«ماذا نريد نحن» مرة أخرى!

«ماذا نريد نحن» مرة أخرى!

طالعت مقال رئيس تحرير مجلة العربي الدكتور سليمان العسكري.. تحت عنوان «ماذا نريد نحن؟» بالعدد 592 مارس 2008 والتساؤل حمل أكثر من معنى في نقاط:

1 - هل بلدان الأمة تمتلك أسباب التقدم؟

2 - هل بلدان الأمة تستطيع الوفاء باحتياجات أبنائها؟

3 - هل بلدان الأمة حققت الاستثمار الإيجابي في مجالات الصحة والتعليم والثقافة؟!

4 - هل بلدان الأمة لديها سياسات للقضاء على: آفة الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار؟!

والنموذج لبلدان شرق آسيا أو اليابان نحو تحقيق التنمية، له أكثر من مدخل، لكننا بكلمة حق نفتقد أسس التطور من أجل الارتقاء بحياة الإنسان، وتقدم المجتمع ومعالجة المشكلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

ولو نظرنا لعقيدة الأمة كمثال، نجدها تدعو للعمل الإيجابي والابتعاد عن الفتن العقائدية والخلافات المذهبية، التي أسفرت عن حركة جمود وتخلف وتبعية.

عقيدة الأمة تدعو لصحوة استيقاظ، وامتلاك النهوض الحضاري، لأن لكل أمة شرعتها ومنهجها.

قال تعالى: لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدة .

وواقع الأمة وهي تواجه تحديات الألفية الثالثة بحاجة إلى وقفة تأمل، والتحديات على أكثر من صعيد، والأمة على الرغم من ركام الضعف تمتلك من الإمكانات الاقتصادية والبشرية والطبيعية الكثير، وفي كل بلد عربي أو إسلامي، تجد فكرًا اقتصاديًا وثقافيًا وتعليميًا يفتقد أسس التطور والتغيير، على الرغم من أن الأمة العربية تقع في قلب خريطة العالم الجغرافية، تلك الخريطة تحمل موقعًا له شرايينه البحرية والجوية والبرية.

إذن، أين أهداف الأمة اقتصاديًا؟ أين تكامل سياسات بلدانها؟ فهل التقدم مقصور على شعوب دون أخرى.

بل لو نظرنا للمال العربي المهاجر في دورة رأس المال العالمي نجده أكثر من 700 مليار دولار، ويدر أبعادًا اقتصادية، وفرص عمل وإنتاج لبلدان الغرب الرأسمالية.

ولو اتجهنا لشكل الإعلام العربي والإسلامي، هل هو الآخر يمتلك آفاق التقدم؟ والإعلام أصبح علمًا وتخطيطًا ومعلومات والمعلومات تمثل العمود الفقري لأي بحث أو دراسة أو تحرك في كل مجالات الحياة، كما أن المعلومة أصبحت سبيلاً لامتلاك أسباب النضح الفكري، فهل إعلام بلدان الأمة له لغة تدفق أو تبادل إعلامي وإخباري وثقافي أو ترفيهي، ولغة الأمة واحدة.

كما أن الإعلام يلعب دورًا في تشكيل الشخصية، والشخصية بحاجة إلى نمو روحي وتهذيب نفسي وتنمية سلوك والإنسان يولد وهو فاقد لغة العلم والتربية.

قال تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون .

كما أن للإعلام رؤية للاعتناء بالعلم، والعلم بوابة التقدم، ولو نظرنا إلى الفضائيات العربية، هل لها ارتباط بقضايا الأمة، لمواجهة الإعلام المضاد الذي يملك السيطرة والتحكم في إنتاج الخبر والمعلومة، ويواكب الحدث.. وثورة الاتصالات تعادل ثورة الفيزيقا، كلتاهما أحدثت تغييرًا حضاريًا بين حركة البلدان.

من هنا فهل مهمات الإعلام الفضائي العربي والإسلامي تفتقد خصائص التطور والأدوات الثقافية، والشعوب اليوم لا تتنفس بقوة الإنتاج أو العلوم والابتكارات فقط، بل بكيفية إضعاف الآخر ونشر الثقافة الاستهلاكية. فما بالنا والأمة أصبحت تعيش في عصر المتغيرات الدولية، أو عصر خلل التوازن العالمي، عصر لا يقبل التعددية ولا يحترم إلا من يمتلك خصائص القوة إذن أين إعلام الأمة للتعبير عن ذاتية الأمة بل وقضاياها العادلة؟ والإعلام اليوم أصبح صناعة ويجب على النخب الثقافية العربية صياغة مشروع ثقافي إعلامي لمواجهة آليات الغزو الثقافي الوافد.

ولو اتجهنا للنظر إلى حجم الأمة في ظل الاستراتيجيات العالمية نجد أن حجمها قليل نظرًا إلى عدم امتلاك سياسات موحدة تحقق للأمة قيمتها.

كما أن الأيديولوجية أصبحت تمثل إحدى أدوات الصراع العالمي لعمليات التوجيه الثقافي والإعلامي، والأيديولوجية طغت على نطاق واسع منذ نحو قرن من الزمان، لأنها ترتبط بسياسات القوى العالمية، وما أضعف حجم الأمة غياب تداول السلطة، مما أدى إلى ضعف الحركة، كما أن الشباب العربي يفتقد التربية السياسية، وهي التي تمثل مدخلاً للنهوض، وعلى الطرف الآخر، نرى بلدانًا يسودها جو ديموقراطي وسياسي بنّاء، واحترام الرأي الآخر، حتى لا يحدث جنوح يؤدي للفوضى، والتربية السياسية تعد أجيالاً ناشئة توظف قدراتها لخدمة ثوابت المجتمع والإنسان نتاج بيئة.

وقد قسم «ماثيو أرنولد» في كتابه «فصول من النقد» المثقفين إلى نوعين:

1 - أصحاب العقول المتفتحة لقبول الأفكار الجديدة والقيم العقلية والجمالية والأخلاقية.

2 - أصحاب التقاليد والعادات القديمة، على الرغم من أنهم بحاجة ماسة إلى التطور.

ويقرر «ماثيو أرنولد» أن لكل إنسان طبيعة من النقد، وقد يمارس تلك الطبيعة أو لا يمارسها، ويؤكد أن الحياة الدنيوية في العصور الحديثة أصبحت شديدة التعقيد لغياب النقد البنّاء، وضرب مثلاً بمجال الشعر فقال: إن الشاعر لابد أن يكون له قيمة بعطاء منتج، واستيعاب لمجريات الأحداث، والحياة والدنيا موضوعان ملازمان للشاعر بعكس مجال القراءة، والقراءة تساعد على إحياء الأفكار الحيّة، فهل شباب الأمة له لغة نقد ثقافي، وبأفكار بناءة لمواجهة التحديات الخارجية.

والأمة والتنمية والسكان والبطالة قضايا شائكة في ظل التساؤل (ماذا نريد نحن؟) وبنظرات:

1 - أين تنفيذ السوق العربية المشتركة، فهي لاتزال فكرة منذ العام 1964، وهناك مشاريع بديلة تحت مسمى الشرق أوسطية؟

2 - ما حجم التبادل التجاري العربي؟

لو نظرنا إلى تجربة الصين كمثال، ونموها السكاني نحو مليار و300 مليون نسمة لأخذ الدروس المستفادة والتجربة الصينية حققت عدة نقاط منها:

أ - ارتفاع معدلات التنمية بتوجيه المدخرات المتاحة لدى القطاع الخاص لخلق طاقات إنتاجية جديدة.

ب - استمرارية دور القطاع العام الحيوي في الإنتاج والعمالة والأجور والأسعار وفقًا لاعتبارات السوق.

بين هذا وذاك، ما أشد احتياجات الاقتصاد العربي لتحقيق الذات، والاهتمام بالصناعات الغذائية والغزل والنسج والأسمدة والحديد والصلب... إلخ.

والأمة أمام تحدٍ مستقبلي في ظل بروز النماذج الأخرى ولشعوب متعددة مثل بلدان شرق آسيا، والتنمية في أي مجتمع تعني استغلال الإمكانات المتاحة محليا، والاهتمام بالتنمية البشرية وامتلاك قاعدة تكنولوجية متطورة وتعليم جاد, وكي تدعم الأمة قدرتها يجب أن تتحرك بتكامل سياسات، لتكون قادرة على تحقيق خصوصيتها، وحماية مصالحها.

يحيى السيد النجار
دمياط - مصر