حروب الكويت الدبلوماسية 1961 - 1963

حروب الكويت الدبلوماسية 1961 - 1963

تتميز الفترة الواقعة ما بين عامي 1961 (عام استقلال الكويت) و1963 (الانضمام إلى الأمم المتحدة) بالحساسية والظرف الحرج، لدولة حديثة وناشئة، بسبب قيام دولة مجاورة كبيرة (العراق) بالادعاء بملكية الدولة حديثة الاستقلال والتلويح باستخدام القوة ضدها.

في هذه الفترة، شغلت قضية الكويت الاهتمام الإقليمي والعالمي (مثلما حدث عام 1990) وتمكنت الكويت من تجاوز هذه الأزمة - حينذاك - بمساندة ومساعدة دول العالم المختلفة.

وقد قام الأستاذ عبدالله بشارة، عبر كتابه الجديد «حروب الكويت الدبلوماسية» الصادر عن المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية بالكويت العام 2007، بتسليط الضوء على الأزمة في هذه الفترة، وعلى مواقف التنظيم العربي (جامعة الدول العربية)، والتنظيم الدولي (الأمم المتحدة)، إزاء هذا النزاع الكويتي - العراقي وادعاء العراق بملكيته للأراضي الكويتية.

ويأتي كتاب الأستاذ عبدالله بشارة، ليسد الفراغ الفكري في المكتبة العربية عن أحداث هذه الفترة الحساسة، ويهتم برصد وتحليل الأحداث والمواقف السياسية والدبلوماسية من قبل المجموعة الدولية تجاه هذه الأزمة.

ويعد هذا الكتاب إضافة جديدة لمؤلفات (عبدالله بشارة) العديدة التي تتميز بالرصانة والموضوعية. وهنيئًا للكويت بهذا الكتاب ومؤلفه.

يقع الكتاب في 383 صفحة من القطع الكبير، موزعة موضوعاته وأحداثه على ستة فصول موثقة بالكثير من الوثائق والأدلة والبيانات والملاحق الرسمية والصور النادرة. هذا بجانب مقدمة الكتاب.

وفي الحقيقة فإن الكتاب جولة في تداعيات وتحديات أزمة الكويت الأولى بعد الاستقلال، أزمة البقاء وإثبات الذات وحماية التراب الوطني، وقد وفق الباحث في تقديم صورة تحليلية ناصعة عن ذلك.

إنهاء الحماية

ففي الفصل الأول يوثق المؤلف خطاب حاكم الكويت (الشيخ عبدالله السالم الصباح) إلى الكويتيين، الذي يعلمهم فيه بخبر إنهاء اتفاقية الحماية البريطانية لعام 1899، وبداية العهد الجديد من المسئولية والسيادة والعمل نحو الجهد العربي المشترك والمسئولية الدولية. إضافة إلى نص الوثيقة المتبادلة بين الكويت وبريطانيا لإنهاء علاقات الحماية والشروع في علاقات جديدة تشاورية مبنية على السيادة والاستقلال واستعداد بريطانيا لتقديم العون للكويت، التي ستثبت الأيام أنها أهم المحاور والركائز في طبيعة العلاقات الجديدة وستحدد مسار العلاقات الكويتية - البريطانية في عهد ما بعد الحماية الأجنبية.

ويوضح الباحث أسباب قيام الشيخ مبارك الصباح بمجازفة تمثلت في التوقيع على اتفاقية الحماية البريطانية في 23 / 1 / 1899 وجعلها سرية خوفًا من ردود الأفعال من الدولة العثمانية. ودخول الدولة العثمانية كطرف مستفيد من الخلافات الناشبة بين الشيخ مبارك وأبناء أخويه حول أحقية وشرعية الحكم ومضايقة الدولة العثمانية للشيخ مبارك الصباح حول أملاك آل الصباح في البصرة وتحريض القبائل المختلفة ضده (30 - 31).

ويدون كذلك اعتراف بريطانيا والعراق بالحدود المشتركة بين بغداد والكويت حسب الرسائل المتبادلة بين الدولتين (33 - 34)، واعتراف العراق بذلك حسب الرسائل المتبادلة بين رئيس وزراء العراق (نوري السعيد) وحاكم الكويت (أحمد الجابر الصباح) في العام 1932.

كما يؤكد بشارة على نشاط الكويت الخارجي قبل حصولها على الاستقلال، فبدأت بالاتصال والتحاور مع دول الجوار المباشرة سواء العراق والسعودية وإيران، والانضمام إلى المنظمات التخصصية الدولية أو العربية منذ العام 1959 أي قبل عامين ونصف العام من الاستقلال. وحقيقة القول أن الكويت كانت شبه مستقلة ضمن التاج البريطاني. وكانت الكويت دولة مؤسسة لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) العام 1960 في بغداد.

ويذكر الباحث في هذا الفصل أسباب ومبررات قرار بريطانيا إنهاء الحماية على الكويت، ومنها المتغيرات الاقتصادية والاستراتيجية والنفسية. وادعاءات رئيس وزراء العراق حينذاك عبدالكريم قاسم ومؤتمره الصحفي الشهير في 25 / 6 / 1961، الذي ادعى من خلاله أن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق وأنه سيسعى إلى إعادة الكويت إلى حضن الأم العراق، سلمًا وحربًا (48 - 49). والذي شكل صدمة للكويت والكويتيين ورسم مستقبل العلاقات الكويتية - العراقية التي تتسم إجمالاً بغياب الثقة والتوجس.

ويوثق الباحث مواقف الدول العربية المختلفة من ادعاءات العراق المفاجئة، ومنها الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإدانتهما لهذه المزاعم والتحركات الدبلوماسية العربية لاحتواء الخلافات والطلب الكويتي من بريطانيا في 30 / 6 / 1961 بتقديم المساعدة العسكرية حسب بنود اتفاقية الصداقة لعام 1961.

الجولة الأولى

أما الفصل الثاني فإن الباحث يحلل ويوثق ويؤرخ حروب الكويت الدبلوماسية بدءًا بالأمم المتحدة، مرورًا بالجامعة العربية وانتهاء بالأمم المتحدة. حيث توقعت الكويت أن انضمامها للأمم المتحدة سيكون سلسًا، ولكن معطيات ومتغيرات المطالب العراقية، ودعوة الكويت بريطانيا لتوفير الغطاء الأمني والعسكري لها حيث عارضت الجمهورية العربية المتحدة وبقوة انضمام الكويت للأمم المتحدة مادامت هناك قوات بريطانية على التراب الكويتي وربطت موقفها بهذا الشرط.

أما الاتحاد السوفييتي، وهو الدولة المهمة ذات الكرسي الدائم وحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، فيرى في الوجود البريطاني عنصر تهديد لحليفه العراق في ذروة الحرب الباردة الدولية. واتهم بريطانيا «بإحياء الاستعمار واللجوء إلى دبلوماسية البوارج الحربية» (ص 70) وهذا ما يؤكده الكتاب موثقًا بمصادر عديدة تبين الارتباط بسلوكيات العراق وسياسات الاتحاد السوفييتي (ص 72 - 73). ويتحدث الباحث عن مجريات اجتماعات مجلس الأمن الدولي في يوليو عام 1961 للنظر في الشكوى البريطانية ضد العراق، والشكوى العراقية ضد بريطانيا. وتطرق الفصل (الثاني) إلى مشاركة الكويت في مداولات مجلس الأمن، وكذلك لفشل الأمم المتحدة في اتخاذ قرار حاسم نظرًا الى استخدام الاتحاد السوفييتي الفيتو، وبهذا فشلت المحاولت الدولية في حل المشكلة سلميًا واضطرت الكويت إلى اللجوء إلى الحظيرة العربية. ويقيم الباحث مبررات وحقائق جلسات مجلس الأمن الدولي (110 - 114).

أما الفصل الثالث فإنه مخصص لبحث إشكاليات انضمام الكويت إلى جامعة الدول العربية. ويحدثنا الباحث عن رغبة الكويت في العمل العربي المشترك وبالتالي الانضمام إلى المنظومة العربية الوحيدة ومساعيها الجادة التي سبقت استقلال الكويت بفترة، حيث قام الأمين العام للجامعة العربية (عبدالخالق حسونة) بزيارة الكويت. وظهرت مؤشرات على سعي الكويت إلى ذلك حيث كانت بدايات ذلك في العام 1959 أي قبل عامين من الاستقلال عن طريق الانضمام إلى منظمات دولية، وإصدار عملة نقدية وطنية (الدينار الكويتي) وإنشاء قوة شرطة وجيش صغير وتولي السلطات القضائية الكاملة، وابتعاث بعض الشباب الكويتي للتدريب على العمل الدبلوماسي (120 - 121).

وقد قدمت الكويت شكوى ضد الادعاءات العراقية في 28 / 6 / 1961 وطلبًا بعقد اجتماع لبحث الانضمام إلى الجامعة العربية، وأوضحت أن وجود القوات البريطانية على التراب الكويتي هو إجراء مؤقت، وذكرت مواقف الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من الأزمة مع العراق. وقد بادرت الكويت بإرسال وفد رسمي - شعبي برئاسة الشيخ جابر الأحمد الصباح (رئيس الدائرة المالية) لزيارة الدول العربية لشرح وجهة النظر الكويتية والحصول على دعم الدول العربية للموقف الكويتي. ويدون الكتاب التقرير المقترح من الوفد لسياسة كويتية مستقبلية (ص 158 - 163). وفي جلسة تاريخية وافق مجلس الجامعة العربية في 20 / 7 / 1961 على قبول الكويت عضوًا كاملاً في الجامعة العربية وتشكيل قوات عربية لحماية الكويت (قوات الأمن العربي)، وهذا دليل على نجاح الدبلوماسية الكويتية في بداية عهدها الجديد.

الجولة الثانية

وفي الفصل الرابع يتطرق الباحث إلى وقائع جلسات مجلس الأمن في 30 / 11 / 1961 لبحث طلب الكويت للانضمام للأمم المتحدة للمرة الثانية بعد انسحاب القوات البريطانية من الكويت. والدعوة هذه المرة تبنتها الجمهورية العربية المتحدة، بينما رفضت العراق هذا المشروع بادعاء أن الكويت لم تكن دولة ولا تحمل مؤهلات الدولة، وأنها جزء من العراق تاريخيًا وعضويًا، إضافة إلى أنها مستعمرة بريطانية (272 - 279). ويستخدم الاتحاد السوفييتي الفيتو للمرة الثانية ضد المشروع المصري بانضمام الكويت إلى عضوية الأمم المتحدة، ويعتبر الكاتب أن هذه هي الجولة الثانية من حروب الكويت الدبلوماسية في الأمم المتحدة. حيث إن معارضة موسكو لم تكن إلا دعمًا لحليفتها بغداد وجزءًا من التنافس الدولي في الحرب الباردة بين الشرق والغرب وليس موقفًا ضد الكويت.

أما الفصل الخامس فيحلل الباحث واقع القوات العربية في الكويت وفاعليتها وتقييم الأداء والتعليمات الصادرة إلى القوات العربية حول الانسحاب في حالة الاقتتال، والثاني هو تعطيل الهجوم لأطول مدة. وتطرق الباحث إلى انعدام التنسيق بين القوات الكويتية والقوة العربية، وإشاعات تخفيض أعداد القوات من 2000 إلى 600، والاستياء من مصروفات القوة، وتقييم مواقف الدول العربية المختلفة من بقاء القوات العربية في الكويت.

الكويت تظفر بمقصدها

وفي الفصل السادس يقيم الباحث انضمام الكويت للأمم المتحدة. وبدايةً، تطرق إلى طبيعة وشكل العلاقات المستقبلية بين النظام الجديد في بغداد الذي أطاح بالرئيس العراقي السابق عبدالكريم قاسم في 8 / 2 / 1963، ودفع للعراق قرضًا بقيمة 30 مليون ديناركويتي بفائدة رمزية 1%.

وفي 7 / 5 / 1963، عقد مجلس الأمن الدولي جولة ثالثة للنظر في طلب الكويت الانضمام إلى الأمم المتحدة، وبالرغم من مطالبة العراق بتأجيل الطلب، إلا أن مجلس الأمن وافق بالإجماع على الطلب الكويتي. وفي هذا الاجتماع تغير موقف الاتحاد السوفييتي لمصلحة الكويت، بينما سعت بغداد إلى المراوغة عن طريق تأجيل الطلب.

وفي 14 / 5 / 1961، وافقت الجمعية العامة على توصية مجلس الأمن وبهذا أصبحت الكويت العضو رقم (111) في الأمم المتحدة. وبالتالي انطوت صفحة من تاريخ الكويت الدبلوماسي وانتهت حروبها الدبلوماسية الأولى باعتراف دولي واستحقاق عالمي من خلال الانضمام إلى الأمم المتحدة والمساهمة في الاستقرار والأمن والتنمية.

يعتبر الكتاب من الكتب النادرة في توثيق مرحلة مهمة من بناء دبلوماسية جديدة لدولة فتية تواجه صعوبات جمة بعد الاستقلال مباشرة، وهو إضافة جديدة للمكتبة العربية. وينقص الكتاب فصل الخاتمة لربط الموضوعات المختلفة والخروج بالدروس والعبر من هذه التجربة الفريدة.

ويحتوي الكتاب على بعض الأخطاء المطبعية في الصفحات (31، 51، 121، 153، 275، 133). ولا يقلل هذا مطلقًا من قيمة الكتاب الذي يلبي احتياج تاريخ الكويت ومسيرتها إلى تغطية هذه الفترة من تاريخها بالعمل الدبلوماسي المتميز.
-------------------------------------
* الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
** رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت.

 

 

 

عبدالله يعقوب بشارة * 





 





الشيخ عبد الله السالم والامين العام للجامعة العربية يوقعان اتفاقية الدفاع المشترك





الشيخ جابر الأحمد أمير الكويت الراحل في أحد لقاءاته مع الرئيس جمال عبد الناصر وفي الصورة عبد العزيز حسين سفير دولة الكويت بالقاهرة