تعقيبًا على مقالة «اللغة والقانون»
تعقيبًا على مقالة «اللغة والقانون»
بمزيد من الاهتمام طالعنا العدد «590» يناير 2008 من مجلة «العربي» بمقال د. مصطفى الجوزو الذي يتحفنا كعادته بتعليقاته واهتماماته وانتقاداته وبحوثه في اللغة العربية وقواعدها, والتي أشكره عليها ذلك أنها تساهم إلى حد كبير في تواصل الثقافة العربية واتصال أبناء القومية العربية, وتحصن وتحافظ على الهوية العربية وشحذ آليات النهوض باللغة العربية وإظهار جمالياتها وقيمتها التاريخية والحضارية وتفادي الوقوع في الأخطاء النحوية, وكل ما يمكن أن يشوه اللغة الفصحى والحفاظ على قواعدها عبر الأجيال الناشئة وتنمية مقدراتهم على التعامل مع لغتهم بشكل سلس عندما يطبقون قواعد اللغة السليمة، ذلك أن هذه اللغة هي حامل لتاريخنا وتراثنا ووعاء يحمل حضارة الأمة الذي يستوعب نهضته وجمال إبداعاتنا التي تكمن في تضاريس هويتنا العربية. وتزداد تلك الأهمية خطورة عندما يتعلق الأمر بموضوع قانوني مهم كحدود الدولة مع الدول المجاورة وكيفية صياغتها، دون أن يسودها الضبابية أو يشوبها اللبس وكما أثار د.جوزو حيث أشار في مقالته إلى أن الدستور اللبناني ربط في مادته الأولى حدود الدولة شمالاً بخط يرافق مجرى «النهر الكبير» الذي يصب في البحر نهاية. وتعقيبًا على ذلك أريد إبراز النقاط التالية: - ماذا عن وضع الحدود مع غياب مياه هذا النهر وتوقفها عن الحياة بالكامل نتيجة توقف رافده وجفاف الينابيع التي تغذيه وعدم عودة الحياة إليه مجددًا، كما هي الحال مع كثير من الأنهار في المنطقة واستغلال مجراه في تشييد مكعبات إسمنتية عليه. - ما وضع الحدود لو تحول مجرى النهر نتيجة تغيّر مجرى روافده وكما هي الحال بنهري دجلة والفرات، حيث كان يتبدل مسار كل منهما وبحسب غزارتهما،يمنة ويسرة، أحيانًا ولبضعة عشرات من الكيلومترات سنويًا. - ماذا يكون وضع الحدود لو تدفقت الينابيع فجأة، وازدادت روافد «النهر الكبير» بالماء بشكل غزير وفاضت المياه على جانبيه معًا ومن منبعه إلى مصبه, وإلى مساحات بعيدة أو على مساحة أحد الجانبين دون الآخر؟ وإن كان ذلك مستبعدًا في الوقت الراهن في ظل الظروف المناخية السائدة ونقص المياه الحاد حيث الجفاف حالة عامة تعيشها المنطقة باستمرار. - ماذا عن وضع المد والجزر على الحدود وعلى فرض أن النهر يجري في كامل طاقته؟ - ماذا لو تحول مجرى النهر إلى مكب للقمامة ومقلب للأنقاض خاصة صيفًا عندما يجف بشكل شبه كامل، وكما يجري في كثير من الأنهار الصغيرة الأخرى في المنطقة حيث تجري تسوية معالم مساره مع الأراضي المجاورة؟ والسؤال الذي يطرح نفسه حاليًا، هل كان المشرع واضع الدستور يتنبأ باحتمال جفاف هذا النهر واحتمال تسوية مساره مع الأراضي المجاورة وضياعها نتيجة ذلك، أم أنه رسم تلك الحدود وبهذا الشكل الغامض عن جهل مطبق منه، واحتمال خلق حالة من الفوضى مستقبلاً؟ وربما كانت غاية المشرع من ذلك إزالة معالم تلك الحدود في يوم ما وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل عقد أو عقدين من الزمن أسوة بما يجري حاليًا في أوربا حيث توحدت بالكامل على الرغم من الحروب الطاحنة المتكررة التي نشبت بين دولها، ذلك أنهم وجدوا أن الوحدة تعطيهم قوة أكبر. ولو كان القصد غير ذلك لجرى ترسيم الحدود وتوضيح المعالم الجغرافية والتاريخية بالخرائط الدقيقة لما تحويه من معلومات قيمة ودقيقة وعدم الاكتفاء بتحديده بمجرى النهر وبشكل مبهم. فاروق عبدالصمد
|