الدول العربية المصدرة للنفط تواجه ظاهرة تآكل ريع النفط علي خليفة الكواري

الدول العربية المصدرة للنفط تواجه ظاهرة تآكل ريع النفط

يعود انحسار الريع الاقتصادي لصادرات النفط إلى ثلاثة أسباب:

أولها: التقدم التكنولوجي الملحوظ في صناعة الطاقة الذي أدى - من ناحية - إلى ترشيد استخدام الطاقة وتطوير استخدام مصادر الطاقة البديلة وتخفيض معدلات نمو الطلب العالمي على الزيت. كما أدى - من ناحية أخرى - إلى تخفيض تكاليف إنتاج الزيت الخام من المناطق الحدية في العالم مثل ألاسكا وبحر الشمال والمناطق الجديدة في أمريكا الجنوبية وشرق آسيا.

ثانيها: تلاشي القوة التفاوضية للدول المصدرة للنفط في مواجهة الدول المستهلكة له، نتيجة نجاح استراتيجية وكالة الطاقة الدولية في تقليل حاجة الدول الأعضاء فيها إلى استيراد الزيت بشكل عام، وتخفيض وارداتها من الدول الأعضاء في الأوبك بشكل خاص. هذا في وقت عجزت فيه منظمة الأوبك عن تبني استراتيجية دفاعية تقلل تدريجيا من حاجتها إلى تصدير الزيت الخام.

وثالثها: بلوغ حقول النفط - في الدول المصدرة - مرحلة متقدمة من عمرها الإنتاجي، ونضوب احتياطيات بعض الحقول ودخولها أطوار الإنتاج الثاني والثالث، مما أدى بشكل عام إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج. وإلى جانب هذه العوامل، فقد كان امتداد نمط الإدارة الحكومية في الدول العربية إلى إدارة قطاعات النفط في عهد الإدارة الوطنية سببا إضافيا في ارتفاع تكاليف الإنتاج. ونتيجة لهذه الأسباب كلها، أخذ الريع الاقتصادي (أي الفرق بين سعر السلعة وتكاليف إنتاجها متضمنة العائد الضروري على الاستثمار) لصادرات الزيت الخام يتآكل.

وجدير بالتأكيد أن ظاهرة الريع الاقتصادي لم تدم بالنسبة لأية سلعة ولا لأي منتج أو منطقة في العالم على مر العصور. فظاهرة الريع الاقتصادي بطبيعتها ظاهرة مؤقتة قد تستمر عقودا من الزمن ولكنها لا بد أن تتآكل ذات يوم نتيجة التقدم التكنولوجي ودخول منتجين جدد إلى سوق السلعة، أو التوصل إلى بدائل اقتصادية للسلعة التي يتمتع إنتاجها بريع اقتصادي. والتاريخ الاقتصادي خير شاهد على أن ظاهرة الريع الاقتصادي ظاهرة مؤقتة لم تدم لأي سلعة، ومثال ذلك القطن والمطاط، والزيت ليس استثناء.

العمود الفقري للإنتاج

ووجه الخطورة على الدول العربية المصدرة للنفط يتمثل في أن تلك الدول، مازال إنتاج وتصدير الزيت الخام والمنتجات المكررة أو المستخلصة منه، هما المرتكز الذي يقوم عليه اقتصادها، وتعتمد عليه نفقات حكوماتها. فمن ناحية يشكل إنتاج النفط العمود الفقري للناتج المحلي، والمصدر المهم الوحيد لميزان المدفوعات. ومن ناحية أخرى تمثل عائدات الدولة من إنتاج الزيت الخام، المصدر الوحيد المستقل لإيرادات الميزانية العامة، التي يتم الاعتماد عليها في تحريك جميع النشاطات في القطاعين العام والخاص.

وبالإضافة إلى تلك المساهمة المباشرة وغير المباشرة لريع النفط فإن إنتاج الزيت الخام - أيضا - يساهم في اقتصاد الدول العربية المصدرة للنفط من ثلاث نواح مهمة أخرى.

أولاها: تزويد الصناعات الأساسية بالغاز المصاحب لإنتاج الزيت، والذي وفر طاقة ومواد خاما رخيصة، سمحت بتوفير ميزات نسبية لعدد من الصناعات البتروكيماوية والمعدنية. وإلى جانب ذلك فإن الغاز المصاحب لإنتاج النفط كان هو المصدر الرئيسي للطاقة في محطات إنتاج الكهرباء وتكرير المياه.

ثانيتها: تزويد مصافي التكرير باحتياجاتها من الزيت الخام لسد حاجة الاستهلاك المحلي المتصاعدة وتوفير الفائض للتصدير.

ثالثتها: توفير العمل لحوالي 1% من قوة العمل أكثر من نصفهم من المواطنين. وقد كان لإنتاج الزيت أيضا أثر في تدريب قوة العمل المواطنة، كما كان لصناعة النفط دور في نقل التكنولوجيا وتحديث الإدارة، وكذلك فإن نفقات قطاع النفط هي أيضا عامل مساعد في تحريك الاقتصاد.

ولكن تبقى أهمية الزيت الخام على الرغم من هذه المساهمات المهمة - حتى الآن - مرتكزة على ريعه الاقتصادي. وتظل أهمية الزيت الخام الراهنة متوقفة على استمرار تدفق الريع الاقتصادي عند المستوى الذي يسد حاجة الإنفاق العام. فالريع النفطي - مازال - هو الذي يمكن الدولة من تمويل الاستثمارات الجديدة، وصيانة وترميم البنية الأساسية، ومواجهة حاجة النشاطات الاقتصادية والاجتماعية إلى الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر، وذلك من خلال التوظيف الحكومي، ومن خلال سياسة دعم أسعار الخدمات والسلع التي ينتجها القطاع العام، ومن خلال سياسات الدولة في النفقات التحويلية التي تتم بواسطتها إعادة توزيع عائدات النفط. إن مكانة الزيت الخام في الدول العربية المصدرة للنفط ترتكز على حقيقة كونه مصدر إيراد سهلا يصب في خزينة الدولة، ويسمح للحكومات بمواجهة احتياجات الإنفاق، وتذليل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية - إلى حين -، وذلك عن طريق سياسات إعادة توزيع عائدات الزيت الخام وتحريك الاقتصاد وترضية المجتمع. ومن هنا كانت أهمية الزيت الخام محليا في كل دولة مرتبطة بمستوى الريع الذي يحققه تصدير النفط لميزانية الدولة. وارتبطت نتيجة لذلك فترات العسر واليسر في الدول العربية المصدرة للنفط بمعدل نصيب الميزانية العامة من برميل الزيت المنتج. وكلما ارتفع سعر الزيت الخام كان نصيب الحكومة أكبر، وكانت عائداتها من الزيت الخام أقدر على مواجهة الإنفاق العام، وتحريك النشاطات الاقتصادية والاجتماعية. والعكس صحيح فقد شهدت الدول المصدرة حقبا من العسر والضيق، مرة في مطلع الستينيات عندما انخفضت أسعار النفط، ومرة أخرى عندما بدأت أسعار النفط في التراجع منذ عام 1986، هذا على عكس حقب الطفرة التي صاحبت ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ارتفاع نصيب الميزانية العامة من برميل الزيت المنتج في عام 1974 وعام 1979.

لذلك كله يجب إدراك مصدر أهمية الزيت الخام، ولفت نظر الجميع إلى حقيقة سهلة على الفهم، صعبة على الاستيعاب. ألا وهي أن مصدر أهمية الزيت الخام في الدول العربية، يتمثل أساسا في الريع الاقتصادي الذي يولده، والذي تحصل الدولة عليه باعتبارها مالك الزيت في باطن الأرض. ولذلك فإن دوام قدرة الدولة على الاستمرار في نمط الإنفاق العام الراهن، يتوقف على استمرار تدفق مستوى من الريع الاقتصادي يسمح بذلك.

أسباب تكنولوجية

يتعرض ريع الزيت الخام - في الدول العربية بشكل عام - منذ منتصف الثمانينيات إلى التآكل، نتيجة وجود أسباب خارجية وأسباب محلية أيضا. أما الأسباب المحلية فإنها تعود - بشكل رئيسي - إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج محليا بسبب بلوغ الحقول المنتجة الرئيسية للمرحلتين الثانية والثالثة من عمرها. ولكن الأسباب الخارجية هي الأقوى تأثيرا نتيجة لما تؤدي إليه من تخفيض الأسعار العالمية للنفط وتتمثل الأسباب الخارجية في سببين رئيسيين:

أولهما: سبب موضوعي ناتج عن التقدم التكنولوجي في صناعة النفط، وأثر ذلك التقدم التقني في تكاليف الاستكشاف والتنقيب والإنتاج والنقل في المناطق الصعبة من العالم. لا سيما من الحقول الجديدة في ألاسكا وأمريكا الجنوبية وبحر الشمال وبقية المناطق النائية والبحار العميقة في العالم. وقد بدأت تكاليف إنتاج معظم الحقوق الجديدة في تلك المناطق الصعبة بالفعل تنخفض عن مستوى العشرين دولارا إلى أقل من خمسة عشر دولارا في الوقت الحاضر . كما يبدو أن التقدم التكنولوجي قد انفتحت له آفاق جديدة، وسوف تقضي عاجلا أم آجلا على جزء متزايد من الريع الاقتصادي، الذي مازال يتمتع به إنتاج الزيت الخام في معظم الدول الأعضاء في الأوبك. هذا إضافة إلى انخفاض متوسط ريع الدول الأعضاء في الأوبك من حوالي 30 دولارا للبرميل في مطلع الثمانينيات إلى حوالي 10 دولارات فقط للبرميل في مطلع 1995.

ويلاحظ أن التقدم التكنولوجي في صناعة النفط، إلى جانب عوامل إدارية- سياسية أخرى، قد أدى عبر العقدين الماضيين إلى تقليل اعتماد العالم على زيت الأوبك. وقد انخفض نصيب الأوبك - نتيجة نجاح جهود الاستكشاف والتنقيب والتطوير خارج الدول الأعضاء في الأوبك - في الإنتاج العالمي من 22 مليون برميل يوميا عام 1970، إلى 18 مليون برميل يوميا عام 1980، وإلى 17 مليون برميل يوميا عام 1989، في حين تصاعد إنتاج الدول المنتجة الأخرى في العالم من 23 مليون برميل يوميا عام 1970 إلى 45 مليون برميل يوميا عام 1980 وإلى 47 مليون برميل يوميا عام 1989. وفي الوقت الحاضر وعلى الرغم من هبوط أسعار الزيت الخام إلى حوالي 15 دولارا، فإن إنتاج أي من المناطق المنتجة للزيت في العالم لم يتوقف، وظلت بقية المناطق المنتجة في العالم، تنافس دول الأوبك على الأسواق المتاحة. وتعتقد مصادر نفطية أن معظم المناطق المنتجة للزيت في العالم، في عام 1994، قادرة على الاستمرار في الإنتاج عند سعر خمسة دولارات للبرميل. وتقدر مصادر أخرى تكاليف الإنتاج في الحقول الكبيرة المنتجة في بحر الشمال في عام 1993 بما لا يزيد على خمسة دولارات للبرميل، الأمر الذي سمح لمنتجي بحر الشمال بالوصول لأعلى معدل إنتاج ، بلغ 5.4 مليون برميل يوميا في عام 1993. وباستثناء الإنتاج الفردي من الحقول التي يملكها الأفراد في منازلهم ومزارعهم في الولايات المتحدة الأمريكية، فإ الحقول المنتجة في العالم لن تتوقف عن الإنتاج عند مستوى الأسعار الراهنة للزيت الخام. ولذلك كله يمكننا القول إن مستويات الأسعار الراهنة للنفط مقيمة وليست عابرة، وعلينا التعامل معها.

ويبقى العامل الحاسم- حسب تقديري- في تحديد الحد الأدنى لأسعار النفط مرتبطا في المدى المتوسط، بتكاليف استكشاف وتطوير إنتاج الحقول الحدية في بحر الشمال وغيرها من المناطق النائية والبحار العميقة في العالم. والحد الأدنى للسعر سوف تفرضه مصلحة الدول المستهلكة للزيت الخام. وسوف تدافع عنه وكالة الطاقة الدولية خوفا من توقف صناعة النفط من الاستكشاف والتطوير خارج الدول الأعضاء في الأوبك، لا سيما الاحتياطيات المحتملة في بحر الشمال وألاسكا وجنوب أمريكا وغيرها من المناطق الجديدة المنتجة للزيت في العالم. وفي ورقة تحليلية نشرت في مطلع عام 1994 حول "اتجاهات تكاليف الإنتاج في الشرق الأوسط وفيما عداه"، إشارة إلى أن تكاليف الإضافات الجديدة في كل من العراق وإيران والسعودية والكويت تحت مستوى دولارين اثنين. وفي حقول أبوظبي البرية وليبيا وفنزويلا ونيجيريا حوالي خمسة دولارات. ومعظم الاحتياطيات الإضافية الصعبة في الدول الأعضاء في الأوبك يمكن إنتاجها بحوالي عشرة دولارات، وفي خارج الدول الأعضاء في منظمة الأوبك تقدر الورقة تكاليف إنتاج الاحتياطيات الإضافية بحوالي خمسة دولارات في المكسيك وماليزيا وعمان، وبأقل من عشرة دولارات في كل من المنحدر الشمالي لألاسكا وروسيا، وبحوالي 15 دولارا في مصر والحقول الحدية في بحر الشمال. وترى الدراسة أن المستوى الذي هبطت إليه أسعار الزيت الخام في عام 1993 لم يكن مؤثرا في جهود الاستشكاف والتطوير إلا في بعض مناطق الولايات المتحدة وكندا وكذلك الحقول الصغيرة الصعبة في بحر الشمال. وتخلص الورقة إلى أن الهبوط الذي تعرضت له أسعار النفط منذ عام 1986، لم يؤد إلى حصول الدول الأعضاء في الأوبك على حصة أكبر من تصدير الزيت على حساب المصدرين خارج الأوبك. وأنه - في الوقت الحاضر - مازالت التكاليف الكلية لإنتاج الإضافات الجديدة من احتياطيات الزيت الخام، في معظم مناطق الإنتاج أقل من المستوى المتدنى الذي وصلت إليه أسعار الزيت الخام في عام 1993. هذا مع الأخذ في الاعتبار احتساب 15% عائدا على الاستثمار.

وفي تحليل حديث آخر قامت به إحدى الشركات الاستشارية، وشمل رصصد استراتيجيات الاستثمار لثلاثين شركة نفط كبيرة، تبين أن الحقول التي تصل احتياطياتها إلى حوالي 400 مليون برميل في بحر الشمال وأمريكا الجنوبية يعتر الاستثمار في استكشافها وتطويرها والإنتاج منها اقتصاديا عند مستوى أسعار 12 دولارا للبرميل. وجدير بالتأكيد أن اعتبار سعر 12 دولارا سعرا اقتصاديا لإنتاج الحقول الصغيرة نسبيا في العالم، نسبيا في العالم، يشير إلى أن تكاليف اإنتاج الصافية أقل من ذلط بنسبة العائد على الاستثمار والإتاوة التي تأخذها الدول المنتجة باعتبارها المالك للموارد الطبيعية.

أما فيما يتعلق بتكاليف الإنتاج الراهنة في دول المنطقة، فإن تكاليف الإنتاج في الدول ذات الاحتياطيات الضخمة مازالت دون مستوى التكاليف العالمية. ففي المملكة العربية السعودية تقدر تكاليف الإنتاج بدولار واحد للبرميل، وفي الكويت تتراوح التكاليف ما بين دولار إلى دولارين للبرميل وفي الإمارات العربية المتحدة تتراوح ما بين 2.5 إلى 3.75 دولار للبرميل.

... وأسباب سياسية

سبب سياسي ناتج عن نجاح وكالة الطاقة الدولية في تحقيق استراتيجيتها الهادفة إلى تقليل حاجة الدول الأعضاء فيها إلى استيراد الزيت الخام من الدول الأعضاء في الأوبك. ويقابل نجاح وكالة الطاقة الدولية في إدارة جانب الطلب على الزيت الخام، عجز الدول الأعضاء في الأوبك عن إدارة جانب العرض ويعود ذلك إلى عدم القدرة على تبني استراتيجية تهدف إلى تقليل حاجة الدول المصدرة للزيت إلى تصدير الزيت بشكل عام، وتصديره إلى الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية بشكل خاص. بل إننا لاحظنا أن دول الأوبك على العكس تزيد حاجتها إلى تصدير النفط، نتيجة تورطها في أوجه الإنفاق، الأمر الذي أدى في عام 1986 إلى انهيار الأسعار الرسمية للزيت الخام، من المستوى العالمي الذي بلغه زيت القياس عام 1982،والبالبغ 34 دولارا للبرميل، إلى 17.5 دولار في عام 1988. وقد اضطرت الدول المصدرة للزيت الخام، إلى الرجوع إلى الاحتياطيات النقدية التي فاضت من ميزانياتها خلال حقب اليسر ، فسحبت منها مئات المليارات. ثم أخذت الدول الأعضاء في الأوبك تستدين لسد حاجة الإنفاق العام، حتى بلغت ديون الدول الأعضاء في الأوبك في مطاع عام 1994 حوالي 200 بليون دولار. واليوم تقف دول الأوبك عاجزة، من كل النواحي، عن حماية أسعار الزيت الخام التي تدنت قيمتها الحقيقية عام 1993 إلى ما يساوي ثلاثة دولارات عام 1973، وربما أقل من ذلك في القوقت الحاضر . فدول الأوبك غير قادرة اليوم على تقليل حاجتها إلى تصدير الزيت الخام، بل إننا نرى كلا منها تتقابل مع الأخرى من أجل زيادة حصتها في السوق، لمواجهة احتياجات الإنفاق العام فيها، خاصة بعد أن حرمت الميزانيات العامة من دخل الاحتياطيات النقدية التي تم تسليمها وصرفها، وأصبحت الموازنة العامة محملة بفوائد القروض التي لجأت إليها الدول لسد عجز الميزانيات العامة. ومن هنا نخلص إلى أن ظاهرة تدهور الأسعار الحقيقية للزيت الخام، وتراجع الأسعار النقدية، ظاهرة مقيمة، ولن يحد من استمرارها إلا مصلحة الدول المستهلكة للزيت الخام، وتتمثل هذه المصلحة - بالنسبة للدول المستهلكة - في عدم نزول أسعار الزيت الخام، عن مستوى السعر الذي يسمح باستمرار جهود استكشاف الزيت وتطوير احتياطيات إضافية منه خارج الدول الأعضاء في الأوبك. وهذا السعر في الوقت الحاضر، في أحسن التقديرات يتراوح ما بين 13 - 18 دولارا للبرميل ، وهو سعر يغطي من ناحية تكاليف الاستكشاف والتطوير واإنتاج، إضافة إلى عائد 10 % على الاستثمار، في أعلى مناطق إنتاج النفط المحتمل تكلفة. ومن ناحية ثانية يتضمن إتاوة الدول المنتجة وضريبة الدخل التي تتقاضاها من الشركات المنتجة. نخلص من هذا كله إلى أن ريع الزيت الخام في الدول العربية المصدرة للبترول يتآكل تدريجيا بسبب اتجاه الأسعار العالمية للزيت إلى الانخفاض، وبسبب اتجاه تكاليف إنتاج الزيت - في الدول العربية- إلى الارتفاع من المستوى الذي كانت عليه في نهاية السبعينيات، حيث لم تتجاوز التكاليف عشرات السنتات بالنسبة لدول الخليج على سبيل المثال. وإذا علمنا أن أهمية الزيت الخام تأتي بالدرجة الأولى، في تمويل الإنفاق العام، الذي يقوم بدوره بتحريك النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، فإننا يجب أن ندرك أن أهمية الزيت الخام - ككمصدر للإيرادات العامة - تتلاشى، وإمكان الاعتماد على ريعه من أجل تذليل المشكلات، والاحتفاظ بمستوى معيشي معقول - في معزل عن ارتباط المكافأة بالجهد، وبصرف النظر عن الإنتاجية الحقيقية لقوة العمل - قد تراجعت ومازالت تتراجع بسرعة. ويحسن بالجميع الاعتراف بظاهرة تآكل ريع النفط، وعليهم استيعاب أبعادها وإدراك مخاطر الوقوف مكتوفي الأيدي أمامها. فعلى الدولة والمجتمع واجب تغيير المسار وتصحيح الأوضاع عامة في القوت المناسب، والذي اعتقد جازما أنه لم يفت بعد، إذا توافرت إرادة مجتمعية للتغيير والإصلاح .

 

علي خليفة الكواري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات