السينما العراقية وأسئلتها المعاصرة بشار إبراهيم

السينما العراقية وأسئلتها المعاصرة

تحاول الأفلام العراقية التي تم إنتاجها حديثًا رسم جوانب من صورة العراق في (مرحلة ما بعد صدام), ولكنها ترتكز أيضًا على الكثير من تفاصيل صورة العراق في (مرحلة صدام) نفسه, ربما بسبب اعتقاد راسخ بأن الكثير مما جرى أيام صدام, لم يتم الاطلاع عليه, ولا معرفة حقيقته على الصورة المثلى.

استطاعت السينما العراقية خلال العامين المنصرمين, أن تكون سفيرة لـ (القضية العراقية), مُبيّنةً بالصورة التي لا تُدحض, جوانب مما جرى, وعرضها على جمهور المشاهدين, في شتى أنحاء العالم, عبر نصوص بصرية, تفاوتت في المستوى الفني, وتنوعت في الخطاب الفكري, وما يتعلق به من رؤية سياسية, فمن الجدير القول إن السينما العراقية المعاصرة, كان عليها التخلص من كل المؤثرات السلبية, التي حاول نظام البعث زرعها في جسد السينما العراقية, التي تعود بولادتها الأولى إلى ما قبل ولادة البعث نفسه.

وتتفق أغلب المصادر التاريخية, التي تُسجّل بدايات السينما العربية, على أن العراق عرف أول عرض سينمائي في العام 1909, تم في مدينة بغداد, عبر البعض من هواة الدهشة والمغامرة, ممن أحضروا أشرطة سينمائية, وآلة عرض, ومنحوا متعة المشاهدة للحضور, قبل أن يقوموا بتنظيم تلك العروض, مقابل بطاقات مدفوعة الثمن.

وتذكر المصادر ذاتها, أن أول دار عرض أقيمت, كانت أيضاً في بغداد, وكانت تُعرف باسم صاحبها: (سينما بلوكي), وذلك قبل أن يتم إنشاء عدد من دور العرض, التي تذكر المصادر منها: (عيسائي, وأوليمبيا, وسنترال سينما, والسينما العراقي, والسينما الوطني).. وكانت العروض التي تقدم في هذه الدور عبارة عن مشاهد متنوعة, حيث يُذكر أنه في العام 1911, كان يتم عرض مشاهد من جنازة إدوارد السابع في إنجلترا, ومشاهد عن سباق مناطيد, ومشاهد من الطبيعة (بحر هائج), أو بعض الأعمال المشوقة: (صيد الفهد, التفتيش عن اللؤلؤة السوداء)..

أما على مستوى التصوير, فيذكر أن بعض البعثات الأجنبية, كانت تحضر إلى العراق, للقيام بعمليات التصوير السينمائي, خاصة للأحداث المهمة, أو المواقع التاريخية, وعرضها على الجمهور العراقي.. إذ كان من المنطقي أن يحظى العراق باهتمام كبير, لحيازته موقعا خاصا, بسبب موقعه في السياسة الدولية, أو ما يمتلكه من مواقع, وآثار, وأوابد تاريخية..

وعلى صعيد الإنتاج السينمائي, يُذكر أن أولى المحاولات لإنتاج أفلام في العراق, بادرت إليها إحدى الشركات الأجنبية, في عام 1930, لكن المحاولة لم تكتمل, ومن ثم حدث أن شارك عدد من هواة السينما, من الفنانين العراقيين, في أفلام عدة مصرية وسورية, يُذكر منهم نزهت العراقية, التي شاركت في فيلم (العزيمة) الذي أخرجه كمال سليم.

ومع مطلع الأربعينيات, شرع بعض أصحاب الأموال, وأثرياء الحرب, في تكوين الشركات السينمائية, وكانت أولاها (شركة أفلام بغداد المحدودة), التي أُجيزت في أواخر عام 1942, والتي لم تُوفَّق إلى النجاح في إنتاج أي فيلم. وفي عام 1946 أُنتج أول فيلم في العراق, من قبل شركة (أفلام الرشيد) العراقية المصرية المشتركة, وهو فيلم (ابن الشرق), إخراج المصري نيازي مصطفى, ومثَّل فيه عدد كبير من الفنانين العرب, وخاصة من مصر, مثل بشارة واكيم, ومديحة يسري, ونورهان, وآمال محمد. أما من العراق فشارك في الفيلم كل من عادل عبد الوهاب, وحضيري أبو عزيز, وعزيز علي.

وعرض (ابن الشرق) خلال أيام عيد الأضحى في أواخر عام 1946, الذي شهد إنتاج الفيلم الثاني (القاهرة بغداد), الذي أنتجته شركتان, على ما تذكره المصادر, هما شركة (أصحاب سينما الحمراء), وشركة (اتحاد الفنيين) المصرية. ومع الفيلمين (ابن الشرق, القاهرة بغداد), شرع بتصوير الفيلم الثالث (عليا وعصام), الذي أخرجه الفرنسي أندريه شوتان. ومثَّل فيه كل من: إبراهيم جلال, وسليمة مراد, وجعفر السعدي, وعبد الله العزاوي, ويحيى فايق, وفوزي محسن الأمين وغيرهم.

وبعد نجاح فيلم (عليا وعصام) قام منتجه (ستوديو بغداد), بإنتاج فيلم جديد هو (ليلى في العراق), الذي أخرجه المصري أحمد كامل مرسي, ومثل فيه المطرب محمد سلمان من لبنان, وشارك في الفيلم من العراق إبراهيم جلال, وعفيفة إسكندر, وعبد الله العزاوي, وجعفر السعدي. وقد عرض فيلم (ليلى في العراق) في سينما روكسي خلال ديسمبر 1949. وفي العام 1953, بادر ياس علي الناصر, إلى تأسيس شركة (دنيا الفن), وكان فيلمها الأول (فتنة وحسن), الذي أخرجه حيدر العمر, وجرى عرضه في عام 1955.

الدولة تحتكر السينما

وتأسست في العام 1960, أول مؤسسة رسمية تعني بالسينما, هي (مصلحة السينما والمسرح), التي بدأت نشاطها بإنتاج الأفلام التسجيلية الوثائقية, إضافة إلى تقديمها التسهيلات للعاملين في القطاع الخاص, من أجل العمل السينمائي الواقع تحت السيطرة, أو الإشراف.

أما في مجال الفيلم الروائي, فإن (مصلحة السينما والمسرح), لم تقدم على هذه الخطوة إلا بعد بضع سنوات. حيث شرع في عام 1966 بتصوير فيلم (الجابي), من إخراج جعفر علي, وبعد عرضه تتابعت أفلام المصلحة, فكان فيلم (شايف خير) لمحمد شكري جميل, و(جسر الأحرار) لضياء البياتي. وفي عام 1973 أُنتج فيلم (الظامئون) من إخراج محمد شكري جميل, ومن ثم فيلم (الأسوار).

وفي العام 1973, صدر القرار الذي جعل مهمة استيراد وتوزيع الأفلام بيد الدولة, عبر (مديرية استيراد الأفلام) التابعة لـ (المؤسسة العامة للسينما والمسرح), مما أنهى دور القطاع الخاص في مجال استيراد, وتوزيع الأفلام, وبقي له هامش, تحت التحكم الكامل, في مجال الإنتاج. الأمر الذي كان يعني أن الدولة احتكرت العملية السينمائية لذاتها, وتحكمت بها على النحو الذي تريد.

منذ العام 1980, أُدخل العراق في أتون حروب متتالية, لم تنته حتى سقوط النظام, ففي الفترة ما بين العام 1980 والعام 1988, كانت حرب الخليج الأولى, فيما بين العراق وإيران, وخلال هذه الفترة عمد النظام إلى تهيئة الفرص, لإنتاج أفلام دعائية تحريضية, تمجد النظام العراقي, وتهاجم إيران, كان أبرزها فيلم (القادسية) للمخرج المصري صلاح أبو سيف, الذي حاول القيام بعملية إسقاط تاريخية, تخدم نظام صدام وحربه, من خلال استعادة بائسة لموقعة (قادسية سعد بن أبي وقاص), ومقايستها بموقعة (قادسية صدام حسين)!.. واستعادة أكثر بؤساً لصورة (العدو الفارسي)!..

وكذلك فيلم (الأيام الطويلة) للمخرج المصري توفيق صالح, عن حياة صدام حسين نفسه, وتم تحقيقه برعاية مباشرة, وغير مباشرة, من قبل صدام حسين, مما جعل الفيلم أكثر بؤساً من الوقوف عنده, وخاصة أن جنون العظمة دفع بصدام حسين للتدخل في تفاصيل الفيلم بشكل يثير السخرية المرة. والطريف أن هذا الفيلم لم يعد مؤهلاً للعرض, بعد ما جرى لحسين كامل, وشقيقه صدام, الذي قام بدور صدام حسين..

من المنطقي القول إنه لم يكن لهذه الأفلام أن تحقق أي مستوى فني, أو أي حضور في سوق العرض السينمائي العربي, لأسباب عدة منها ما هو متعلق بالشروط الصارمة, التي كان يتم خلالها إنجاز هذه الأفلام, خاصة حالة الضبط الأمني الصارم, الذي كان يصل إلى درجة الرعب الحقيقي, مما جعل هذه الأفلام عبارة عن دعاية مباشرة, لا تمتلك أدنى إحساس بالخجل!.. كما اعتبرت لطخات سوداء في جبين تاريخ كل من المخرجين صلاح أبو سيف, وتوفيق صالح, لم يستطيعا التبرؤ منها, ولا الحصول على المغفرة!..

ماتت السينما العراقية بين أيدي نظام الطاغوت, بعد أن أُذلَّت وأُهينت, وصار السينمائيون العراقيون لاجئين في بلدان العالم, عربية وأجنبية, واستوعبتهم المنافي, فاستقر المخرج قيس الزبيدي في ألمانيا, وقاسم حول في هولندا, ومحمد توفيق في الدانمارك, وانتشال التميمي في هولندا, وفيصل الياسري في سورية, ومن ثم مصر, وباز شمعون في كندا, وهادي ماهود في أستراليا, وعمر أحمد في أمريكا.. وتوارى آخرون, ومات من مات, كاظماً غيظه, منطوياً على حزنه, بل غضبه.. وهكذا فإن العراق, الذي كان يبشّر, فيما مضى, بأن يكون أحد مراكز السينما العربية, صار خرابة سينمائية!..

سينما اللحظات الحاسمة

سقط صدام في (حفرته), فخرج العراق من (بئر الظلمات), التي وُضع فيها طيلة خمس وثلاثين سنة, وتنفس العراقيون الصعداء, وبدا للحظة أنهم يعودون دفعة واحدة إلى التاريخ, الذي أُخرجوا منه. قرص الكثيرون أفخاذهم ليتأكدوا أنهم ليسوا في حلم, وبالتالي لم تطل ساعات استعادة الوعي كثيراً, فكان أن أشرع سينمائيون عراقيون في بحر رحلة العودة إلى الوطن المُستعاد, وتحولت رحلات العودة, بعد مرور السنوات الطوال, إلى رحلات استكشاف, للعراق الذي كان غارقاً في ظلمات المجهول, مسوراً برجال البعث والمخابرات, والتعتيم, والقتل..

سيبدو فيلم (ست عشرة ساعة في بغداد) للمخرج طارق هاشم, واحداً من أوائل تلك المحاولات, فهذا الفيلم الذي صار جاهزاً للعرض في العام 2004, ونال جائزة كبرى في مهرجان الفيلم العربي في روتردام, وهو فيلم تسجيلي طويل (مدته 58 دقيقة), هو رصد بصري لمسيرة عودة المخرج طارق هاشم, إلى بغداد, بعد غياب عنها دام قرابة 23 سنة.

لا يريد طارق هاشم امتحان ذاكرته, بعد كل هذا الغياب, فقط, وهذا حقّ له, بل سنراه يحاول استكشاف كل التحولات التي جرت في بلده, في سنوات الغياب الطويل, سنوات القهر الذي لا نظير له, فيمضي مع الكاميرا إلى الكثير من الأمكنة والمواقع, المعهودة في بغداد, والكثير من الشخصيات التي باتت لا تخاف من الجهر بقولها, والتعبير عن مواقفها.

يصل طارق هاشم إلى بغداد, بينما لن يتمكن باز شمعون البازي, من تحقيق ذلك, فيكون فيلمه (العراق إلى أين?) التسجيلي القصير (مدته 19 دقيقة). يأتي باز شمعون من كندا إلى الأردن بغرض العودة إلى العراق, وهو من أمضى 27 عاماً بعيداً في المنفى الكندي. عودة باز شمعون حصلت قبل 75 يوماً من أسر الجيش الأمريكي لصدام حسين, وبالتالي فإن الفيلم الذي انتهت عملياته الفنية, وصار جاهزاً للعرض عام 2004, يفصح عن التاريخ الذي تمّ فيه تصوير الفيلم, وهذا أمر لا بد منه, إذ إن تلك اللحظات ذات تأثير في مواقف الناس وآرائهم, وهو ما يجعل اعتبار السينما العراقية المُنجزة في ذلك الوقت, هي (سينما اللحظات الحاسمة), فالمتغيرات في الحال العراقية هي على تسارع لحظي مهم, يجعل كل صباح يأتي بجديد.

فيلم (العراق إلى أين?) يدور في الأردن, ولا يصل إلى العراق أبداً, لكنه وعلى الرغم من ذلك يحاول رسم صورة العراق في تلك اللحظات, من خلال ما يقوله الناس المنتظرون الوصول إلى العراق. في إحدى محطات الركاب ثمة مجموعة من العراقيين, ممن لم يعودوا قادرين على عبور الحدود, منهم سائقو شاحنات, ولاجئون متعبون, ومنتظرون على قلق, وعمال لا عمل لهم, وباعة صغار.. تقابلهم الكاميرا, كما تتجوّل بين المطاعم الرخيصة, والمقاهي الشعبية, المجاورة لمحطة الانتظار..

ما بين عناء السفر, قدوماً من شتى البلدان إلى هنا, ولحظات الانتظار الملولة, للسماح بالعبور إلى العراق, القريب في مدار الحلم, والبعيد على بوابات العبور, ترصد الكاميرا حالات من الحوارات والنقاش, الذي يعلو إلى حدّ الجدال الساخن.. فلكل رأيه, ورؤيته, لواقع العراق اليوم, وحاله المستقبلية, الأمر الذي يبدو على هيئة (مؤتمر شعبي) عراقي ينعقد بعفوية, على قارعة الرصيف, يفتح الملفات الساخنة حول سنوات الحرب, والعقوبات, والاعتقال التعسفي, والتعذيب, والخوف من الإعدام.. هناك من يلعنون الاحتلال, كما يلعنون زمن صدام, ويشعلون سؤال مستقبل العراق..

عودة المنفي إلى السماوة

رحلة الاستكشاف الأهم, على المستوى الفني, والمضمون الفكري, تتجلّى في فيلم (العراق موطني) للمخرج هادي ماهود, وهو فيلم تسجيلي طويل (52 دقيقة), يمتدّ تحقيقه على مدى أكثر من سنة ونصف السنة, يبدأها الفيلم بخبر سقوط النظام, فما يكون من المخرج العراقي هادي ماهود, المقيم في أستراليا, منذ 13 عاماً, إلا التحضير للعودة إلى العراق, وهذه العودة سوف تنتهي إلى الفيلم الذي بين أيدينا.

سنعرف أن هادي ماهود ينتمي إلى مدينة السماوة, في الجنوب العراقي, ولهذا فإنه يمنح فيلمه عنواناً فرعياً هو (عودة المنفيّ إلى السماوة). العودة إلى السماوة هي العودة إلى الوطن العراقي, الذي افتقده هادي ماهود, والانتماء إلى السماوة هو الانتماء إلى الوطن, الذي حافظ عليه هادي ماهود, حتى في مغتربه الأسترالي. وبالتالي فإن الصورة التي سيرصدها هادي ماهود في السماوة, هي جزء من صورة الوطن ذاته.

يتميز فيلم (العراق موطني) بأنه يرصد, وبصورة تكاد تكون استثنائية, مدينة عراقية بعيدة عن مدينة بغداد, التي أخذت مركز الاهتمام من السينما العراقية المعاصرة, والأفلام التي أنتجت عن العراق, عربية أو أجنبية.

من أستراليا إلى السماوة تمتد الرحلة. وفي السماوة سيجد المخرج هادي ماهود العديد من الشخصيات الطريفة, التي تصلح لأن تكون مرتكزات درامية يقوم عليها فيلمه, أولها شخصية (مجيد) المجذوب الذي يكاد يصل إلى حدّ الجنون, والعاقل الذي يصل إلى حدّ أن يكون صوت الضمير. (مجيد) مجنون المدينة وحكيمها يتناول التفاصيل التي كانت في عهد صدام, بكل قسوتها ووجعها, كما يلتقط أطراف الفساد الراهن, بسبب الفوضى التي تعم المكان.

أما الصبي (أحمد), الفتى اليافع, والذي فقد مهنته كعامل بناء, بعد أن سُرقت معدات معمل الإسمنت, ليتحول إلى مهنة بيع الرصاص, يقود المخرج إلى تفاصيل المدينة وأسرارها, مثل: غرف تعذيب دائرة الأمن العامة, وسجون قطاعات التحالف في المدينة, التي لا يتوافر فيها أدنى حد من الخدمات.

سيتعرض الفيلم لموضوع السجناء العراقيين, وطبيعة الحياة في السماوة, والتفجيرات التي تستهدف دوريات الشرطة, والجنائز وطقوس التعزية الشيعية, والمدافن الجماعية, وعمل الجيش الياباني, وواقع البنية التحتية في المدينة, ومواقف المواطنين العراقيين السياسية, وشكل الحياة في هذه المدينة, ذات الطبيعة المحافظة.

خلال التصوير يحدث تفجير سيارة مفخخة, فيرى المخرج في الحدث فرصة لا بد من تسجيلها, وتوثيقها, بتصويرها, الأمر الذي يجعله يدفع ثمناً موجعاً, بتعرضه للضرب الموجع, من قبل رجال الشرطة, والاعتداء الواسع من قبل الناس المفجوعين بالانفجار, محطمين كاميرته, وتاركين الآثار الدامية على جسده..

فيلم (العراق موطني), ينتهي إلى ما يشبه رسالة انتماء من قبل المخرج هادي ماهود, إذ نراه يرفض مغادرة العراق, مرة أخرى, ويقرر الانتماء النهائي للوطن, ويربط نفسه بالزواج من فتاة عراقية, ليبقى إلى الأبد في وطنه, ويقطع علاقته مع المنفى. وفي هذا الإطار يرسم صورة جميلة ومشرقة لمستقبل العراق, بدءاً من النشيد العربي الشهير (موطني), وصولاً إلى الكشف عن التحولات التي باتت مدينته تشهدها, من حيث قدرة الناس على التعبير عن استنكارهم لموقف مجلس المدينة, تجاه هذه المسألة الحياتية اليومية, أو تلك. أو من حيث تبلور مظاهر التحديث, بدخول الكمبيوتر, والإنترنت, واستعمال الفتيات له.

عودة من المنفى

لن يعود المخرج سمير زيدان إلى العراق, من أجل تحقيق فيلمه (اللغة), الروائي القصير (مدته 5 دقائق), بل سيبقى في منفاه الأوربي, ليتناول من هناك حكاية دالة ومعبرة, من خلال حياة المنفيين العراقيين في بلدان الاغتراب, وإشكالية التواصل عبر اللغة.

الكثير من العراقيين, في المنافي التي استطالت بها السنون, وجدوا أنفسهم يتزوجون, وينجبون أطفالاً, لم يعرفوا غير بلدان المنفى موئلاً, مما جعل لغة البلد الأجنبية هي أداة التواصل بين الأب وأطفاله, في حياة المنفى, ولكنها لن تستطيع أن تكون أداة تواصل بين هؤلاء الأطفال والأهل في العراق..

الحكاية تجري على نحو بسيط ظاهرياً, عميق دلالة وتعبيراً, إذ تأتي مكالمة من العراق, تتلقاها الابنة العراقية, الصبية (ماجدة), التي وُلدت وعاشت في النرويج, والتي لا تعرف اللغة العربية, فتحار الابنة أمام المكالمة العربية, التي لا تفهم منها شيئاً..

يهتدي الأب إلى وسيلة طريفة في التخاطب, إذ يعزف على شبابته مقاماً عراقياً معروفاً, تقول كلماته: (يللي نسيتنا.. إمتى تذكرونا)?.. فما يكون من الابنة, وبعد أن أتقنت العزف, في موعد الاتصال التالي, إلا أن تعزف المقطوعة, مستعيضة بالموسيقى عن الكلمات. الموسيقى التي تستطيع التعبير عن الكثير من الأحاسيس, والمشاعر, والانفعالات..

فيلم (اللغة), وبالمقدار الذي يبدو فيه بسيطاً, سلساً, فإنه يأتي متقناً فنياً, دالاً وعميقاً, حافلاً بالرموز, والتعبيرات الفنية, قادراً على قول الكثير بصدد العراقيين المنفيين, وتواصلهم مع الوطن المفتقد.

العلكة المجنونة..

يعتبر فيلم (العلكة المجنونة) للمخرج عمار سعيد, واحداً من الأفلام العراقية القليلة التي تم تحقيقها في العراق, فهذا الفيلم التسجيلي القصير (مدته 29 دقيقة), من إنتاج الهيئة الوطنية العراقية للاتصالات والإعلام, يتناول واقع العمل الصحفي في العراق, في المرحلة الجديدة, في ظل وجود القوات الأجنبية, والتفجيرات اليومية, التي تشهدها المناطق العراقية.

يبدأ الفيلم ببطله (يحيى) الصحفي الشاب الذي يعمل في إحدى الصحف المحلية, ويعيش ضغوطاً هائلة, بفعل التغطية الصحفية التي يقوم بها. يتساءل هذا الصحفي الشاب عما يجب أن يقوم به في وضع بلده, وكيف يكون صحفياً موضوعياً وغير متحيز?.. ويتساءل عن سرّ هذا الواقع الإعلامي, الذي يحفل بوسائل الإعلام (هناك ما يزيد على 180 صحيفة, و20 قناة تلفزيونية), وعن الطريقة التي يجب أن يتخذ فيها قراراته وسط الأجواء الخانقة, والحرية الجريحة, متحملاً مسئولية اختياره ليقول لنفسه: (أنا ضائع مع حريتي المفقودة).

لقد كان هذا الصحفي, من قبل, يحصل على الخبر من وزارة الإعلام العراقية, وينشره كما هو, أما اليوم فهناك حرية ممنوحة, وغير مضمونة, ومنقوصة, بفعل واقع العراق, وكثرة الأطراف, وتداخل مصالحها داخل العراق!..

ومن جهة أخرى يتعرض الفيلم, عبر مجموعة مقابلات مع صحفيين عرب وأجانب وعراقيين, لواقع عمل الإعلاميين الصعب, وسط تحدي الموت, أو الخطف, الذي يقابلهم في كل تحركهم, لا سيما أن أكثر من 60 صحفياً, قتلوا في العراق, نتيجة لتغطيتهم الأحداث فيه.

 

بشار إبراهيم 




 





(ست عشرة ساعة في بغداد) - للمخرج طارق هاشم





(العراق موطني) - للمخرج هادي ماهود





(العلكة المجنونة) للمخرج عمار سعيد