مساحة ود

مساحة ود

المرأة والتاريخ

صاغت المرأة تاريخًا في تحمّل المسئولية، وضعته في إناء أسمته الضعف. كانت جوانب ضعف الإناء صخرة جامدة واجهت بها المرأة أعتى تقلبات الدهر وهزمتها. فكانت الأم، والأخت، والزوجة، والرفيقة، والحبيبة، والابنة، والصديقة، والمرآة التي ينظر التاريخ عبرها لمعرفة خلجات الحقيقة.

وعودة إلى مسئولية المرأة، للبحث عنها في جذور الحقيقة، ومن خلال التجربة الإنسانية، فالمرأة، وقبل أن تبلغ أشدها، لديها قدرة جنينية مقاومة أكثر من الرجل، فمقاومة الجنين الذكر في بطن أمه أقل بكثير من مقاومة الجنين الأنثى، وبالتالي فإن حظوظ البقاء للجنين الأنثى أكبر من حظوظ الجنين الذكر، وفي مقابل هذا الضعف الجنيني، وللتكيف التلقائي الطبيعي، عوض الذكر عن ضعفه الجنيني بقدرة عضلات لم تكن الأنثى بحاجة إليها طبيعيًا.

استطاع الرجل، وبحكم الطبيعة، وخلال تدرج العقل البشري في مراحله الأولى، استغلال العضلات في السيطرة على محيطه في زمن كانت القوة الجسدية هي المقياس، فجلست المرأة تراقب من بعيد، وتلاحظ، والملاحظة، هي الدعامة الأولى للعلم.

في عهود السيف والترس والمقارعة الجسدية، كان من الطبيعي أن تكون السيطرة الميدانية للجسد على العقل، وبالمقابل استفادت المرأة وصغار البنية من الرجال تاريخيًا، بالتعويض عن عدم وجود قدرات عضلية لديهم، والاستفادة في تنمية القدرات الفكرية والعقلية. فعملت المرأة على تنمية أحاسيسها وشعورها، بينما توصل الرجال، في الضعف العضلي، إلى قيادة الجموع والمحاربين، فكان أكثر الحكام والسياسيين صغار البنية، وقد صدقت في معظم الأوقات المعادلة التناقضية بين العضلات من جهة والذكاء والعقل من جهة ثانية.

كان الرجل حقل تجربة المرأة، درسته في كل جوانبه وتفصيلاته، في ضعفه وقوته، وعرفت مقياس قدرته، فكانت تجلس في المنزل تنظر إليه يكد ويعمل ويعود لها، يحمل لها جناه لترضى.

عرفت منهاج تصرفه،فكانت تناديه بصوت لا يسمعه، ليتقرب منها ظانًا أنه قام بالمبادرة. كان يقول للعلن وفي خارج المنزل إنه سيد البيت، ولكن القرارات المصيرية الفعلية كانت لها داخل وخارج البيت.

والآن أين أصبحت المرأة؟ مع زوال المقياس العضلي، أصبح المقياس الجسدي هو القاعدة، وأصبحت المعادلة كما يقول الفرنسيون «كوني جميلة واصمتي».

لا أعتقد أن الرجل وحده خلف هذا التغير، وتوجيه المرأة نحو تنسيق الشكل الخارجي جماليًا، ليصار بيعها جسدًا جميلاً على رصيف كل شارع وزقاق، ليحرم المرأة من زينتها الحقيقية، التي تتلخص في فكرها وعقلها، والهدف كسر روح الثورة التي أطلقتها في التاريخ، وخلاصتها قتل المرأة المفكرة والملهمة التي أعطت للتاريخ عباقرة، وللأوطان رجالاً.

لا أتجرأ على قول النصح، والمرأة مدرستي، وإلهامي ودليلي، وأبقى في التمني في دعوة الترفع عن الجسد المادة كي لا تكرر خطأ التاريخ في رجل العضلات.

 

 

محمد سليم وهبه