طيات المستقبل المفاجئة.. عوالم أخرى للاكتشاف

طيات المستقبل المفاجئة.. عوالم أخرى للاكتشاف

منذ أكثر من ثمانين سنة، كتب برنارد شو: "لا أحد يستطيع أن يفسر لماذا يعيش الببغاء عمرا يصل إلى عشرة أضعاف عمر الكلب، أو أن السلحفاة تعيش إلى الأبد تقريبا. أما الإنسان، فإنه من وجهة نظر المدنية الرفيعة، لايمتد به الأجل بقدر كاف، الواقع هو أنه يموت في طفولته!".

كان هذا في مقدمة مسرحيته "العودة إلى ميتوشالح"، والإشارة هنا إلى "ميتوشالح" التوراة، الذي يأتي في سفر التكوين أنه عاش 969 سنة، والمسرحية من نوع الفانتازيا وتبدأ بآدم وحواء وتنتهي بفصل مستقبلي تقع أحداثه بعد عشرات الألوف من السنين. لاشك أن شو كان محدودا في تصوراته إذ ذاك، بحدود المعرفة التي كانت متاحة في عصره ولكن الكثير من تصورات الأدباء والمفكرين لاتزال تصويرا لآفاق المستقبل، لايبعد كثيرا عن الحقيقة التي تتمثل بعد ذلك. كان وصف جول فيرن لرحلة الإنسان إلي القمر لايعدو أن يكون خيالا، ولكنه عندما تحقق منذ ربع قرن جاء مطابقا لتصوراته إلى حد مذهل، وكذلك كانت تصورات الدوس هكسلي لعالم من أطفال المعامل تبدو شيئا مسليا لاأكثر، وأصبحنا نرى كل يوم مايدل على الأقل على أن هذا شيء ممكن الحدوث، وقد ولد منذ شهور قليلة في كاليفورنيا طفل من جنين احتفظ به أبواه ثماني سنوات في حالة "تجميد"، إلى أن جاء الوقت الذي يريدانه! أما دولي، النعجة المستنسخة، فسواء صح ما يقولونه من أنه ربما تكون الخلية التي استخدمها الباحث "أين ويلموت" في تجربته، كانت خلية من جنين في رحم النعجة "الأم"، سبحت في دمائها إلى أن أخذت من ضرعها، أو كانت في الحقيقة خلية من خلاياها هي، فقد وقع الاستنساخ فعلا، وسوف تظهر الحقيقة على أية حال، ولكن إمكانية الاستنساخ قد ظهرت فعلا والفشل في حالات أخرى كثيرة ليس دليلا على استحالته، وكما قال الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس: إذا جاء أحدنا بغراب أبيض واحد فإن هذا يكفي لنفي مقولة أن جميع الغربان سود.

ملامح الأعماق على السطح

في المجتمع الإنساني البدائي كان متوسط طول عمر الفرد الآدمي يتراوح بين 20 و30 سنة، ظل كذلك إلي أن زاد إلى 40 سنة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أما في القرن العشرين ـ وهو عصر المضادات الحيوية وجراحة القلب والدراية بنوعيات الجراثيم وطباعها ـ فقد ارتفع من خمسين سنة في بدايته ويوشك الآن ـ ونحن نقترب من نهايته ـ أن يصل إلى ثمانين، علينا هنا أن نلاحظ أن هذه الأرقام مستمدة من عالم الغرب الصناعي حيث الرعاية الصحية في أعلى مستوى عرفه البشر، وأنها أيضا متوسطات، بمعنى أن هذه الأرقام تنخفض بحدة عندما تتكاثر المواليد ويموت منها كثيرون في أعمار منخفضة، ويحضرني هنا هذا المثال، كانت الملكة ماري هي آخر ملوك أسرة ستيوارت وكانت بالطبع تجلس على عرش "أعلى الممالك" في السنوات الأخيرة من القرن السابع عشر، في تلك السنوات السبع عشرة حملت الملكة 18 مرة، وفي خمس مرات فقط أمكنها أن تلد أطفالا أحياء، ومن هؤلاء عاش واحد فقط إلى أن أصبح صبيا ثم مات في صباه، هذا مع عدم وجود أي داء وراثي معروف في تلك الأسرة. كان الجهل بوجود الجراثيم يؤدي إلى عدم الوقاية منها بغسل الأيدي والأدوات، والجراثيم تأتي طبعا بحميات قاتلة، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كانت أعداد مخيفة من النساء يمتن بحمى النفاس، والأطفال بالإسهال والالتهاب الرئوي.

إلا أننا لسنا بسبيل الحديث عن إطالة العمر بجراحات القلب أو زرع الأعضاء، حتى ولو كانت ستأتي من "نسخة" آدمية من المريض، كائن بلا رأس يبقى حيا وساخنا في انتظار الطلب على أعضائه المطابقة للمواصفات، ولاحتى بالاستنساخ نفسه، وأنت إذا صنعوا منك نسخة فهذا لن يكون أنت بأي حال، سيكون ابنا لك، فقط بدون أم! البصمة الوراثية في كل خلية منه، جزيء الحمض الأميني وهو DNA سيأتي مطابقا تماما لكل خلية عندك، أما فيما عدا ذلك فإنه ليس أنت لا في حياتك ولا بعد موتك، سيكون مجرد توأم مطابق لك ولكنه ليس مساويا لك في العمر كما هو المعتاد في التوائم المتطابقة، وإذا عرفت من هؤلاء قدر ما عرفت أنا فلعلك تعرف إلى أي حد يختلف التوأمان في كل شيء عدا الشبه! بما في "توأما" كورسيكا عند إسكندر دوماس! فالإنسان ليس مجرد الخواص الوراثية التي ولد بها، بل هو هذا مضافا إليه تجاربه ومشاعره ومعارفه، كل واحد منا يتغير كل ثانية من حياته بفعل مايضاف إليه مما يدور في رأسه وخارجها. والذين يحلمون بأنه سيأتي يوم نأخذ فيه الشفرة الجينية من جثثهم بعد أن يموتوا وننتج منها إنسانا لكي يعودوا إلى الحياة، حتى إذا تسنى ذلك فإن الناتج سيكون شخصا آخر لايشارك "المرحوم" إلا في الخواص البيولوجية التي ولد بها.

نحن لسنا بسبيل الحديث عن الوسائل البريئة أو المحاولات الساذجة من نوع مضادات الأكسدة وعقاقير الشباب التي حلم بها كتاب الدراما قرونا طويلة، نحن نتحدث عن استراتيجية هجومية قوامها الغوص في أعماق البيولوجيا واكتشاف هذا السر الرهيب: آلية الهرم. نحن عندما يمر الزمن من حولنا يحدث شيء في أعماقنا. ماهذا الشيء؟ "الميكانيزم" الذي يعبر عنه شيب الرءوس وتجاعيد الوجوه واضمحلال الأوصال ووهن العظام وانطفاء الجذوة. لو عرفنا الطريقة التي يعمل بها سنعرف كيف نجعله يتوقف. لامجرد عمر طويل ممتد، بل وشباب دائم!

يقول واحد من الباحثين: إن الموت هو قدر الكائنات التي تتكاثر بالتزاوج، أما تلك التي تتكاثر بالانقسام، "اللاجنسية" كما يسمونها، فهذه لاتموت، ولو ماتت واحدة فهي لاتعدو أن تكون قسما من ألف من ذات الكائن الذي يستمر في الحياة والانقسام "ياله من ثمن باهظ ندفعه!" ـ فهي لاتموت إلا في حادث، هجوم مادة مطهرة مثلا، هل سيأتي يوم لايموت في الإنسان إلا في حادثة فضاء؟

هناك علاقة وثيقة بين طول عمر الإنسان وقدرته على غزو الفضاء. آن الأوان أن نأتي لذلك، فقط علينا أولا أن نتوقف لنؤكد أنه لايعلم الغيب ـ علم اليقين ـ إلا الله، ونحن مهما أنجزنا في دنيا البيولوجي، حتى لو أمكننا تخليق الخلية الحية وإنتاج الأجنة، فلن نكون قد خلقنا شيئا، فنحن أنفسنا مخلوقون، وقدراتنا مودعة فينا كما أرادها الخالق، وكل مانصنعه يأتي من تفاعل هذه القدرات مع كون قوانينه من صنعه أيضا وليس الذي ينتج الأجنة خالقا بأكثر ممن يصنع منضدة من الخشب أو كوبا من الزجاج.

إكسوبيولوجي

ليس التفكير في احتمال وجود الحياة في مواضع أخرى من العالم شيئا جديدا، الواقع أنه يرجع إلى ألفين وخمسمائة سنة مضت، وكان الفيلسوف الإغريقي ديموقريطس هو أول من نادى بالنظرية الذرية وبأن قوانين المادة والحياة كونية، لن تختلف من موضع لآخر في الكون، وبأنه ليس هناك مايتميز به كوكب الأرض عن بقية الكون، وأنه مادام أي حدث ممكن الحدوث فإن الطبيعة سوف تجعله يحدث.

ويرى علماء اليوم وفلاسفته أنه ـ من جهة أخرى ـ ليست هناك حتمية من أي نوع، وكفى أن ظواهر الجاذبية تدلنا على أنه يحتمل في أي وقت أن ينقض جرم سماوي على كوكب الأرض ويسحقه ويضع نهاية لما فوقه من حياة وقد حدث هذامرتين على الأقل في تاريخ كوكبنا، وقضى على الملايين من أنواع الكائنات الحية ومنها الديناصور، ومنهم أيضا ـ وعلى رأسهم برتراند راسل ـ من يرى أنه بحكم القانون الثاني للديناميكا الحرارية، فإن الكون كله زائل لامحالة. على أية حال، إلى أن يحدث ذلك لن يكف إنسان الأرض عن محاولة إشباع فضوله بل والانتقال إلى هناك ليرى بنفسه وقد حط فعلا فوق القمر وأوشك أن يصعد إلى المريخ دون أي دليل على وجود حياة مهما كانت بدائىة. فقط ما القمر وما المريخ؟ إن الذي ييأس من جراء ذلك شأنه شأن من يجد مقعدا خاليا إلي جواره في استاد كرة القدم فيقرر أن الملعب كله خال بل والمدينة بأكملها. وكما أن الأحداث الكونية ـ من نوع اندثار النجوم ونشوء الحياة ـ تستغرق ملايين السنين بالنظر إلى ضخامة الكون ومن هول أبعاده ومسافاته، فإن التوصل إلى حقائقه خليق هو أيضا بأن يستغرق أزمنة تتناسب مع هذه المسافات. وقد رأى إنسان الأرض هذا القمر الوحيد الذي يدور حولها منذ أن وجد هذا الإنسان، بل إن القدماء قد استنتجوا كروية الأرض من شكل ظلها الساقط على القمر، وكان جاليليو هو أول من قال بوجود الكواكب والأقمار وبالتالي احتمال وجود الحياة، وكان العثور على أورانوس سنة 1781 واستمر اكتشاف كواكب المجموعة الشمسية حتى سنة ،1930 سنة العثور على بلوتو، ولكن الإصرار على وجود حياة أخرى أو آدميين آخرين أو كائنات عاقلة أخرى أمر بدرجة عظمى من الخطورة على معتقدات إنسان الأرض ومقدساته، وقد أدى بالسلطات الدينية في أوربا إلى القبض على جيوردانو برونو سنة1600 وإعدامه حرقا، نظير ما جاء به في مؤلفه "الكون ومابه من دُنى" مما أوقعه في قبضة محاكم تفتيش فينيسيا، وهو بذلك يعد طليعة لفلاسفة مثل هربرت سبنسر ولايبنتز، كما تأثر به جيمس جويس مما هو واضح في روايته الغامضة "جناز فيسينجان".

يظل اكتشاف الحياة في كواكب أخرى، أو معرفة ما إذا كانت توجد، سراً لايقل إثارة عند إنسان الأرض عما يجهله من أمور أخرى كالحياة بعد الموت وغير ذلك من الأسرار الهائلة. إلا أن المسافات هائلة، إذا عرفنا أننا قابعون داخل مايشبه حبة من الرمل على كون هو بالنسبة لها ساحل شمال إفريقيا مثلا، لأدركنا مدى صعوبة هذا الاكتشاف، المجرى اللبني قطره مائة ألف سنة ضوئىة "السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة من سنوات الأرض، وهي حوالي 9.5 مليون مليون كيلومتر" ويحفل بمائة ألف مليون نجم قد تدور حولها الأقمار والكواكب، منها ما يصلح للحياة ومنها ما لايصلح، والحياة قد تكون بدائىة، يعني مجرد فقاعات من المادة الحية، وقد تكون ـ كما يراهن البعض ـ حضارات أرقى منا بكثير، هواة التفكير بالاحتمالات يقدرونها بربع مليون حضارة تكنولوجية متطورة. لماذا إذن لايردون على رسائلنا؟ ولماذا لانلتقط منهم أي رسائل؟ ربما لأن الإشارات اللاسلكية تتحرك بسرعة الضوء، وتقطع مسافات كهذه في آلاف السنين وربما أكثر.

كان من أكثر العلماء في الفلك والأحياء اهتماما بهذا الأمر، الفلكي والكاتب المبدع الراحل كارل سيجان، وهو الذي اخترع تعبير "إكسوبيولوجي" وألف كتاب "كوزموس" يصف فيه الكون، وغيره وغيره، ثم رواية اسمها "اتصال Contact "، يتصور فيها أننا تلقينا رسالة من الفضاء وماذا كان أثر هذا على حياتنا، ويدور فيه حوار بين اثنين من العلماء، أحدهما لايرى دليلاً على وجود حياة خارج الأرض، والآخر يقول له: هذا يكون تضييعا لقدر هائل من المكان! إذا كنت مثلي تعيش في مدينة في ازدحام القاهرة، سوف يعجبك هذا كما أعجبني.

الاحتمال هو 50% بالضبط. ويظل كذلك برغم أن باحثين في كاليفورنيا قد اكتشفا كوكبين يدوران حول نجمين على مسافة حوالي 35 سنة ضوئىة من الأرض، هذا في أوائل سنة 1996 ـ أنا شخصيا لدي فكرة قد تجدها سخيفة ولن أعترض على ذلك. فكرتان في الواقع. الأولى هي أنه إذا تصورنا وجود حياة آدمية أو كائنات ذكية في مواضع كثيرة من هذا الكون الهائل فأمر من اثنين، إما أنها وجدت في كل موضع نتيجة مجرد التطور والتفاعل المستقل في كل منهما عن البقية، وإما أنها وجدت في موضع وانتقلت إلى البقية باستخدام وسائل السفر في الفضاء أو حتى كغبار عضوي يطير في الفضاء، أو ربما بهذا وذاك معا. في جميع الحالات إذا أخذنا في اعتبارنا أن أحداث الكون تستغرق ملايين السنين، فإذن لابد أنه كانت هناك لحظة في تاريخ الكون كانت الحياة فيها قد نشأت في موضع ولم تنشأ بعد في البقية، هذا في الافتراض الأول، أو نشأت في موضع ولم يبدأ السفر منه بعد إلى البقية. واللحظة في تاريخ ملايين السنين، وإذن هناك لحظة في تاريخ الكون كانت الحياة فيها توجد في موضع واحد فقط، وقد استمر هذا حتى مجرد عدة آلاف من السنين. من أدرانا أننا لانعيش هذه اللحظة ؟ وأنه من المحتمل جدا أن الحياة قد تكونت على كوكبنا ولم تبدأ بعد في غيره؟ أو لم تنتقل بعد إلى غيره؟

الفكرة الثانية إنه إذا كان قطع هذه المسافات سواء بالسفر بمركبات الفضاء السريعة، وإذا كان التواصل بالإشارات المتبادلة بسرعة الضوء هو أيضا يتطلب آلاف السنين، فاكتشاف الحياة خارج الأرض يتطلب إما أناسا يعيشون أعمارا طويلة جدا، أو أناسا يكتشفون وسيلة للنفاذ إلى فراغ رباعي الأبعاد، أو خماسي أو سداسي إلخ، وبذلك يمكنهم العثور على "تخريمة" فضائية تشبه الانتقال من نقطة على سطح كرة إلى نقطة أخرى تقابلها مرورا في داخل بطن الكرة، بدلا من الالتفاف على سطحها حتى ولو اتبعنا أقصر الطرق وهو الدائرة العظمى كما تسمى! النسبة بين هذين المسارين هي مايسمى النسبة التقريبية. إلا أن النقطة في الحالة الأولى تتحرك في فضاء ثلاثي وفي الثانية في فضاء ثنائي فقط. وفيما يقول ستيفن هوكنج وغيره من الفيزيائيين فإنه توجد في أعماق الذرة فراغات ذات عشرة أبعاد وأكثر، قد تخلفت من خلق الكون وأنه لحسن حظنا أنها صغيرة جدا ولانستطيع نحن أن ننفذ إليها بمركباتنا وأجهزتنا، ولو كان الفضاء كله كذلك لربما كان كوكب كالأرض يقع على بعد رابع أو خامس ويجد طريقا قصيرا إلى الشمس ويندفع نحوها والنتيجة أن نتفحم كلنا!

يبدو أن إنسان الأرض هو الذي سيبدأ في نقل الحياة الذكية إلى بقية أنحاء الكون. فقد هبط على القمر وينوي الهبوط قريبا على المريخ، ويقال إن قمر كوكب المشتري الذي يسمونه "يوروبا" جوه يكاد يطابق جوالأرض وبه موارد هائلة من المياه، غالبا سيكون هو المحطة التالية. وهكذا. فقط لابد لإنسان الأرض أن يعيش عمرا طويلا جدا. أو ربما، يسلك فضاء متعدد الأبعاد، أو ربما لاداعي لأن ينتقل بنفسه، يمكنه أن يبث أعضاءه السايبرنطيقية في أنحاء الكون ويرى بل ويلمس كل شيء كما لو كان في متناول يده. فقط هل ستكون له أيد وأرجل كالتي لدينا الآن، أم أن هذه الوسائل غير المتطورة هي التي تحد من إمكاناته الهائلة؟ حقاً، ماذا سيكون شكل هذا الكائن الآدمي؟

السايبرنطيقا

"سايبر" أو "كايبر" كلمة يونانية ـ طبعا، فاللغة اليونانية هي مستودع المصطلحات العلمية عند الأوربيين لأسباب واضحة ـ الكلمة تعني "الحاكم" أو "القبطان" أو أي شخص يتولى القيادة أو التسيير. مع مجيء الحاسب أو الحاسوب ـ كما ترى ـ جاء التحكم الإلكتروني ليحل محل التحكم الكهرميكانيكي الذي أصبح موضة قديمة وهو من الأصل محدود جدا. (Cybernetics) هو العلم الذي يضم هذه الأمور ويصح أن نسميه "سايبرنطيقا" ، وكلمة Cyber أصبحت تضاف لكل شيء يصلح للدلالة على هذه الدنيا الجديدة، مثلا Cyber Space هو الفضاء المحكوم بالكمبيوتر، بعبارة أخرى، الإنترنت وما إلى ذلك.

محاولات الاعتماد على الآلة في سبيل إطلاق طاقات البشر بأعضائهم من الجهد العضلي، بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولم تعد السفن تتحرك بأذرع العبيد، ولا أي شيء آخر في المجتمع الذي يعيش عصره. وكانت الآلة البخارية هي البداية، وبمجيء القرن العشرين وانتشار السكة الحديد والطائرة وصناعات الإنتاج الكثيف كان لابد من إعفاء البشر من الأعمال الذهنية الشاقة هي أيضا ومن هنا بدا الناس يمارسون الجمع والطرح بمسطرة من الخرز، "الأباكاس" الذي يغرم به اليابانيون حتى الآن ويلجأ أطفالهم إلى تصويره في أذهانهم وإذهال الناس بعمليات حسابية تخيلية. ثم ظهرت المسطرة الحاسبة التي تمكن من استخراج اللوغاريتمات والنسب المثلثية وإجراء عمليات الضرب والقسمة بسهولة وسرعة، باستخدام اللوغاريتمات التي يؤدي جمعها إلى إجراء عمليات الضرب والعكس بالعكس، ثم في آن واحد، بدأت محاولات صنع "الآلة التي تفكر" بمصاحبة آلات الحساب الكهرميكانيكية، وهذه كانت شيئا مثل الآلة الكاتبة يحدث ضجة عظمى في عملياتها، وسرعان ما جاء عالم "السايبر" بأعاجيبه وأصبحت الآلة الحاسبة إلكترونية، لولا حاجتنا إلى قراءتها لكانت أصغر بكثير من ذلك، وانكمش الكمبيوتر إلى أن تحول إلى مجرد شذرة، وما خفي كان أعظم. كان لابد طبعا من إدماج الآلة الميكانيكية مع الكمبيوتر ليأتي ما يسمى "روبوت" ـ وهي كلمة روسية الأصل هذه المرة ومعناها "الشغل"، الروبوت يستخدم الآن في مجالين عظيمين، الصناعة "ولدى اليابان وحدها أضعاف ما لدى بقية العالم"، ثم: قصص الخيال العلمي. وشاهدت مرة شريطا سينمائىا يصور مدينة الملاهي الحديثة وهي حافلة بالرجال والنساء من كل شكل ولون، والرواد من هواة الإثارة يرتادونها ليمارسوا كل شيء من حياة رعاة البقر إلى حياة الليل، وكل هؤلاء "روبوت"، آدميون بكل شكل ولون، ولكنهم آلات، وفي رواية "ملحمة الفضاء 2001"، نجد آرثر كلارك وستانلي كوبريك يتصوران "تمرد الكمبيوتر".

ليست هناك نهاية للتطورات والتصورات المرتقبة. مثلاً، كمبيوتر في حجم ذرة الغبار، يدخل في خيوط النسيج مصحوبا بوسائل للتبريد والتدفئة بحيث يمكنك أن ترتدي قميصا في غاية الرقة ولكنه يكفي لكل أنواع الأجواء!

لاداعي لأي ملابس! بل إن رائد الفضاء لن يكون في حاجة إلى هذا "الأوفرول" الذي يعوق حركته ويكبل جسده بأثقاله! حبات الكمبيوتر سوف تصبح قدرتها على معالجة المعلومات أقوى مما هي الآن آلاف المرات، وسيصبح الحاسوب الشخصي قادرا على أن يتم في ساعة واحدة ما يعمله الآن في 24 ساعة، وعلى أن يبثها مع أشعة الضوء لتنتقل بسرعته، بدلاً من هذا "البطء المدمر" الذي تتصف به حركة الإلكترونات "المحبوسة" في جزئىات السيليكون. إذا أمكن تصغير الترانزستورات بما يكفي لأن تتجمع فوق حبة "تشب" بأعداد هائلة فإن الإلكترونات تختفي وتظهر في موضع آخر لا أحد يدري كيف أو لماذا، حاسب "الكوانتم"، يمكنه أن ينشر المعلومات فيجد الناس ـ المعاصرون فقط طبعا ـ أنفسهم وقد تحولوا جميعا إلى علماء! بل وإلى فنانين، سيمكن للصبي أن يجلس أمام شاشة التلفزيون في بيته، وهي في الواقع شاشة كمبيوتر متلفز، ويصنع لنفسه ما يشاء من دراما وموسيقى. أما الاتصال التليفوني فسوف يتخذ شكلا جديدا، سيمكنك أن ترى الشخص "وهي كلمة تدل على الإنسان بنوعيه" الذي تحادثه وقد تجسد أمامك بقدرة قادر، بأشعة الليزر، وليس من الضروري أبدا أن تعرف لغته أو "لغتها" ففي رأسك "تشب" مثلها على الجانب الآخر، والترجمة فورية بمعنى الكلمة!

لا يعلم الغيب إلا الله، ولكن على ما يبدو، فإن إنسان المستقبل، والمستقبل قريب، بمعنى 10 أو 15 من سنوات الأرض، سيكون-على ما يبدو- شيئا كهذا الذي تصفه هذه الكلمات:

- كان أدمى الأصل يعيش قرونا طويلة.

- وهو سايبر نطيقي، جسده وجهازه العصبي مزود بحبيبات تزوده بمعلومات وقدرات فائقة.

- يتحرك في أنحاء الكون عن طريق بعد رابع أو خامس يضاف إلى "الفضاء زمن" الذي نعرفه الآن، وهو مجرد ثلاثة أبعاد للمسافة وبعد واحد للزمن، وبذلك يمكنه أن يحط على القمر في دقائق ويصل إلى كواكب بعيدة في بضع ساعات.

بعبارة أخرى : "سوبر مان" بكل معنى الكلمة!

 

محمد الحديدي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات