. يطلب جمعة من محمود أن يحادث أسرة الفتاة في أمر ارتباطهما فيرفض في البداية, لكنه يوافق بعد أن يتيقن مدى الألم الذي ينتاب جمعة وهو بعيد عن حبيبته. تمر الدقائق التي يذهب فيها محمود لمنزل الفتاة كأنها سنوات طويلة بالنسبة لجمعة الذي كان ينتظره ليلاً أمام باب المزرعة.

يعود محمود وعلامات خيبة الأمل على وجهه, فيدرك جمعة, وندرك معه, أن طلبه قوبل بالرفض لأن أصوله وثقافته مختلفة, رغم أنه مسلم!

حاول المخرج الشاب أن يطعّم فيلمه بمواقف كوميدية طريفة وموفقة هي التي أنقذت مشاهد الفيلم ومشاهديه من تسرّب الملل إلى كل منهما.

سياسية... نفسية

المخرج الصيني الشاب جيا زان - كي (31 عاماً) تخرج في أكاديمية الصين السينمائية, وكان أول من أنشأ شركة إنتاج مستقلة في الصين عام 1995 أطلق عليها (جماعة السينما التجريبية الشابّة). في 1997 أخرج (النشال) أولى تجاربه الطويلة الذي عرض فيه عجز مواطنيه الصينيين أمام كل الاضطرابات التي واجهوها نتيجة المتغيرات السياسية والتي لم يكن في استطاعتهم استيعابها أو فهمها.

فيلمه الروائي الثاني (رصيف محطة القطار) - 2000, لا يبتعد كثيراً في اتجاهاته وأفكاره عن الفيلم الأول, إذ تدور أحداثه في الفترة من 1979 حتى 1989 أي العقد الذي شهد أكبر المتغيرات في تاريخ الصين الحديث بعد أن تحتم عليها أن تفتح أبوابها لاقتصاديات السوق العالمي. يعبر المخرج عن متغيرات هذه الفترة بسلبياتها واضطراباتها من خلال مجموعة شباب في العشرينيات يكونون فرقة مسرحية تابعة لأحد الاتحادات العمالية يقررون أن يؤدوا أدوارهم بصورة ارتجالية يطرحون من خلالها ما يفتعل بداخلهم ردا على توغل الثقافات الأجنبية في البلاد, لكنهم لا يحققون النجاح المنشود مما سبّب لهم أزمات مالية فيتحتم عليهم مواجهة واقعهم في نهاية الأمر.

هذه المتغيرات نرى آثارها السلبية على سلوك هؤلاء الشباب أنفسهم, علاقاتهم ببعضهم البعض أو بالآخرين في شكل شبه تسجيلي تبناه المخرج من أجل إعطاء تأثير أكبر لموضوعه حتى أنه استعان بالعديد من الممثلين غير المحترفين بهدف الإمعان في إضافة مسحة أكبر من الصدق لما يقدم على الشاشة. عنوان الفيلم له علاقة بذلك العقد المضطرب حيث كان عنواناً لإحدى أغنيات الروك التي حققت نجاحاً ساحقاً آنذاك.

رغم العرض التاريخي الزمني الجيد لأحداث تلك الفترة شاب الفيلم الملل والرتابة في بعض فصوله, فمدة عرضه 155 دقيقة وكان من الممكن حقاً أن يتم حذف نصف ساعة منها من دون أي تأثير سلبي على سياق الفيلم أو تماسكه.

العصفور

المخرج الكوري الجنوبي جون سو - إيل (40 عاماً) درس السينما في كوريا ثم في باريس, وأخرج العديد من الأفلام القصيرة, في عام 2000 تم عرض أول أفلامه الروائية الطويلة (العصفور الذي يتوقف في الهواء) الذي كشف فيه عن موهبة سينمائية كبيرة سواء من ناحية التقنية في الشكل أو حساسية ووعي الطرح في المضمون.

يدور الفيلم حول كيم الذي يدرّس السينما في إحدى الكليات البعيدة عن منزله, والذي تزدخر ذكريات طفولته وأحلامه الحالية بالطيور التي تلهمه بإخراج فيلم سينمائي شعري. يقيم المخرج (سو - إيل) خطّين متوازيين ومتداخلين بين حياة كيم اليومية وقصة الفيلم نفسه الذي يريد صنعه, والذي سيستخدم فيه كيم الطيور ويحاول أن يقيم علاقة مجازية بينها وبين سعيه وراء خيالاته والحاجة للتحليق بعيداً عن الواقع الخانق والمضجر. لكنه لا يقيم خطوطاً فاصلة بين العالم الحقيقي وعالم الفيلم الذي يصوّره, من هنا يجسّد الفيلم الألم والإحباط اللذين يمر بهما كيم, ومن خلال عملية مواجهة بين خيالات أحلامه والفوضى والصراعات التي تسود العلاقات الإنسانية تصبح هذه المواجهة الوسيلة التي يكتشف بها كيم هويته وذاته الخاصة.

وُفّق المخرج (سو - إيل) في مزجه بين هذين الخطين, وباعتماده صوراً سينمائية قوية وموحية وباستخدام رائع للإضاءة والفراغ والحوار الداخلي ولحظات الصمت البليغة, وُفق في التعبير الدقيق عن أزمة بطله, وربما أزمته هو شخصياً. واستحق - بجدارة - أن يفوز فيلمه بالجائزة الكبرى من مهرجان فرايبورج السويسري الدولي 2000.

 

أيمن يوسف

 
 




لقطة من الفيلم الياباني "الوهم الكبير"





لقطة من الفيلم التايواني "مستر اكمون"





لقطة أخرى من الفيلم الياباني "الوهم الكبير"





بعض نجوم السينما الآسيوية





البطلة في فيلم "همسات خصبة" - تايوان





إحدى لقطات فيلم "ما بين النجوم" للمخرج شانج واي هانج - هونغ كونغ