الفرنكوفونية والعرب: استعمار جديد أم تفاعل حضاري؟

الفرنكوفونية والعرب: استعمار جديد أم تفاعل حضاري؟

تستضيف عاصمة لبنان, بيروت, قمة رؤساء الدول الناطقة كليا أو جزئيا باللغة الفرنسية, وهي مجموعة تشمل 49 دولة لها صفة العضوية في المجموعة, أربع دول لها صفة المراقب, ودولتان تشاركان في اجتماعات القمة التي تنعقد كل سنتين بشكل دوري.

ومن بين الدول الأعضاء في المجموعة سبع دول عربية, منها: لبنان, المغرب, تونس, جمهورية مصر العربية, موريتانيا, جيبوتي وجزر القمر. فما هي الفرنكوفونية? هل من جامع بين الانتماء إلى جامعة الدول العربية والفرنكوفونية? وهل تستفيد الأقطار العربية المنضمة إلى الفرنكوفونية من عضويتها فعلا? وهل أن غياب الجزائر وسوريا رغم علاقاتهما التاريخية مع فرنسا والثقافة الفرنسية يدل على مآخذ ما على الفرنكوفونية? سنحاول هنا الإجابة عن هذه التساؤلات أو على الأقل إعطاء بعض المعطيات والمعلومات التي تسمح للقارئ بتكوين رأيه حول فائدة الفرنكوفونية وانضمام بعض الدول العربية في عضويتها وغياب البعض الآخر منها, بالرغم من اطلاعها على الثقافة الفرنسية والاحتكاك بها تاريخيا. وقد يهم القارئ قبل الدخول في صلب الموضوع أن يتعرف على هوية الأعضاء من غير العرب في الفرنكوفونية.

هناك ست دول أوربية انضمت إلى الفرنكوفونية وهي: سويسرا, رومانيا, لوكسمبورج, بلغاريا, ألبانيا, موناكو وفرنسا, بالإضافة إلى طائفة الناطقين باللغة الفرنسية من البلجيكيين, وكما هو معروف فإن دولة بلجيكا مقسومة إلى طائفتين, الوالن (Wallons) الفرنسية الثقافة والفلامان (Flamands) وثقافتها قريبة من الثقافة الهولندية, لذلك, لم تنضم المملكة البلجيكية إلى عضوية الوكالة الفرنكوفونية بل اكتفت بالمشاركة في اجتماعات القمة فقط, وذلك إلى جانب دولة مقدونيا من أوربا الشرقية. ونلاحظ من هذه القائمة أن الدول الأوربية المنضمة لم تكن جزءا من مستعمرات فرنسا, كما نلاحظ أن معظم تلك الدول هي في أوربا الشرقية (رومانيا, بلغاريا, مولدافيا وألبانيا) ولم تكن تابعة إلى أي نوع من أنواع الهيمنة السياسية الفرنسية. إن إقدام هذه الدول الأربع على الانضمام إلى الفرنكوفونية ينبع من تأثرها القديم بالثقافة الفرنسية. ومن المفيد أيضا أن نشير إلى أن الدول الأربع التي تحضر اجتماعات القمة الفرنكوفونية بصفة مراقب ـ وهي ليتوانيا وبولونيا وتشيكيا وسلوفينيا ـ بالإضافة إلى مقدونيا وهي عضو في القمة فقط إلى جانب مملكة بلجيكا, إنما كانت لها روابط ثقافية من أدبية وفنية كبيرة, بالإضافة إلى تعاطف فرنسا مع معاناة شعوبها وبشكل خاص الشعب البولوني والشعب التشيكي.

ولعله من المفيد التذكير بأن اللغة والثقافة الفرنسية كانت مهيمنة في كل أوربا منذ بداية عهد التنوير الأوربي أي منذ القرن السابع عشر نظرا لدور كبار المثقفين الفرنسيين من شعراء وأدباء وفلاسفة في النهضة الأوربية. وكانت اللغة الفرنسية هي اللغة المعتمدة في العلاقات الدولية وهي أيضا لغة العائلات الملكية والنبيلة في كل الأقطار الأوربية, بما فيها روسيا ودول أوربا الشرقية. وقد حلت اللغة الفرنسية فعليا محل اللغة اللاتينية كلغة مشتركة للنخبة الأوربية من جميع الجنسيات مع بداية عصر النهضة في أوربا.

المبادئ التحررية

لذلك يمكن القول إن انتشار اللغة والثقافة الفرنسية يعود تاريخيا ليس إلى الحملات الاستعمارية الفرنسية في الجزء الثاني من القرن التاسع عشر, إنما إلى دور كبار المثقفين الفرنسيين في نشر جو النهضة والتنوير في أوربا. ومما لا شك فيه أن عظمة الملك لويس الرابع عشر, ملك فرنسا في القرن السابع عشر, ومن ثم عظمة أحداث الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر, وحملات نابليون بونابرت العسكرية في كل أنحاء أوربا وما كان يحمله معه الإمبراطور الفرنسي الشهير من رموز الحداثة والنهضة القانونية والعلمية في سائر أقطار أوروبا التي كانت تحت الحكم الإقطاعي التقليدي, هي من العوامل التي ساهمت أيضا في نشر اللغة والثقافة الفرنسية. والحقيقة أن الحملات العسكرية لبونابرت التي أوصلت جيوشه إلى مصر وروسيا وإسبانيا وسائر الأقطار والممالك الاوربية أنتجت الميول الاستعمارية لفرنسا التي استمرت في عهد نابليون الثالث (1841 ـ 1870) وتواصلت طوال نهاية القرن التاسع عشر والجزء الأكبر من القرن العشرين. وأصبح الاستعمار الفرنسي يحجب دوافعه الحقيقية وراء ضرورة نشر مبادئ الثورة الفرنسية التحررية. ومع ذلك, فلا يمكن إنكار ما كان لمبادئ الثورة الفرنسية من صدى في كل أنحاء العالم بما فيه بشكل خاص العالم العثماني والمجتمعات العربية فيه, كما سنعود إلى ذكره فيما بعد.

وبناء على ذلك لا يمكن أن نستغرب العضوية الكثيفة في الفرنكوفونية للدول التي خضعت للحكم الاستعماري الفرنسي بشكل أو بآخر في كل من آسيا (لاوس وفيتنام وكمبوديا) وأفريقيا (بنين وبوركينا فاسو وبورندي وكاميرون ودولة أفريقيا الوسطى والكونغو وساحل العاج والجابون وغينيا وغينيا بيساو وغينيا الاستوائية ومدغشقر ومالي وجزيرة موريسشيوس والنيجر ورواندا والسنغال وتشاد وتوجو). وهذا الانضمام يهدف إلى دوافع عدة منها الاستفادة من برامج المساعدة التي يمكن أن تقدمها الوكالة العامة للفرنكوفونية (Agence Inter gouvermentale de la Francophonie) ومنها طبعا فرصة لقاء رئيس دولة فرنسا ورئيس وزراء كندا, ودولة كندا هي أيضا عضو في الفرنكوفونية, والدولتان هما من أركان الدول السبع الأكثر أهمية في العالم, ومنها استغلال اجتماع القمة للتأكيد على مواقف سياسية مهمة كما فعل مثلا الرئيس اللبناني في آخر قمة انعقدت في منكتون في كندا عام 1999 عندما أكد على حق المقاومة اللبنانية في محاربة الاحتلال الإسرائيلي ورفض لبنان لمبدأ توطين الفلسطينيين وتأكيده على ضرورة احترام حق العودة لهم.

من الواضح إذن, أن الفرنكوفونية تجمع معظم المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا وآسيا, وهي في هذا المضمار تشبه أيضا منظمة الكومنولث (Commonwealth) التي تجمع المستعمرات البريطانية القديمة. لكن الكومنولث يعود جذوره إلى نهاية القرن التاسع عشر حين بدأ مسار ضم المستعمرات البريطانية الاستيطانية (كندا, أستراليا, جنوب أفريقيا, نيوزيلندا) إلى حيز ممتلكات الملكية البريطانية ومنحها الحكم الذاتي (Self governing), بينما لم تنشأ الفرنكوفونية إلا في أواخر القرن العشرين وبعد فشل الجمهورية الفرنسية الرابعة, ثم الخامسة برئاسة الجنرال ديجول في إبقاء المستعمرات بشكل أو بآخر ضمن حيز الدستور الفرنسي.

ومن اللافت للنظر غياب أي دولة عربية عن عضوية الكومنولث رغم أهمية الهيمنة البريطانية على المشرق العربي وشبه الجزيرة العربية خلال عقود طويلة, خاصة في كل من مصر والعراق والكويت والبحرين وعمان وباقي أقطار سواحل شبه الجزيرة العربية الشرقية.

ومن جهة أخرى, انضمت إلى الكومنولث دول إسلامية آسيوية وإفريقية مهمة مثل باكستان ونيجيريا وبنجلادش وتنزانيا وكينيا.

بين الكومنولث والفرنكوفونية

وهذا ما يقود إلى طرح السؤال حول صوابية وجود بعض الدول العربية في الفرنكوفونية, ومنها مصر التي كانت خاضعة للهيمنة الاستعمارية البريطانية المباشرة, وعدم وجودها في الكومنولث مع ما لهاتين المنظمتين من أوجه تشابه في وظائفهما وخلفياتهما التاريخية.

واللافت للنظر هنا غياب الجزائر وسوريا من الفرنكوفونية في حين انضمت مصر إليها.

والجدير بالملاحظة, أن الأمين العام للمنظمة هو الدكتور بطرس غالي وزير الشئون الخارجية المصري السابق وأمين عام الأمم المتحدة السابق. وربما يعود غياب كل من الجزائر وسوريا من عضوية الفرنكوفونية إلى مدى معاناة كل من الجزائر وسوريا على أيدي الاستعمار الفرنسي, لكن المعاناة ذاتها وحروب إزالة الاستعمار لم تمنع على سبيل المثال الهند وباكستان وكينيا وتنزانيا أو جنوب إفريقيا (بعد الانتهاء من حكم الأغلبية البيضاء) من قبول العضوية في الكومنولث. فالحقيقة أن موقف البلاد العربية من الانضمام إلى هاتين المنظمتين يصعب تفسيره بشكل منطقي. وربما تفوّت الدول العربية على نفسها إمكان الاستفادة من العضوية في الفرنكوفونية أو الكومنولث لجلب المزيد من التأييد الدولي لقضاياها العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين والأراضي العربية الأخرى المحتلة أو احتلال إيران لثلاث جزر عربية في الخليج.

وإذا كانت الفرنكوفونية لا تأخذ مواقف سياسية حاسمة مما يحصل من تطورات سلبية لدى الدول الأعضاء, فإن الكومنولث اعتاد أن يندد بخرق حقوق الإنسان أو بالانقلابات العسكرية كما فعل أخيراً بالنسبة إلى باكستان التي عُلّقت عضويتها في المنظمة بانتظار العودة إلى الحياة الديمقراطية بعد استيلاء القيادات العسكرية على مقاليد الحكم. أما الفرنكوفونية فلا تتدخل في الشئون الداخلية لأعضائها ولا ترى من وظائفها الرئيسية نشر المبادئ الديمقراطية, مع الإشارة إلى أن لوكالة الفرنكوفونية برنامجا متخصصا واحدا من بين برامجها الستة حول نشر مبادئ الديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان والمواطنية. أما البرامج الأخرى فهي تدور حول تشجيع التنمية وتملك وسائل الحداثة وتسهيل الحصول على العلم والتقنيات وعلى تشجيع التعددية اللغوية والثقافية.

ولا شيء في الحقيقة يوحي بأن نشاطات وكالة الفرنكوفونية تهدف إلى تقوية ما تبقى لفرنسا من الروابط ذات الطابع الاستعماري, خاصة في المجال الاقتصادي. فالوسائل المادية التي تتوفر للوكالة ليست مهمة وقنوات النفوذ الفرنسي الحقيقي لا تزال في الإدارات الفرنسية الرئيسية بدءاً من رئاسة الجمهورية ومروراً بكبريات الشركات الفرنسية العاملة في إفريقيا والعالم النامي, كما تأكد أخيراً من الدعوات القضائية الكبرى ضد قيادات بعض تلك الشركات.

ومن المعروف أيضاً أن الرئيس الفرنسي الحالي لم يكن متحمساً لاتخاذ مواقف لتشجيع الديمقراطية في الدول الأعضاء في الفرنكوفونية, وأقدم في الماضي على الإدلاء بتصريحات حول عدم صوابية تطبيق نموذج الديمقراطية المبنية على تعددية الأحزاب في أفريقيا. فقط قمة لابول (la Baule) في فرنسا عام 1995 برئاسة الرئيس الراحل ميتران ركزت على قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان ولم يكن لها أي صدى ولم تكن من القمم الناجحة.

إن الموضوع المختار لانعقاد قمة بيروت في شهر أكتوبر الحالي هو (حوار الحضارات) ولا أرى شخصياً فيه أي فائدة تذكر سواء على صعيد مشاكل العالم العربي بشكل خاص أو مشاكل العالم النامي بشكل عام. فما نعاني منه في جزئنا من العالم لا علاقة له بحضارات متناقضة أو متناحرة كما ادعى ذلك الباحث الأمريكي صمويل هنتنجتون (Samuel Huntington) في مؤلفه السيئ حول ما سماه (حرب الحضارات). نحن نعاني أولا من انقساماتنا الداخلية في الوطن العربي وذلك منذ نشأة الجامعة العربية مروراً باندراج دولنا في الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن بين 1955 و1990, والتي أدت إلى نفور كبير بين أنظمتنا العربية بين من كان منها يميل إلى موسكو ومن كان يميل إلى واشنطن, وانتهاء بحرب الخليج التي أدت إلى ما نحن فيه من حالة تشرذم وعجز وتبخر لموارد مالية ضخمة.

ونحن نعاني أيضا من استمرار جرائم العدو الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني والتعدي المستمر على حقوقه المعترف بها دوليا. ونعاني أخيراً من حالات فقر وأمية وتهميش اقتصادي في النظام الدولي وبطالة لأجيالنا الصاعدة. وكل هذه الأمور لا علاقة لها بالحضارات والثقافات والأديان, بل إن الدعوة إلى مثل هذا الحوار قد تؤدي إلى تشويه القضايا الأساسية المذكورة.

اليقظة المطلوبة

إن هيمنة القوى الغربية الرئيسية بقيادة الولايات المتحدة على منطقتنا العربية بالتحالف مع الصهيونية لا تعالج بحوار الحضارات. فإدخال المنطق الديني في صراعنا مع الصهيونية له أوجه سلبية ولو لنا الحق, كل الحق, في الاستنفار الديني أمام الهجمة الصهيونية التي بدأت منذ مراحل نشأتها الأولى في استنفار الجاليات اليهودية في العالم على أساس الإدعاء بحقوق دينية على أرض فلسطين, غير أن الدخول في المنطق الديني ـ الحضاري الثقافي لهو أيضاً منزلق خطير, لأن هذه هي استراتيجية الصهيونية أساساً المعززة اليوم بكتاب هنتنجتون ومنطقه الملتوي البعيد عن أي موضوعية.

وعندما نتكلم عن الفرنكوفونية يجب أن نذكر فرنسا والشعوب الناطقة بالفرنسية أو المطلعة على تاريخ ثقافتها التنويرية بهذا الجانب من فلسفتها السياسية ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان المتفرعة عنها. وبالتالي يتعيّن على الأقطار العربية المنضمة إلى الفرنكوفونية التنبّه إلى المنزلق الذي نقع فيه عندما نقبل باستبدال المطالبة بتطبيق مبادئ القانون الدولي الوضعي بحوار حضارات أو أديان تمسك بزمامه الولايات المتحدة والصهيونية لمصلحتها. ومن هذا المنظور, يجب التقيّد والحيطة من الموضوع المختار لاجتماع القمة المقبلة في لبنان, كما يجب التيقظ من ألا تتحول الفرنكوفونية, بحيث لا تدري أو بشكل لا واع ـ إلى وسيلة من وسائل الهيمنة الثقافية الأمريكية على العالم. لذا, على الشعوب القريبة من الثقافة الفرنسية أن تذكر دائماً فرنسا بتراث فلسفة الأنوار وأن تحوّل الفرنكوفونية إلى وسيلة لتأكيد حق مهدور وللتنديد بسوء العدالة وانعدام التوازن في العلاقات الدولية.

وختاماً لهذه التأملات, لا بدّ من إدخال المنطق في موقف العرب من الكومنولث حيث لا وجود عربي فيه على الإطلاق, على خلاف الحال مع الفرنكوفونية . وفي مجال الفرنكوفونية, فهناك غياب الجزائر وسوريا اللتين لهما علاقات تاريخية مع فرنسا عميقة الجذور, وإن كانت علاقات أخذت في الماضي منحى دموياً, ولهما اليوم علاقات ثقافية وتجارية متعددة وجاليات جزائرية وسورية بأعداد غزيرة مقيمة في فرنسا أو في أقطار ناطقة باللغة الفرنسية.

وفي نظرنا, أن السلطة الوطنية الفلسطينية يجب أن تقدم على طلب اكتساب صفة المراقب في الفرنكوفونية وأن تنظر في طلب العضوية في الكومنولث نظراً للمسؤوليات التاريخية التي تتحملها بريطانيا في تقسيم فلسطين (كما في تقسيم الهند على سبيل التذكير). ولا شك أن الحقوق الفلسطينية ستجد من يناصرها في مجموعة دول الكومنولث وهي أكثر جرأة من الفرنكوفونية في اتخاذ المواقف السياسية الديمقراطية. ولا نرى كذلك ما يحول دون طلب جامعة الدول العربية اكتساب صفة المراقب في وكالة الفرنكوفونية والعضوية في اجتماعات قمة الرؤساء.

إن وجود الجامعة العربية في الفرنكوفونية لهو أمر طبيعي فالثقافة الفرنسية أثرت تأثيراً كبيراً في فكر النهضة العربية حتى قبل الحملات الاستعمارية الفرنسية وهناك علاقات تاريخية أكثر عمقاً بكثير بين فرنسا والعرب (والعثمانيين كذلك) من تلك القائمة بين فرنسا والأقطار الأفريقية غير العربية أو الأقطار الآسيوية. كذلك على الجامعة العربية أيضاً في نظرنا أن تطلب الحضور بصفة المراقب لدى الكومنولث. ومن الناحية الفلسفية, أعتقد أنه قد حان الوقت ليقبل العرب فكرة التفاعل الحضاري دون عقدة نقص ودون تخوّف على تراثهم وأصالتهم. فقط الشعوب التي تشكك ضمنياً أو بشكل لا واع بجدوى تراثها وفائدته هي التي تخشى التفاعل مع الحضارات والثقافات الأخرى.

لكنّ هناك شرطاً أساسياً واحداً لا مفر منه لإنجاح أي سياسة عربية تهدف إلى تقوية مستوى الوجود العربي دولياً, وهو التغلّب على حالة الانقسام والإحباط التي تسود العلاقات بين الأقطار العربية والشعور بالعجز والفشل المستمر في كل عمل جماعي عربي. ولذلك, يجب أن يعي الحكام العرب المسئولية التاريخية التي سيتحملونها حتماً أمام الأجيال العربية المستقبلية وأمام التاريخ فيما يتعلق باستمرار حالة العجز الجماعي في نظام دولي جديد لا يرحم الضعفاء من الدول أو المناطق التي تعجز عن الدفاع عن حقوقها وكرامتها.

 

جورج قرم