في التراث الغنائي الكويتي.. وأعلامه

في التراث الغنائي الكويتي.. وأعلامه

التراث الكويتي غنيّ منذ أن كانت الكويت من مئات السنين. ووجود البلاد على البحر جعلها على اتصال دائم مع أقطار الخليج سواء أكانت قريبة أم بعيدة، وكانت هذه الأقطار مجالاً خصبًا للغناء بشتى أنواعه، وهي من منظومة واحدة في الحياة الاجتماعية، ولهجاتها متقاربة، وعاداتها مشتركة، ومصالحها متشابكة، وكانت سفنها الأولى صغيرة، ومع مرور الأيام أخذت هذه السفن الصغيرة تنمو وتتكاثر، وخاصة في مجال الغوص وجلب الماء من شط العرب والقطاعة (1).

جاءت السفن الكبيرة بعد ذلك بحيث تستطيع الوصول إلى موانئ الهند واليمن وإفريقيا، وكان البحارة يجوبون البحار وينتزعون لقمة العيش هنا وهناك على مدى ثمانية أشهر في السنة. ولا يستقر بهم المقام سوى أيام معدودات، ثم يخرج أكثرهم صيفًا إلى مغاصات اللؤلؤ من الكويت إلى عُمان.

وهذا الاتصال... مع دول الجوار واليمن والهند وإفريقيا جعلهم يتعرفون أنماطًا مختلفة من المجتمعات، حيث كانت وسائل العيش ميسورة فيها، وخاصة الهند التي كانت سبّاقة لأسباب الحضارة، ومنها التراث الغنائي الذي كان متقاربًا أحيانًا مع تراث المجتمع الكويتي، والخليجي واليمني. وكان أحيانًا متباعدًا كالتراث الهندي والتراث الإفريقي.

لذلك وجدنا التراث الكويتي يأخذ من كل تلك الأقطار ما يناسب طبائعه وأذواقه، ومع مرور الزمن استطاع أهل الكويت أن يبتكروا غناء موسيقيا من مصادر فنية عدة في هذا المجال.

كانت هذه حالهم مع البحر، ولا ننسى الصحراء التي كانت تطوّقهم من عدة جهات، وما فيها من فنون الموسيقى والغناء منذ أقدم العصور، فهناك كان البحر والبلاد الواقعة على شاطئيه، وهنا الصحراء وكل ما فيها من فنون الغناء الذي كان يصوّر البيئة الصحراوية بكل ما فيها من إبداع وجمال وفن.

يقول مؤلف كتاب «في التراث الغنائي الكويتي .. وأعلامه» ابن فيلكا البار خالد سالم محمد، هذا المبدع الذي كتب أكثر من عشرين كتابًا أغلبها عن جزيرة فيلكا، أسهم بها في التعريف بهذه الجزيرة التاريخية وحضارتها التي وجدت منذ آلاف السنين ، والتي أثراها اليونانيون الذين تركوا بصماتهم الخالدة على أرضها.

يقول المؤلف: «في هذا الكتاب أتناول الحديث عن التراث الغنائي الكويتي وأعلامه، منذ بواكير الحركة الفنية في الكويت. وأفردت القسم الأكبر منه لأعلام التراث الغنائي ملحّنين ومطربين وموسيقيين ونهّامة (2)، وأسماء رؤساء الفرق الشعبية الغنائية ممن كانت لهم مساهمات ومشاركات ابتداء من كبار المطربين والملحنين الذين ظهروا منذ مطلع القرن التاسع عشر حتى مطلع القرن الماضي. ولم أغفل حتى الذين كانت لهم مشاركات ولو بسيطة في هذا المجال قدر المستطاع».

وقد قدّم لنا المؤلف مائة من أعلام الغناء الكويتي أكثرهم من المعروفين في حياتنا العامة وهم الذين تتردد أسماؤهم على ألسنة المهتمين بالتراث الغنائي والموسيقى، وفيهم كثير من الذين ودّعوا الدنيا منذ زمن بعيد، وليس لهم ذكر ذائع بين ظهرانينا، فنقّب المؤلف عن سيَرهم العاطرة هنا وهناك في تضاعيف الكتب والمجلات والجرائد، أو في ذاكرة أهل الفن، ولولا مجهود الباحث الدءوب لضاعت إسهاماتهم الفنية وأسماؤهم في مطاوي النسيان، ومنهم هؤلاء الجنود المجهولون أمثال إبراهيم بن يعقوب وأحمد عبدالله يوسف وأم عنتر الجيماز وبن عيد وبو مطيع وجاسم الخطيب وحسين الزاير وحمد الهويدي وخديجة المهنا وخليفة بن عسكَ وسعود عبدالعزيز صرام وعبدالله بن ناصر المصري وغيرهم من الذين لا تتردد أسماؤهم بين المواطنين أو على أقلام الكتّاب من أهل الفن، وربما ذكروا في المجالس أو في الإذاعة أو على شاشة التلفزيون أحيانًا بصورة عابرة أو على صفحات الجرائد أحيانًا أخرى.

فإذا جاء اليوم باحثنا المحقق ووضعهم بين أيدينا في كتابه الجديد الذي صدر في أواخر سنة 2007 لكي يطّلع على سيرهم الجيل الجديد اليوم أو الأجيال القادمة غدًا من هواة الغناء والموسيقى، أو طلبة المدارس أو عشّاق الفن، فإنه يحق لنا أن نتباهَى بهذا العمل النادر الذي يضيف إلى صرح التراث الكويتي صفحة ناصعة من صفحات الفن الوطني النادر الذي كاد أن يُنسَى في غمرة التطور السريع الذي يحصد في طريقه ما هو جدير بالاهتمام بين الإبداعات الأخرى التي هي جديرة بالاهتمام، ولا تكتمل صفحات الفنون الناصعة من دونها.

--------------------------------

أجديدٌ أم قديمٌ أنا في هذا الوجودِ
هل أنا حرٌ طليقٌ أم أسيرٌ في قيود
هل أنا قائدُ نفسي في حياتي أم مقودٌ
أتمنى أنني أدري ولكن...
لست أدري!

إيليا أبو ماضي

------------------------
(1) القطاعة: هي التجارة البحرية بين أقطار الخليج.
(2) النهّامة هم الذين يغنون أغاني البحر على ظهور السفن.

 

 

 

فاضل خلف 




غلاف الكتاب





الفرق الشعبية الغنائية تعيد إحياء الفنون التقليدية