أبعاد القمة الفرنكوفونية

أبعاد القمة الفرنكوفونية

للرئيس اللبناني الراحل شارل حلو قول معروف: (ليست الفرنكوفونية إمبريالية لغوية أو سياسة, إنما هي الوسيلة الفضلى لحوار الثقافات). انطلاقاً من هذه الفكرة, يتضح أن الفرنكوفونية ترمي إلى توطيد العلاقات بين مختلف البلدان الناطقة كلياً أو جزئياً باللغة الفرنسية وإلى ترسيخ التواصل فيما بينها في مختلف المجالات وخصوصاً منها الثقافية, وإلى بناء تضامن حقيقي في مواجهة التحديات المحدقة. كما أن الفرنكوفونية, التي كانت ولا تزال مبنية على مبادئ الإنسانية والحرية والأخوة التي ترمز إليها تاريخياً الثورة الفرنسية, يمكن أن تؤدي, عن طريق هذا التواصل, إلى حث البلدان الفرنكوفونية على التمسّك بالمبادئ الديموقراطية الراسخة وعلى بناء دولة القانون التي نطمح إليها.

إن انعقاد القمة الفرنكوفونية التاسعة في بيروت تحت عنوان (حوار الثقافات) يعني الكثير لاسيما أن لبنان ـ أكثر من غيره من الدول والمجتمعات الفرنكوفونية ـ لديه ما يغني النقاش في هذه القضية المحورية في عالمنا المعاصر, وله رسالة في هذا الشأن يوصلها إلى العالم وإلى أشقائه الفرنكوفونيين. في ظل عالم اليوم الذي ترسم حدوده العولمة ويحمل في طياته بعض الشوائب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية, يأتي حوار الثقافات ليكون المنهج الكفيل بردع هذه المخاطر والشوائب وليضفي بعضاً من الإنسانية والقيم الرحيمة في ديناميات تكاد تجرف كل شيء في طريقها.

ومن جهة ثانية, إن لإنعقاد القمة الفرنكوفونية التاسعة في لبنان أهمية كبرى, ويتوقّع حضور 55 رئيس دولة وحكومة من الدول الناطقة كلياً أو جزئياً باللغة الفرنسية. وبهذا فإنها المرة الأولى أيضاً في تاريخ لبنان التي نستقبل فيها هذا العدد الكبير من الدول حيث سيكون ثلث العالم بضيافتنا, علماً أن الدول المدعوة للاشتراك تمثل صورة مصغرة عن المجتمع الدولي بأسره, وهذا يعني إعادة وضع لبنان على خريطة السياسة الدولية من خلال منبر دبلوماسي وسياسي واقتصادي مهم.وهذا ما يجعلنا مسئولين ليس فقط عن التعبير عن مصالحنا وطموحاتنا فيما يخص وضعنا على الساحة الدولية ولا أن نكتفي فقط بالدفاع عن مصالحنا فيما يخص التوصّل إلى حلّ عادل وشامل لأزمة الشرق الأوسط, وإنما ستكون هذه القمة أيضاً مناسبة فريدة لكي يقوم لبنان بدوره التقليدي لجهة الدفاع عن المصالح العربية والتعبير عن المطامح العربية وما يجب أن يكون عليه الحّل العادل والشامل في المنطقة. فضلاً عن أن القمة ستستضيف 29 دولة إفريقية يوجد فيها عدد كبير من الجاليات اللبنانية وهذه الفرصة استثنائية في تاريخ لبنان ستتيح لرؤساء الدول المشاركة التعرف على وطن أبناء الجالية وتتيح لنا البحث عن المسئولين الأفارقة لجهة أمن وسلامة المواطن اللبناني في دنيا الاغتراب.

كما أن هناك نتائج لا تقلّ أهمية على الصعيد السياسي اللبناني والتي تتمثّل بدعم الدول الفرنكوفونية لموقف لبنان الدولي والإقليمي, وتأكيداً على شرعية نضاله التحرري ومطالبه المحقّة في الصراع العربي الإسرائيلي.

تفعيل الحوار

وبانعقاد القمة الفرنكوفونية يكون لبنان قد وضع مجدداً على خريطة السياسة الدولية من خلال منبر دبلوماسي وسياسي واقتصادي مهم, حيث سيعد مؤتمر لرجال الأعمال في الدول الأعضاء في المنظمة الفرنكوفونية قبل عشرة أيام من انعقاد القمة ومن شأن ذلك أن يكون له مردوده الإيجابي على تحسين عجلة الاقتصاد اللبناني.

ولانعقاد القمة الفرنكوفونية أيضاً بعد ثقافي يبرز دوره في تفعيل لغة الحوار وتبادل النشاطات الثقافية وتكون فرصة للإبداع الفكري والفني والثقافي ومناسبة للتلاقي الفني بين اللبنانيين ومختلف الثقافات الفرنكوفونية.

إن هذه القمّة تعني لبنان بأسره, إنها تحّد لكل لبناني أكان يتكلّم الفرنسية أم لا, لكي نثبت للعالم, كدولة ومؤسسات ومجتمع وكجامعات ومدارس وإعلام, أننا فعلاً نستحق سمعتنا في العالم كبلد حضاري قادر على تنظيم هذا النوع من المؤتمرات وحريص على مبادئ العدالة والديموقـراطية التي تحملها الفرنكوفونية.

 

غسان سلامة